فيلم «ستيف جوبز» يخرجنا تماما من دائرة أسطورة «آبل» التي حوّلت الرجل إلى أيقونة قاربت التقديس.هكذا على عادة السينما الغربية التي تبحث دوما عن نقطة الإثارة في موضوع معين وتناقشه من زاوية غير متوقعة.
يقدم لنا داني بويل الجانب الذي ظلّ بعيدا عن الإعلام العالمي، وغايته ربما ليست أن ينسف أيقونة رجل التفاحة المقدس، بل كسر الصورة البرّاقة التي صنعها جوبز لنفسه وغطى الآخرين من حوله، هو الذي حين واجهه صديقه بأنه هو من صنع كل ذلك المجد مع الرفاق الذين اشتغلوا جميعا على المشروع، فلماذا استحوذ وحده على النجاح، أجابه بثقة تفرم العظام: «لأنني قائد الأوركسترا».
اعتبر كثيرون أن الفيلم تشويه كبير لستيف جوبز…هذا رأي. لكنني وأنا أتابع الفيلم لم أر سلبية جوبز بقدر ما رأيت عبقريته، فالرجل عبقري، والعبقرية لا تحتمل شريكا. كان سيئا مع ابنته ليزا، إلى أن كبرت… كان سيئا مع والدتها.. كان سيئا مع أصدقائه.
وقد عشق الأضواء، والوقوف على المسرح لرؤية الجماهير وهي تصفق والدهشة تنبعث منهم كألسنة النار بما حققه. بشكل ما كان عمله يأخذه بعيدا عن مسؤوليات أخرى، مع أنه برر برودته العاطفية على أنها «خلل في الصنع» واستعمل كلمة صنع لأن كل ما حوله يشبه أجهزة «ماكنتوش» يمكن إدخال تعديلات عليها، وإصلاحها لتصبح أفضل. بالتأكيد لحظتها أراد أن يشرح مدى تأثره بتخلي والده العربي عنه، ولكنه استعمل مصطلحا وليد لغته الخاصة.
ستيف جوبز الذي قدمه الألماني مايكل فاسبندر وكأنّه كائن ماكينتوشي مبرمج، أدهشنا بأدائه كما باستيعابه لشخصية جوبز، التي كتب عنها الإعلام الأمريكي منتقدا تعجرفه، وكما كتب عنه آرون سوركين الذي كتب سابقا عن مارك زوكربيرغ متوغلا في التفاصيل التي لا تجعل من الشخص «تمثال آلهة». تابعنا إذن على مدى ساعتين من الزمن جنون جوبز وغرابته والمتاعب التي عانى منها محيطه، من زملاء عمل إلى مديرة مكتبه إلى أم ابنته وابنته نفسها. الجميع عاش مشدود الأعصاب معه، متوترا تحت ضغطه ومزاجيته وطقوسه المتقلبة حسب بوصلة نجاحه الخاصة. هذا الجانب الذي يبدو مقلقا ومثيرا في الوقت نفسه هو الذي يكشف عبقرية جوبز. فقد استطاع على مدى سنوات عطائه القليلة أن يكون قائد الأوركسترا فعلا، ولمع نجمه حتى غطى بنوره باقي النجوم حوله.
لماذا بعض الناس عباقرة؟
هذا السؤال يبدو صعبا، إذ أن عدالة الحياة تتبعثر تماما أمامه، فيبدو الكون كله مبنيا على معادلات لا قانون لها. فالعبقرية هبة سماوية لا تفرق بين الأجناس والناس. فأحيانا نجدها عند من هم أكثر غباء في نظرنا، كما حدث مع علماء ومخترعين ذكرتهم في مقالات سابقة، ورغم ما حظوا به من ذكاء وتميز لم يعطوا أجوبة لهذا الأمر، فقط عاشوا كالمجانين بين ذويهم، وقدموا خدمات للعالم أجمع في ما أقرب الناس إليهم ضاعوا في متاهات كلها أنفاق مظلمة ومرعبة ومتعبة، ولعلّ المثل اليوناني القائل: «لا عبقرية من دون ذرّة من الجنون» قمة في الصدق.. والدليل أن عبقريا بحجم ألبرت إينشتاين ينفي عن نفسه العبقرية ويقول: «لست عبقريا، كل ما في الأمر أنني أكافح مع المشاكل لوقت أطول». ويصرّ على أن «لا وجود للفشل، هناك استسلام». وفي حياته الخاصة كان مهملا لمظهره بشكل مبالغ فيه، وتخلى عن جنسيته الألمانية بسبب المضايقات السياسية له كيهودي وعاش حوالي ست سنوات عديم الجنسية، ثم حصل في ما بعد على عدد من الجنسيات التي خدمته كعالم رياضيات كثيرا.
ويُروى أن من أراد فهم تلافيف مخه، لم يفهم شيئا، كل ما وجده مخا أكبر حجما، لكن هذا لا يعني أن العبقرية مرتبطة بحجم المخ، وإلا فإن كائنات كثيرة ربما تكون أذكى وأكثر عبقرية من الإنسان. شرحت قطع من مخه وعصبوناته وتركيباته الدقيقة، لكن كل ما توصلوا إليه توقف عند عتبة الفرضيات لا غير. وإن أُعتُبِر الرجل عبقري الأزمنة كلها، فإن عباقرة آخرين لهم فضل عليه ليصل إلى ما وصل إليه، فلا عبقرية تولد من عدم.
نيوتن مثلا يرجع العبقرية للقدرة على التأمل، ويعتقد أنه ليس عبقريا بل صبورا أكثر من غيره في محاولته لفهم الأشياء. أمّا ألكسندر دوما الابن فينبهنا لحقيقة أخرى نتناساها دائما، حين يقول: «ما علينا سوى أن نجمع على قبر أي عبقري الحجارة التي قذفناه بها في حياته وسنحصل على هرم بحجم أهرامات مصر».
متلازمة غريبة تبين أن العباقرة عانوا أيضا من مجتمعهم، ولننظر للصورة بشكل أوضح، حين يحتاج ذلك العبقري لمجال للرؤية والتأمل في ما من حوله منشغلون بلباسه وعادات نومه وأكله وشربه واختلافه فيقذفونه بكل ما يملكون من أشياء، ألا يبدو الأمر فيه ظلم كبير له؟
أغلب عباقرة العالم يلجأون للعزلة للعمل على مشاريعهم الفكرية والعلمية أو يلجأون لساعات الصباح الباكرة أو ينامون نهارا ويكتبون ليلا حين ينام الآخرون، وهذا متعب لهم حين يمضون عكس التيار. وقد حُكي في هذا الشأن أن أونوريه دو بالزاك كان يشرب خمسين فنجان قهوة ليبقى مستيقظا من منتصف الليل حتى الثامنة صباحا ليكتب بهدوء، أما كيف كان جسده يتحمّل هذه الكمية من القهوة فهذا ما لم يتناوله أحد بالدراسة! لكن الأغرب منه هو بيتهوفن الذي كان يعد قهوته يوميا بستين حبة من البن، يحرص أن يعدّها بنفسه كل يوم ليحضرها. سيغموند فرويد هو الآخر كان يدخن عشرين سيجارة يوميا ليبقى واقفا، وكانت زوجته تتعامل معه كأنه ولد صغير إذ تحضر له كل ما يحتاجه من ملبسه إلى مأكله، حتى أنها كانت تضع له معجون الأسنان على فرشاته و تحضرها وحين قرأت هذه المعلومة ضحكت… لكنني أصبت بصدمة حين قرأت عن الروائية الأمريكية باتريشيا هايسميث كيف تعيش في غرفة نومها أغلب الوقت و قد حوّلتها إلى مزبلة من التبغ والكحول والقهوة والحلوى.
هناك نظرية تقول إن كل غريبي الأطوار مشروع عباقرة، لكن حظهم أقل من غيرهم، إذ أن محيطهم يدمرهم باكرا، أو يحولهم إلى مجرمين أو لصوص بسبب قمع عبقريتهم وطقوسهم الغريبة في الحياة، البعض يلجأ للانتحار لأنه يشعر بأنه يجب ألا يعيش في عالم يعج بالأغبياء.
العباقرة بيننا كما يقول بعض العلماء الذين أفنوا عمرهم في دراسة «متلازمة العباقرة» والعبقرية قد تطفو على السطح وقد تبقى نائمة من دون أن نستعملها طيلة أعمارنا. السر المبهر في كل هذا، هو أن يكشف معظم علماء الذكاء أن تفجير ذكاء الطفل يكمن في خطوة جد مهمة يجب أن تستمر طيلة حياة الفرد لتبقى عبقريته متّقدة وهي ممارسة القراءة يوميا. والآن كم منكم يشعر بالندم لأنه يمر يوميا قرب مكتبات جميلة تحوي روائع من الكتب ولا يتحمس لقراءة واحد منها؟ فعلا يمكن قياس عبقرية الشعوب بمدى تعاطيها مع الكتاب.
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
مثلما تتطلب الحياة العمل بكل الأختصاصات ، علينا أن نتقبل الأختلاف عند البشر في القابليات الذهنية والفكرية والبدنية . فليس هنالك انسان غبي . لكن هنالك ممن لم يُلاقوا من حواليهم التوجيه الصحيح في تحصيلهم الدراسي أوالمهني ومن ضمن حدود قابلياتهم وأهتماماتهم ، ووضعوا في المكان الخطأ . فلايوجد انسان متكامل ، قد ينجح الانسان في حقل ما وفي نفس الوقت قد يفشل في حقل آخر ، لكنه في النهاية انسان ناجح في مجال اختصاصه .
مقال جميل يذكرنا وبأسف ، كم من العباقرة العرب الذين نحتاجهم في بلداننا ، تركوا الاوطان قسرا ولجأوا الى الغرب الذي حمل عقولهم بكل قدسية وأحترام .
مقال يستحق التقدير لانه يخوض في غمار البحث القيم ويجعل القارء مجتهدا في التواصل مع عباقرة استطاعوا ان يخلدوا كنوزا معرفية لنصل اليوم الى التفاحة اننا نفخر حقا ونحن نحمل جهازا نقلب ظهره لنشاهد تفاحة فييسر لنا عملية التواصل بدهش معرفي جميل نشكر العباقرة الذين تمتعنا بعبقريتهم ولم نعاصرهم و في زمننا الراهن ستيف جوبز نحمل التفاحة فيتغير لنا امر التواصل العبقرية عطاء وسخاء ونبل وحب للانسانية دم العباقرة يسري في عروقنا لأننا نلتقي بهم كل لحظة ونحن نستمع بيتهوفن ونقلب تفاحة ونقرأ للعبقرية الجادة والمجتهدة السيدة بروين حبيب
افتح القدس العربي باحثة عن شاعرة واعلامية من البحرين
مايعانيه العربي بصورة عامة خلل في الرعاية منذصغره وعدم المتابعة الجدية سواءافي مدرسته اوالاشخاص الذين يحيطون به فيرى نفسه في بعض الاحيان يعيش نوع من التيه ممايوءثرسلبافي طريقة تعامله نشاته تفكيره المهم العربي لايجدله القدرالكافي من الرعاية
ذكر أنيس منصور رحمه الله في مقال من مقالاته بعض طقوس العباقرة في الكتابة من بين هؤلاء تحدث عن سارتر وقال ان نفحات الكتابة كانت لا تتوفر لديه إلا اذا جلس في مقهى أعمدة الدخان تتصاعد الى السقف!!!ناهيك عن الضجيج والفوضى؛!!! كيف نصف هذا الجنون بالكتابة؟!!.
كم من عباقرة بيننا حجبهم عناجهل أقربيهم بقيمتهم.
شكرا أستاذة بروين على هذا المقال الجميل جدا والمعببر.
بيئة العرب قاتلة للعبقرية, إذا طرحت رأيا غريبا علي الناس مباشرة يرمونك اما بنظرات غريبة علي اقل تقدير او بمراجعة تفكيرك او بالكفر اذا كان يتعلق بشان الدين. ثقافتنا تقتل الابداع و العبقرية. الله يصلح الاحوال و يعيننا علي التقدم ويجب ان نعمل علي ذلك.
إيمان روحي باريس
قال محمود درويش لأمه
لكنك لم تقولي لولد المريض ما كان يجب قوله
أتذكر عندما كنت بجامعة قسنطينة بالجزائر في التسعينات ،ذات صباح فوجئنا بتواجد سيارات الإسعاف أمام المبنى الإداري مع حشد كبير من الناس ٠
لقد انتحر عالم كيميائي من الطابق الأربعين بسبب المضايقات الإدارية له و تهديده بحرق مخبره من طرف أسماء شبحية لأنه كان يمضي كل لياليه بالمخبر يشتغل على إختراع ما
إذن أن تولد عبقريا بالوطن العربي يعني ذلك أن ثمن الفاتورة قد يتجاوز الطابق الأربعون
و أن تكون عبقريا فوق هذا الكوكب فذلك يعني أنك ستوزع الكثير من علامات التعجب مقابل الكثير من علامات الإستفهام
إيمان روحي باريس
العبقرية عند الانسان ما هي إلاِّ وميض قبَس او شرارة فقط من العبقرية الالهية.
جملة قالها عبقري ولم يدر انه عبقري….!!!
“إن تاريخ العالم ليس إلاّ سيرة الرجال العظماء” (توماس كارلايل).
ياتري ما معني العبقرية ؟
وأين نجدها ؟ هل التقيت بالعبقرية يوما ما في نفسك ؟
وماهي مواصفات العبقري؟
لقد قررت ان اكن عبقرياً فما السبيل لتحقيق هذا…؟
العباقرة لم يموتوا هل تطمع في عمر أخر ….؟
“الإرادة القوية والتفكير، واكتشاف الذات، ومواصلة السير، وتحمل الضربات القاسية، ومواجهة الألم، والصبر الذي لا ينفد، ومداومة المطالعة في الكتب وتوظيف التجارب الحياتية الأخرى.. كلها عوامل لصناعة العبقرية”، والعبقرية تكمن في خلق الجديد، والقضاء على التبعية والتقليد. وأعلى درجات العبقرية الإبداع، وهي نهايته وليست بدايته، كما يعتقد البعض. والإنسان العبقري يهضم كل شيء حوله من أجل أن يقدم الجديد، ويضيفه للبشرية. والكثير من الناس يخلط بين العبقري والنابغة، فالعبقري: هو الذي يشق طريقًا جديدًا، والنابغة: هو الذي يسلك طريقًا معروفًا بتميز. والذي نحتاجه في هذا الزمن هو العبقرية. المصدر من الانترنت.
رائع للغاية ..
مقالك جميل يشابه جمال روحك النديه وعقلك النير