بعد يوم واحد من اختتام الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، تجددت التهم لروسيا بشن هجمات قرصنة الكترونية تستهدف مرشحا واحدا. وحسب تقارير «اي تي ـ غروب تريند مايكرو» الموقع الإعلامي الياباني، فإن الهاكرز الروس حاولوا فتح خادم كمبيوتر المقر الانتخابي للمرشح ايمانويل ماكرون. والتقطت قناة «سي أن أن» التهم فضلا عن وسائل الإعلام الفرنسية.
الدب اخطبوط الشبكة
وأعلن ممثلو فريق ماكرون طيلة فترة الحملة الانتخابية تدخل وسائل الإعلام الروسية لصالح ماري لوبان وفرنسوا فيون. ونفت الجهات الروسية الرسمية مثل ذلك التدخل. بيد ان المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف لم يخف وجود علاقات طيبة تربط الرئيس فلاديمير بوتين وفرنسوا فيون قامت منذ ان كان فيون رئيسا للوزراء. وتعرفت ماري لوبان على الرئيس الروسي قبل زيارتها لموسكو في اذار/مارس الماضي، وسعت خلال اللقاء ان تظهر ان هناك من يدعمها من بين زعماء العالم النافذين، وحينها تفاعل الكرملين بانزعاج مع هبوط شعبية فيون.
وقال الأمين العام لحركة «إلى الأمام» ريتشارد فيرون أن نشطاء مقر الحركة يتعرضون لهجمات سيبرانية من روسيا. وأعلن أن موقع حملة ماكرون وقاعدة البيانات الخاصة به تتعرض على أساس يومي لـ«مئات أو حتى آلاف الهجمات الالكترونية الصادرة من أراضي الاتحاد الروسي». ووفقا لفيرون، فان تحول ماكرون إلى هدف للهجمات الخارجية يعود إلى انه يقف إلى «جانب أوروبا قوية، أوروبا التي تستعرض قوتها، بما في ذلك في مواجهة روســيا، في حـين أن المرشـــحين الآخــرين يتخذون مواقف أكثر ودية تجاه روسيا.»
وكرس «تريند مايكرو» الياباني تقريرا من 40 صفحة تناول محاولات الهاكرز لاختراق أنظمة الكمبيوتر لحركة «إلى الأمام». ونشر صحافيون في دورية «عشرين دقيقة» الإعلامية الفرنسية الذين اتفق لهم الاطلاع على الوثيقة أهم نقطة اتهام فيها والتي ترجح ان الهاكرز يرتبطون بالمجموعة السبرانية «فانسو بييرس» وانهم سجلوا عدة روابط (دومين) مرتبطة أو تشبه رابط حركة «إلى الأمام». وفي الوقت الذي كانت الرسائل تخرج من تلك المواقع فانهم حاولوا ان يستطلعوا عن طريق الحيلة كلمات المرور لأعضاء فريق ماكرون.
وقال مساعدو ايمانويل ماكرون انهم لا يستغربون الأنباء القائلة ان الهاكرز من روسيا، وأكدوا: ان أحدا من أصحاب النوايا الشريرة، لم يتمكن من الكشف عن أي كلمة مرور. ويتندر الروس في هذه الحالة ويقولون «ليست هناك اختراقات ولكن ثمة تهم». ويخشى فريق المرشح الرئيسي لقصر الايليزيه من ان يحصل الهاكرز الروس على معلومات للتشهير بماكرون وتقليل حظوظه الانتخابية. وأكد مساعدو مرشح «إلى الأمام» ان موقع الحركة تعطل بعض الوقت بسبب هجمات قرصنة من اوكرانيا، ورصدوا في الهجمة يد روسيا. ورغم تأكيد فريق ماكرون ان المعلومات الأكثر أهمية لا تُنقل عبر البريد الالكتروني، غير ان مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان اسانج لمح عن احتمال ان تتضمن رسائل مرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون تشهيرا بماكرون، بيد ان ماكرون في 2012 وهو تاريخ رسائل كلينتون شغل منصبا ثانويا، ولم يتضح بعد المناسبة التي ذكرته بها كلينتون في رسائلها.
وردت الجهات الرسمية الروسية عدة مرات على اتهامها بممارسة الضغط على فرنسا، ووصف الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الاتهامات ضد السلطات الروسية بالتورط في الهجمات الالكترونية على مقر حركة المرشح الرئاسي ماكرون بانها «سخيفة». وقال: «لا يمكن الشك في تورط موسكو بهذه الهجمات، ولا يمكن ان يحصل».
تهم لا أساس لها من الصحة
وقال بيسكوف في نيسان/ابريل الماضي ان الكلام يدور «عن تهم ما زالت معلقة في الهواء» أي لا أساس لها من الصحة. وتثير البراهين بشأن جرائم الروس الاستغراب أحيانا في موسكو. فقد كشفت صحيفة اليسار الوسط «الفيغارو» عن ان محطة تلفزيون «قناة زفزدا» (النجمة) الخاصة بوزارة الدفاع الروسية نشرت على موقعها خلال سير الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا علامة المربع «#JevoteMarine» ما يعني «أني أصوت لصالح ماري لوبان». ولفتت الصحيفة إلى ان الكلام يدور عن قناة تلفزيونية تابعة لوزارة الدفاع الروسية.
وعلى العموم جرى موسم الانتخابات، ليس في فرنسا وانما في أوروبا بأسرها، تحت ظلال الهاكرز الروس، بزعم انهم يحاولون التدخل في سير الحملات. وضمن هذا السياق نشرت وسائل الإعلام الألمانية في كانون الثاني/يناير الماضي أنباء عن هجوم نفذه الهاكرز الروس على مواقع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. وأفادت الدورية الإيطالية «11 ميساجرو» في شباط/فبراير الماضي عن هجمات الهاكرز الروس على وزارة الدفاع الايطالية الذي تأخر الكشف عنه بسبب ان الهجمة نفذت ببراعة خارقة.
بين ماكرون ولوبان
وقالت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الخميس وهي تعلق خلال حديث لـ«Yahoo Global News» على كون روسيا تدعم ماري لوبان في الانتخابات الفرنسية: «اننا لا ندعم المرشحين للانتخابات في الدول الأجنبية». بيد ان المتابع لوسائل الإعلام الروسية المدعومة من قبل الحكومة، يرصد ان هناك تعاطفا واضحا مع ماري لوبان. ان هذا الموقف طبيعي، لأن خطاب زعيمة الجبهة الوطنية يتضمن الكثير من الوعود السارة لروسيا، ولاسيما رفع العقوبات المفوضة على روسيا وإنعاش العلاقات الاقتصادية التي تدهورت بحدة بسبب تلك العقوبات، كما انها ستعترف بمشروعية انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، إلى ذلك هناك تناغم واضح بين شعارات لوبان بشأن القيم الاجتماعية وقضايا المهاجرين وغيرها والخطاب الرسمي الروسي الذي يتبنى المحافظة العقلانية في الشؤون الداخلية.
ويجمع المحللون في روسيا على ان ماكرون يتمتع بحظوظ أكبر للفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. ويقول المحلل السياسي ايغور بونين في حديث مع موقع «روسبالت» الإخباري الروسي على الانترنت: ان فوز ايمانويل ماكرون في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية حيث ستواجهه زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان، مضمون. وأضاف «بيد ان القضية تبقى فقط في حجم الأصوات التي ستحصدها لوبان 36٪ أو 40٪».
ان موسكو معنية أكثر في طبيعة السياسة الخارجية التي سيعتمدها الفائز في المنصب الرئاسي في فرنسا. وعلى حد رأي خبير الشؤون الدولية فلاديمير فولي، فان ماكرون في حال انتخابه لمنصب الرئيس سيواصل السياسة الخارجية للحكومة الحالية، في شأن القضية الاوكرانية الحساسة للغاية بالنسبة للكرملين. وسيستمر في النهج السياسي القائم حاليا حيال روسيا في حال تسنمه السلطة في قصر الايليزيه، بمعنى تكون حيادية وبراغماتية.
وهناك توقعات بان تطرح قضية تخفيف العقوبات على روسيا في حال أصبح ماكرون رئيسا لفرنسا، ولكن هناك مخاوف من ان يدعم اوكرانيا في المواجهة مع روسيا، نظرا لالتزامه بالخط الأوروبي العام والموقف المشترك بشأن القرم والنزاع في شرق اوكرانيا والعلاقات بروسيا.
فالح الحمراني