عمان- «القدس العربي»: ترتفع الأصوات وتحديداً من طبقة رجال الدولة وكبار السياسيين في أشد لغة تحذيرية في الأردن بالتزامن مع «الإضراب العام» الناجح الذي قفز فجأة بالطبقة الوسطى في المجتمع لمستويات التصعيد المسيس ولهتافات ستبدأ رسمياً مع الأسبوع المقبل وعبر مجمع النقابات المهنية بالمطالبة بإسقاط وزارة الرئيس الدكتور هاني الملقي. ويمكن في السياق وببساطة ملاحظة «ردة فعل» تشرعن الإضراب الذي زرع علامات سؤال حول المستقبل الوشيك لحكومة الملقي من قبل شخصيات شريكة من داخل مؤسسات القرار وأجهزة الدولة.
وهي رسالة صدرت بكل حال في البداية وقبل الجميع عن رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز الذي صرح علناً بأن الإضراب حق دستوري مشروع للشعب الأردني خلافًا للموقف الحكومي الذي عبر عنه موظف رفيع المستوى في رئاسة الوزراء ومسؤول عن ديوان التشريع هو نوفان العجارمة. العجارمة مال بوضوح وبصفة قال إنها شخصية لـ»تطريز» فتوى قانونية ودستورية حاولت التشكيك بشرعية الإضراب وحظره مهدداً الموظفين في القطاع العام من عقوبات القانون ومخالفة اللوائح إذا ما شاركوا في الإضراب. هذه الجملة التطريزية لم تصمد طويلاً لأن حكومة الملقي كانت بصدد الدفاع المرتبك عن الذات فقد دخلت فتوى قانونية مرجعية بقلم وزير مختص وسابق هو ابراهيم الجازي الذي نشر رأياً يمتدح الإضراب وساجل في اتجاه شرعيته كحق دستوري للمواطن الأردني.
الجازي كان يتحدث في البعد القانوني لكن رئيس مجلس الاعيان قرر وصف الإضراب بأنه حق دستوري قبل ان يسترسل رئيس مجلس النواب عاطف طراونة في جملة نقدية علنية مرتين وخلال الاسبوع نفسه ليس فقط في عدم معارضة الإضراب وفحواه ولكن أيضاً في إطار انتقاد الحكومة والاعلان بأن رئيسها هاني الملقي رفض النصائح ووقع في «فخ ارقام المستشارين».
تشكيك عميق
الطراونة في مجالسه غير الرسمية يلاحظ بأن حكومة الملقي تحاول تحويل أزمتها مع الشارع والنقابات المهنية إلى أزمة بين النقابات المهنية ومجلس النواب وعليه استبق الاحداث واصدر تصريحاً تالياً إنطوى على تشكيك عميق بأن يقبل مجلس النواب بصيغة القانون كما مررتها الحكومة.
يبدو ان الإضراب فتح مجالاً امام رئيس الوزراء نفسه لمحاولة تقييم وإقرار غير علني بالإخفاق في تمرير القانون او الاقرار بالتسرع في تحدث نائبه جعفر حسان ووزير ماليته عمر ملحس عن «حوار وطني» سبق اقرار صيغة القانون ولم يحصل فعلاً. ويرى مقربون من الملقي اليوم بأن إشارته المتكررة إلى ان القانون موجود الان بين يدي النواب تنطوي ضمنياً على صيغة اقرب للإستسلام بالتوازي مع الاصرار على عدم سحب القانون تنفيذاً لشرط النقابات المهنية التي اعلنت بعد نجاح الإضراب بأن نشاطها التالي الاربعاء المقبل سيكون الاعتصام ليس لإسقاط القانون بل لإسقاط الحكومة.
لاحقاً أيضاً دخل على الخطوط رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري الذي امتدح الإضراب علناً ووصفه بأنه «عمل لا يمكن الإستهانة به» خصوصاً وان الإضراب وبعد 24 ساعة منه صاحبته تقييمات تتحدث عن إيقاظ عملاق النقابات المهنية فجأة والمجازفة بإغضاب الطبقة الوسطى التي قالت كلمتها في الشارع بحراك منظم وحضاري وقانوني وسلمي لم تحصل خلاله ولا مخالفة واحدة للقانون خلافا لحراكات متنوعة سابقة. المصري زاد في تصريح منقول عنه لصحيفة عمون متحدثاً عن قانون الضريبة المثير للجدل بإعتباره «القشة التي قصمت ظهر البعير».
وإزاء مثل هذه التحولات خصوصاً في خطاب طبقة من رجال الدولة يمكن بناء استنتاجات محددة حول تمكن الإضراب الناجح من رسم لوحة جديدة ستنحصر قيمتها السياسية وبسبب كفاءة ونظافة تنفيذ الإضراب في الإطاحة المزدوجة بقانون الضريبة الجديد وبالحكومة معاً. ويلمح الطراونة للمسألة الأولى وهو يتحدث عن فتح المجال لحوار مع النواب بالخصوص مع الإشارة لصعوبة عبور الصيغة التي حولتها الحكومة حيث بات في حكم المستبعد تماماً ان تنفذ الحكومة بصيغتها التي أخفقت جراء غياب الحوار وحصول أخطاء وممارسات مغرورة في الخطاب والشرح من قبل بعض الوزراء.
تداعيات الإضراب
من المرجح في المقابل ان سقوط صيغة وزارة الملقي سيعجل بسقفها الزمني أيضاً بعدما أصبحت المواجهة شخصية وحتمية بينها وبين الشارع خصوصاً بقواه المستجدة التي تستعيد زمام المبادرة اليوم مثل النقابات المهنية والملتقيات الاجتماعية الاقتصادية التي بدأت بتنظيم نفسها بعيداً عن الأجندات السياسية او الحزبية وبطريقة لا يمكن مقابلتها بلعبة الاتهامات الكلاسيكية.
بقاء وزارة الملقي بطاقمها الاقتصادي «التأزيمي» كما هو أصبح مسألة مستبعدة اليوم منطقياً بعد تداعيات الإضراب. ويحصل ذلك فيما توثقت «القدس العربي» من عملية تقييم ومراجعة تجري لباقة من أهم الأسس التي بنيت عليها خطة ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي عند فريق الملقي خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتأسيس حالة لرأي مخالف داخل مؤسسات القرار يتحدث عن إنتاجية التصعيد الضريبي في مواجهة «تراجع واردات الخزينة» وطبيعة تلك الحوارات «الإسترضائية» التي تجري مع صندوق النقد الدولي والتي تم تازيم الشارع الأردني بسببها.
ملف العلاقة مع الصندوق الدولي أصبح نفسه وليس منطق «الجباية» فقط يحتاج للمراجعة وهو ملف من المرجح انه مفتوح على احتمالات عميقة جداً في حال فتحه بعمق وعلى مصراعيه وعلى اساس ان «إرضاء المؤسسات المانحة» مسألة ينبغي ان تتفعل في سياق تكتيك لا ينتهي وليس شرطاً ان ينتهي بالتازيم الوطني او على حساب الوضع الداخلي.
سياسياً يمكن القول اليوم وبعد الإضراب بأن على المحك ليس قانون الضريبة الجديد نفسه الذي تسبب بإيقاظ عملاق الطبقة الوسطى بسبب سوء إدارة إنتاجه وعرضه بل الحكومة وإستمرارها و»النهج» المعتمد تحديداً من قبل قائد الطاقم الاقتصادي الدكتور حسان في برنامج «الاستدانة لدفع فوائد الديوان» والاسترضاء الدولي غير المدروس الذي يسقط كل اعتبارات الداخل.
وكيف سيتم تطبيف شروط البنك الدولي ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
يستحيل حشد معارضة مليونية أو حتى ربع مليونية لقانون ملاحقة مجرمي تهرب ضريبي ومن يساعد عليه وخلق إدارة متخصصة تدقق وتلاحق وتغرم وتحول للنائب العام، فمجموع العمالة 3 ملايين منها مليون أجنبي بدخل أقل من تحقق ضريبة ومليون أردني متعطل لا دخل لهم أصلاً وأكثر من 90% من مليون أردني عامل دخلهم أقل من تحقق ضريبة والمتقاعدون لا ضريبة عليهم، إذن من يستحق عليهم ضريبة دخل أقل من مائة ألف أردني نصفهم لا يتهرب من ضريبة فالمعترضون ضمن خمسين ألف يتجنب نصفهم إشهار عداء للدولة فيبقى 25 ألف يتسع لهم أي معتقل صحراوي.
بيضة القبان
_______
في هذة الخطوة الغير مسبوقة ، والتي قررت بموجبها الحكومة الاردنية على ما يبدو تمرير قانونها ” المتوحش ” لرفع الضرائب على معظم فئات المجتمع دون اية اعتبارات مدروسة لما سيجلبه ذلك من عواقب وخيمة على السلم المدني وعلى هيكلة الاقتصاد الوطني المنهك اصلا .. تكون حكومة الملقي قد اسدت خدمة كبيرة ومباشرة للحراك الشعبي ” المتحضر جدا ” والى كافة مؤسسات المجتمع المدني وحثه على الانخراط الكامل باللعبة السياسية وعلى راسها بالطبع النقابات المهنية .. ناهيك عن ايقاظ عملاق ” الطبقة الوسطى ” التى بقيت تدفع ثمن رعونة السياسات الخاطئة والمرتجة للعديد من الحكومات التي سبقتها ..
ومن دون الخوض في تفاصيل القانون ” الجائر ” .. والذي – في حالة نفاذه – سيقود حتما الى نتائج كارثية لن تحمد عقباها على كافة الاصعدة .. وفي احسن الحالات قد يشتري للحكومة بضعة اشهر لدفع التزاماتها المترهلة.. لكنها – اي الحكومة – ستجد نفسها سريعا في نفس المازق ذاتة ولن تجد بدا من العودة الى جيب المواطن المسكين الذي وصل معظمة الى شفير الافلاس .. وهنا انا لا اتحدث عن الطبقات الفقيرة والمسحوقة ، بل مجمل الطبقة الوسطى او ما تبقى منها .. وهنا تكمن الخطورة .. فالطبقة الوسطى هي ” بيضة القبان ” والعامل الحاسم في توازن المجتمع والحافظ على تلاحمة واسقراره .. الامل هنا ان تعود هذة الحكومة الى رشدها وعن غييها وتستمع الى نبض الشارع الذي وصل سيله الزبى ..
وخصوصا – كما ورد في التحليل الفذ لكاتب المقال الاستاذ بسام البدارين ..
من وجهة نظر شخصية بحتة، وبغض النظرالى ما سيؤول الية مصير القانون المقترح .. ارى ان حقبة جديدة على وشك البزوع في علاقة ” مؤسسة الحاكم ” بالمحكوم .. وان هناك مستجدات بدات تتكثف على مستوى الوعي في الشارع الاردني وارهاصات – وان كانت جنينية – سيكون لها اثر بالغ في صياغة ” عقد اجتماعي ” جديد مبني على تفعيل مواد الدستور ومؤسسات كانت مغيبة لفترة طويلة خارج ايطار صنع القرار .. الرهان بالطبع على ” طول ” نفس القائمين على الاضراب الخضاري والسلمي .. والتعامل مع صاحب الامر بالعقلانية والمرونة المطلوبة ..
*رحيل (الملقي) لن يحل مشاكل
الأردن..؟؟
*الأفضل جلوس ممثلي (النقابات)
مع ممثلي (الحكومة) والبحث
عن حلول وسط ترضي جميع الأطراف.
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.
سلام