تجمعني صداقة ببعض من شباب حزب العدالة والتنمية التركي، وكثيراً ما كنت أجد أن من المثير مقارنة مسار الحوار بذلك الحوار والانفعال بالأحداث الذي نخوضه أحياناً مع المتحمسين لأردوغان وحزبه من الأشقاء العرب.
بعكس من يمكن أن نطلق عليهم اسم «الأردوغانيين العرب» فإن الأردوغانيين «الأصيلين» لا يظهرون ذلك القدر من التشنج، مقابل من يخالفهم الرأي أو من يعبر عن وجهة نظر مختلفة وهم، في معظمهم، يتعاملون مع جميع القرارات التي تصدر عن قيادات حزبهم كاجتهادات قابلة للتصحيح أو المراجعة، وليست أموراً مقدسة أو مسلماً بها. هذا الأمر يمكن ملاحظته في برامج الحوار المتلفزة، ففي حين يبدو الأردوغاني التركي رابط الجأش وهادئاً ومتأنقاً في اختيار الكلمات، يكون الأردوغاني العربي في الكثير من الأحيان عصبياً وسريع الغضب والانفعال، ومستعداً لإلقاء تهم قد تصل حد تكفير مخالفيه.
عندنا تقابل القرارات التركية بحماس غريب ومبالغٍ فيه، حيث يحرص الأردوغانيون في المنطقة على الترويج لها بقوة وعمل دعاية مضخمة لها، والرد على خصومها عبر وسائل الإعلام المختلفة فيصفونها بالحكمة وبأنها تصب ليس فقط في مصلحة تركيا، بل في مصلحة العرب والمسلمين أيضاً.
هي معركة في غير معترك بلاشك، فالرئيس أردوغان، وسواء اختلفنا أو اتفقنا معه في هذه السياسة أو تلك، يظل رئيساً لتركيا وليس لغيرها من الدول، ولذلك فإن من العبث الانجرار والانغماس في ما يبدو وكأنه قياس لشعبية أردوغان في هذا البلد العربي أو ذاك، لأنه ببساطة لن يسعى للترشح في أي انتخابات خارج بلاده مهما بلغت نسبة الأردوغانيين في ذلك البلد.
من النقاط التي يدندن حولها المتابعون للشأن التركي من المتحمسين للرئيس أردوغان، النقطة المتعلقة بأن معارضي حزب العدالة والتنمية لا برنامج لهم ولا مشروع وأنهم إنما يقتاتون سياسياً على معارضة كل ما يطرحه الحزب الحاكم في أي اتجاه كان. أي أنهم، وفي حالة وصولهم للسلطة فإنهم لن يقدموا للبلد سوى الضياع لعدم امتلاكهم أي رؤية واضحة للحكم والإدارة.
الحقيقة هي أن مثل هذا الطرح لا علاقة مباشرة له بالواقع التركي بقدر ما أن له علاقة بخلفية أصحابه الذي ينطلقون من عقد مقارنة خادعة بين نظام عربي يقوم على التسلط هنا وديمقراطية تركية راسخة هناك.
هذه العبارة يمكن أن تصدق على كثير من الدول العربية التي عملت على مدى عقود على إضعاف المعارضات وتفكيكها وإشغالها بنفسها عن طريق القمع والتشويه، وهو ما سيقود في النهاية لأن تصبح تلك المعارضات مجرد ظاهرة صوتية لا تحمل سوى شعارات جوفاء ورغبة عاطفية بالتغيير، لا تحكمها رؤية تفصيلية لمرحلة ما بعد التغيير. المرحلة التي لم تتدرب عليها تلك المعارضات بشكل فعلي، بسبب أنها لم تكن حاضرة على الساحة السياسية، بل إنها لم تكن تمارس السياسة أصلاً بمعناها المعروف إلا في أطر ضيقة ومن وراء حجاب.
كل ذلك لا يمكن مقارنته بواقع الحال في تركيا ومن الظلم القول إن المعارضة هناك إنما تعارض لأجل الاختلاف فقط، فكثيراً ما رأى معارضون لأردوغان أن من الحكمة والمصلحة مساندته، ويكفي تدليلاً على ذلك أن نذكّر أنفسنا بأن القناة التي ظهر فيها أردوغان ليلة الانقلاب الفاشل محرضاً الأتراك على الصمود، وموصلاً رسالة عبر هاتف إحدى الصحافيات لم تكن قناة موالية للحزب، ولكن اختلاف توجه تلك القناة لم يكن ليمنع الصحافية من لعب ذلك الدور التاريخي، الذي كان له الأثر الفائق في الانتصار على الانقلابيين.
أيضاً فإنه من التبسيط القول إن الملايين الهادرة التي خرجت رافضة للمحاولة الانقلابية كانت كلها من أنصار أردوغان، لقد كان هناك بينهم معارضون بلا شك ولكنهم كانوا يتمتعون بوعي كافٍ، جعلهم يدركون أن الفوضى المقبلة لن تهدد فقط خصمهم السياسي، بل الوطن التركي الذي ينتمي الجميع إليه.
أما المشكلة الأكبر التي يواجهها الأردوغانيون العرب فتكمن في مساعيهم الدؤوبة لتبرير كل التحركات التركية عبر الساحة الدولية. ليس ذلك فقط، بل إنهم يرون أن من واجبهم القول إن هذا التحرك أو نقيضه ذاك إنما جاء خدمة للإسلام.
الإشارة إلى الدين الإسلامي هنا مهمة، فكثير من أولئك «الأنصار» يتعاملون مع الرئيس التركي وكأنه زعيم للعالم الإسلامي، أو خليفة جديد أو أخير من الخلفاء العثمانيين، وهو ما يبدو مغرقاً في السطحية ومثيراً للسخرية، خاصة في ظل حكومة لا تمل من التذكير بحرصها على المبادئ العلمانية وميراث أتاتورك.
هكذا وحين تعمد القيادة التركية إلى تجميد علاقتها مع الكيان الصهيوني فإن ذلك يقرأ باعتباره حرباً ضد التسلط الصهيوني وموقفاً رادعاً وقوياً، أما حين تمر الأيام وتستعيد تركيا علاقتها الاستراتيجية بالكيان، فإن الأنصار ذاتهم سوف يسارعون لتبرير ذلك بقولهم إن التطبيع والحفاظ على علاقة ما مع تل أبيب قد يساهم في تحقيق بعض النتائج، خاصة تجاه رفع الحظر وتقليل المعاناة الفلسطينية.
مثل ذلك يمكن أن يقال في تعامل أنقرة مع قضية اللاجئين السوريين، فقد كانت سياسة فتح الباب للجميع سياسة إنسانية ومتماشية مع مبادئ مراعاة الأخوة وقيم الإسلام، لكن سياسة غلق الباب وتعقيد إجراءات الدخول التي لن تلبث الحكومة التركية أن تفعّلها ستكون بنظر أولئك حكيمة أيضاً، ومبررة في ظل التهديدات والتحديات التي تواجه الأتراك. الأمثلة في ذلك كثيرة. العلاقة المتذبذبة مع كل من طهران وموسكو والموقف من الأزمة السورية وغيرها من التفاصيل التي يظهر فيها اختلاف المواقف، والتي يجد المناصر البائس نفسه فيها مجبراً على التبرير، في إطار قيم البطولة أو تعاليم الإسلام، رغم أنها جميعها ليست سوى اجتهادات سياسية براغماتية لا تسعى في المقام الأول إلا لتحقيق المصلحة الوطنية التركية.
تستضيف تركيا حالياً عدداً من المعارضين العرب الذين قدمت لهم الملجأ بعد أن كانت حياتهم مهددة بشكل حقيقي، وهذا يجعلنا نتفهم ذلك التقدير الكبير الذي يكنه أولئك للحزب الحاكم، ولشخص الرئيس أردوغان، لكن ذلك لا يعطي العذر في الانخراط في الحياة السياسية التركية عبر إظهار تأييد أردوغان ورفض سياسات مناوئيه.
إن تحول أولئك لطرف سياسي عبر إظهار الولاء لشخص أو حزب، وليس لوطن يقيمون فيه سوف يكون مضراً على المدى البعيد وقد رأينا في الانتخابات السابقة كيف كان بعض السياسيين الأتراك يجعلون من طرد اللاجئين جزءاً من حملتهم الانتخابية. يكتسب هذا الأمر أهمية وخطورة باستحضار حقيقة أن فوز حزب أردوغان بالانتخابات الأخيرة، لم يكن أمراً سهلاً، وهو ما يجعل من غير المستبعد فوز أحد المناوئين له خلال السنوات المقبلة، كما أنه من الممكن أن يتصدر المشهد في داخل حزب العدالة والتنمية نفسه من يختلف مع أردوغان في طريقة التعاطي مع هذه الملفات.
المثال الأكثر وضوحاً على كل ذلك هو ما يحدث من جدل حول الاستفتاء التركي بشأن تحويل نظام الحكم إلى رئاسي. كان من المدهش أن ينخرط عدد من علماء الفقه والشريعة العرب في تحرير بيان يؤكدون فيه أن النظام الرئاسي، الذي يطلبه أردوغان، يوافق السياسة الشرعية الإسلامية، وهو ما يعني أن بالإمكان اعتبار المعارضين لهذا النظام معارضين كذلك للتعاليم الإسلامية.
إنني على المستوى الشخصي، وبحسب متابعتي للشأن التركي، أؤمن بأن تحوّل النظام إلى رئاسي قد يكون له بعض الفوائد، التي أهمها حسم ملف فوضى الصلاحيات التي طالما عانت تركيا منها، إلا أنني أقول ذلك دون ادعاء إنه الرأي الأصوب ودون أن أدعي بأنني أعلم من الأتراك بأمور وطنهم، أو بأن من صوتوا «لا» هم مجرد مخربين أو مفسدين.
نسأل الله أن يحمي تركيا من كيد الأعداء ومن حماقة الكثير من الأصدقاء.
كاتب سوداني
د. مدى الفاتح
اللهم احمي العرب والمسيحيين من كيد التركي أردوغان.
حزب العدالة والتنمية .لا علاقة له بالعدالة .بل بالتنمية ..أقصد تنمية الخلافات العربية. لا مرحبا به .وحتما لا سهلا .بهذا الحزب اليميني العثماني المتطرف. الذي يضع قناع الاسلام .
مؤيدي أردوغان واعداءه لهم نفس العقلية
متطرفون ومتعصبون
عقلية شرقية بامتياز !
مهما اختلفنا مع النظام التركي الا انة يجب الاعتراف بان العرب لايستطيعون ان يبلغو المرحلى المتقدمة للدولة التركيةوزالتي يجب ان نحترمها ونحزو حذوهم لذلك الاتراك فخورون بهذا النظام ونحن كذلك ا قصد انا
شخصيا