زرت الأردن مرات ومرات وفي كل مرة تتكشف مواقع طبيعية ومعالم تاريخية – أثرية زيارتها متعة ومعرفة والرغبة مفتوحة للمزيد. حتى عمان جامعة الأصالة والحداثة تعرض على من يزورها أكثر من الفنادق والمطاعم والمقاهي والأسواق. لم تكتمل الزيارة للعاصمة إلا بعد التجوال بين أرجاء قلعتها التاريخية. قلعة عمان المجاورة للمدرج الروماني الضخم شرفة بانورامية على جغرافيا وتاريخ المدينة، فيها الكثير من آثار الرومان والبيزنطيين والأمويين. العاصمة التي يقيم فيها نصف سكان الأردن مدينة عريقة لها عدة أسماء (ربة عمون، فيلادلفيا وعمان) وتاريخها مرآة لحضارات المشرق كالعمونية والنبطية والبيزنطية والإسلامية وغيرها. في محيط عمان مواقع تستحق الزيارة منها كهف أهل الكهف وهو من المعالم الأثرية النادرة في محيط العاصمة
جرش.. أكبر من مدرج..
وعند «أم خليل» استراحة الزوار
وجرش أكثر بكثير من مدرج حجري عتيق يحتضن اليوم مهرجانات فنية. أصل تسميتها «جراسا» باليونانية وتعني المكان كثيف الأشجار. تلبية لدعوة وزارة السياحة الأردنية تجولنا في جرش اليونانية والرومانية. جرش واحدة من أفضل المدن الرومانية في العالم لأنها ظلت مطمورة في التراب طيلة قرون حتى كشف عنها قبل 70 عاما. بناها الامبراطور بومبي عام 63 ق.م ضمن المدن العشر( الديكابوليس) في المنطقة لمواجهة الأنباط وما لبثت أن صارت مركزا تجاريا ثقافيا أيضا. الزيارة تحتاج للتأني ولبضع ساعات، فكل عمود عملاق بزنة عشرات الأطنان أو تمثال رخامي متقن يروي قسطا من رواية مدينة عظيمة دام دلالها ورقيها قرونا وشوارعها أوسع من شوارع بلداتنا اليوم وتزدان بنوافير المياه. آثار الدواليب الحديدية المحفورة في أرضية الشارع المركزي للمدينة شاهد على نبض الحياة فيها. ما زالت عمارتها التي تمزج بين ثقافتي الغرب والشرق، مسارحها، معابدها وكنائسها وأعمدتها العملاقة تحكي ثراء ثقافة تثير الدهشة، الحيرة والإلهام. إن أصغيت قليلا خلال تجوالك بين بقايا تاريخية كثيرة تكاد تسمع جلبة الأسواق وضجيجها، بل تصلك تراتيل الكهنة في المعابد قبل نحو 2000 عام وأكثر. في المطعم الأسطوري «أم خليل» كانت استراحة الزوار.. وهي ساعة صفا حقيقية.
عجلون .. جليل الأردن
ويتبدى الاهتمام المتصاعد للأردن بسياحته ومواكبة تقنياتها الحديثة بزيارة عجلون وهي منطقة جبلية خضراء، غابات البلوط والفراولة على مد النظر وبدأت تنتشر فيها المنتجعات الصيفية التي توفر للسائحين المبيت والطعام والسكينة والمسارات في دروب طبيعية مدهشة. يعود من هناك وقد نمت فيه موهبة الشعر لما تراه عيناه. في الطريق للمنتجع السياحي كانت كروم التين والعنب والرمان والتفاح واللوز والمشمش تزين هضاب عجلون الشاهقة المباركة بعيون ماء تتدفق صيفا شتاء وهواها القادم مباشرة من صوب البحر المتوسط يشفي العليل. في عجلون وهي تسمية مؤابية، تترامى بيوت البلدة الحجرية الجميلة بين هضابها المزدانة بملايين الشجر، يحقق الهدف المراد كل من يبحث عن الهدوء والهرب من ضجيج الحياة اليومية ومن «فيسبوك» و»ووتس أب» و»الانترنت» بما فيه. ويمكن للراغبين التعرف على آثار عمرانية هامة أبرزها قلعة عجلون المعروفة بقلعة الربض. هناك في عجلون شقيق كسروان لبنان أو جليل فلسطين بدأت تنتشر الغرف الفندقية داخل بيوت الأهالي وهي ظاهرة سياحية عالمية بدأت في دول كثيرة قبل سنوات وأجمل ما فيها الأطعمة المحلية من زيت وزيتون وزعتر وأجبان وألبان بمذاقاتها البلدية الأصلية.
لاحقا كان من نصيبنا فنجان قهوة لدى أم أحمد التي استقبلتنا في ساحة بيتها المبني على الطراز الشامي. تظلل ساحة البيت الحجري على قمة الجبل «عريشة الدوالي» وفي جنباتها تشكيلة من الأشجار والزهور وفي الوسط نافورة تعزف مياهها أنشودة الصباح إيذانا بميلاد يوم جديد متبل بطعم قهوة عربية، مفتاح النهار.
محمية ضانا
من أغرب مواقع الأردن غير المعروفة محمية ضانا الطبيعية المكونة من جبال شاهقة ووديان سحيقة شرقي منطقة وادي عربة. وتعيش في المحمية الواسعة تشكيلة نادرة من الحيوانات والنباتات والطيور وعاما بعد عام تجتذب المزيد من السائحين الأجانب الذين يقضون وقتا ويبيتون فيها داخل غرف حجرية مجهزة بشروط سياحية ملائمة ويرافقهم مرشدون من إدارة المحمية ممن يروون حكاية المكان بسلاسة وحرفية كما فعل المرشد أبو محمد السعودي. ولشدة انحدار منتجعها السياحي ينقل الزائرون في مركبة خاصة تعطيك فرصة للتمتع والتأمل بمشاهد طبيعة تترك رهبتها وانطباعها عليك بقوة.
وادي رم
وادي رم كانت واحدة من محطات الزيارة في الأردن متعددة المناخات والتضاريس. هناك تتجلى الصحراء بكامل هيبتها، جبالها عملاقة وأخاديدها مدهشة ورمالها من ذهب ونحاس. ويجد الزائر في وادي رم الكثير مما يراه ويرفه عنه، فالجولة على متن سيارة جيب قبيل الغروب تعطيك ما لا تجده في بلد آخر، ويمكن التحليق من فوق الصحراء الحمراء ومشاهدة مفاتنها من على منطاد طائر. لكن أجمل ما فيها ليلها، فالسهرة استقرت بنا داخل منتجع الـ»الكابتن» حيث أعدت وجبة طعام على الطريقة الصحراوية «الزرب» أو المدفونة القائمة على فكرة طهو اللحم مع الخضراوات في باطن الأرض. لكن الشيخ العجرمي الكفيف هو زينة الواحة التي تراقصت على أنغام معزوفات عود رنان وصوت كله حب وحنان. العجرمي شيخ كفيف يغني للكثيرين لكن فيروز أقربهم لفؤاده ويتحدث عن الرحابنة بخشوع. يتمتع الزائرون بسماء صافية تشع منها النجوم فترى بوضوح أشد من أي مكان آخر وسط عتمة الصحراء لا يبددها سوى نار شعبان القهوجي المصري الذي يمكث بجوار موقدة يعد فيها الشاي والقهوة ومشروب الهيل. يسقيك البن على طريقته ويستذكر أن فناجين القهوة وفق تقاليد الصحراء والبداوة أربعة: فنجان للهيف، فنجان للضيف، فنجان للكيف وفنجان للسيف. أما الأول فيحتسيه من يقدم القهوة بنفسه كي يتأكد من درجة حرارة مناسبة للبن ويطمئن الزائر بأن المشروب خال من أي شائبة. أما الثاني فهو من نصيب الضيف وعندما يطلب المزيد يكون ذلك فنجان الكيف. لكن الفنجان الأخير خطير وهو لمن يخار من أفراد القبيلة أن يتولى عملية تقل أحد أعدائها بعد اجتماعها وقرارها بقتله.
البتراء
البتراء مدينة نحتها الأنباط في الصخر الأحمر تستحق بجدارة لقبها. واحدة من العجائب السبع ودرة تاجها الخزنة التي ما تنفك تتأمل بها مشدوها بقوة الإنسان على تطويع الطبيعة. وبجوار الموقع الأثري الذي ما زالت تجبى فيه رسوم دخولية غير رخيصة من العرب والأجانب لا تبخل مدينة البتراء خدماتها على الزائرين.
مدينة الفسيفساء
يمتاز الأردن بمعالمه الدينية الكثيرة للديانات التوحيدية الثلاث ومن أكثر كنائسها ندرة كنيسة القديس جورج للروم الأورثوذوكس في مأدبا من القرن السادس حيث تزدان أرضيتها بلوحة فسيفساء مكونة من مليوني مكعب حجري صغير. واللوحة المذهلة في جمالها ودقتها ترسم جغرافية المنطقة من الأردن إلى النيل وتعيد الباحثين على استعادة ملامح المكان في فترة غابرة.
وحتى لليهودية نصيب في الأردن ففي جبل نبو دفن وفق الاعتقاد النبي موسى عليه السلام الذي وصل المكان قادما من مصر ولم يقدر على دخول فلسطين مكتفيا بمشاهدتها عن قرب. ويعتبر جبل نبو مطلا فريدا على فلسطين وهو من المواقع المسيحية المعتمدة من قبل الفاتيكان.
حورية البحر الأحمر
بعد وادي رم كانت العقبة وهي واسطة العقد السياحي بالنسبة للأردن قولا وفعلا. النهضة العمرانية على طول المدينة التي يقطنها نحو 100 ألف وانتشار الفنادق والمطاعم وبقية المرافق السياحية تظهر أن الأردنيين ماضون في تطبيق ما يعلوننه. لا شك أن المدينة تنافس بمضمونها السياحي طابا وإيلات (اللتان اهتز الأمن فيهما، بالعامين الأخيرين) مجتمعتين وهي مرشحة لتجاوزهما في العقد المقبل. تستقطب العقبة سائحين أردنيين، عربا وأجانب من كل أنحاء العالم وتمنحها الشطآن الساحرة على البحر الأحمر قوة جذب كبيرة لدى الباحثين عن مواقع جديدة للراحة والاستجمام والسباحة والتمتع بـ 1200 نوع من السمك والمرجان. كما تستضيف المدينة مؤتمرات مهنية ونقابية وثقافية خاصة في نهاية الأسبوع وهي تبحث اليوم عن سياحة الكيف لا الكم كما تؤكد مفوضية العقبة الاقتصادية.
واحة في الصحراء
من أكثر المشاهد الطبيعية عجبا في الأردن وادي الموجب المجاور للبحر الميت وهو يمتد حتى جبل الكرك ومأدبا وفيه تتدفق المياه الغزيرة والباردة جدا. يقدم الموقع واحدا من أجمل النزهات في الطبيعة خلال الصيف من خلال السير في المياه مع سترة نجاة لأن المياه تعلو في بعض المقاطع التي تحتاج للعوم، مثلما هناك حاجة للتسلق بمساعدة حبال ومرشدين. وفي مثل هذه الأيام فإن القيام بمثل هذه المغامرة تجربة منعشة وروعة على روعة بفضل المياه الباردة في قلب منطقة صحراوية.
منتجعات البحر الميت
على الساحل الشرقي للبحر الميت قبالة أريحا الفلسطينية تقوم واحدة من أجمل المرافق السياحية في الأردن حيث بنيت عدة فنادق على الساحل فيها كل ما يخطر على بال، أهمها الاستجمام بمياه البحر الميت المفيدة علاجيا وطبيا. وعلى بعد نصف ساعة يجد من يريد مغطس السيد المسيح عليه السلام على ضفاف نهر الأردن. وما ذكر مجرد عينات من مواقع نادرة في الأردن تزداد فيها سياحة المغامرات يوما عن يوم، زرناها برفقة مرشدين أردنيين حرفيين ومؤهلين لسان حالها يقول «ليس بعمان وحدها يحيى الأردن».
وديع عواودة
يا سلام أعدت لي ذكرياتي من جبل المجد عجلون الى عمان الى أربد الى البحر الميت الى ربوع ارض الرباط حماك الله ايها الكاتب المبدع والى الارض المقدسة حبي لها متجدد وهي تجري في عروقي.