هذه ليست رسائل يبعث بها إسماعيل هنية، أو أحد قادة عزالدين القسام أو سرايا القدس أو كتائب الأقصى أو غيرها من التنظيمات المقاومة في غزة.
هذه رسائل مشفرة غير مكتوبة ترسلها الأوضاع في غزة، توحي بها التراجيديا المستمرة على مسرح رهيب يشاهده العالم كله كل لحظة، هذه رسائل غزة: الأرض والأنفاق، وصواريخ المقاومة، والدماء، غزة جثث الأطفال والنساء، غزة المقاومة والصمود والدموع والألم، غزة المعنى الكبير الذي لا يجد الكلمات للتعبير عنه.
الرسالة الأولى: هي أن بؤرة الصراع في المنطقة ليست الصراع السوري السوري ولا العراقي العراقي ولا اليمني اليمني ولا الليبي الليبي، ولكنه الصراع العربي الإسرائيلي. البوصلة الحقيقية للصراع تشير إلى إسرائيل، وتعيد صياغة المفاهيم بشكل يجعل الأشياء تأخذ أسماءها الحقيقية، وعلى الداخلين في الصراعات البينية أن يعوا هذه الحقيقة، وعليهم ألا يجعلوا من الحرب على غزة مجالاً لتصفية الحسابات البينية، بل المؤمل أن تبعث غزة لهم برسالة موجزة مفادها أن المعركة في غزة، وليست في حلب أو الفلوجة أو عمران أو بنغازي.
الرسالة الثانية: غزة اليوم تدفع بشكل واضح ثمن تصفية حسابات سياسية خارج حدودها، حسابات بعضها من نتائج الربيع العربي، وتبدل شبكة العلاقات بين أطرافه، وإعادة تموضع النظرة لتنظيم الإخوان المسلمين بالذات في العالم العربي، وبعضها يرجع إلى طبيعة علاقة أحزاب حكومة الإئتلاف في إسرائيل، وطبيعة العلاقة مع رام الله، وغيرها من العواصم العربية.
الرسالة الثالثة: فيها شيء من الألم والدهشة، وفيها ظهرت إسرائيل فرداً من العائلة، تنفرد بالولد العاق في العائلة (غزة) لتأديبه، ليعود ولداً مطيعاً – لا لإسرائيل – ولكن لعائلته العربية التي من أجلها تقوم إسرائيل بحربها الشرسة على مليوني عربي فلسطيني في غزة.
مدهشة هذه الرسالة، جارحة حد الموت. مؤلم سيل من التعليقات في الصحافة الإسرائيلية التي تقول منذ بداية الحرب المجرمة على غزة، «إن إسرائيل تخوض هذه المعركة ليس نيابة عن مواطنيها وحسب، ولكن عن بقية المواطنين العرب الطامحين إلى السلام، الذين عانوا كثيراً من موجة الإرهاب التي تضرب المنطقة»، في خلط غير بريء بين قوى المقاومة الشريفة في غزة، وجماعات التطرف والإرهاب الحقيقية التي تخوض معاركها خارج حدود إسرائيل، من دون أن تقترب منها، تريد هذه المقولة الإسرائيلية أن تغطي على حقيقة أن غزة اليوم تخوض معركة الأمة الحقيقية ضد منظومة عالمية من قوى الإعاقة لنهضة هذه الأمة تتخذ من إسرائيل رأس حربة لها.
الرسالة الرابعة: تتلخص في حملة إعلامية معيبة، تقوم بها بعض الدوائر العربية ضد المقاومة الفلسطينية بشكل مرعب لم يسبق له مثيل في التاريخ العربي، حملة تنسجم بشكل مربك مع حملة المتطرفين ـ وليس المعتدلين ـ في الإعلام الإسرائيلي، حملة تبرر وإن بشكل غير مباشر عدوان إسرائيل على أهلنا في غزة، وتسوغ ذلك برفض حماس للمبادرة المصرية، وكأن المبادرة المصرية عرضت على حماس شيئاً يرفع معاناة غزة من الحصار العربي الإسرائيلي الجائر عليها. وفي هذه الرسالة تظهر سيما كدمون وعكيفا الدار الإسرائيليتان أكثر إنسانية وموضوعية وعقلانية من كثير من الأقلام العربية، التي لا تفرق بين حالة وحالة، ولا تعرف أن لكل حدث حديثاً، ولا تعرف أن خطابها الإعلامي، الذي إن افترضنا فيه حسن نواياه، إلا أنه يفهم بطريقة مختلفة لدى صانع قرار الحرب الإسرائيلي، ويعطي للعالم صورة مغلوطة عن حقيقة التوجهات العامة في العالم العربي إزاء الحرب الظالمة على غزة.
الرسالة الخامسة: تكشف زيف بعض الدوائر الإعلامية العربية التي تصب جام غضبها على المقاومين الفلسطينيين، بحجة أنهم ورطوا غزة في حرب غير متكافئة مع الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتظهر في خطابها بمظهر الحريص على دماء وممتلكات أهالي غزة، وتسوغ غضبها على المقاومين على أساس أنه ناتج عن حرقتها على أهالي غزة، وهذا نوع من خداع النفس، لأن هذه الأصوات في تقديري لا تفعل ذلك، إلا لتعويض شعورها بالعجز عن فعل شيء لغزة، وعدم القدرة على وقف الغطرسة الإسرائيلية ضد أهلها، فكأن هذه الأطراف، اختارت أيسر السبيلين وهو سبيل إدانة الضحية، في عملية تعويض مرضي، وفي محاولة للتخلص من عقدة ذنب الخذلان الذي مارسته، وتمارسه في حق أشقائها في غزة، ناسية – هذه الأطراف – أن سكوتها يمكن أن يكون أفضل لها من تشغيل جوقتها الإعلامية ضد من يجودون بدمائهم من الجياع المحاصرين منذ سنوات طويلة في غزة.
الرسالة السادسة: إن البعد الإسلامي والإنساني لغزة اليوم أصبح بكل أسف أكثر عمقاً من البعد العربي الأقرب لحمة وجغرافيا إلى غزة. شيء مخجل أن تعم المظاهرات الغاضبة مدن العالم من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا ودول الكثافة المسلمة في جنوب شرق آسيا، بينما الشارع العربي يعيش حالة لا ندري هل هي بفعل الجراح العميقة التي أحدثها هذا الربيع العربي الحارق، أم أن ذلك نوع من تبلد الإحساس لكثرة ما يرى هذا الشارع من مشاهد الدماء التي ألفها وتعايش معها خلال السنوات الأخيرة.
الرسالة السابعة: هي أن لعبة المحاور من جديد تعود بفعلها السيئ على أهالي غزة التي أصبحت تدفع ثمناً باهظاً يعود في جزء منه إلى الحرب الباردة بين المحاور الإقليمية التي تجيد بكل أسف فن تعميق الخلافات في وقت الأزمات.
الرسالة الثامنة: تكشف حقيقة ربما أخفاها التفوق العسكري الإسرائيلي على المقاومة، هذه الحقيقة التي قد لا يتقبلها الكثير منا، وهي أن الدماء المسكوبة في غزة تنتصر بشكل أو بآخر على آلة الحرب المجرمة، وأن الخسائر غالباً ما تكون في الجانب المقاوم أضعاف ما هي عليه في الجانب المعتدي، وغزة ليست استثناء في ذلك، ولسنا بحاجة إلى أن نذكر أن تضحيات الجزائريين العظيمة كانت لا تقارن بخسائر جيش الاحتلال الفرنسي في الجزائر، لكن فرنسا رغم اختلال ميزان القوى، ورغم فداحة الكارثة التي ألحقتها بالشعب الجزائري، انسحبت من درة المستعمرات الفرنسية مرغمة، رغم قلة خسائرها في الجزائر مقارنة بتضحيات الثوار. معارك المقاومة مع المحتل، لا تحكمها موازين القوى التي تكون دائماً لصالح المحتل، ولكن تحكمها موازين الإرادات التي تكون دائماً لصالح المقاومين الذين يدافعون عن أرضهم وعرضهم. المعركة مع المحتل لا تخضع فقط لمعايير القوة المادية، ولكنها إلى ذلك تكون محكومة بمدى قدرة المقاومين على الصمود، وجسامة التضحيات التي لا تلبث أن تشكل حولها رأياً عاماً داخلياً وخارجياً لصالح المقاومين، ولعل في الحراك الدبلوماسي المحموم الذي كسر تابوهات «منع التواصل مع الإرهابيين»، وأبدى نوعاً من التفهم لمطالب المقاومة في رفع الحصار، داخل إسرائيل وحول العالم، لعل في ذلك ما يؤكد طبيعة العلاقات التي تحكم معادلة القوة/الإرادة التي تسير في غزة بشكل لا يخالف حقيقة انتصار الإرادة العادلة أمام القوة الظالمة.
الرسالة التاسعة: تتلخص في أنه لا ينبغي في غمرة الخوض في التفاصيل أن ننسى لب الموضوع، ولا أن ننسى المرض الحقيقي بسبب خوضنا الكثير في مناقشة أعراض هذه المرض. المرض العضال هو الاحتلال، وكل ما يخوض الناس فيه اليوم هو مجرد أعراض لهذا المرض، وكل ما تقوم به إسرائيل تتحمل مسؤوليته، لأنها تحتل أرض غيرها بالقوة. والخوض في تفاصيل رفع الحصار، والأنفاق وسلاح المقاومة، والصيد والزراعة، وفتح المعابر وغير ذلك، كل تلك مطالب جزئية تنداح أصلاً عن المطلب الجوهري فلسطينياً وعربياً ودولياً، والمتمثل في إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، لأن الاحتلال هو أم كل الشرور، وبنهايته ستنتهي الكثير من المشاكل التي لا تمثل إلا عرضاً لمرض هذا الاحتلال البغيض.
الرسالة العاشرة: تحتفظ كتب تأريخنا البعيد والقريب بأسماء مشرقة في مقاومة التتار والصليبيين والاستعمار الأوروبي، وفي المقابل هناك أسماء ذكرت تاريخياً في سياق التعاون مع التتار والصليبيين والمستعمرين. وتأريخ هذه الجولة من الحرب على غزة سيسجل كل شيء، لكن هذه المرة سيكون للتاريخ صوت وصورة حتى لا يُبخس حق أحد، ولا يستطيع أحد الإفلات من إدانته.
٭ كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
شكرا جزيلا للدكتور محمد جميح على ما تقدم به من موضوع شيق وهام جدا ليعرف من خرلها القاص والداني نضال الأمة العربية على مر العصور,
وعلى كل حال ان الشعوب العربية لا يمكن ابدا لأي كان في هذا العالم ان يختزل نضالتها ضد كل ما هو مناف للأنسانية والحرية والعدالة , لكن وللأسف الشديد ان الأمة العربية مسها نوع من المرض العضال اقعدها الفراش واصابها الوهن الذي قال عليه نبينا محمد صل الله عليه وسلم , الأمة العربية انشغلت تماما بالدنيا وذرت الآخرة وبالتالي كانت النتائج الأخيرة ما هو نحن اليوم عليه من تشرذم وتفكك وانشاق بن الخوة العرب ومن جراء ذلك اصبح الاقتتال فيما بينهم بصورة مستمرة وكأنه نوع من الموضة ضاربين عرض الحائط بالدين الاسلامي والعروبة والانسانية وهذا ما نلمسه اليوم وحتى هذه الساعة في العديد من البلدان العربية المسلمة والسؤال المطروح مما سبب هذا كله: الجــــــــــــــــــــــــــــــــــواب
هو ان الانظمة العربية انسلخت من عروبتها ومن دينها الاسلامي الحنيف واصبح همها الوحيد التربع على كرسي العرش و لا يمنعها عن قتل شعوبها فب حالة المعارضة لها ,وهذا ما يحدث الآن وراحت هذه الأنظمة الديكتاتورية تضطهد شعوبها المسالمة وتضع يدها في أيدي الدول الغربية واوروبية بما فيهم بني صهيون الذين هم رأس الحربة والفيروس الذي انخر العظم العربي ,
اذا تكلمنا عن بعض الحروب في القريب البعيد وكما اشرت الى حرب الجزائر فان تلك الحرب كان لها رجالها وقد خلقوا من اجب تلك الحرب التي اقامها مفجروها تحت شعار “الله اكبر النصر او الاستشهاد ” اما الحروب اللقائمة بين المسلمين فيما بينهم ليس لها شعار صادق فالمسلم يقتل اخيه المسلم والكل يقتل باسم الاسلام وهنا لا اشير الى الحرب الجارية حاليا بين المقاومة الفلسطينية الباسلة اعز الله ونصرها وبين بني صهيون اهلكهم الله في زمننا هذت توجد حربا واحدة مقدسة وهي حرب المقاولة الفلسطينية وبني صهيون
التي كان من المفروض على الأمة العربية والاسلامية فضها منذ زمن بعيد لكن يشاء الله ان تبقى القضية الفلسطينية الى يومنا هذا لجعلها الله اختبارا للعرب والمسلمين وبالتالي فمن كان مع القضية الفلسطينية فهو آمن ان شاء الله ومن كان عليها فالينتظر ساعته القريبة ان شاء الله ,
ما يجري في غزة جريمة حرب بإشراف دولي وعربي، تنفذها إسرائيل ضد أبنا الشعب الفلسطيني في غزة. نفس المشهد يتكرر بين الحين والآخر، المشكلة هذه المرة أن العرب مشاركون في هذه الحرب، بعضهم بفرض الحصار، وبعضهم بالصمت عن الجريمة، وبعضهم بالتواصل السري، وتبادل الرسائل مع جيش الاحتلال. الكل مشارك في الجريمة بما في ذلك إيران التي جعلت القضية الفلسطينية مطية لتحقيق أهدافها، أين هي اليوم مما يجري وأين صواريخ حزب الله
أحسن نقطة هي النطقة العاشرة من وجهة نظري:
“تحتفظ كتب تأريخنا البعيد والقريب بأسماء مشرقة في مقاومة التتار والصليبيين والاستعمار الأوروبي، وفي المقابل هناك أسماء ذكرت تاريخياً في سياق التعاون مع التتار والصليبيين والمستعمرين. وتأريخ هذه الجولة من الحرب على غزة سيسجل كل شيء، لكن هذه المرة سيكون للتاريخ صوت وصورة حتى لا يُبخس حق أحد، ولا يستطيع أحد الإفلات من إدانته.”
شكراً د.محمد .