بين ما قرأت من تعليقات حول استقالة زين الدين زيدان من تدريب فريق «ريال مدريد» (وأعترف أنني لم أقرأ الكثير!)، استوقفتني تغريدة اللاعب المصري الدولي المعتزل محمد أبو تريكة: «زيدان أستاذ الخروج من الباب الكبير… أتعبت من يأتي بعدك يا زيدان. جاء إلى ريال مدريد حينما لم يتوقعه أحد، وذهب من الريال حينما لم يتوقع أحد، وبينهما حقق ما لم يحققه أحد». وأميل شخصياً (وأشدد، مجدداً، أنّ لا خبرة عندي كافية بعلوم كرة القدم وأسرار مؤسساتها العملاقة)، إلى أنّ زيدان اختار التنحي، وليس الاعتزال بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وهو في ذروة أمجاده وأوج التفاف الجماهير حوله. واختار هذه البرهة لأنها، أغلب الظنّ، قد تكون السابقة على برهة أخرى لاحقة تشهد أطوار الهبوط التدريجي من علٍ إلى أدنى؛ حيث عزلة القامة الشامخة بين أضواء العدسات، وصخب المدرجات، وأخلاقيات بورصة وحشية تتداول بمئات ملايين الدولارات مصائر اللاعب والمدرّب.
ذلك لا يعني أنه لن يعود، ذات يوم قريب أو بعيد، مع نادٍ آخر، أو ربما مع هذا الفريق الوطني أو ذاك، بما في ذلك موطنه فرنسا؛ الأمر الذي لن يمسّ معادلة البرهة المدريدية هذه، أي الخروج من الباب الكبير، في هذا السياق تحديداً، وفي هذا الطور من التاريخ الشخصي، الذي ينسحب على العامّ أيضاً، بدليل الموقع الكوني الذي يحظى به زيدان. وهنا، عند هذه النقطة، أستعيد تعليقاً آخر أعجبني، صدر عن اللاعب الفرنسي الدولي ميشيل بلاتيني سنة 2006، في مناسبة اعتزال زيدان بعد البطاقة الحمراء التي أعقبت «النطحة التاريخية» في صدر الإيطالي ماركو ماتيرازي. «قرر [زيدان] أن ينسحب، ولهذا السبب يبدو أنه لم يعد ذاك الرجل الذي يحمل العالم على كتفيه، بل ذاك الذي توجّب على العالم اللهاث خلفه»، قال بلاتيني. وبالفعل، الفصول اللاحقة من عمل زيدان في إسبانيا أثبتت هذه النبوءة، والفصول المقبلة (إذْ الأرجح أنه لا يعتزم اعتزال التدريب نهائياً) سوف تؤكد المزيد في سيرورة الركض خلف الرجل.
وقبل مغادرة حكاية «النطحة»، ولكي أقتبس تعليقاً ثالثاً وأخيراً، كانت السيدة مليكة، والدة زيدان، قد اعتبرت أنّ ابنها قام بما استوجبته تربيتها له بصدد الدفاع عن شرف العائلة، والأخت بصفة خاصة؛ وأنها فخورة به لأنه لم يقبل الإهانة، ولم يسكت عليها: «لا يهمني إذا كانت مباراة نهائية في كأس العالم، لأنّ ثمة أشياء أكبر بكثير من كرة القدم». ولم نكن وقتئذ بحاجة إلى فرانز فانون، وقراءاته الثاقبة حول ما يترسّب عميقاً في ذهنية المستعمَر من سلوكيات القهر والمهانة التي يمارسها المستعمِر، لكي نستخلص الجذور الحقيقية لذلك الطراز من «علم الاجتماع» الذي تكاثر مثل فطر شيطاني حول تأويل «نطحة» زيدان؛ من زاوية أنها تجسّد بقاء «ابن البلد» أسير تربيته الأصلية، غير «المتمدنة» بالضرورة، مهما بلغ انتماؤه إلى الغرب من حيث الجنسية، ومهما علا شأنه في العلم أو الأدب أو الفن أو الرياضة…
ولأنّ كرة القدم هي كرة القدم التي نعرفها، الساحرة الفريدة القادرة على صناعة هستيريا جَمْعية فائقة وخارقة، محلياً أو وطنياً أو كونياً؛ فإنّ علم الاجتماع ذاك تراجع سريعاً حين اضطر أربابه إلى الانحناء أمام شارع شعبي فرنسي تناسى سريعاً ضياع فرصة الفوز على إيطاليا وإحراز كأس العالم مجدداً، وسامح زيدان بنسبة 61٪ (وهذا رقم ليس البتة بالضئيل، لمَن يعرف بواطن العنصرية في فرنسا). من جانب آخر، وذاك كان علمَ اجتماع فعلياً جديراً باسمه هذه المرّة، استطابت فرنسا العودة إلى تلك المناسبة النوعية الفارقة، صيف 1998 حين فاز البلد بكأس العالم؛ فاحتشدت في جادّة الشانزيليزيه جموع من البشر تجاوزت الأعداد التي تقاطرت إلى الجادة ذاتها في سنة 1944، لتحية الجنرال شارل دوغول وهو يقود تظاهرة الاحتفال بتحرير البلد من الاحتلال النازي.
كانت ألوان الفريق الوطني موزعة على الأبيض والأسمر والأسود، ولكنّ زيدان لم يكن الأيقونة بينهم فقط، بل كان أيضاً جزائري المحتد، ابن المهاجرين الفقراء، الذي ترعرع في أحد أحياء مرسيليا الشعبية، والذي يسير اسمه الأوّل هكذا: زين + الدين! وأيّ دين، غنيّ عن القول، حين كانت فرنسا تصارع صعود تيارات اليمين المتطرف، وتنامي النزعات العنصرية، ليس فقط في صفوف «الجبهة الوطنية» وجان ــ ماري لوبين، بل كذلك ــ وإنْ على نحو أكثر احتشاماً ــ في خطاب زعماء اليمين الديغولي التقليدي أيضاً. يومها كتب جان ــ ماري كولومباني، رئيس تحرير صحيفة «لوموند»، في صدر الصفحة الأولى: «اقتدوا بالمدرّب الفرنسي إيميه جاكيه، وليصنع كلّ منكم مباراته النهائية في ميدانه، لأنّ فرنسا بحاجة إلى أكثر من مباراة نهائية رابحة».
وخلف جنون التغطيات الإعلامية حول زيدان، ثمة خصوصية فرنسية ذات صلة بدائرة تصارع خفية بين شخصيتين: النجم الساطع الذي لا يُذكر اسمه إلا مقترناً بجنسيته الفرنسية (وهنا مصدر فخار وطني)؛ ولكن، الفرنسي المهاجر من أصل جزائري مسلم (وهنا اعتلال الأمّة في علاقتها مع «الآخر»). وأمّا اللهاث، إياه، فليس فيه وقت مستقطع كما يلوح!
صبحي حديدي
لاا زلنا نذكر دعسة زيدان في احدى مباريات كاس العالم…كم انت عظيم يا زيدان
لا أدري لماذا أشعر بأن انسحاب زيدان المفاجئ له علاقة بالاصابة المتعمدة للمصري محمد صلاح في مباراة الريال وليفربول.
لا شك في أن التنحي الإرادي عن المنصب مهما عظم يرفع قيمةصاحبه ويدخله التاريخ من أبوابه الواسعة وهذا ليس في ميدان الرياضة فقط،، بل حتى في السياسة ،وأكبر مثل على ذلك( نلسن منديلا) الذي حكم بلاده عهدة واحدة فقط وانسحب بعدها رغم تضحياته، وعندما توفي أقيمت له جنازة عالمية،،،تخيلوا لو أن صدام أو القذافي أو الأسد أوالسيسي أو عبد الله صالح انسحب بإرادته وسلم لغيره الراية،،،،لوفعلوا ذلك لتم إنقاذ هذه الدول من الجحيم الذي وقعوا فيه ولدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه لكنها العقلية العربية بدون استثناء وملخصها ،،الأسد أو نحرق البلد ،،وهذا ما حدث ويحدث.
*زيدان ذكي وصل القمة مع(الريال )
واستشعر هبوط مستوى الريال
فهرب بجلده وترك الريال يتخبط ف المجهول..
سلام
زين الدين زيدان ليس إلا كبقية نجوم الكرة الأكثر جماهرية في العالم, وكثير منهم له مسيرة مشابهه وشخصية مشابهه وهو بالتالي بعد «النطحة التاريخية», سقط سقوط هؤلاء “الكبار أو المشاهير” كما سقط أمثاله, والأمثلة ليست قليلة في عالم الكرة. والحديث عن الشرف وأنه السبب وهذا وذاك هي تفاصيل ليست ذات قيمة كبيرة. سقطت الصخرة من علٍ. طبعاً مازال لديه الفرصة لاعادة الاعتبار للوجه الإنساني للرياضة ومسح الغبار عنه, بسبب مهزلة هذه “النطحة”, لكن بدون ذلك برأيي لن يرقى زيدان إلى مرتبة عالية, بالمعنى الانساني والأخلاقي. القسم الثاني من الحديث هو ماحصل مع اللاعب المصري محمد صلاح والبعض قال أنه فرعون!, المشكلة أن العرب عموما يجعلون من أبطالهم “آلهة” للاستثمار (سياسيا واجتماعيا … ) وماحصل للبطل الصغير هو مايحصل عادة لأطفالنا الذين نريدعم عمالقة يحملون العالم على رؤوسهم منذ نعومة أظفارهم, الأمر الذي يؤدي إلى أن يتعثروا ويسقطوا و”يفرطون” بالبكاء! وهم عادة يتحولوا إلى أشخاص فاشلين في حياتهم. وأعتقد أن الحظ يقف إلى جانب محمد صلاح كونه يلعب في نادي انكليزي وهناك عالم آخر, وأنه سيسعيد موقعة ويقف من جديد ودعائنا له أن يستفيد من هذه العثرة وتكون الآخيرة.
ال بعض لا تترك مكانها حتى إتغمشها زيدان عمل بالمثل “”إذ حلت فإنسحب “”
زين الدين زيدان ليس إلا كبقية نجوم الكرة الأكثر جماهرية في العالم, وكثير منهم له مسيرة مشابهه وشخصية مشابهه وهو بالتالي بعد «النطحة التاريخية», سقط سقوط هؤلاء “الكبار أو المشاهير” كما سقط أمثاله من فبله, والأمثلة ليست قليلة في عالم الكرة. والحديث عن الشرف وأنه السبب وهذا وذاك هي تفاصيل ليست ذات قيمة كبيرة. سقطت الصخرة من علٍ. طبعاً مازال لديه الفرصة لاعادة الاعتبار للوجه الإنساني للرياضة ومسح الغبار عنه, بسبب مهزلة هذه “النطحة”, لكن بدون ذلك برأيي لن يرقى زيدان إلى مرتبة عالية, بالمعنى الانساني والأخلاقي. القسم الثاني من الحديث هو ماحصل مع اللاعب المصري محمد صلاح والبعض قال أنه فرعون!, المشكلة أن العرب عموما يجعلون من أبطالهم “آلهة” للاستثمار (سياسيا واجتماعيا … ) وماحصل للبطل الصغير هو مايحصل عادة لأطفالنا الذين نريدعم عمالقة يحملون العالم على رؤوسهم منذ نعومة أظفارهم, الأمر الذي يؤدي إلى أن يتعثروا ويسقطوا و”يفرطون” بالبكاء! وهم عادة يتحولوا إلى أشخاص فاشلين في حياتهم. وأعتقد أن الحظ يقف إلى جانب محمد صلاح كونه يلعب في نادي انكليزي حيث عالم آخر, وأنه سيسعيد موقعة ويقف من جديد ودعائنا له أن يستفيد من هذه العثرة الثقيلة.