القاهرة «القدس العربي»: أقامت (جمعية نقاد السينما المصريين) في مركز الثقافة السينمائية في القاهرة مؤخراً عرضاً لفيلم «عالم شادي عبد السلام» للمخرجة وكاتبة سيناريو الفيلم نبيهة لطفي.
الفيلم حوالي 70 دقيقة، ومن إنتاج المركز القومي للسينما، ويحاول أن يستعرض بعضا من أفكار فنان السينما شادي عبد السلام (15 مارس/آذار 1930 8 أكتوبر/تشرين الأول 1986) ورؤيته للفن والحضارة والواقع المصري، ومصير فيلمه الأخير «مأساة البيت الكبير أو أخناتون» الذي لم ير النور حتى الآن! استعانت لطفي بفريق كان ينتمي لشادي نفسه، فريق من تلامذته، كما أنها نفسها واحدة من هؤلاء الحواريين، مثل مهندس الديكور أنسي أبو سيف، والمونتيرة رحمة منتصر، والمصمم ومهندس الديكور محمود مبروك.
قسّمت لطفي الفيلم إلى مرحلتين.. طفولة شادي وصولاً إلى فيلم «المومياء» 1970، والتحضير الدقيق لفيلم «مأساة البيت الكبير»، حتى وفاة شادي عبد السلام. وما هو مصير عمله الضخم، ومسؤولية الدولة الغافلة دوماً عن فنانيها الحقيقيين، بل هي سبب انتكاساتهم وإحباطهم، وهي أسباب معروفة ومكرورة بالنسبة لحالة شادي عبد السلام بصفة خاصة، الرجل الذي طالة الاكتئاب حتى المرض والموت، المخرج المصري الوحيد الذي أجلّه العالم عن حق، يموت منعزلاً لأنه لم يستطع تنفيذ فيلمه/حلمه، الذي أصرّ على أن يكون من إنتاج الدولة المصرية، لأنه يعبّر عنها وعن هويتها المفقودة.
من الطفولة إلى المومياء
في القسم الأول من الفيلم تتصدر الحديث/الخطاب شقيقة شادي عبد السلام «مُهيبة» لتحكي عن طفولته وزيارته لجدته في محافظة المنيا/جنوب مصر، ورحلات الأسرة إلى أسوان، وانبهار الطفل وقتها بالمنحوتات والمعابد الفرعونية، وصولاً إلى تخرجه في كلية الفنون الجميلة، وتعرفه إلى المخرج صلاح أبو سيف، والعمل مساعداً له، ثم قيامه بتصميم ملابس وإكسسوارات وديكورات بعض أفلام السينما المصرية، وشهرته في هذا المجال، مما أهّله للعمل في عدة أفلام لمخرجين عالميين، على رأسهم الإيطالي روسيلليني. ثم تنفيذه لفيلم «المومياء»، والجوائز التي حصل عليها، وتكريم الصحافة السينمائية والنقاد العالميين للفيلم وصاحبه. ثم مشروع ترميم نسخة الفيلم، الذي تولاه المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، ضمن مشروعه لترميم أهم الأفلام في تاريخ السينما، وقد أصر الرجل على أن الفيلم الأول الذي سيبدأ في ترميمه هو فيلم «المومياء»، الذي شاهده في سبعينيات القرن الفائت، ولم يزل يُدهشه حتى الآن. وتم بالفعل عرض النسخة المُرَمّمَة في إحدى دورات مهرجان كان السينمائي وسط حضور كبير وتقدير لافت للفيلم وصانعه.
مأساة البيت الكبير
ينتقل الحديث هنا إلى مهندس الديكور أنسي أبو سيف، أحد تلامذة ومساعدي شادي عبد السلام، ليتحدث عن الفيلم الأخير الذي لم يكتمل تصويره، رغم رسم لقطاته بالكامل من قِبل شادي، بل عمل التجهيزات التقنية من ماسكات وديكورات وإكسسوار. لم تنتج الدولة الفيلم، ولم تزل اللوحات والتماثيل ملقاة في حجرة كئيبة، والمحاولة الوحيدة للإنتاج كانت عبارة عن خدعة، حيث جاء أحد المنتجين المصريين وانتوى عمل الفيلم وأخذ التصاريح اللازمة، إلا أنه قام بتصوير فيلم آخر كوميدي اسمه «عماشة في الأدغال» عُرف في ما بعد أن هذا الفيلم كان غطاء للمخابرات المصرية لتنفيذ إحدى عملياتها في إحدى الدول الأفريقية يتحدث أبو سيف عن «مأساة البيت الكبير أو أخناتون»، وكيفية ظهور ديانة التوحيد في مصر عن طريق الملك الشاب أمنتحتب الرابع/أخناتون، وكيفية القضاء على ثورته الدينية من قبل كهنة أمون، والقائد العسكري حور مُحب الذي تولى السلطة وأسس أسرة فرعونية جديدة، بعد القضاء التام على أخناتون وحلمه. تحدث أبو سيف تفصيلاً عن بعض المشاهد وكيفية تصميمها ورؤية شادي لها، كتقديم الجزية للدول المحيطة بمصر وقتها، حتى تفرض مصر حمايتها على هذه الدول، والمؤامرات التي كانت تدار في القصر الكبير، وحفلات تنصيب الفرعون الجديد، والمسؤولية التي يحملها تجاه هذا المنصب، وهو المنصب المقدس، الذي يتحمّل بدوره حفظ هذه الأرض وشعبها ونيلها، فلم تكن السلطة ملهاة أو نزهة لرجل يلهو.
حلم البيت الكبير
يتحدث هنا مهندس الديكور محمود مبروك، مساعد شادي لمدة عشر سنوات، بأنه لم يزل يعمل على تنفيذ هذا المشروع بمفرده، ومن خلال مجموعة من الأصدقاء والفنيين بمجهودهم الخاص، وعن حالة الاكتئاب التي صاحبت شادي ثم المرض والوفاة، ونادى الرجل بغض النظر عن تنفيذ الفيلم الآن أم لا، بأن تعرض أعمال شادي كما هي، وأن ما تم إنجازه يُعرض على أنه عمل لم يكتمل، خاصة أن العديد من الاسكتشات والتصميمات التي قام بها شادي مُبعثرة في عدة أماكن، سواء خاصة بالدولة، أو لدى بعض الأشخاص.. هنا ينتهي الفيلم.
سينما أم تحقيق في جريدة؟
على اعتبار أن هذا الفيلم ينتمي إلى الشكل الوثائقي، والذي استخدم قدر الإمكان ووفق الميزانية المُتاحة التي تمن بها الدولة على مثل هذه النوعية من الأفلام، والمُمَثلة في المركز القومي للسينما أدوات السينما، السؤال هنا… هل من الممكن أن يتحول الفيلم إلى تحقيق في جريدة عن شادي ومصيره؟ أعتقد أنه من الممكن. وهل لم يزل الوثائقي أو التسجيلي كما يحلو للبعض وهو مُسمى غير دقيق يعتمد على شخصيات تتحدث أمام الكاميرا، وبعض اللقطات الأرشيفية، والتعليق الصوتي، ثم تأتي كلمة النهاية، ليصبح هناك فيلم لا أخص فيلم «عالم شادي عبد السلام» بمفرده، لكنه مثال قوي وقريب الأمر يتعلق بمفهوم الفيلم الوثائقي والطفرة والتطور الذي طال هذا الشكل الفيلمي، لم يعد يقتصر الأمر على أشخاص يتحدثون أمام الكاميرا، وتتخلل حديثهم لقطات وصور فوتوغرافية للشخصية التي يدور عنها الفيلم! وما الجديد في حالة شادي؟ المطالبة بتنفيذ فيلم أخناتون؟ أم المطالبة بجمع تراث شادي وعرضه كما هو؟ فالأمر لا يعدو مجرد تحقيق صحافي لا أكثر ولا أقل.
من مأساة البيت الكبير إلى مأساة شادي عبد السلام
إذا كان أخناتون قد انفض الجميع من حوله إلا حوارييه، وإذا كان لجأ وسط حالات الصراع وانهيار الدولة وقتها إلى محرابه يصلي للخالق الواحد والحب والعدل والإنسانية، بينما المعارك على أبواب قصره، وبينما السلطة تضيع. وليمنحنا الخيال بعضا من رحمته لنجد شادي عبد السلام يتمثل بدون قصد ملكه الشاب، فينعزل ويكتئب ويغيب في أفكاره، بينما كهنة وزارة الثقافة وقتها وكل وقت يحاصرونه في بيته بأفعالهم، ويجعلون مشروعه أو حلمه الكبير حبيس مخازنهم وأروقة وزارتهم المُبجلة، هم الآن يتحدثون باسمه، ويتسلمون الجوائز عن أعماله، والكثير منهم لم ير الفيلم، ليأتي ويتحدث عنه وعن صاحبه أو صاحب المأساة. هنا ووفق نعمة الخيال يتوحد شادي مع أخناتون.. كل منهما نبي، لم يدّع النبوة، فقط … آمن فانعزل، بينما الكهنة لا يزالون يرتلون أناشيد رحمتهم وانبهارهم الضال.
شادي عبد السلام…
□ وُلد في الإسكندرية في 15 مارس/أذار 1930، وتخرج في كلية فيكتوريا في الإسكندرية عام 1948، ثم درس فنون المسرح في لندن في الفترة من 1949 إلى 1950، وتخرج في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1955.
□ عمل مساعدا للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957، بعدها عمل مساعداً لصلاح أبو سيف في أفلام «الوسادة الخالية»، «الطريق المسدود»، «أنا حرة». عمل خارج مصر مصمما للديكور والملابس في الفيلم الأمريكي «كليوباترا»، وفيلم «فرعون» البولندي عام 1966 ثم مع المخرج الإيطالي روبرتو روسيلليني عام 1966.
□ عمل في التدريس فى المعهد العالي للسينما في قسم الديكور 1963 1969، ثم مديراً لمركز الأفلام التجريبية في وزارة الثقافة في عام 1970.
وفي الفترة ما بين عامي 1974 و1980 قام شادي عبد السلام بإخراج أربعة أفلام تسجيلية قصيرة، هي «آفاق» 1974وهو نموذج لأوجه النشاط الثقافي المختلف في مصر، وفيلم «جيوش الشمس» 1976 ويتناول العبور وحرب أكتوبر 73، ثم فيلم عن إحدى القرى الصغيرة التي تقع بالقرب من معبد «ادفو» الفرعوني في أسوان. كذلك قام بعمل فيلم مدته ثلاث دقائق ونصف الدقيقة عن ترميم واجهة بنك مصر.
□ الأعمال… «المومياء» 1968/1969، «الفلاح الفصيح» 1970، «آفاق» 1972، «جيوش الشمس» 1973، سيناريو فيلم أخناتون 1974/1975.
□ الجوائز : نال فيلم (المومياء/يوم أن تحصى السنين) العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية منها جائزة (جورج سادول) وجائزة النقاد في مهرجان قرطاج 1970، كما اختير ضمن أهم 100 مخرج على مستوى العالم خلال تاريخ السينما في العالم من رابطة النقاد الدولية في فيينا. واحتل «المومياء» المرتبة الأولى في استطلاع الأفلام الأجنبية الذي أجري في فرنسا عام 1994.
محمد عبد الرحيم
متى سيرى فيلم ” أخناتون ” الشمس ! أن جميع مفردات الفيلم موجودة ببصمة المخرج العبقرى شادى عبد السلام من أستكشات وملابس وسيناريو وأماكن تصوير , فماذا ننتظر ليرى هذا الفيلم النور .. الا توجد جهة أنتاج محترمة مُحبة لهذا البلد لتنفيذ هذا الفيلم ولو بالأشتراك مع أكثر من جهة لكى نجعلة فيلم مُبهر يليق بتاريخ مصر العظيم , وأن تسهم الدولة فية بتذليل أى عقبة تظهرحتى يتفرغ المبدعون لأخراج هذا الفيلم بما يليق بة . لماذا لا يساهم أحد رجال الأعمال المُحبين للبلد أو حتى أكثر من رجل أعمال مشتركين فى تكاليف الفيلم حتى يرى النور ! لقد رأيت أستكشاهات الفيلم التى صممها الراحل شادى عبد السلام وبُهرت بها , أنة فنان تشكيلى رائع , فلماذا لا نستغل كل هذة الأمكانيات فى عمل مُبهر يراة العالم كلة وليس المصريين فقط . لقد قيل بعد عرض فيلم المومياء لشادى عبد السلام فى قاعة المركز الثقافى المصرى فى روما فى عام 1969 أمام 200 ناقد سينمائى من أوربا وأمريكا , بأنة لو كانت مصر قد أنفقت مئات الملايين من الدولارات على الدعاية للسياحة فى مصر , لما عملت تأثير مثلما عملة عرض فيلم المومياء فى معظم دول العالم .. أتمنى من الله أن ينتبة القائمون على مصلحة هذا البلد – ومنهم بالطبع – رجال الأعمال الى هذا الكنز الذى بين أيدينا ونسرع الى تحقيقة .. اللهم آمين