ليس من الظلم أو المبالغة القول إن كثيرا من الذين يتحكمون في مصير الجزائر قوم مصابون بالانفصام السياسي وربما الشخصي. هناك حالة إفلاس قادت إلى نوع من الفاحشة تتمثل في الاتجاه نحو منع الجزائريين المقيمين في الخارج ومزدوجي الجنسية منهم من تولي مناصب سياسية وقيادية في البلاد.
جدل أعقب الكشف عن هذا التوجه ضمن مسودة الدستور المعدل (المادة 51) التي تنتظر المصادقة. يتردد في الجزائر بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حاول إنقاذ الموقف لاحقا بتوجيهه إلى أن التفاصيل والوظائف المقصودة تحددها قوانين منظِمة في وقت لاحق. لم يلغها كما هو دأبه مع ما لا يعجبه، بل «تنازل» واقترح مراجعة بعض مضونها، فقط.
حتى لو حاول بوتفليقة إنقاذ الموقف، الضرر قد وقع ومجرد طرح الأمر في مسودة الدستور يكشف عن عقلية إقصائية بغيضة مستشرية بين أهل الحكم والمنظرين لهم.
يحدث هذا في زمن حركة الشعوب واندماجها وتزاوجها والتقاء اللغات والخبرات والثقافات. ويحدث بينما في العالم أكثر من 244 مليون شخص يعيشون خارج أوطانهم (وفق إحصائيات الأمم المتحدة 2015) 20 مليونا منهم لاجئون. ويحدث بينما تبحث البلدان، كبرى وصغرى، متقدمة ومتخلفة، عن أبنائها في كل المجالات وفي كل الأماكن لمحاولة الاستفادة منهم.
والأهم، يحدث هذا في بلد عاش اثنان من رؤسائه خارج البلاد ردحا طويلا من الزمن. الأول عبد العزيز بوتفليقة الذي قضى نحو عقد ونصف متجولا بين سويسرا ودولة الإمارات بعد تنحيته من على رأس وزارة الخارجية في 1980، وملاحقته قضائيا بتهم الفساد والاختلاس.
عندما اقترح صانعو الرؤساء الرئاسة على بوتفليقة في 1994 ولم يتوصلوا إلى اتفاق، استقل طائرة عائداً إلى.. سويسرا!
والثاني الراحل محمد بوضياف الذي طارده نظام الرئيس بن بلة والكولونيل بومدين فعاش في المغرب من 1963 إلى 1992 عندما عاد رئيسا واغتيل رئيسا على مرأى الجزائريين والعالم.
الذين حكموا الجزائر في فجر استقلالها واستولوا على الحكم بقوة السلاح، جاؤوا من الخارج. يعرفهم الجزائريون باسم جماعة وجدة. كانوا وراء الحدود أثناء الحرب الضروس التي خاضها الشعب والمجاهدون في الداخل، بعضهم لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه المستعمر الفرنسي.
أكثر من ذلك: بوتفليقة ذاته عيّن، وهو رئيسا للدولة بعد 1999، وزراء عاشوا في الخارج ويحملون جوازات أجنبية (عيّن بعضهم لا لكفاءتهم بل لمجرد أنهم من قريته). عملوا فيها مثل أجانب منتدبين وأشرفوا على قطاعات حساسة. بعضهم لم تتوفر لديه الثقة الكافية في الجزائر فترك عائلته في أوروبا وأمريكا، بينما هو يزورهم في نهايات الأسبوع أو الشهر. لم يحدث هذا قبل نصف قرن، بل قبل سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة! واليوم تفتقت عبقرية العباقرة بحرمان المقيمين في الخارج من المسؤوليات الحكومية.
مدير مكتب بوتفليقة، أحمد أويحيى، وفاءً منه دفاعه عمّا لا يقبل الدفاع، قال: كي تحكم الجزائريين يجب أن تعيش بينهم! تناسى الرجل أن الذين يحكمون الجزائر منذ 1992، وهو على رأسهم، لا يعيشون بين الجزائريين حتى وهم في الجزائر! هناك محمية تبعد 30 كلم إلى الغرب من العاصمة تسمى «نادي الصنوبر». هي أشبه بالمنطقة الخضراء في بغداد، يعيش فيها أهل الحكم تحرسهم الحواجز الأمنية المدججة بالسلاح والأسلاك الشائكة. شواطئها وشوارعها محرمة على عامة الجزائريين. لا شيء يثبت أن الذين يعيشون فيها يشاركون بقية الجزائريين حياتهم ويومياتهم!
أصحاب التوجه الجديد إقصائيون، عنصريون، مرضى نفسياً، ومصابون بمرض الحسد. لا أوصاف أخرى، والجرأة على وصفهم بما فيهم ويستحقون، ضرورة.
الجزائر التي أمست بلا مجد (شكرا للذين تداولوا على حكمها وساهموا في وصولها إلى هذا الخواء المخيف) لا تتأخر في البحث عن مجدها في لاعب كرة فرنسي (زين الدين زيدان وأمثاله)، فيصّر المعلقون السياسيون والإعلاميون على إلحاق عبارة «الجزائري الأصل» عند ذكر اسمائهم. لكن هذه الجزائر ذاتها، وعندما يتعلق الأمر بتولي مسؤوليات ووظائف عامة، تقصي بنص الدستور مَن عاشوا في الخارج أو يحملون جوازات أجنبية.
إيماني الراسخ منذ سنوات طويلة أن الجزائري، ولكي يحب الجزائر أكثر ويختبر مكانتها وقيمتها في قلبه، يجب أن يخرج منها. يجب أن يعيش في الخارج ويحتك بأقوام وتصقله محن وتجارب حلوة ومرة تساعد على ثورة البركان العاطفي النائم بداخله تجاه بلاده. الجزائريون شعب يضمر بالفطرة طيبة يعجز عن إبدائها، وتبرز فيه طباع حادة وقسوة غير حقيقية وغير مبررة.. شعب يمضي يومه عصبيا وغاضبا ومنفعلا في كل مكان، يلعن «بلاد ميكي» ويسب «الشعب الراشي» ويحتقر «دولة الباندية»، لكن ما ان يغادرها حتى يتصالح معها ويجد لها الأعذار والمبررات بسهولة. بل يكتشف أنه يحبها فوق المطلوب.
كنت سأفهم وأقبل لو نصَّت المادة 51 على منع أجنبي حصل الجنسية الجزائرية، لكن أن تستهدف جزائريين أبًا عن جد في بلد تحكَّم في مصيره لوقت طويل صف ضباط سابقون في الجيش الفرنسي، فهذا عبث بل عار.
إذا كان المقصود بهذا التوجه شخصا بعينه مثل الفقيد حسين آيت أحمد، فقد رحل وتركها لكم لتشبعوا بها. وإذا كان المقصود شخصا مثل رجل الأعمال رشيد نقاز مثلا، فهنيئا لكم لكم بلوغكم منتهى العبقرية.
٭ كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
شكرًا جميلا جدا ماكتبت الامم تبحث عن مواطنيا ذو الكفأت لكن الجزائر تطرد ابنأها ذو الكفأت فلا تتعجب انت في الجزائر المرؤ فيها حائر شكرًا
ابناء الجزائر الحقيقيون هم الذين بقوا فيها وتجرعوا مر العلقم ايام الارهاب العشرية السوداء، الذين واصلوا حياتهم رغم التهديد والوعيد، الذين ابقوا الدولةىقائمة رغم نزول سعر البترولالى ١٠ دولار، الذين قفوا صفا وسدا في وجه الارهاب وانتصروا عليه.
اما من اختار الهروب عند اول امتحان …وذلك شانه وحريته فليس من حقه الآن ان يفرض شروطا …..هنيئا له بجنسيته الفعلية والحقيقية __ لأنها نتيجة اختيار شخصي ولم يرثها عن ابيه بل كافحىمن أجلها واجتاز العراقيل الادارية وحتى العنصرية حتى فاز بها ….ولهذا ليس من حق هؤلاء الآن أن يفرضوا علينا نحن اختياراتنا….وشكرا.
رغم أنني من مزدوجي الجنسية ولكن أجد أن المادة التي تستثني الجزائريين المزدوج الجنسية من تحمل المسؤوليات السامية في الدولة جيد والتراجع عنه كارثه ويخلق لنا آلاف من شكيب خليل يعني تحويل أموال ضخمة ثم الهروب الى الجنسية الثانية .
لا أشاركك الرأي يا سي الطاهر. من يخاف الله و له ظمير لن يفعل ذلك و يأبى أن يدخل مال الحرام بأحشائه و يطعم أبناءه و أسرته العلقم. مشكل الجزائريين أنهم لم يثقوا في بعضهم البعض، تسري في عروقهم سياسة التخوين و العنترية و الإقصاء. نعيش الآن نتائج تلك السياسة العنصرية البغضاء، و الله غالب على أمره.
– من تخلى عن جنسيته الأصل واستبدلها بأخرى لايستحق أن يتقلد مناصب في الدولة لأن ولاءه ليس خالصا لوطنه الأم .
و ما هو تعريفك “الولاء للوطن الأم”؟ أغار على وطني الأم كغيرتي على أطفالي و أسرتي.