تونس «القدس العربي»: دعا الأمين العام لحركة النهضة علي العريض إلى الابتعاد عن تصفية الحسابات مع رموز النظام السابق والتركيز على المسار الديمقراطي في تونس، مشيرا إلى أن «الدساترة» هم جزء من المجتمع التونسي، كما نفى وجود أي خلاف شخصي مع القيادي الراحل شكري بلعيد، ورحب بالحوار مع الجناح غير المسلح من أنصار الشريعة، مشيرا إلى أن القبض على أبو عياض لن يقضي على الإرهاب في تونس.
وقال العريض في حوار خاص مع «القدس العربي»: «إذا أردنا تصفية مشكلات الماضي فأول شيء يجب التركيز عليه هو معالجة الضحايا واسترجاع الأموال والممتلكات التي أُخذت بغير حق، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الأمر بطريقة قانونية بعيدا عن الانتقام والتشفي، ويجب التركيز الآن على بناء دولة قوية ومجتمع حر وديمقراطي، ونحن واثقون بأن الشعب التونسي لن يسمح بعودة أي نوع من أنواع الاستبداد سواء عبر الأشخاص او الأحزاب أو غيرها».
وحول اتهام البعض لحركة النهضة بالتمهيد لعودة الدساترة او التجمعيون (بقايا حزب بن علي) إلى المشهد السياسي، قال «الدساترة أنواع وهم جزء من الشعب التونسي ويسري عليهم القانون الذي يسري على البقية ونحن نؤسس ديمقراطية في بلدنا ولا نسعى لمحاسبة الناس من أجل الانتماء».
وأضاف «أما فيما يتعلق بعودة بعض رموز النظام السابق للمشهد السياسي فنحن نثق بقدرة الشعب على التمييز الغث من السمين والانتصار لأهداف الثورة وحماية التجربة الديمقراطية الحالية، وبعض الذين يزايدون علينا في هذا الموضوع هم الذين تحالفوا مع هؤلاء (رجال بن علي) وهم الذين ضغطوا (لعودتهم) وعرقلوا العدالة الانتقالية وكل أعمال الحكومة من أجل أن تحقق أهداف الثورة».
ويرأس العريض أيضا قائمة النهضة «تونس 1» في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) المقبلة، ويرى أن الحركة ما زالت تتمتع بشعبية كبيرة لدى الشعب التونسي، مشيرا إلى أنها ستسجل حضورا هاما (الرتبة الأولى أو الثانية) في المجلس التشريعي المقبل.
ويلخص البرنامج الانتخابي للحركة بقوله «أهم أهدافنا خلال السنوات القادمة تتمثل بتسريع الخطى لبناء مجتمع ديمقراطي ومواطن له كرامة ودولة ديمقراطية قوية بالقانون وبمؤسساتها، لذلك سيكون التركيز على الجانب السياسي المتمثل في الحرية والديمقراطية والجانب الأمني المتمثل في بسط الأمن وفرض احترام القانون، فضلا عن الجانب الاقتصادي والاجتماعي».
كما ينفي وجود خلافات داخل «النهضة» حول الانتخابات التشريعية، مشيرا إلى أن الحركة لم تستبعد أية قيادات داخلها، «لكننا نريد التجديد باستمرار وتوفير الفرصة أمام الكفاءات الأخرى في الحركة وتركنا للجهات مسؤولية اختيار من تراهم مناسبين للانتخابات على أن تزكيهم قيادة الحركة مع الاحتفاظ بعدد من النواب للخبرة».
ويؤكد أن الحركة تطالب بحكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات تضم جميع الأطياف السياسية داخل المجلس التشريعي إضافة إلى منظمات المجتمع المدني، مشيرا إلى أن المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد تتطلب حكومة ائتلافية واسعة و»التحالفات أو الشراكة في الحكم تُبنى على أساس نتائج الانتخابات والتقارب في البرامج ومقتضيات أوضاع البلاد».
وحول التجاذبات السياسية الأخيرة بين «النهضة» و»نداء تونس»، يقول العريض «نحن في حركة النهضة نتنافس بشكل حضاري مع جميع الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية، ولا نسعى لخوض صراع أو تشويه (لأي حزب) لأن هذا لا يخدم المسار الديمقراطي في البلاد».
ويضيف «مشكلة حزب نداء تونس أنه حزب قام حول فكرة رئيسية هي معارضة النهضة ومحاولة إسقاطها من الحكم، من هذا الجانب هو واضح، لكن فيما يتعلق بالمشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يقدمه للتونسيين فهذا الأمر ما زال مبهما، والسبب يعود إلى كون الحزب خليط من قوى اشتراكية وليبرالية ونقابية ونظام قديم، وهو ما زال يتطور ويريد تشكيل هويته ليتجاوز معارضة النهضة كي يصبح حزبا له برنامج وهوية ومعروف لدى الشعب، وهذا طبيعي بالنسبة للأحزاب الناشئة».
من جانب آخر، أكد أن مبادرة «الرئيس التوافي» التي طرحتها النهضة تهدف إلى التأكيد بأنها لا تسعى للهمينة على الحكم، وأضاف «ترافقا بتجربتنا الديمقراطية وتجنبا للهينة وتطمينا للجميع وحرصا على أن يحظى الرئيس المقبل بأكبر قدر من التوافق والشرعية طرحنا مسألة الرئيس التوافقي، مع توقعنا بوجود كم كبير من الترشحات الذي سيؤدي لاحقا لتتشتت الأصوات».
وفيما يتعلق بتصريحات منسوبة لرئيس الحركة تتعلق باستعداد الحركة لاستضافة شخصيات من الإخوان المسلمين في تونس، قال العريض «لم أسمع أن عدد من قيادات الإخوان في مصر تقدموا بطلب اللجوء إلى تونس، ولكن بشكل عام نحن دولة قانون وديمقراطية ونقبل طالبي اللجوء مع مراعاة مصالح تونس وعلاقاتها الدولية، وهذا الأمر تقرره الحكومة والجهات المختصة».
وفيا يتعلق بتقديم استقالة حكومته في 2014، قال «عندما صار الوضع في تونس متأزما وثمة مخاطر على مسار الحرية ومحاولات حقيقية لأطراف في الداخل وبتشجيع من الخارج لتقويض مع بنيناه منذ الثورة، رأينا أن حماية الحرية والمسار الديمقراطي مقدم على التمسك بالشرعية المتمثلة بالحكومة التي كنت أرأسها ولم يستطع أحد أن يسقطها لا بالشارع ولا داخل المجلس التأسيسي»، مشيرا إلى أن تونس كانت مهيأة لسيناريو مشابه لما حدث في مصر.
وأضاف «رفضنا استقالة الحكومة وحل المجلس التأسيسي وتغيير الرئاسة، وقلنا يمكن تغيير الحكومة بشرط أن نصع البلاد على سكة الوضوح المتمثل بإنهاء الدستور وتشكل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووضع مواعيد محددة للانتخابات، وبعد لقاء عسير تنازل كل طرف من جانبه وتوافقنا على هذا الأمر، حيث تمت استقالة الحكومة وأفرزنا عبر الحوار حكومة جديدة لتسير البلاد نحو الانتخابات».
من جانب آخر، أشار العريض إلى أن القبض على زعيم تنظيم أنصار الشريعة لن يقضي على الإرهاب في تونس، مشيرا إلى أن البعض حاول توظيف حادثة «جامع فتح» لأغراض سياسية بعيدة عن الواقع، و»نحن سعينا لعدم اقتحام الجامع خلال وجود أبو عياض داخله، منعا لإراقة الدماء في ظل وجود عدد كبير جدا من المواطنين في الداخل والخارج».
وأضاف «ابو عياض ليس الإرهابي الوحيد الذي هرب من تونس، بل هناك تعاون مع عدة دول لملاحقة عشرات الإرهابيين الفارين من البلاد، لكن هناك تركيز على أبو عياض كونه المسؤول الأول عن تنظيم أنصار الشريعة الذي فيه جناح مسلح فككناه وعرفنا تركيبته وخططه والداخلية ما زالت تبحث عن العناصر الهاربة لتقديمهم للعدالة».
ويرحب العريض بالحوار مع الجانب غير المسلح مع تنظيم أنصار الشريعة ويقصد به الأشخاص الموجودون في السجن والشباب الذي يمتلكون نزعة تجاه الانحراف وأفكار هدامة ضد المجتمع، على أن يتم الحوار مع المفكرين وعلماء الدين. لكنه يؤكد بالمقابل أنه لا حوار مع من يحمل السلاح داخل التنظيم ويكفّر المجتمع ويستمعل الإرهاب «إلا بعد أن يلقي السلاح ويقدم نفسه للقضاء، عند ذلك يمكن أن تتحاور معه في الأسس التي بنى عليها نظريته».
وفي السياق ذاته، ينفي العريض ما يروجه البعض حول خلاف شخصي بينه وبين القيادي الراحل شكري بلعيد وربط هذا الأمر باغتيال الأخير، ويقول «لم أكن على خلاف شخصي مع الشهيد شكري بلعيد ولم نتبادل أي شتم ولا شيء من ذلك، وإنما كنا نتناقش أحيانا في إحدى الحصص التلفزية، ولا يمكن الربط بأي حال بين استهدافه وعلاقتي به أو علاقتي بالآخرين، أنا كنت كوزير مسؤول عن بسط الأمن ومقاومة الجريمة ومتابعة هذا الأمر، وبذلنا جهودنا كبيرة لحماية الشخصيات، غير أن الإرهاب استفاد من الحرية وانفلات الأوضاع بعد الثورة».
حسن سلمان