عام الشغور الثالث: هل باتت مارونية الرئاسة على المحك؟

حجم الخط
2

رغم دخول الشغور الرئاسي عامه الثالث في الأسابيع القليلة المقبلة، إلا أنّك قلما تجد مسيحياً في لبنان يأخذ على محمل الجدّ خطورة أن يؤدي هكذا استعصاء مزمن، والذي يتجاوز، مدة ودلالة، الشغورين السابقين في رئاسة الدولة، معطوفاً على جملة استعصاءات أكبر وأصغر، إلى «تضييع» الموارنة لرئاسة الجمهورية، بحيث يكون ميشال سليمان آخر رئيس ماروني للبنان، منذ أن حصر العرف القبلي رئاسة الدولة بالموارنة ابان الاستقلال عن فرنسا (وكان أوّل رئيس منتخب برلمانياً للجمهورية اللبنانية شارل دباس من الروم الأرثوذكس، وكذلك الرئيسين المعينين، ايوب ثابت بروتستانتي، وبترو طراد ارثوذكسي، فضلاً عن الضابطين الفرنسيين انطوان اوبوار وبيار ارلابوس، وقد توليا رئاسة الدولة اللبنانية في لحظتين انتدابيتين مختلفتين).
وحده زعيم دروز الشوف وليد جنبلاط، كان استذكر، العام الماضي، في كلمة عارضة له بباريس، الرؤساء اللبنانيين غير الموارنة الثلاثة من مرحلة الانتداب، مستطرداً بأن تكرار الأمر قد يكون بمثابة الحل الآن، وقد مرّ كلامه هذا مرور الكرام، على غير عادة.
فالطاغي مسيحياً الآن، في الموضوع الرئاسي، شيء يشبه «تعتيق النبيذ» في قبو من أقبية الدير ليصير «أكثر جودة»، عبر الاتيان برئيس مسيحي كامل الدسم، بارادة مسيحية، لا بارادة إسلامية، دون قلق حقيقي على حفظ الكرسي في الموارنة، وهم أكثرية مسيحيي لبنان. فما دام المنطق الساري هو ان الرئيس هو رئيس الموارنة، يصبح «منطقياً» ان لا يخشى الموارنة وصول سني او شيعي لهذا المنصب، وان يخشوا بدلاً ذلك وصول ماروني بارادة غير مارونية، بل إسلامية، بل سنية!
يبقى أنّ كل يوم إضافي من أيام الشغور هو يوم يقترع فيه الفراغ لغير هذا، بحيث أن مارونية الرئاسة الأولى، بل مسيحيتها، لا يمكن أن تكون مضمونة بشكل مطلق. عندما تقرر الذهاب إلى المجهول لا يمكن ان يكون نصف هذا المجهول معلوماً ونصفه الآخر فقط مجهولاً. التعامل مع الكرسي كما أنه «في الحفظ والصون»، مركون في الأمانات، يختزن شيء من المكابرة اذاً، او نقص الحذر. الطوائف الدينية – السياسية تثق ببعضها فوق اللازم أحياناً، كونها تتوقع ما تشتهيه، وهلعها على وجودها بشكل عام يترافق احياناً مع اطمئنانها على امتيازاتها بشكل خاص، وهذه الثقة فوق اللزوم تزيد من مشكلة العلاقات بين الطوائف، والرهاب المتبادل تجاه بعضها البعض!
يترافق غياب القلق، مارونياً ومسيحياً، من «ضياع الرئاسة» في النوع، مع مناخ توحّد تعبوي مسيحيّ، بدأ عشية الفراغ نفسه، يوم ساد شبه اجماع مسيحي على مسودة «القانون الأرثوذكسي» الانتخابي (كل طائفة تنتخب نوابها على حدة، مأخوذة كدائرة واحدة بالنظام النسبي)، وتحقق أكثر مع توقيع «اعلان النوايا» (قبول تيار العماد عون وضع مطالباته بـ»حقوق المسيحيين» في عهدة التكتيك القواتي الطويل النفس، الساعي وراء تطبيق المناصفة المسيحية الإسلامية كاملة، والا لينقض المسلمون اتفاق الطائف، وليس المسيحيين هذه المرة)، ثم مع العمل لاقرار قانون استرجاع الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني ومعارضة بدعة «تشريع الضرورة»، وصولاً إلى انسحاب الدكتور سمير جعجع للعماد عون والنقاط العشر التي علّلت ذلك ورسمت للخطوة اطاراً تحالفياً، لا يزال يكبحه ارتباط التيار العوني بـ»حزب الله»، في مقابل استمرار السلبية المتبادلة بين الحزب والقوات، وامتناع النواب العونيين عن حضور جلسات الانتخاب، بالاشتراك مع سائر تلاوين «8 آذار» الملتفة على الموجب الدستوري.
في مقابل هذا المناخ الأكثري المسيحي المؤيد حالياً لترشيح عون، ثمة رفض إسلامي، واضح سنياً، لمنطق ان رئيس الدولة يختاره المسيحيون فحسب، وثمة رفض أيضاً للمماثلة بين أسلوب اختيار رئيس الدولة، وبين أسلوب اختيار رئيسي البرلمان والحكومة، في مقابل تشديد المناخ الأكثري المسيحي على هذه المماثلة الثلاثية الأركان.
دستورياً، الجانب الإسلامي السني على حق: رئيس الجمهورية ينتخبه كل النواب. لكن بالنتيجة، وفي الوضع الحالي، وبين الاسمين المطروحين، العماد ميشال عون وسليمان فرنجية، للأول أكثرية المسيحيين، في مقابل مشكلة جدية له مع المسلمين السنة، وللثاني، فرنجية، مشكلات أقل بكثير مع غير المسيحيين، لكن، تجاوزه ارادة الأكثرية المسيحية سترهقه أكثر فأكثر كلما استطال الشغور، ذلك ان فرصته الأساسية كانت في تحريك اسمه لايصاله اواخر العام الماضي بشكل سريع، والا سيدخل في استنزاف طويل، هو وغريمه.
في الوضع الحالي اذاً: ارادة مسيحية لايصال مرشح الاكثرية المسيحية، كونها تنظر إلى الشغور كمناسبة «تعتيق النبيذ» واحياء الصلاحيات والهالة، في مقابل ارادة سنية لايصال مرشح اقل حيثية وشعبية مسيحياً، لكنها تبدو قلقة على مارونية ومسيحية الرئاسة أكثر بكثير مما يفترض بالموارنة والمسيحيين ان يفعلوا.
وهذه «معضلة هاجس الحماية»: هذا القلق السني على مارونية الرئاسة، يعتبره موارنة كثر، شكلاً من أشكال القبض السني عليها، فيردون بالتشبث أكثر بـ»رئاسة فعلية»، بمرشح له حيثية شعبية واسعة، وتؤمن له صلاحيات مفتاحية، وليس «رئاسة اسمية» أو فخرية. يؤدي ذلك إلى «كربجة مزيدة»، والى «قلق سني» أكبر على مارونية الرئاسة، والى احتقان ماروني أكبر بازاء هذه الأبوية القلقة والمقلقة في مؤداها، كل هذا في وقت يكتفي فيه «حزب الله» بالاشادة بأن المرشحين الرئيسيين يتبعون لخطه الاستراتيجي، ولا قلق لديه عليهما من هذه الناحية، ولا قلق لديه على الرئاسة ومارونيتها، سيما أنه يعتبر أنه خدم عسكريته، يوم وافق على «القانون الأرثوذكسي، لكن الرئاسة بحد ذاتها، في الأمانات ولم تحل ساعة خلاصها بعد، وأكثر من ذلك، لا داعي جدي لانتظارها، من لدن الحزب الذي يقيم كل عقيدته على ربط الخلاصية بالانتظارية الجياشة!

٭ كاتب لبناني

وسام سعادة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الاردن:

    * المعطل لانتخاب ( الرئيس ) في ( لبنان ) معروف للجميع
    هو الجنرال ( عون ) وحليفه ( حزب الله ) .. ؟؟؟
    * الفراغ يناسب حزب الله كونه شكل ( دولة داخل دولة )
    والعوض ع لبنان الوطن والمواطن الغلبان المغلوب على امره.
    سلام

  2. يقول khlaed:

    في جميع الاحوال مجرد فرض فكرة ان يكون مسيحي في وطن اكثر من ثلثي مواطنيه من المسلمين يعتبر خطاء ويجب على المسلمين رفضه وفي حال التوافق بسبب تركيبة لبنان السياسية فيجب ان يكون لكل الشعب الحق في الاختيار وليس طائفة واحدة

إشترك في قائمتنا البريدية