علاقات دولية وعقيدة دينية

سأعود بالقارئ قليلاً إلى الوراء. إلى ما نشرته صحيفة «الراية» القطرية بتاريخ 2/5/1982 نقلاً عن وكالة فرانس برس. كان المنشور يحوي تقريراً هو عبارة عن لقاءات مع مستوطنين يهود. عنوان ذلك اللقاء كان «مستوطنون باسم التوراة»، ومحوره هو أن أولئك النفر من اليهود إنما جاؤوا إلى هناك لإيمانهم بأن هذه هي الأرض التي وعدهم الله بها، حتى قال أحدهم بثقة «إذا كان هناك شخص لا يؤمن بالتوراة فهذه مشكلته».
الشيخ محمد الغزالي نقل ذلك وعلّق عليه في كتابه الشهير «هموم داعية» مقارناً بين حماس اليهود لدينهم وتبرؤ العرب من إسلامهم، حيث حرصوا آنذاك وخلال الاحتفال بيوم الأرض، وحتى لا يظهروا بمظهر المتشددين المتعصبين لدينهم، حرصوا على التأكيد على عروبة هذه الأرض، لأن أهلها الكنعانيين والقحطانيين والعدنانيين كانوا من أصل عربي. استفز ذلك الغزالي فعلق قائلاً: «وعندما يتكلم السياسي اليهودي رافعاً بيمينه كتابه المقدس، فهل يسكته سياسي عربي يستحي من كتابه ولا يذكره لا في محراب ولا في ميدان؟».
لقد مر أكثر من ثلاثين عاماً على هذه الكلمات، وما يزال اليهود على قناعاتهم الدينية، بل نشأ بينهم جيل أشد تطرفاً وتمسكاً بالأرض التي ولد عليها، والأسس التوراتية الأسطورية التي نشأ عليها. في المقابل، ما يزال العرب بسياسييهم وقادتهم مصممون على إخراج عنصر الدين من المعادلة، رغم أن جميع الشواهد التاريخية والفلسفية تكاد تتفق على أن الدين هو أقوى محركات الفعل الإنساني منذ فجر التاريخ وحتى الحروب الصليبية، التي يبدو أنها لم تنته بعد على حد ما قاله جورج بوش، وهو يبدأ حربه الشاملة على «الإرهاب»، بل إن مؤسس الصهيونية حاييم وايزمان اعتبر في مذكراته، أن السياسيين البريطانيين إنما كانوا «يعبدون الله» حينما صنعوا وعد بلفور، في إشارة للعلاقة بين الإيمان المسيحي وأوهام العودة إلى أرض الميعاد.
أما من يقلل من شأن هذا العامل ويعتبر أن ذلك «الزمن الديني» قد عفى عليه التاريخ، وأننا في عصر المصالح المجردة والحداثة التي تمتزج لزاماً بالعلمانية الحادة، فلن نستدل بالرد عليه بأقوال الإسلاميين ولا المتدينين من المسلمين، بل سنطلب منه الرجوع إلى ما كتبه آري شفيت في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية في عدد 9/4/2003 حيث قال ما نصه: «إن الحرب على العراق هي من بنات أفكار 25 مفكراً من المحافظين الجدد، غالبيتهم يهود، استطاعوا الضغط على الرئيس بوش من أجل تغيير مجرى التاريخ».
هذه الفكرة نفسها بكلمات مختلفة نجدها في كتاب «أمريكا المختطفة» تأليف أكاديميين أمريكيين مرموقين هما جون جي ميرسهايمر وستيفن إم وولت وفيه تسجيل لبعض الحقائق المشابهة من قبيل: «كانت القوة المحركة للحرب العراقية داخل الولايات المتحدة عصبة صغيرة من المحافظين الجدد. للعديد منهم علاقات وثيقة مع حزب الليكود الاسرائيلي».
وستظل حرب العراق العبثية مثالاً واضحاً على تحالف المتشددين من المسيحيين أو من يسمون بالـ»محافظين الجدد» مع اللوبي اليهودي الذي يسيطر على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، والذي يرتبط ارتباطاً عضوياً مع الكنيست الاسرائيلي وقيادة الاحتلال. هذا الارتباط الواضح الذي لا يكاد يختلف عليه أحد كان مثار جدل بين المثقفين الأمريكيين إبان الغارة على العراق، وما كتاب «كهنة الحرب الكبار» لمايكل بايبر إلا مثال على التساؤلات التي طافت بذهن عوام الأمريكيين حول العلاقة بين اللوبي اليهودي والجالية اليهودية وصناع القرار في واشنطن، فهو قد سرد في هذا الكتاب أن السياسي جيم موران عضو الكونغرس الديمقراطي شكر الجالية اليهودية على الدعم الذي قدمته من أجل غزو العراق، كما نقل عن صحيفة «فووروارد» اليهودية اعترافها بوقوف اللوبي اليهودي خلف ذلك الغزو. هؤلاء المحافظين، بحسب الصحيفة اليهودية، دافعهم الرئيس هو الولاء لـ»إسرائيل»، لكن حتى في وسائل الإعلام الأمريكية، وحسب الصحيفة ذاتها، فإنه قد بدا الأمر وكأنه تنسيق بين بوش وشارون، أو بين ما يسميه بايبر «حزب الحرب» الأمريكي والأجنحة المتطرفة في الكيان الصهيوني.
هنالك حقيقة هي أن المحافظين المتشددين ليسوا أغلبية لكنهم مسيطرون على أمريكا وقد ساعدهم تولي الرئيس «المتدين» بوش رئاسة البلاد على التمدد، كما ساعدتهم هجمات الحادي عشر من سبتمبر على متابعة خطط الحرب المعدة مسبقاً بعد أن تم توجيه وتوحيد الرأي العام خلف هدف كبير.
هذا هو التحليل الذي قدمه صاحب كتاب «كهنة الحرب» الذي أضاف على ذلك معلومة طريفة، لكنها لا تخلو من دلالة، ففي السابع عشر من مارس 2003 أعلن جورج بوش أن الحرب قد صارت وشيكة..
السابع عشر من مارس هو عيد تقليدي عند اليهود!
كاتب سوداني

علاقات دولية وعقيدة دينية

د. مدى الفاتح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسين/لندن:

    ما تفضلتم بإيراده معلوم لدى حتى العامة من الناس ولكن المشكلة هي مع مثقفين وكتاب من فتة العلمانيين والليبراريين ،،لا يتركون مناسبة للغمر واللمز من طرف الإسلام وانه سبب تخلفنا.
    التحالف بين الصهاينة والمحافظون الجدد موجود منذ زمن وما غزو العراق إلا أبرز مظاهره وتجلياته ومع ذلك تورط بعض القادة العرب وسهلوا وساهموا في عملية احتلال العراق،،وما أل إليه الوضع في العراق إلا ثمار ونتائج هذا المشروع الصهيوني ،،ولا زالت تداعياته تعصف بالمنطقة العربية برمتها ولا زاالوا يتخبطون
    نعم هو مشروع متكامل ومخطط جاهز للتنفيذ ولكن على مراحل، وهناك صفقة القرن وهي التسمية الكودية (المشفرة) لتصفية القضية الفلسطينية، وتقسيم المقسم من الدول العربية، سرقة ما تبقى من بترول وثروات.
    أنظر إلى سماء العرب لترى في الأفق غيوم الحرب المتلبدة ،،وما خفي اعظم.

إشترك في قائمتنا البريدية