على هامش معرضه التشكيلي «وجوه مدينتي 2»: الأردني هاني الحوراني يطالب بردم الفجوة بين الفن القديم والحديث

حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: «عمان ليست مجرد مدينة للعيش، وإنما مكان للتأمل والتمتع بجمالياتها»، عبر هذه القناعة أقام الفنان الأردني هاني الحوراني معرضه «وجوه مدينتي» عام 2013، واليوم يقدم نسخة جديدة من المعرض بعنوان «وجوه مدينتي 2» في غاليري رؤى في العاصمة الأردنية عمان.
يؤمن الحوراني بأن «وجوه مدينتي» مشروع لا يتحقق لمجرد تنفيذه، مرة واحدة، على شكل معرض شخصي أو أكثر، ولا بمساهمة فنان فرد، إذ هو «مشروع فني ـ ثقافي» يتطلب من الفنانيين المؤمنين بجماليات عمان أن ينخرطوا فيه، ليس فقط لأن المدينة تستحق مثل هذه الجهود، ولا لمجرد التعبير عن الانتماء المكاني لفناني عمان، وإنما لأن تجسيد «وجوه عمان» في أعمال وتصاوير فنية، هو أحد وجوه إحياء الفن الحضري، وامتداد أصيل له.
وفي حديثه لـ «القدس العربي», يقول الحوراني «تبين بالتجربة أن عمان تستحق أكثر من معرض وينخرط في العمل عنها أكثر من فنان, لذلك عدت إلى التجربة من أجل إكمال الهدف نفسه, ولم أتوقف عن الاهتمام بجماليات عمان, والسبب أنني ابن هذه المدينة وأدرك جمالياتها التي ليست مستمدة من وجود بحر أو نهر أو بحيرة, التي في العادة تضفي على المدن جمالية خاصة.
عمان مدينة جبلية جماليتها ناتجة عن هبة طبيعية من الطوبوغرافيا الجميلة، والأهم من ذلك ما قام به الناس على الجبال, كيف تمكنوا من السكن على سفوح الجبال منذ العشرينيات, عشرات الأجيال التي بنت هذه البيوت وخلقت نسيجا أو شبكة من العمارة التي لها طابعها الجمالي المميز.
وأضاف الحوراني: «من المهم لفت نظر الفنانين إلى الموضوعات التي اُهملت مثل المناظر الطبيعية والمشهد الحضري حتى الموضوعات التقليدية, حيث اتجه أغلب الفنانين نحو الحداثة زيادة عن اللزوم، وآن الأوان للعودة وردم الفجوة ما بين الفن القديم والحديث, وهذا ما أقوم به من خلال هذا المعرض. بينما سيكون معرضي القادم عن ثمرة الرمان».
وفي تعريفه لجماليات عمان في البروشورات المخصصة للمعرض, يرى الحوراني أن جماليات عمان مزيج من هبة الطبيعة وفعل الإنسان، فهي ليست نتاج التخطيط الحضري المسبق، ولا عبقرية مهندسي العمارة، وإنما هي أساساً نتاج مزيج من «عبقرية» الناس العاديين وهم يصعدون المزيد من التلال المحيطة بوادي عمان، سعياً وراء مسكن ملائم ودائم لهم ولأسرهم ولذريتهم من بعدهم، وبين عبقرية المكان، أو جمالياته الطبيعية والطوبوغرافية، التي أعطت عمان طابعها الخاص كمدينة «التلال السبعة».
«وجوه مدينتي» في نسخته الجديدة – بحسب الحوراني- تحاول أن تكمل لا أن تكرر، النسخة الأولى منه، فلأن «وجوه مدينتي» هي بالنسبة لي مشروعا متعدد الأبعاد والمعاني. فمن خلال الأعمال المنفذة في هذا المعرض جرت محاولة لتوليف جماليات الصورة الفوتوغرافية مع جماليات اللوحة التشكيلية، عن طريق الجمع بين كثافة التفاصيل في الصورة الفوتوغرافية وبين كثافة المادة الصبغية، التي تتجاوز الألوان إلى مفهوم المواد المتعددة لتنتج من هذين المزيجين لوحة حداثية تنتمي إلى ما يمكن تسميته «بالفوق واقعية».
أحد المعاني التي يرمز لها مشروع «وجوه مدينتي» هو انه يرمي إلى إعادة الاعتبار إلى المشهد الحضري والمشهد الطبيعي، اللذين لم يتحقق لهما الحضور الضروري في المشهد التشكيلي الأردني المعاصر، ربما بسبب الاندفاع الجماعي إلى «حرق» المراحل الفنية، والقفز عن الموضوعات و»الثيمات» الفنية التقليدية، مثل «المشهد الطبيعي»، و»الطبيعة الصامتة» و»البورتريه» إلى لوحة اللاموضوع، وإلى الفنون غير التشخيصية والمجردة، وغيرها من الاتجاهات التي لم تنضج مقدماتها عند العديد ممن تصدوا لها. من جماليات عمان إلى جماليات المدن الأردنية والعربية الأخرى, ثمة مسيرة طويلة وجماعية لابد من قطعها وصولاً إلى إحياء وتطوير فنون المشهد الحضري العربي المعاصر، باعتباره محصلة «بورترية» جماعي لمئات الآلاف من الناس العاديين والمجهولين، وفي الوقت نفسه واحداً من منابع الحداثة الفنية العربية المرغوبة.
ويضم معرض «وجوه مدينتي»، وهو الثاني له تحت ذات العنوان، خمسة وعشرين عملاً فنياً عن مدينة عمان، معظمها ذات أحجام كبيرة، ومنفذة بمواد مختلفة على القماش أو الخشب، ويستمر حتى منتصف يناير/كانون الثاني 2015.
ويذكر أن هاني الحوراني فنان أردني من تشكيليي الستينيات. أحد مؤسسي»ندوة الرسم والنحت» عام 1962، وأقام خلال الستينيات ثلاثة معارض شخصية لأعماله، قبل أن تقوده حرب 1967 إلى التفرغ للعمل كناشط سياسي. له ما يزيد على 20 معرضاً شخصياً، تتوزع ما بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي، منذ أواسط التسعينات احتلت المدينة والمشاهد الحضرية أهمية مركزية في أعماله الفنية، كما أولى عنايته بأثر الزمن على الأشياء المتقادمة، مثل جدران البيوت والشوارع وسطوح المواد، وهو يلتفت في أعماله إلى ملمس الأشياء والتفاصيل المهملة، التي لا تلفت عادة العيون العابرة.

آية الخوالدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية