عاشت القومية العربية يسقط الشعب السوري!

من سمع منكم يوماً مسؤولاً سورياً أو مستشارة «خرشانة» مفعوصة شمطاء يتحدث عن آلام ومعاناة ولقمة عيش المواطن السوري الذي أنهكه الاستبداد، وزاد عليه حرب السنوات السبع الجاثمة على صدره؟ لماذا يتعاملون معه بكل هذا الاستهتار واللامبالاة والصلف والغطرسة التي قل نظيرها، ولا يأبهون ولا يلتفتون لآلامه وعذابه؟ ألم يقل الأقدمون خيركم خيركم لأهله ولا بارك الله بشجرة لا تظل جذعها؟ أليس جحا أولى بلحم ثوره بدل توزيع البركات و»الحب» القومي الزائف المزعوم على دول مستقرة وتنمو وليست بحاجة لبركات وعطف بشار وبثينة وهلال هلال؟
لماذا لا يفكر بشار الأسد بتوحيد شعبه المشتت قبل طوباويته المرضية وأحلامه النرجسية لتطويبه زعيما قومياً وإطعام هذا الشعب الجائع الذي يُعد اليوم في ظل قيادته الحكيمة واحداً من أفقر شعوب الأرض المحاصر الذي يعيش في بلد لا يستطيع أي مواطن خارج نطاق العصابات والمافيات المتسلطة من القيام بأي عمل حتى على مستوى بيع البليلا والفول كبائع متجول دون أن يحظى موافقة أولي الأمر ورضا المافيات الجاثمة على قلبه؟ ولماذا لا يجهد بشار الأسد نفسه، ويكرس وقته و»فكره» السديد لسد رمق الملايين وإعادة ملايين المهجرين الذين فروا بالقوارب تحت جنح الظلام من بطش وتعسف وقهر وظلم نظامه واختاروا «هويات» أخرى ما دام تشدق وتمنطق وأسهب بالحديث وتفذلك عن الهويات في إطلالته الثقيلة المملة الأخيرة أمام القومجيين العرب؟
هل لدى بشار الأسد مستشارون سياسيون وإعلاميون؟ من الواضح أنه حتى لو كان لديه مستشارون، فهم يخدعونه ويضحكون عليه، أو يورطونه ويغرقونه أكثر مما هو متورط و»غرقان» على كل الأصعدة، ويجعلونه يبدو أضحوكة ومسخرة دائمة باتت تستخدم للتندر والهزء في عيون الداخل والخارج والصغير قبل الكبير على حد سواء؟ كيف تفكر هذه القيادة وبطانتها؟ أم أنها تعيش في عالم آخر لا يمت لعالمنا بصلة، أو أنها تعرف كل تفاصيل الكارثة السورية، لكنها تحاول أن تكابر، أو تستفز الآخرين بالقفز إلى عوالم سريالية كوميدية فاقعة، كما كانت تفعل باستمرار على مدى سنوات الكارثة السورية. ولا شك أن سخافات ومسرحيات النظام السوري تذكرنا بغرق سفينة التايتانك الشهيرة، فهناك مشهد صارخ في فيلم «التايتانك» تظهر فيه فرقة موسيقية على متن السفينة العملاقة وهي تستعد لإحياء حفلة موسيقية، فنرى الموسيقيين والعازفين يجربون آلاتهم، ويجرون البروفات على المقطوعات التي سيعزفونها، وبدروهم ينشغل منظمو الحفلة في توزيع الكراسي والمقاعد على الحضور، بينما كان ألوف الأشخاص في تلك الأثناء على متن السفينة إما يغرقون في غياهب البحر، أو أنهم يبحثون عن أي وسيلة للهرب من السفينة الغارقة. منظر صارخ بكل المقاييس، موسيقيون مبتهجون على متن سفينه سيبتلعها البحر، وآلاف الركاب في حالة مرعبة من الخوف والهيجان والعويل والصراخ يبحثون عن قشة تنجيهم من الغرق في عرض البحار.
تذكرت ذلك المشهد الرهيب في فيلم التايتانك وأنا أستمع إلى خبر يقول إن بشار الأسد ألقى خطاباً في مؤتمر بدمشق لتعزيز القومية العربية ودعم الفكر القومي والعروبي والنضال الفلسطيني وكأنه لم يبق من مشكلة وهم ودواء ناجع لأوجاع وكوارث السوريين سوى هذر وطنطنات وطقطوقات الأسد القومية ما دمنا نستذكر جوقة التايتانيك. يا إلهي! لا تعرف ماذا ستفعل ولأي جدار ستصوب رأسك المثقل بالوجع وأنت تستمع إلى هذا الهذر واللغط السريالي الكوميدي الهستيري في خطاب بشار: هل تبكي وتصرخ بصوت عال، أم تضحك بشكل جنوني، فمثل هذه الأخبار لا تدع لك مجالاً للتفكير بهدوء وروية، بل تدفعك إما باتجاه الضحك الجنوني، أو الصراخ الجنوني. هل هؤلاء القوم لديهم ذرة عقل وحصافة؟
لقد وصفت الأمم المتحدة الكارثة السورية بأنها أسوأ كارثة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد تسببت بتهجير نصف الشعب السوري تقريباً، هرباً من سورياليات آل الأسد وجموحهم القومجي وأحلامهم الإمبراطورية السيادية والتوسعية، وقتل أكثر من مليون وإعاقة ملايين آخرين، ناهيك عن تدمير شامل لمدن بأكملها. ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع ألاف القصص عن اللاجئين والمشردين السوريين في عموم العالم، وخاصة في دول اللجوء كلبنان. والمضحك في الأمر أننا لم نر السفير السوري في لبنان مرة واحدة يزور مخيمات اللاجئين السوريين كي يطلع على أوضاعهم، ولم نسمع منه تصريحاً واحداً ضد الذين يعتدون على اللاجئين في لبنان ويسيئون لسوريا والسوريين معاً، ويبدو أن كل هذه الآلام لا تستدر كلمة واحدة من الفيلسوف القومجي المفوه فريد عصره وأوانه. أما الغريب في الموضوع أن هذا السفير وأمثاله يأتون إلى دمشق لحضور مؤتمر لدعم الفكر القومي العربي ودعم الشعب الفلسطيني. كيف نصدقكم أيها الأفاقون بأنكم تغارون على العرب والعروبة وأنتم تشردون شعبكم العربي السوري بالملايين، وتدمرون بيوته وتنهبون أرزاقه، وتستولون على أملاكه، وتغتصبون حرائره، وتحرقون ألوف الأطفال يومياً بالغازات السامة، وتسحقون السجناء في زنازينهم، وتستعينون عليه بكل مرتزقة الأرض كي تخضعوه؟ أيهما أولى بالدعم، القومية العربية، والعروبة، أم شعبكم الذي أصبح رمزاً للتشرد والبؤس والإهانة في كل أنحاء العالم؟ ألم تسمعوا بالمقولة الشهيرة: الأقربون أولى بالمعروف؟ كيف تتشدقون بأنكم تريدون الدعم الشعب الفلسطيني، بينما تدوسون شعبكم وتسحقونه تحت جنازير دباباتكم؟ كيف سيأمن لكم الشعب الفلسطيني وأنتم لم تستأمنوا على بني قومكم وأهلكم، فسرقتم سوريا، ونهبتهم شعبها وأصبح هذا الشعب بفضلكم أفقر شعب بالعالم؟ ثم من قال لكم أن الفلسطيني والموريتاني والمغربي يرحب بكم وسمعتكم السوداء سبقتكم بعصور. لقد أسرّ لي بعض أبناء اللواء «السليب»، وهم بالمناسبة من طائفة الأسد نفسها، أنهم يفضلون البقاء تحت حكم تركيا وهم ينعمون بالخير ورغد الحياة مقارنة مع ما يرونه من بؤس وفقر وحرمان لأبناء الطائفة العلوية في القرى المجاورة لهم في سوريا والتي لا تبعد مئات الأمتار عنهم، ولا يريدون العيش بحال تحت ظل هؤلاء الطغاة وما فعلوه بالطائفة نفسها من تجويع وإفقار. ثم والأهم من فوضكم التكلم باسم شعوب وقوميات وأعراض وبشر في بلدان مجاورة ومصادرة قرارة ورأيها ومصيرها والتحدث عن تطلعاتها وأحلامها ورسم مستقبلها لاسيما بعد المصير الأسود المشؤوم الذي آلت إليه سوريا تحت ظل حكمكم الاستبدادي؟ أليست محنة الشعب الفلسطيني، وحتى تحت حكم إسرائيل، هي «محنة» خمس نجوم مقارنة بمحنة الشعب السوري؟ لماذا لم تعقدوا مؤتمراً واحداً لدعم الشعب السوري المنكوب بدل عقد مؤتمر لدعم العروبة والنضال الفلسطيني؟ كيف سيصدقكم الشعب الفلسطيني بأنكم تدعمون نضاله إذا كنتم تشردون شعبكم وتذبحونه يومياً؟ ألم تملوا من هذه المؤتمرات القومجية المبتذلة والسافلة؟ هل هذا وقت المؤتمرات القومية أيها الأنذال والأوباش؟ أليس تأمين بضعة منازل للسوريين المشردين أفضل من إنفاق ملايين الليرات السورية على بعض القومجيين العرب الذين شحنتموهم من بضع دول عربية إلى دمشق ليتسلوا في فنادق سوريا بينما ملايين السوريين لا يجدون لقمة الخبز في الغوطة على بعد كيلو متر واحد من مقر مؤتمركم القومجي الوضيع؟
سؤال أخير للقيادة القومجية في دمشق: أي انفصام سياسي وفكري وعقلي هذا، وكيف تدعون إلى دعم الفكر العروبي والقومي العربي وأنتم تجلسون في حضن إيران الفارسية التي كانت على الدوام ألد أعداء القومية العربية؟ أم إنها قومية عربية برعاية فارسية؟ لماذا لا توحدون الشعب السوري أولاً قبل التفكير بتوحيد شعوب الإقليم؟ ألم يـَدعُ حليفكم الروسي لمؤتمر لـ»الشعوب» السورية» وليس الشعب السوري؟
وحدوووووووه!

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

عاشت القومية العربية يسقط الشعب السوري!

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    لا توجد لا امة عربية ولا امة اسلامية….. من يستعمل هذه المصطلحات ليس إلا للتجارة بها مرة بمنطلق قومجى و مرة بمنطلق دينى و لما لا الاثنين معا …..الحروب و الخيانات المتبادلة لم تربح هذه المنطقة منذ 1400 سنة ….و فى الأخير تتحدثون عن أمة…؟ تحيا تونس تحيا الجمهورية

  2. يقول سامح //الأردن:

    *للأسف ( سوريا / العراق / اليمن / ليبيا )
    منكوبة بالحروب ..
    * باقي الدول العربية منكوبة اما بالفقر
    أو زعماء ظلمة مستبدين.
    (إلا من رحم ربي).
    سلام

  3. يقول مخلص وهبه دالية الكرمل:

    وهل توقعت من طاغي هجر الشعب وقتل الشعب ورمل النساء وقتل الاطفال ان يتحدث عن الشعب ان ان نداء القومية العربية ما هو غير عطاء اخر للنظام الدامي الاسدي المجرم هو واعوانه مليشيات حزب الله الايرانية ..عن اي فكر عربي قومي نتحدث وعن اي شعب فلسطيني نتحدث وكارثة بل محرقة الشعب السوري هزت العالم منذ الحرب العالمية الثانية لقد اجزت ووصفت وابدعت بذكر حال الشعب المسكين ان كان في البلدان والدول الاخرى وخصوصا العربية وخصوصا الحال في لبنان والمناطق الحالية الباقية في سوريا وايضا تجاهل النظام الدامي القاتل المجرم ابناء الشعب لاتخجل ابدا تلك الزمرة من الخروج الى الشعب العربي اجمع تحت شعار موتمر القومية ان القومجين هم الد اعداء الامة العربية وشعار القومية اكل الدهر عليه وشرب تلك الرذيلة القومية والوطنية استهدفت الشعوب العربية ورفعت شعار الشعب الفلسطيني الذي لم يعيش قهر الشعب السوري والعراقي حتى واليمني تحت الاحتلال اليهودي الاسرائيلي على حدا سواء ان الشعوب العربية وسياسة القمع والسجن والتهديد وما يحدث ايضا بالمملكة السعودية بالاونة الاخيرة والحصار على قطر وتهديد سيادة لبنان يدل بالواقع الاليم للعربي المقهور الذي بات يعيش الامرين تحت شعارات لاتمت للواقع ابدا ..ان الانظمه العربية المستبدة والظالمة قهرت الشعب بكل مكان وحافظت على السلطة طوال 60 عام واكثر وشعارات القومية والقضية الفلسطينية ما هي غير زورق عابر يبحر بميناء تلك الدول الظلمه القاهره لحقوق الانسان ..قلتها واكرر واعود للمره الالف الحل الفلسطيني باقامة الدولتين والعيش المتجاور للدولة اليهودية هو افضل في الف مرة من توحيد تلك الدول على القضية وحماية للشعب الفلسطيني الذي يعاني الامرين بالمخيمات حتى يومنا هذا الكيان العربي لم يتثمر بالانسان يوما انما بالملك والوزير والامير والرئيس والحفاظ على الكراسي والثروات وهو على استعداد للتحالف مع الشيطان لاجل الحفاظ على الكرسي والسلطة والعرش ..لم يحترق حلم الربيع العربي من الخارج بقدر المتامر العربي من الداخل من زعزع استقرار دول عديدة وقام بالتحريض على دول عديدة جدا ومن اشعل نار الحرب الهوداء داخل دول اخرى بحجة الحرب على الارهاب وفي الواقع لاجل احراق وافشال تلك الدول واغلاق حدود وفتح حدود او اعادة امجاد الامبراطوريات والممالك التاريخية هولاء جميعهم لا يتحدثون ابدا عن القومي والقومجية العربية

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية