بابتسامته المعهودة يقف رئيس الحكومة امام عدسات المصورين متوسطا أمين عام اتحاد الشغالين ورئيسة اتحاد الصناعة والتجارة، واضعا يده فوق يديهما لالتقاط صورة للذكرى. المناسبة كانت التوقيع في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الماضي على زيادة جديدة في الاجور، تشمل اكثر من مليوني عامل بالقطاع الخاص في تونس. لكن التفاصيل التي قد تغيب في زحمة الحرص الشديد على الانضباط لقواعد البروتوكول هي، ان اصحاب الصورة كانوا منقادين في واقع الامر الى واجب ثقيل وممل، لحفظ ما تبقى من توازن هش ورخو في موازين القوى اكثر من أي شيء اخر. فبمجرد ان مضت اسابيع قليلة على تلك الاحتفالية الجذابة لم يعد باستطاعة اي احد من نجومها ان يتحدث بالثقة نفسها والوضوح السابق عن انجاز حقيقي وملموس يمكن الاحتفاء به، فضلا عن اقناع الجمهور الواسع بوجوده الفعلي على الارض. ما يؤكد تلك الصعوبة ان معظم المؤشرات تلتقي على حقيقة مؤلمة ووحيدة، وهي ان صحة الاقتصاد تزداد اعتلالا يوما بعد آخر وسعر صرف الدينار يتراجع بشكل مذهل وسريع امام العملات الاجنبية، والانكى من كل ذلك ان عجلة الانتاج تتحرك ببطء شديد وتواصل سباتها الشتوي لفصل او ربما فصول اخرى قادمة. لا العمال راضون ولا الحكومة مطمئنة ولا اصحاب رؤوس الاموال ايضا مسرورون لما يحدث. وفي المقابل لا تفسير يقدمه ثالوث الصورة الرسمية لقتامة المشهد وتعقده، سوى الحديث المعتاد والمكرر عن غول الارهاب الذي دمر السياحة وخرب الاستثمار ونفّر رؤوس الاموال، ثم اباطرة التهريب الذين انتهزوا الفرصة بعد ذلك للاجهاز على ما تبقى من لقمة عيش التونسيين وضربها في مقتل.
تطلب الحكومة هدنة مؤقتة واستثنائية لثلاثة اشهر حتى تلتقط البلاد انفاسها، ويشدد وزير الداخلية على انه لم يعد بوسع وزارته ان تواجه الارهاب وتتعامل في الوقت نفسه مع تسعة الاف تحرك احتجاجي قاده العمال او من يطالبون بفرص جديدة للعمل منذ بداية العام الجاري، كما تقول الارقام الرسمية. ويرد في المقابل اتحاد العمال بالتشكيك في الرقم المقدم وبالتحجج بشرعية المطالب. اما رجال الاعمال فيقفون في الوسط فلا هم يريدون قطع «شعرة معاوية» مع الاتحاد العمالي والتعرض لنقمة منتسبيه، ولا هم يرغبون ايضا بالظهور كمن لا يساند الحكومة او يدعمها في الحفاظ على هدوء واستقرار مؤسسات الانتاج. لكن الجميع يتهرب في النهاية من الاقرار بحقيقة صادمة ومخيفة قد لا يمتلك الشجاعة او القدرة على التصريح بها الان وهي، ان مكمن الداء ليس في اعالي الجبال او على تخوم البلاد، بل في الطاقات المشلولة والمعطلة داخلها، وفي غياب شبه كامل لاي اعتبار او قيمة لما يعنيه العمل او يرمز اليه. ما يقتات منه الكثير من التونسيين للعيش على سطح هذا الكوكب هو للاسف الشديد، قدر واسع من الاوهام والاحلام الوردية. وليس صعبا على المراقب او المتابع ان يلاحظ بسهولة مظاهر الانتشار الواسع والكثيف للاصابات بكسل الثورة في كل مرافق الحياة بلا استثناء، مثلما كان سهلا ويسيرا طوال عهد الاستبداد ان يعاين حالات الجمود والتكلس التي اودت بالكثير من النفوس والضمائر وقادت الى ارتفاع قياسي ومجنون في مشاعر اليأس والاحباط.
النتائج الاولية لاحدى الدراسات التي ظهرت في الايام الاخيرة والتي قام بها الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الادارة، تدق ناقوس خطر اضافي على ما ينتظر البلاد في قادم الايام، لكنها تكشف ايضا بالموازاة مع ذلك هشاشة ديمقراطية لم يتهيأ لها التونسيون يوما ولم يتصوروا انها تبنى بعرق الجبين وكد اليمين لا بانتظار القروض والهبات وترقب السماء ان تمطر العطايا السخية في اي وقت وبلا ثمن او حساب. في الدراسة الممتدة على الاعوام 2012 و2013 و2014 التي لم تنشر الى الان، ارقام تبعث على الفزع، اذ يؤكد رئيس الاتحاد في اكثر من تصريح صحافي على ان المعطيات تشير الى تراجع ساعات العمل خلال شهر رمضان مثلا، وهو الشهر الذي تتقلص فيه ساعات الدوام الرسمي من ثماني ساعات الى ست ساعات/ بتسجيل نزول صاروخي حاد يصل الى معدل عمل فعلي لا يتعدى الساعات الثلاث في اليوم الواحد وهو، ما يسبب بالطبع تقلصا واضحا في الانتاج بنسب قد تتخطى وفقا للدراسات نفسها عتبة الخمسين بالمئة.
ليس صيام رمضان سوى حجة قديمة واهية مثل، برد الشتاء او تعطل الحركة بعد نزول كميات غزيرة من الامطار، او غيرها من المبررات والحيل التي لا يعدم هؤلاء في ابتكارها واتخاذها ذريعة للتغيب عن واجباتهم او البطء والتقاعس في اتمامها. الحرية عندهم تعني امرا واحدا فقط وهو حريتهم في ترك العمل متى يشاؤون واستئنافه متى يرغبون وبالطريقة والاسلوب اللذين يناسبان اهواءهم ومزاجهم الشخصي لا غير. والسؤال الذي يظل معلقا هنا هو هل بهؤلاء وبأمثالهم يمكن لتونس ان تصنع ديمقراطية صلبة وناضجة ومحصنة ضد الهزات والتقلبات؟
لا احد يجرؤ من رجال السياسة او نخبها على الاجابة، ولا هم راغبون او قادرون على الاقتراب من تعقيدات بيروقراطية عتيقة مهترئة، فضلا عن المس بمشاعر جمهور ينتظرون اصواته في صناديق الاقتراع، إن تمت الانتخابات وفقا لمواعيدها المعلنة اواخر هذا العام.
ومن الواضح الا فرق تقريبا بين سطوة الاستبداد وثمرة الحرية المسقطة والمفاجئة الا في جانب فقط وهو حقوق العمال. فالحرية تمنح ولو من الناحية الشكلية والقانونية مزيدا من الحقوق وتقلص من الاستغلال المفرط والقاسي واللاانساني في بعض الحالات لجهود العاملين، لكنها لا تصنع مع كل ذلك عمالا متفانين ولا ضمائر حية وعقولا ناضجة وعزائم صلبة، بل قد تتحول على النقيض تماما من ذلك الى جشع عمالي متزايد وركود وقلة انتاج، كما هو الحال اليوم في تونس.
لقد منح الاتحاد الدولي للنقابات اواخر مايو/ايار الماضي تونس المرتبة التاسعة عشرة من بين 139 دولة شملها تقرير اصدره حول حسن معاملة الدول لعمالها. فيما حل بلد مثل فرنسا في المركز الثالث عشر وفقا لنفس التقرير. ببساطة قد يعني ذلك ان العمال التونسيين بصدد الاقتراب تدريجيا من نظرائهم بفرنسا من حيث الحقوق، اما الواجبات والالتزامات فبالطبع لا، مادام معظمهم يعمل بمعدل لا يتخطى الساعات الثلاث في رمضان، ولا يحس او يستشعر قيمة ما يعمل مع غياب ثقافة العمل وانتشار ثقافة التواكل وامتدادها على نطاق واسع.
يتباكى الجميع على حال الاقتصاد، وبعد ان يعود وزير الخارجية الفرنسي الى بلاده في ختام عطلة صيفية قصيرة يمضيها في تونس، من المتوقع ان يرجع مجددا مطلع الخريف المقبل اي قبل الانتخابات للاشراف على مؤتمر اصدقاء تونس. وهو مؤتمر دعت له فرنسا لجمع الاموال العاجلة قصد ضخ الحياة من جديد في ديمقراطية فقيرة ومنكوبة. اما ابناء البلد وطاقاته المعطلة والراكدة فلا وقت للحديث عنها الان، مادامت هناك طرق سهلة وسريعة لكسب المال بأقل الجهود والاتعاب، ومادامت هناك ايضا وعود مقبلة بالابتسام مرات اخرى امام عدسات المصورين في احتفالات جديدة باتفاقات للزيادة في الاجور لا في الانتاج بالطبع!
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
شكرا لصاحب المقال الدي كان نزيها و دقيقا في وصف عقلية الامبالات و عدم احترام العمل و بقيمته
اشفق عليك من باندية الاتحاد و ميليشياته
ردي على مقال نزار بولحية “عمال الساعات الثلاث” بصحيفة القدس العربي
” إذا كان رب البيت بالدف ضارباً … فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
انعدمت قيمة الجهد والكد والتعب والعمل في تونس واصبح المجتمع يلهث وراءالكسب السريع ..فبعد ان تمت سرقة خيرات تونس من طرف الطاغية الأسبق بن علي واصهاره ..الذين نجحوا في سرقة ما فاق قيمة ميزاية الدولة التونسية بأكملها..
وقد اصبح بن علي في الرتبة الخامسة على مستوى الثراء بين الديكتاتوريين العرب.
تونس تحتضن اليوم 6500 مليونير تونسي و بها 70 ملياردير..تونسي ..
هل توقف النزيف بعد الثورة ؟
لم يتوقف النزيف فبعد الثورة تضاعف عدد المقترضين من البنك المركزي التونسي( قروض بدون ضمانات ) فبعد ان كان الرقم سبعة آلآف مليار من الدنانير وردت في قائمة 126رجل اعمال تحصلوا على على هذه القروض في عهد بن علي ،تواصل النزيف و بلغت بعدالثورة اثنى عشر الف مليار من الدنانير التونسية وهي قيمة قروض بدون ضمانات.. حسب تصريح مدير البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري .
لا بدمن المحاسبة واسترجاع ما سرق ثم نطلب من الشعب ان يعمل .
محمد فوزي التريكي