عام على تولي دي ميستورا مهمة المبعوث الدولي الخاص.. يؤمن بالحلول الإبداعية الخلاقة.. بدأ بالتجميد وجنيف3 وانتهى بفرق العمل.. ولا يزال يؤمن بحل

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: تساءلت الصحافية المعروفة جانين دي جيوفاني عن المهمة المستحيلة للمبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وقالت هل فقد الرجل الذي حقق نجاحات سابقة لمسته السحرية أم أن المهمة التي أوكلت إليه بعد فشل مبعوثين خاصين من العيار الثقيل تعتبر مهمة مستحيلة. ولهذا اختارت لتحليلها المطول الذي نشرته صحيفة «الغارديان» عنوانا له دلالة «الرجل والمهمة الأصعب».
بدأت رحلة الدبلوماسي الإيطالي- السويدي البالغ من العمر 68 عاما بمكالمة هاتفية في تموز (يوليو) 2014 من رئيسه السابق الأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان كي مون. فقد كان دي ميستورا يستمتع بتقاعده المبكر في جزيرة كابري، عندما تحدث إليه بان كي مون عارضا عليه الوظيفة الصعبة. فالمسؤول الأممي السابق عمل في بعثة الأمم المتحدة في كل من أفغانستان والعراق، البلدين الذي عاشا حروبا واضطرابات ربما اختير للمهمة السورية نظرا لتجربته في هذين البلدين، لكن سوريا ليست العراق ولا أفغانستان، فالحرب فيها الأكثر دموية وهي أعقد حرب تواجه المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتقول جيوفاني إن دي ميستورا تردد في قبول المهمة فبعد فترة عمل قصيرة في الخارجية الإيطالية، تولى منصب مدير مؤسسة ثقافية سويدية في جزيرة كابري «فيلا سان ميشيل» وكان يخطط لإنشاء مركز بحث لشؤون المتوسط «ثينك تانك».
ووعد خطيبته وولديه من زاوج سابق بحياة هادئة بعد 42 عاما في مجال العمل الإنساني و19 مهمة معظمها في مناطق النزاع. وبعيدا عن الأسباب الشخصية، فقد كانت هناك دواع سياسية تدعوه لرفض العرض، فمن تولى المهمة قبله كانا رجلي دولة عظاما وهما كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي اللذان اضطرا للاستقالة لأن الخلافات الدولية لم تساعدهما، فروسيا والصين واصلتا دعمهما لنظام بشار الاسد والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا دعمت المعارضة السورية. ولم يبد الطرفان المتحاربان أية إشارة للتنازل أو حتى التفاوض.
ومن هنا فكر دي ميستورا مليا في العرض، خاصة أنه سيضع سجله الناجح في أفغانستان والعراق للخطر وهو سجل حظي بثناء من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. والموافقة على العرض كانت تعني مخاطرة بهذا السجل، خاصة أن سوريا تمثل حالة خاصة ولا تتوافق مع المهمة التقليدية للمبعوث الدولي الذي يكلف بجمع أطراف النزاع ويحاول دفعها للتحاور وتقديم تنازلات حتى يتم التوافق على حل. ففي الحالة السورية يحتاج المبعوث إلى إقناع الأطراف المتصارعة وهي كثيرة ومعها يجب أن يدعو القوى الإقليمية ذات المصلحة سواء كانت السعودية، الأردن، العراق، إيران وتركيا ومعها القوى الدولية وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.

شعرت بالذنب

يقول دي ميستورا إنه بعد تلقيه المكالمة من بان كي مون فارقه النوم و»شعرت بالذنب»، فقد عمل بمهام إنسانية وفي مناطق صعبة وكان مدفوعا بما يصفه «الغضب البناء». في قرارة نفسه كان سيقول للأمين العام «لا» ولكنه ظل يفكر بالكلام الذي ختم فيه بان كي مون المكالمة حيث تحدث «كم من الناس ماتوا وشردوا ومستوى الرعب»، وبعد ساعات هاتف بان كي مون وقبل المهمة. وترى الصحافية أن قبول دي ميستورا المهمة الصعبة نابع من طفولته فقد أصبح والده بلا بلد بعد الحرب العالمية الثانية وهو ما قاده لاحقا لتبني موقفا خلاقا وإبداعيا من الدبلوماسية التي تتعاطف مع معاناة المدنيين واللاجئين. فقد عرف كما قال للصحافية وهو في سن العاشرة أن «الألم الأقوى الذي يعانيه اللاجئ هو فقدانه الكرامة».
وتشير الكاتبة هنا إلى القصص التي سمعتها من زملائه والتي تظهر بحثه الإبداعي عن حلول لمساعدة اللاجئين، مثل إقناعه الطائرات التجارية نقل طعام للاجئين الأفغان عام 1989 وكيف قام برنامج الغذاء العالمي بتعليم الجمال التي حمّلت باللقاحات وكانت تحمل اللقاحات لجنوب السودان حماية لها من السرقة. وكيف استخدم المهربين لكسر الحصار عن سراييفو وحملهم بالطعام. وقالت إن دي ميستورا يتحدث وبعاطفية شديدة عن الطريقة التي أصبح فيها حرمان السوريين المحاصرين من الماء آلة حرب، وأنه واجه بشار الأسد أكثر من مرة حول استخدام البراميل المتفجرة ضد المدنيين.

ليس مطلوبا في سوريا

لكن هذا السجل الإبداعي والموهبة لا مكان لها في سوريا، كما يقول مسؤول بارز في الأمم المتحدة، والسبب أن الأطراف المتصارعة والقوى الإقليمية والقوى الدولية ليست مهتمة بوقف القتال لإعطاء فرصة للتفاوض وجمع الأطراف حول طاولة واحدة. ويقول المسؤول إن كل طرف «اعتقد أن باستطاعته تحقيق النصر» وعندما اتخذ الوسيط الدولي موقفا محايدا «احتجوا» مشيرا إلى أن عنان والإبراهيمي واجها المشكلة نفسها. ولا تكمن المشكلة فقط في إقناع المتحاربين بل ولفت نظر العالم للمشكلة السورية. فقد استقال الإبراهيمي عندما وجد أن مهمته لا تقوده إلى إي مكان ولأن الاستقالة كانت الطريقة الوحيدة للاحتجاج على لاأبالية المجتمع الدولي والمنطقة، فيما يتعلق بالوضع في سوريا. ورغم استقالته قبل عام لا يزال الإبراهيمي يؤمن بوجود حل قابل للحياة «وهناك دائما حل. والسؤال: هل توجد إرادة سياسية وقوة؟» وتفسر جيوفاني كلامه بأن الأطراف المتحاربة ليست مستعدة للتفاوض حول قرار أو حل.
وترى الصحافية إن دي ميستورا حاول تبني دبلوماسية مختلفة عن تلك التي تبناها الإبراهيمي وعنان من قبله. ففي يوم الأحد وصل إلى نيويورك بعد جولة إسبوعين قطع فيها 26.000 ميل التقى فيها قادة في سوريا وإيران والأردن والسعودية والصين في محاولة للعودة للمسار السياسي. وقدم تقريرا إلى مجلس الأمن عن جولاته حدد فيها الخيارات المطروحة خاصة في ظل الإتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران.
وتقول جيوفاني إن إيران هي القوة الوحيدة التي تستطيع التأثير على الأسد كي يتنحى عن السلطة أو يتفاوض بصدق. لكن واشنطن تخشى من أن تؤثر دبلوماسية قوية في سوريا على الملف النووي وموقف الكونغرس منه في الأشهر المقبلة. وبين مخاوف أمريكا وتردد القوى الأخرى تموت سوريا. لكن دي ميستورا «يحاول استكشاف كل الخيارات» كما يقول مايكل كييتنغ الذي يعرفه منذ 30 عاما وعمل كنائب له في أفغانستان. وترى أن المبعوث الدولي إلى سوريا جاء للمهمة بحس من التفاؤل والأمل، ومع مرورالوقت أصبح التمسك بالأمل أمرا صعبا خاصة أن النزاع تحولت مع مرور الوقت إلى نزاع بالوكالة أصبح فيها كل طرف، بمن فيها الحكومة السورية، مستعدة للقتال حتى آخر سوري من أجل إجبار العالم على الاعتراف بموقعها. وتنقل عنه قوله «هذه من أكثر الحروب إثارة للمفارقة التي واجهتها».

مضى عام

مضى عام على دي ميستورا في المهمة ولم يتغير الوضع أو يتقدم نحو حل. فسوريا تحترق من الداخل فيما تنتظر الأطراف الإقليمية – السعودية وتركيا وإيران الفرصة للحصول على الحصة التي تريدها. وتدفع النيران اللاجئين للهروب عبر الحدود فيما قتل أكثر من 230.000 سوري ويواصل غاز الكلور والبراميل المتفجرة حصد المزيد «وبعد سنوات من العمل الصحافي في محاور الحرب لم أشهد أسوأ وأروع حرب مثلها» تقول جيوفاني. وتضيف أن صعود تنظيم الدولة الإسلامية عقد من جهود الحل والتفاوض بين طرفي النزاع الرئيسيين النظام والإئتلاف الوطني. فقد سمح تنظيم الدولة لنظام الأسد الزعم بأنه على الجبهة نفسها التي تقاتل تنظيم الدولة. وترى الكاتبة أن دي ميستورا كان يعرف منذ بداية المهمة إنه يحدق في الهاوية.
فبعد أسابيع من قبوله المهمة التقته في بروكسل حيث يعيش وتحدث إليها عن الأثر الكارثي الذي تركته الحرب على المدنيين. وأشار إلى حالات الإحباط التي واجهها أثناء عمله في البوسنة والسودان. ولكن الرجل الذي يتحدث سبع لغات ويبدو في مظهره كأرستقراطي ويحب البدلات الراقية ويلبس النظارات التي تثبت على الأنف لا الأذنيين، يواجه في الأشهر الأخيرة انتقادات حادة ومن كل الأطراف بسبب فشله تحقيق تقدم في المفاوضات أو وضع نهاية للحرب. فقد انتقد لأنه لم يحاول التحاور مع المعارضة وشملها في حواراته ولفشل مقترحات وقف إطلاق النار ولتركيزه على الحل السياسي من دون الاهتمام بتخفيض مستوى العنف ضد المدنيين، ولأنه يعتمد في فريقه على مجموعة من الأصدقاء «المحاسيب» الذين لا يعرفون الكثير عن المنطقة بدلا من استشارة الخبراء.
واتهمه كينث روث، مدير منظمة هيومان رايتس ووتش بأنه «يتجاهل الصورة الأكبر» للصراع وبدلا من ذلك يركز على تحقيق وقف إطلاق محلي بين الأطراف المتنازعة. ونقلت عنه قوله إن المجتمع الدولي يركز على اتجاه واحد وهي المفاوضات وعلى حساب وقف ذبح المدنيين. بل وكال آخرون نقدا أشد لميستورا حيث اتهموه بالفشل الذريع. ويرى دبلوماسي أمريكي «سواء كنت مفاوضا جيدا أم سيئا فلن تكون قادرا على عمل شيء لو لم تكن الظروف ناضجة». وأشار إلى أن المفاوض يحتاج لانتهاز الفرص هو ما حصل في الحرب البوسنية «لكن إن كنت من الأمم المتحدة فلن تستطيع تشكيل الأحداث. وقد تكون حاذقا في الرد، وهذا يقتضي خبراء يساعدونك على فهم دينامية (الحرب) ويجب أن تكون في جيبك خطة ذات تفاصيل كبيرة حالة نضج الوضع».

انتقادات

وتقول الكاتبة إن دي ميستورا واع لكل هذا «فأنت لا تستطيع تشكيل الوضع لكن يمكنك هزه» من خلال مبادرات حتى لو لم تكن فعالة. وهو يتقبل النقد لكنه شعر بالضيق من تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في أيار/مايو العام الحالي ووصفته بأنه رجل لا تأثير له «والرجل المعروف بزيه الوسيم أكثر بانقلاباته الدبلوماسية» وأنه قضى وقته في لبنان يتصيف أكثر من قضاء وقت لحل الأزمة. أما بالنسبة لتهمة المحسوبية فقد آذته أكثر حيث قال إن المحسوبية هي أن تؤمن وظيفة لشخص في نيويورك أو في جنيف وليس العمل معهم في الجبهات. ويبدو أنه اختار العمل مع من جرب وعمل منذ سنوات. وهذا لم يمنع من تعرض عمل فريقه للنقد والتمحيص. ففي آذار (مارس) العام الحالي أرسل فريقا غير مجرب إلى تركيا لمقابلة مسؤولي المعارضة السورية هناك وهو ما أدى لرفض معظم حضور لقاءات مع الفريق.
ويقول مسؤول في الأمم المتحدة «كان مدعاة للإحراج» خاصة أن التقرير الذي قدموه لاحقا كان ضعيفا وغير دقيق وغاب عنه البحث الأكاديمي. وعلق دبلوماسي أمريكي «فريق من المحاسيب كان كارثة». ونقل عن معين رباني المحلل الخبير في الشرق الأوسط وعمل مع دي ميستورا قبل استقالته العام الماضي»تريد فريقا من الخبراء الذين يستطيعون التعامل مع المشاكل. فريق عارف بدينامية عمل جماعات المعارضة وفيما بينها»، مشيرا إلى أن كفاءة أعضاء الفريق مبنية على الولاء للمبعوث الدولي. ويواصل معلقا أنه لا يزعم أن المرحلة كانت ناضحة لحل ثم جاءت الأمم المتحدة وخربتها ولكنه يرى أن الأمم المتحدة خيبت أمل السوريين بتعيين رجل لا يملك العمق والرؤية. ومع ذلك يعترف نقاده بأن المشكلة هي رفض الأطراف المتصارعة التفاوض حتى عندما حاول دي ميستورا في أيار/مايو عقد محادثات غير رسمية في جنيف مع النظام وجماعات المعارضة التي رفضت المشاركة. وتقول جيوفاني إن دي ميستورا سافر إلى دمشق للقاء الحكومة السورية وطرح مسألة استمرار استخدام النظام للبراميل المتفجرة. وبعد لقائه مع المعلم التقى الأسد لساعة من الزمان.
وعندما سألته ماذا كان رد الأسد حول البراميل المتفجرة أجاب «لا أستطيع مناقشة الموضوع ولكن الأسد لم يكن راضيا عن موقف المبعوث الدولي. ورغم أنه شجب لاحقا النظام واستخدامه للبراميل المتفجرة إلا أنه يرى في دوره كطبيب يحاول إبقاء مريض حيا ولكن من خلال المسكنات. فالمريض الذي يعالجه دي ميستورا استعصى على أطباء قبله.

الدخول للهاوية

ففي الوقت الذي عقد فيه أول مبعوث دولي اجتماعه حول سوريا بنهاية عام 2012 كانت الانتفاضة قد دخلت مرحلة جديدة من العنف. مدن دمرت وقرى وأحياء حوصرت واستخدم الاغتصاب كسلاح من قبل الطرفين. حمص وحماة وحلب وغيرها أصبحت أحياؤها ركاما هامدا ولم تبق إلا دمشق خارج اللعبة. وخلال كل هذا دفع المدنيون الثمن، ذبحوا وسجنوا وشردوا. وانتشرت المذابح من داريا إلى البيضا وبانياس والحولة قرب حمص التي ذبح فيها مئات المدنيين على يد الجيش وشبيحة النظام.
وتقول جيوفاني إن محاولات تخفيف العنف بدأت قبل ذلك حيث حاول مراقبوا الأمم المتحدة العمل بعد الحولة ولكن عملهم كان صعبا، فلم يسمح لهم بمغادرة فنادقهم في دمشق بسبب تعرضهم لإطلاق النار فيما لم يمنح النظام تأشيرات دخول لضباط حقوق الإنسان. ومنذ البداية كان هناك شعور بالإحباط وعرقلة للجهود.

مؤتمر جنيف 2012

تكتب جيوفاني عن تجربتها في تغطية مؤتمر جنيف الذي عقده عنان في حزيران (يونيو) 2012 الذي استبعدت منه إيران. وأثمر المؤتمر عن بيان وضع الخطوط العامة لإنهاء النزاع. وفي ذلك الوقت اختلف الأطراف حول دور الأسد في سوريا. فروسيا والصين رأت دورا له أما أمريكا وحلفاؤها فقد استبعدوه. وعلى العموم فقد تجاوزت الأحداث بيان جنيف وأصبح الأمر هو بقاء الأسد أو رحيله.
بعد عنان جاء الإبراهيمي الذي حاول جمع الأطراف من جديد فيما عرف باسم»جنيف2» الذي لم يكن سوى مناسبة لالتقاط الصور. وكما نعرف فالمؤتمر كان مهزلة حيث تمت دعوة إيران لتمنع من الحضور وأثار جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الكثير من الجدل عندما طالب برحيل الأسد. وتنقل الكاتبة اجواء ساخرة عن المؤتمر حيث رفض طرفا النزاع التحادث معا إلا من خلال الإبراهيمي. وفي ظل هذا الجو فشل الطرفان في الاتفاق حول كيفية التفاوض.
والنتيجة كانت فشل الإبراهيمي الذي خرج من دون شيء يقوله للإعلام. ولم يمنع هذا الفشل دي ميستورا أن يجرب مرة أخرى «جنيف3» ولكن على قاعدة مخففة. ولم يكن دي ميستورا يعرف عندما دعا الأطراف إلى جنيف في مايو/أيار ماذا سيحدث خاصة أن إيران والسعودية لم تبديا إشارات للتراجع عن المنافسة. في الوقت نفسه انتقد خالد خوجة، رئيس الائتلاف الوطني السوري المبعوث الدولي قائلا إن عليه التركيز على حماية المدنيين لا اللقاءات السياسية، ما نطالب به هو الحماية من الجو، من البراميل المتفجرة» ويعني بهذا مناطق آمنة.

تجميد

تشير الصحافية جيوفاني إلى مأساة حلب المدينة التي كان فيها أفضل مستشفى لعلاج السرطان في سوريا، والمدينة التي تمثل قلب التجارة. وكان يمكن أن تتحول إلى مراكش جديدة. لكن الحرب قسمتها وقضت على ألقها. ومع ذلك اختارها دي ميستورا كي تكون نقطة لبداية «تجميد» وقف إطلاق النار ومختبرا لبداية ما كان يراه مرحلة للدفع باتجاه وقف الحرب. والغريب أن فكرة التجميد جاءت من صحافي وناشط اسمه نير روزين الذي يعمل في مؤسسة «الحوار الإنساني» وقدم فكرة مفصلة حول هذا الموضوع وتلقفها فريق دي ميستورا حيث قدمت بتفاصيل أقل لمجلس الأمن الدولي وقوبلت بنوع من الشك لدى الأطراف، خاصة المعارضة السورية التي رفضت التعاون مع دي ميستورا التي رأته مقربا من الأسد. وهي تهمة وجهت إلى عنان والإبراهيمي من قبل.
وتقول جيوفاني إن حلب كان مدينة معقدة لبداية التجربة. وحذر دي ميستورا لكنه رأى في البداية من حلب مناسبة لوضع معاناة المدينة على خريطة الاهتمام العالمي «كانت فرصة للتأكيد على الحاجة لحماية المدنيين في كل مكان». لكن فكرة التجميد قوبلت بمشاكل على الأرض وهي تقدم النظام السوري لإحكام السيطرة على ما تبقى للمعارضة من مناطق في حلب.
وعلى العموم فخطة التجميد ووقف إطلاق النار المحلي كان يمكن أن تنجح لو كان للأمم المتحدة سيطرة على الأرض. وفي الوقت نفسه، الذي فشلت فيه خطة التجميد استقال رباني من فريق دي ميستورا وبدأ حملة انتقاد للمبعوث وفريقه. ورغم هذه الإنتكاسات التي حاول دي ميستورا التصدي لها منذئذ إلا أنه يرى إمكانية في التوصل لحل قبل التعامل مع مشكلة تنظيم الدولة الإسلامية. ولكن كيف. فبعد مراقبة دي ميستورا لمدة عام أو أكثر ترى جيوفاني إنه من الصعب رؤية كيف يمكن لدبلوماسي العمل حتى لو كان مجربا الأطراف معا. صحيح أن المبعوث الدولي يتعاطف مع معاناة المدنيين لكن لا سلطة له على الأطراف العاملة على الأرض. ومن هنا فالحل الدبلوماسي الأهم الذي اوقف مجازر كالتي في سوريا كان التفاوض مع أطراف الحرب في البوسنة والذي قاده الدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبرك. فمن خلال صيغة من التهديد والبلطجة والتحذير استطاع هولبروك توقيع اتفاقية سلام في قاعدة دايتون بأوهايو وبغضون 21 يوما. لكن هناك فرقا بين دي ميستورا وهولبروك فالأول ممثل للأمم المتحدة والثاني ممثل لأقوى دولة في العالم. كما أن أطراف الحرب في البوسنة وافقت على التفاوض، وفي سوريا فالمنظور بعيد.
ويتفق دي ميستورا مع هولبروك بأنه يحاول وقف القتل. ومن هنا يحاول دي ميستورا صيغة جديدة بعد فشل التجميد وهي فرق العمل التي قدم صورة عنها لمجلس الأمن في تقريره يوم 29 تموز (يوليو) 2015. وهي عبارة عن مجموعات عمل سورية يناقش فيها السوريون أنفسهم عددا من الموضوعات. وتشير هنا إلى مقترحات أخرى كذلك الذي يقترحه جوناثان باول، الوسيط البريطاني في اتفاق الجمعة السعيدة في شمال أيرلندا ويدعو لإشراك إيران التي يمكنها وضع ضغط على الأسد للتنحي مقابل حماية مصالح الإيرانيين. أمام البريطاني كارني روس فيدعو لإقامة مناطق آمنة، مشيرا ان العقوبات الإقتصادية هي التي أجبرت سلوبودان ميلوسوفيتش على التفاوض.
وبين هذه المقترحات أخشى ما يخشاه دي ميستورا أن تتحول الحرب لأمر عادي لا تهم العالم، فأيا كانت مقترحات التجميد محرجة إلا أنها وضعت حلب على خارطة الإهتمام. في النهاية للتاريخ مساره الذي لا يتوقعه أحد ومن ركام الحرب تخرج سوريا جديدة يقول خالد خوجه إنها موحدة وبعلم واحد. ولكن حتى يتحقق هذا يجب أن تتوقف الحرب.

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية