في البدء كان الشعار الخلافة «باقية وتتمدد» وبعد 3 سنوات من عمرها القصير لم يعد هذا الشعار قائما و «الخلافة» تخسر مواقعها بسرعة شديدة ومحاصرة من كل الجهات وتتعرض لضغوط من التحالف الذي كثف غاراته وإن كانت على حساب المدنيين أو البنى التحتية في معقليه الموصل والرقة. ولم يعد التنظيم آمنا حتى عندما يخرج بناء على اتفاقيات كما حدث على الحدود اللبنانية ـ السورية. فراية الخلافة السوداء تطوى لتوضع في أرشيف المتاحف والتاريخ كصورة عن انتصار سريع وجماعة سيطرت في لمحة البصر على ثلث العراق وسوريا وفي فترة لم تزد عن عام وتطورت لتصبح أغنى جماعة إرهابية في التاريخ، تنتج النفط وتصدره وتعدم الرهائن بطريقة مسرحية وتستعدي كل العالم عليها. وفي ما لم يبق من التنظيم إلا الصور والرموز، وأبو بكر البغدادي، في خطابه على منبر مسجد النوري: هرب الخليفة ولم يبق من النوري إلا أنقاض دمرها طيران دول التحالف أو مفخخات تنظيم «الدولة» وكالعادة في كل المعارك مع الجهاديين هناك أكثر من رواية لما حدث في ساحة الحرب. إلا أن القصة الحقيقية للتنظيم أصبحت بادية للعيان والانهيار السريع له فاق توقعات المراقبين، وهو ليس تراجعا تكتيكيا بل سلسلة من الهزائم التي كانت في مدينة تلعفر العراقية حيث أعلنت الحكومة العراقية سيطرتها على محافظة نينوى ونهاية «الدولة» ومشروعها في العراق. والوضع ليس أحسن في سوريا، فبعد خسارته مناطقه في الشمال والوسط يتعرض معقله في شرق البلاد للانهيار السريع ويتوقع المراقبون أن تكون الوقفة الأخيرة للتنظيم في وادي الفرات ودير الزور. والكل يحضر للنهاية الأخيرة ويلعب أوراقه التي يملكها.
وتعلق مجلة «إيكونوميست»(31/8/2017) على وضع تنظيم «الدولة» وتقول إن المعركة في دير الزور لا تسير على ما يرام بالنسبة له، فهم كما في الموصل وتلعفر والرقة محاصرون وضعاف ويتعرضون لهجمات من الجيش السوري. وعلى ما يبدو فالمشروع الجهادي الذي انطلق مستغلا تفرق أعدائه وتشتتهم أصبح الآن ضحية لاستعادتهم الثقة، خاصة الجيش العراقي الذي أعادت الموصل له جزءا من هيبته التي خسرها في حزيران (يونيو) 2014 وكذا النظام السوري الذي استطاع وبدعم من إيران وروسيا تحييد المعارضة واستعادة جزء من أراضي سوريا التي فقدها في الحرب التي مضى عليها سبعة أعوام. وترى «إيكونوميست» أن الإنهيار السريع للجهاديين فاجأ الكل خاصة في تلعفر التي كانت نقطة وصل بين الموصل والرقة بالإضافة لكون العديد من قادة التنظيم جاءوا من التركمان الذين يعيشون فيها، كما أن عددا كبيرا من الذين عملوا في «ديوان الحسبة» كانوا من التركمان ومنهم من لعب دورا في اضطهاد الطائفة الإيزيدية. وقد توقع الجيش العراقي مقاومة شديدة من ما قدر عددهم 2.000 مقاتل إلا أنه لم يجد إلا القليل وقد وفر انسحاب المقاتلين السريع باتجاه الصحراء الكثير على الجيش الذي لم يخسر سوى مئة جندي مقارنة مع الآلاف الذي قتلوا في المعركة التي استمرت 9 أشهر للسيطرة على الموصل. وبالنظر لما حصل للأخيرة من دمار فتلعفر لم يصبها ما أصاب المدن السنية الأخرى من الرمادي وتكريت والفلوجة التي كانت معاقل تابعة للجهاديين. وفي المحصلة النهائية كان خروج التنظيم من تلعفر سريعا بسبب ممرات الهروب التي فر منها المقاتلون وحتى بدون وجود هذه الممرات فإن «الخلافة» تخسر مناطقها بوتيرة سريعة وغير عادية. ففي الرقة مثلا، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على ثلثي المدينة، وفي الجنوب السوري ينتهي وجوده بشكل سريع خاصة حول مدينة درعا. وترى المجلة ان التنظيم وهو يخسر مناطقه لا يزال قادرا على إثارة المظالم السنية والحديث عن تدمير مدنهم والقول إن تلعفر لم يصبها ما أصاب بقية المدن السنية لأن شيعة يعيشون فيها. ولم يفقد الجهاديون مع ذلك قدرتهم على المفاجأة كما فعلوا في الرقة التي سيطروا فيها على دبابة ومعدات عسكرية ثقيلة وبدا مقاتلوه صامدين في العياضية بتلعفر، كما أن لديه القدرة على شن هجمات إرهابية في بغداد إلا أن مشروع «الخلافة» أو «الدولة» قد انتهى على ما يبدو وأسدل الستار عليه. فلم تعد لديه خدمات، لا ماء أو كهرباء وتتقلص المواد الغذائية بشكل مستمر ولم يعد يقدم العلاج الطبي إلا لمقاتليه. وحسب ناشط في الرقة فتنظيم الدولة «لا يقدم العلاج للمدنيين» و «يتركهم يموتون نتيجة لجراحهم». وخلقت التراجعات المستمرة أزمة للجهاديين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتهم، ففي دير الزور خفف ولأول مرة من وجود الشرطة الدينية وقلل من عملياته الانتحارية في الرقة وفرض التجنيد الإجباري على الشباب بين سن 20- 30 عاما. ومع أن خروجه من لبنان يعتبر تعزيزا للمقاتلين فيما تبقى له من معاقل سوريا إلا أن الخلافات الداخلية واضحة، فالمقاتلون المحليون عبروا عن حنقهم من المميزات التي لا يزال يتمتع بها المقاتلون الأجانب. وحسب مقاتل سابق: «لم يعد المقاتلون يتبعون الأوامر على الجبهات»، فالحماس الديني ليس حافزا على القتال كما كان في الماضي. وبات المسار واضحا في الطريق للنهاية ومع تقدم القوات العراقية والسورية يخسر الجهاديون زمام المبادرة. وبدت الثقة واضحة من قرار الحكومة العراقية فتح معبر طريبيل على الحدود العراقية ـ الأردنية. وفي سوريا يتقدم جيش النظام من تدمر باتجاه دير الزور، أما أبو بكر البغدادي فهو وقادته يتراجعون لمخبائهم في البوكمال والميادين لكي يحضروا للمعركة الأخيرة أو الفرار.
لكل هذا لا يعتقد القادة العسكريون الأمريكيون أن المرحلة المقبلة من القتال لن تكون سهلة، فهم وإن سارعوا بتهنئة العراقيين على النصر المفاجئ في تلعفر إلا أن الحرب بالنسبة لهم لم تنته. ويواجه القادة الأمريكيون كما تقول صحيفة «نيويورك تايمز» (31/8/2017) مجموعة من المشاكل السياسية والعسكرية المعقدة والتي يجب عليهم التغلب عليها قبل توجيه الضربة النهائية للتنظيم. وأهمها هي التأكد من عدم حدوث تصادم بين القوات التي تدعمها الولايات المتحدة وجيش النظام السوري والجماعات الموالية لإيران. وحسب الجنرال ستيفن تاونسند، القائد العسكري للقوات الأمريكية في العراق فالمعركة الأخيرة ستكون في مناطق وسط الفرات «وكل هذه القوى ستتلاقى هناك». وتقييم الجنرال الأمريكي يختلف عما كان القادة العسكريون يتحدثون عنه قبل عام ونصف. وكانوا يعتقدون أن سقوط مراكز الجهاديين الاقتصادية والسياسية في الرقة والموصل ستعلم نهاية التنظيم. وقال وزير الدفاع السابق أشتون كارتر «لهذا السبب فالسهام على خريطة حملتنا تؤشر ناحية الموصل والرقة». ويبدو أن التنظيم كان يتوقع خسارة المدينتين ولهذا نقل كل مراكزه الإدارية والقيادة العسكرية والمسؤولين المكلفين بالعمليات الخارجية إلى وادي الفرات. وأصبح نشاط الجهاديين متركزا في الميادين والبوكمال في سوريا والقائم في العراق حيث يتمتع التنظيم بدعم قوي ولا يوجد للتحالف قوات هناك على الأقل في الوقت الحالي. وترى أن معركة وادي الفرات ستكون معقدة أكثر من تلعفر. وقال تاونسند:»نحضر لقتال صعب». وتشير إلى الطبيعة المعقدة من ناحية القوى المشاركة في العملية والتي تضم قوات مدعومة من الولايات المتحدة تقاتل في الرقة وأخرى تدربها القوات الأمريكية في قاعدة التنف على المثلث الحدودي بين الأردن وسوريا والعراق بالإضافة للقوات السورية التي ستقوم مع تقدمها بتجنيد عشائر عربية أخرى للقتال في صفوفها. وفي ضوء الواقع المعقد يخشى المسؤولون الأمريكيون من انهيار شروط «تجنب النزاع» وحدوث مواجهات القوات التي تدعمها. وأشار تاونسند قائلا «نريد تجنب مواجهات غير مقصودة». وهذا ليس حديثا نظريا بل حدث عندما استهدف الطيران الأمريكي قوات موالية للنظام كانت تتقدم نحو التنف بالإضافة لإسقاط طائرة روسية الصنع تابعة للنظام». وكان القادة الروس والأمريكيون ناقشوا وضع خطوط انقسام في وادي الفرات بين قوات النظام وتلك التي تحظى بدعم من الأمريكيين إلا أن الروس طالبوا بالسماح للقوات السورية العمل في المناطق الشمالية للنهر ولم يتم التوصل لاتفاق بهذا الشأن.
ولا بد من ربط ما يحدث من تراجعات لتنظيم «الدولة» بما حدث للنظام نفسه الذي يبدو قويا ومنتصرا كما كتب مارتن شولوف، مراسل صحيفة «الغارديان»(31/8/2017). وتحدث قائلا إن الشهور الماضية شهدت تراجعا في الدعم الدولي-المالي والعسكري للمعارضة السورية من أجل مساعدتها على الإطاحة بنظام الأسد ومنعه من تحقيق النصر. لكن هذا الوضع لم يعد قائما. وتحدث أن تصريحات الأردن حول العلاقات الثنائية مع دمشق وأنها تسير في الإتجاه الصحيح مهمة ويعتبر للكثير المسمار الأخير في نعش قضية المعارضة السورية. وفسر في داخل المعارضة السياسية والحلفاء الإقليميين بأنه تعبير عن مرحلة تطبيع العلاقات مع النظام. وبالتأكيد فما صدر في عمان جرت ملاحظته بسرعة في أنقرة والدوحة والرياض. وهي الدول التي كرست نفسها خلال السبعة أعوام الماضية لدعم المعارضة ضد الأسد وحاولت الإطاحة به ولكنها اليوم تواجه منظور القبول ببقائه في السلطة. وقال إن المعارضة السورية التي عادت الأسبوع الماضي من قمة في الرياض بعدما أخبرها وزير الخارجية عادل الجبير مباشرة أن السعودية بدأت تبتعد. وحسب دبلوماسي غربي بارز: «لم يعد السعوديون يهتمون كثيرا بسوريا». وأضاف «ما يهمهم هو قطر وخسروا سوريا». وهذا الوضع لا يختلف عن بريطانيا التي لم يعد فيها الخطاب الداعي لرحيل الأسد حاضرا في الخطابات العامة للحكومة والتي اشترطت خروجه من القصر الرئاسي كخطوة أولى تجاه تحقيق السلام. وحل محل الكلام المتشدد الخطاب الذي تصفه الحكومة البريطانية «الواقعية البراغماتية». وبالنسبة للأمريكيين فقد فوض وزير الخارجية ريكس تيلرسون مهمة التوصل لحل الأزمة السورية للروس مباشرة. وفي الوقت نفسه أعلن الرئيس دونالد ترامب عن وقف برنامج تسليح ودعم وتمويل المعارضة الذي كانت تشرف عليه وكالة الاستخباراتية الأمريكية – سي آي إيه. وأرسلت من خلاله الولايات المتحدة أسلحة للجماعات السورية التي تم فحصها عبر كل من تركيا والأردن. وتنبت واشنطن موقفا ثانويا من العملية السلمية في كل من أستانة وجنيف وركزت جهودها على مكافحة تنظيم «الدولة» لا الأسد. وقالت إن «الدبلوماسيين تحدثوا عن طبيعة المرحلة المقبلة للنزاع لكنهم قالوا إنها ستتسم بإعادة دمشق فرض سيطرتها وبدعم من إيران وروسيا وكلاهما يبحث عن دور حاسم في سوريا ما بعد الحرب». وقال أحدهم «عندما يكتشف الروس أن إيران لا سوريا قد ربحت المعركة فإنهم سيقومون بإجبار الأسد على التفاوض. وهذه ورقتهم الرابحة من ناحية القول للمجتمع الدولي أنهم حققوا له ما يريد. وهذه تعتبر بمثابة استراتيجية خروجهم. ولكنهم أخبرونا أنه لن يقتل خارج البوابة وسيعيش في منفى آمن». وفي تركيا التي كانت من الدول الأولى التي تبتعد عن دعم المعارضة والتركيز على مواجهة الطموحات الكردية فهناك شعور أنها خسرت الحرب. وفي النهاية فخسارة التنظيم معاقله لن تحل مشاكل ما قبل صعوده من مظلومية السنة وسيطرة الديكتاتورية. وطالما ظلت هذه الظروف قائمة فظهور النسخة المقبلة مسألة وقت.
إبراهيم درويش
هزيمة التنظيم بدأت منذ خسارته عين العرب (كوباني) بسبب الضربات الجوية الأمريكية المساندة للأكراد !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته وشكراً للأستاذ درويش على المقال المهم
لقد فعلت هذه الفئة الضالّة من خوارج القرن الحادي والعشرين في الموصل الحدباء ما لم تفعله النازية في أوروبا أو الصهونية في فلسطين !!! تبّاً لكل فرد في داعش (كبيرهم و صغيرهم) والى جهنم و بإس المصير إن شاء الله تعالى.