عائد من قمة «شرم»: نظام عربي جديد؟

أسباب عديدة قد تجعل المؤرخين يتوقفون عند القمة العربية، التي انعقدت في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من الشهر الماضي في شرم الشيخ، باعتبارها نقطة تحول في نشوء ملامح نظام عربي جديد، ربما سيحتاج إلى مزيد من الوقت ليصبح اكثر فاعلية أو استقرارا.
فالنظام الرسمي العربي الذي نشر نعيه في أغلب وسائل الإعلام لمرات عديدة، بعد أن اعتبر كثيرون أنه مات و»شبع موتا»، كما يقول المصريون، أطل برأسه من قمة شرم الشيخ، ليقول إنه عاد الى الحياة، ولا ينوي مغادرتها قبل «تحقيق الاهداف»، وهذه عبارة «حمالة أوجه»، وجدت لها تفسيرات متباينة عند كل من تحدثت معه على هامش القمة.
إلا ان ولادة ذلك النظام (ان كان ولد فعلا) كانت عسيرة حقا، ولم تخل من تقلصات مؤلمة وقرارات صعبة وصفقات كبرى، تركت آثارها على الخريطة الجيوستراتيجية للإقليم. ومن المبكر على أي حال معرفة نوع المولود، وان كان يتمتع بالصحة، أم يعاني امراضا وتشوهات. لكن العرب بدوا امام العالم وكأنهم قرروا ان يفعلوا شيئا، فجاء الصحافيون من كل فج عميق ليتابعوا هذا الحدث. ورأيت مراسلين من التلفزيون الصيني و»بلاد تركب الافيال» يحاولون فهم ما يحدث. الواقع ان قمة شرم الشيخ لم تكن «قمة عربية» بقدر ما كانت «قمة التحالف» (الذي لا يمكن وصفه بالعربي بالنظر الى وجود دولة او اكثر غير عربية فيه)، هيمنت عليها عملية «عاصفة الحزم»، والملف اليمني الذي هو مجرد عنوان فرعي في كتاب اسمه (المواجهة مع ايران) التي كانت الغائب الحاضر في اغلب الاجتماعات والنقاشات. إذ كيف يمكن ان تكون القمة «عربية» ولا تتعامل مع القضية الفلسطينية، إلا بمنح السلطة الفلسطينية موازنة عام، ثم تكافئ الاسرائيليين على اعادة انتخاب مجرم الحرب نتنياهو بمناشدة العالم مجددا بدعم ما يسمى بـ»مبادرة السلام العربية»، التي اصبحت «نسيا منسيا». ناهيك عن تهميش أزمات اخرى خطيرة في اكثر من بلد، وملفات اساسية مثل تطوير الجامعة العربية، خاصة وهي تحتفل بالذكرى السبعين لانشائها.
وفي الملف اليمني، اكتفت القمة بدعم التدخل العسكري، بدون ان تفتح قناة دبلوماسية موازية تحسبا لفشل «الحزم» في تحقيق «الحسم»، حتى اذا تطورت العمليات الى حرب برية. أما الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي فقد ارتكب خطأ سياسيا كبيرا عندما غادر القمة بعد سويعات من افتتاحها على طائرة العاهل السعودي، بدلا من أن يستغل منبر القمة السياسي- الاعلامي الذي كان يجتذب اهتمام العالم ليشرح قضية بلاده، أو ليتواصل مع اطراف عربية قد تخدمها برؤية سياسية تقدم خطة بديلة للخيار العسكري. ناهيك عن ان مغادرة الرئيس اليمني مع الملك سلمان جعلته يبدو وكأنه «مجرد عضو» في الوفد السعودي الى القمة. أما بالنسبة الى آليات عمل «النظام العربي»، فمن الواضح انها ترتكز الى تحالف سني في جوهره، يجمع اضدادا وفرقاء، وتقوم السعودية بالدور الاهم فيه، مدعومة بحلفائها في مجلس التعاون الخليجي والاردن والمغرب والسودان، مع الحرص على ابراز «قيادة معنوية» للدور المصري لتأمين العمق العربي، والمشروعية القومية لاجندته التي تعتبر ايران العدو الاكبر وربما الوحيد. ومن الواضح ان الجامعة العربية ليست سوى «إطار شكلي وليس عمليا» للنظام العربي، حيث ان القرارات الكبرى تأتي «جاهزة من مكان اخر». ولم تكن بادرة موفقة من بعض الزعماء، ان يغادروا القاعة مع بدء الامين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي القاء كلمته في افتتاح القمة على الهواء.
اما بالنسبة الى مصر، وعلى الرغم من المشاركة «شبه الرمزية» في التدخل العسكري الذي دفعت إليه، ولم تتوقعه، فان ثمة فوائد مهمة تحققت من وراء القمة، إذ منحت نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس فقط شهادة ميلاد عربية جديدة، بل وعودة قوية وفاعلة الى ساحة الصراع الاستراتيجي اقليميا، بعد ان كانت حريصة على الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية عن التوجهات الخليجية تجاه قضايا مثل ايران وسوريا واليمن. وبالتوازي بدت مصر وكأنها ترد «جميل» المساعدات الاقتصادية الخليجية. لكن ثمة حدودا لما يمكن ان تفعله في اطار المشاركة العسكرية في «عاصفة الحزم». فالجيش المصري ليس قوات مرتزقة، والدم المصري ليس رخيصا، ولن يستطيع السيسي، أو أي مسؤول آخر تحمل اعباء المجازر التي قد تنجم عن مشاركة قوات برية مصرية في حرب عصابات باليمن، لا يعرف أحد متى أو كيف تنتهي.

كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

خالد الشامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    * من الأخر : حتىّ لو كان ( التحالف ) الجديد بقيادة السعودية
    مهمته الأساسية ( وقف تمدد ايران ) في المنطقة العربية
    فإنه يعتبر ( إنجاز تاريخي ) للعرب وشكرا .

  2. يقول خليل ابورزق:

    تعلمنا في مشاريع التطوير الاداري للمؤسسات و الشركات الكبرى ان آخر مسمار ذق في نعش المؤسسات الكبرى الفاشلة التي اختفت كان مشروعا للاصلاح الاداري و لكن عوامل الهدم كانت الاقوى او كان وجودها جزءا من بنية المؤسسة و انها غلبة هذه العوامل كانت حتميا. مثل ذلك الانسان فهناك غالبا مسعى كبير لانقاذه في آخر ايامه و لكنه يموت حتما.
    هذا هو حال النظام العربي فما تظنه اعادة ولادة او عودة الى الحياه ان هو الا نفضات و نبضات ما قبل النهاية نعرفها بحلاوة الروح فعوامل الهدم اكبر و لا يمكن التخلص منها فهي جزء من النظام. و مالنا الا ندعو الله ان يخفف عنه سكرات الموت و يعجل باجله

  3. يقول عماد:

    احسنت كالعادة استاذنا. اعتقد ان مصر تورطت في هذه الحرب. والدم المصري أغلي من أموال الخليج والعالم كله.

  4. يقول مفيد وحيد.العراق:

    بارك الله فيك وأنا اتابعك منذ وقت طويل على قناة البي بي سي والحوار.ومازلت ملتزما .اخوك من العراق

إشترك في قائمتنا البريدية