عليّه الخالدي: قصتي وقصص آخرين تلتقي لتعيد للذاكرة مكانتها وموقفها

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: فرجة غير معهودة أتاحتها المخرجة عليّه الخالدي لكل من حجز مقعداً في مسرح غالبنكيان «الجامعة اللبنانية الأمريكية» لمشاهدة عرضها المسرحي «أبو وردة السانتا». دخلت إلى دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية وصاغت نصاً متداخلاً جمع اختباراتها الشخصية إلى نصوص كتبها آخرون. عرض بدأ هذا الأسبوع، وولج مباشرة إلى حيوية المسرح التي تشهدها بيروت بازدهار ملحوظ منذ بداية الموسم. ميزة هذا العرض اعتماده المشهديات «11 مشهداً» كل منها بحدود الخمس دقائق.
في سيرة عليّه الخالدي المهنية أنها مخرجة، مدربة وممثلة، حائزة على دكتوراه في المسرح العربي من جامعة لندن. في سجلها العديد من المسرحيات التي مثلت لبنان في مهرجانات عربية، وآخرها «عنْبرة». معها كان هذا الحوار:
○ لماذا فتح دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية الآن؟
• منذ عودتي إلى الجامعة اللبنانية الأمريكية لتدريس تاريخ المسرح العربي كنت أسأل طلابي ماذا يعرفون عن الحرب اللبنانية، أو حتى عن تاريخ وطنهم؟ صُعقت، عندما لم أجد لديهم أي معلومة حتى عن تاريخ بدء تلك الحرب. تلك الحرب وكنت في عمر 12 سنة، وانتهت وأنا في الـ30، استهلكت مراهقتي وشبابي. إذا نحن جيل تأثر بالحرب الأهلية، وبتصوري لن أكون ما أنا عليه بدونها. من مفاعيل الحرب عليَ أنها أبعدتني عن الطائفية رغم السائد من حولي، وهذا إيجابي، حتى أنها أقصتني عن الدين. شخصياً كونت أفكاري عن الحرب منذ بدئها من خلال أسئلتي لوالدي، ومشاهداتي للوحشية التي تعامل بها من يمثلون الطوائف بحق بعضهم البعض، وللأسف باسم الديانات المختلفة.
○ أن يعرف الطلاب عن الحرب الأهلية هي مسؤولية الأهل أم كتاب التاريخ المفقود؟
• لا شك هي مسؤولية الدولة وكتاب التاريخ. لن يتحقق الاتفاق على كتاب تاريخ موحد من دون تحقيق مجتمع مدني يؤدي بالإنسان للانتماء إلى قانون وليس إلى دين أو مذهب.
○ كأستاذة مسرح لماذا ذهب خيارك في الاختبار لإشراك المتفرج بالفعل المسرحي من خلال ولوجه إلى حيزه المكاني؟
• يحمل هذا النوع من المسرح تعريف المسرح الانغماسي. حضرت مسرحاً مماثلاً في انكلترا وتأثرت به. وجدته نوعاً مناسباً لفكرتي. أردت أن ينغمس الجمهور في الحدث بدل الإستلقاء على كرسي مريح ومتابعته من بعيد. لهذا وكما شاهدت مشى الجمهور، وتنقل بين موقع وآخر داخل مبنى الفنون الجميلة في الجامعة برفقة شخص، وتتبع قصته.
○ لنتعرف إلى قصتك داخل هذا العرض كونك عايشت الحرب ملياً؟
• ليس طبيعياً إلغاء ذاتي. في النص تفاصيل كثيرة عايشتها. فقد تعرّضت للخطف لمدة ساعتين على يد حاجز طيار. كنا في سيارة خمسة أشخاص، وصعد معنا ثلاثة مسلحين واضعين المسدسات في رؤوسنا. لفوا بنا بيروت الغربية، وأدخلونا إلى موقف سيارات. وعندما وجدوا أننا لسنا من الطوائف التي يرغبون بخطفها، وانتهى الأمر بسرقتنا. ندين للصدفة بحمايتنا جميعنا.
○ لماذا شكلت الذاكرة أساساً للعرض المسرحي؟
• نعم أردت للذاكرة أن تحتل مكانها. سألت كل من أعرفهم أن يخبروني ما يذكرونه عن الحرب. سألني أحدهم إن كنت أذكر وصولنا إلى وسط بيروت سنة 1977 أو 1978؟ الأعشاب والشجر حينها كانت تغطي المكان. يومها صورنا الكثير من الأماكن المدمرة، حتى جاء عناصر الفرقة 16 واقتادونا إلى مخفر البسطا. الواسطة أخرجتنا منه، وكتبت حروف اسمائنا الأولى في اليوم التالي في الصحف. لم أكن اذكر هذه الحادثة، ويبدو أن الذاكرة تختار ما ترغبه. هذا ما أسعى للعب حوله.
○ اختيار أن يكون الجمهور جزءاً من العرض فهذا في رأيي ما يهزه كما ظهر؟
• وهذا بالتحديد ما أردته. أي أن يخوض الجمهور رحلة مع الماضي، بحيث يتمكن الممثل الرئيسي من فتح جروحه. في رأيي أن بعض المتفرجين سيشعرون بالضيق ولن يكملوا التجربة لعدم قدرتهم على الإحتمال، أو لعدم رغبة بمعايشة الحرب من جديد لدى من اختبروها. متابعة العرض أو الإمتناع يعود لرغبة كل مشاهد.
○ كأستاذة يفترض أن يكون عملك المسرحي تدريباً للطلاب. كيف تختارين الممثلين؟
• في «أبو وردة السانتا» ممثلون من طلاب الجامعة اللبنانية الأمريكية ومن الخريجين، ومن جامعات أخرى، كما اخترت محترفين وهواة. في تجربة الأداء التي شارك فيها كثيرون الموهبة كانت أساساً. رغبت من جهة أخرى بممثلين من اختصاصات متنوعة في الجامعة ليكون لدينا مجتمع مسرحي متكامل بدل حصره في دائرة الفنون الجميلة والمسرحية. حين كنا طلاباً كان للمسرح مجتمعه من كافة الدوائر، وهذا ما تراجع نسبياً، لكن المجتمع المسرحي الجامعي ضرورة. على سبيل المثال اخترت طلاباً من دائرة تصميم الأزياء لمساعدتي بهذه المهمة. إثنان من طلاب الهندسة المعمارية رسما الديكور. أجمل ما في المسرح أنه يجمع مواهب متعددة في عمل واحد.
○ في السنوات الأخيرة ازدهر عملك على مسارح غير جامعية وآخرها مسرحية «عنْبرة». هل كان تجسيد جدتك الرائدة حلماً؟
• من دون شك. وكان أفضل لو نفذت هذا الحلم في حياتها فقد رحلت سنة 1986. إنما كان تفاعل عائلتها مع العرض جميلاً. فقد حضره أبناؤها وأبناؤهم، وأبناء أخوتها. وبعضهم حضر العرض لأربع مرات، فهو أعادهم إلى أيام المصيطبة، ودارة آل سلام. العائلة تطالب بعروض جديدة. الفكرة واردة إن وجدت الدعم المادي. وأرغب بالتحديد أن يكون العرض للمدارس. فنحن حيال مرحلة من التاريخ السياسي والاجتماعي وتاريخ المرأة تحديداً كونه مهمشا إلى أبعد الحدود.
○ هل تأتي المرأة صدفة في اختياراتك الفنية؟ مثلت في «ايوبة» وفي «وصفولي الصبر» حيث المرأة هي القضية؟
• بصراحة هي الصدفة. لا ينصبّ اهتمامي على تاريخ المرأة ومقاومتها للمجتمع الذكوري الذي نعيشه. قد لا يعتبرون المخرج فناناً. إنما لدى رسم الفنان للوحة فهو يعبر حسب المرحلة التي يمر بها عقلانياً أو روحياً ويجسدها على المسرح. هي حال المخرج بالتمام. المخرج يعبر عن الواقع الذي يعيشه. الذكورية في لبنان رغم كوننا في طليعة البلدان العربية المتحررة، تكاد تخنق النساء. والذكورية ليست بعيدة عن أوروبا ففي انكلترا حيث عشت لسنوات كنت أعرف أن نساء كثيرات يتعرضن للتعنيف على أيدي أزواجهن. الفرق بيننا أن النساء في الغرب لديهن جهة رسمية تحميهن، وهذا ما كنا نفتقده قبل صدور قانون حماية المرأة من العنف الأسري وتزايد عدد الجمعيات التي تعنى بها. نعم قضايا المرأة متقدمة في أجندتي.
○ أين تأثرت بجدتك عنبرة سلام؟
• في تصوري أني تأثرت بتواضعها الكبير. لست أدري إذا كنت أشبهها في تواضعها. لكن تواضع جدتي فتنني. رغم انجازاتها الكثيرة لم تقل يوماً أنا.
○ في تعريفك هل المسرح رسالة أم متعة؟
• يستحيل فصلهما. هما معاً على الدوام.
○ هل خلعت دور الأستاذة بسهولة حين دعاك الطالب الخريج عوض عوض للمثيل في «أيوبة»؟
• أحترم وأقدر كل مبدع حتى وإن كنت استاذة له. عوض واحد من هؤلاء. دخل عوض الجامعة للتخصص في الغرافيك ديزاين، وإذ به يدخل المسرح وكأنه زوبعة. أظنه شارك بمئة مسرحية في سنوات دراسته. في كل عرض كان يتلقى طلباً للمشاركة من زملائه. مواهبه لا تصدق من ماكياج، وشعر، وتصميم ملابس، وتصميم اكسسوارات. ليس بارعاً في التقنيات، لكن يديه لا تعرفان سوى العمل والإبداع. كتب وأخرج عملين مسرحيين، وعندما قدم لي نص «أيوبة» وبعد أن شاهدت أعماله السابقة قررت أن أدعم موهبة هذا الشاب.
○ ألم يحسم قرارك أن «أيوبة» رمز المرأة الفلسطينية، وعوض فلسطيني وأنت من فلسطين؟
• بل شكل هذا الجانب صعوبة. كان لزاماً النطق بلهجة فلسطينية، ولا أتقنها. شرف لي بكل تأكيد دور المرأة الفلسطينية التي تعيش معاناة تفوق تصور أي منا. نعم هو تحد أحببته جداً أولاً النطق بالفلسطينية، وثانياً أن أكون بإدارة مخرج كان من طلابي. هي تجربة غلب عليها الممثل بعد أن تصارع مع المخرج. لكن توازنا جميلا حل بيننا. لم استعمل الاستاذ في داخلي بل تركت عوض على حاله. ودعمته ليصل إلى أفضل ما يريده مني. دور الاستاذ أن يرى ما لدى الطالب من نقاط قوة لتكريسها، لا أن يحد من إبداعه.
○ هل تصورت هذا النجاح لأيوبة؟
• بصراحة لا. أعرف أنها مسرحية جيدة، لكن التجاوب الإيجابي كان كبيراً جداً، وهذا ما أفرحنا. كافة أنواع الجمهور رحب بها، ونحن ما زلنا حيال عرض جديد في مركز معروف سعد الثقافي في صيدا في التاسع من كانون الأول/ديسمبر.
○ أنت ولينا ابيض تتبادلان اللعب في المسرحيات التي توقعانها. هي موجودة حالياً في «ابو وردة السانتا» هل هو تعاون، دعم أم ماذا؟
• التبادل أجمل ما في المسرح. بصراحة تعلمت الكثير من لينا المعطاءة دون حدود كإنسان ومبدعة. تتركني أعمل لوحدي، وفي الوقت عينه تدعمي حيث تراني أحتاج. قبل لينا أبيض كنت أشعر بشخصية قامعة للمخرج حيث لا كلمة تعلو على كلمته، ومعها اكتشفت أن المسرح عملاً جماعياً وليس سلطة. أرغب العمل مع لينا على الدوام.
○ نلاحظ منذ حوالي سنتين حضوراً مميزاً للنساء في حركة المسرح اللبناني. لماذا في رأيك؟
• حين بدأت دراسة الإخراج في كلية بيروت الجامعية للبنات وقبل أن تحمل اسم الجامعة اللبنانية الأمريكية في الثمانينات، كانت أعداد البنات المنتسبات للإخراج هائلة من بيننا سوسن دروزة ومنى كنيعو، كان الاندفاع ميزتنا وجميعنا تابع في هذا التخصص. قسم منا راح صوب التلفزيون حيث كان في بداية نهضته. التوجه للمسرح بهذه الغزارة يعود للثمانينيات وليس جديداً. حينها لم تكن الفتيات مختلفات في الحماس والإبداع عن زملائهن الشباب. شخصياً انقطعت عن المسرح لـ15 سنة بعد زواجي سنة 1995 وسفري. وفي السنة نفسها وصلت لينا ابيض إلى الجامعة ومن حينها وهي تقدم عرضاً مسرحياً كل عام. النهضة ليست طارئة للنساء في المسرح.

عليّه الخالدي: قصتي وقصص آخرين تلتقي لتعيد للذاكرة مكانتها وموقفها
«أبو وردة السانتا» عرض مسرحي إنغماسي يعيد الجمهور إلى زمن الحرب
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية