لن ننتصر على الإرهاب بالتلطيش في خلق الله المسالمين، ولا بالهجوم الغوغائي على شيخ الأزهر، وكأن الشيخ «الطيب» هو الذي يصنع الإرهاب، وكأن مناهج الأزهر وحدها، هي التي تغذي نزعة التكفير فالتفجير، بينما يجري التغاضي عمداً عن أدوار مناهج السياسة والاقتصاد والأمن، وعن امبراطورية الفساد التي تتفشى وتتمطى، وعن تحالف مماليك الفساد مع مليارديرات المال الحرام، وعن الإطاحة بأحلام المصريين في ثورتين، وتسويد «عيشة» الغالبية العظمى من الفقراء والطبقات الوسطى المتآكلة، وبما يجعل طلب الموت أدنى من الرغبة في مواصلة الحياة.
وليس عندي أدنى شك بهزيمة الإرهاب المحتومة في النهاية، لكن هزيمة الإرهاب شيء آخر غير استثمار الإرهاب، وجعله شماعة لتأجيل حسم القضايا الكبرى المعلقة، والاكتفاء بفرض أحوال الطوارئ، وتشديد الإجراءات الأمنية فوق تشددها الحاصل، وتغليظ العقوبات فوق غلظتها المقررة، وقتل الوقت بدوام الثرثرة حول ما يسمى تجديد الخطاب الديني، مع أن ما يجري لا يؤدي إلى التجديد، بل إلى التبديد، فليس ممكناً أن يجري التجديد، في أي خطاب ديني أو غير ديني، ولا كسب معركة العقول والقلوب، دون تجديد في الحياة نفسها، ودون تجديد في خطاب السياسة والاقتصاد، ودون ثورة حقيقية على أحوال الركود في حياتنا، تنهي مآسي الفقر والبطالة والمرض والتعاسة، ودون استقلال وطني نصنع به قرارنا، ودون تصنيع شامل نوسع به نطاق الطبقة الوسطى المنتجة العارفة، وبدون عدالة اجتماعية معروفة سبلها، تفكك احتكار طبقة الواحد في المئة لنصف ثروة المجتمع المصري، وتعيد الأمل للناس في حياة أفضل، وتخرج مصر من نفق انحطاطها التاريخي الطويل، لا أن نعيد ما كان عبر أربعين سنة مضت، ونعالج الداء بالتي كانت هي الداء، ونعود إلى دوائر الضياع المفزعة، والدوران في الحلقة المفرغة، وإعادة تجريب المجرب المخرب، باستعادة السياسات نفسها التي صنعت المحنة، ونزلت بنا من حالق إلى الفالق، ومن مكانة المنافسة مع كوريا الجنوبية إلى ما بعد حرب أكتوبر 1973، وإلى أن بدأ الانهيار العظيم، بانفتاح «السداح مداح» و»خلي بالك من اسكندرية يا حاج رشاد»، وشفط السلطة والثروة، وتمليك مصر لعائلات الحيتان والقطط السمان، وتحطيم انتاجية الاقتصاد، والتحول إلى «اقتصاد الريع» والتسول، والوقوع في فخ الاقتراض إلى ما لا نهاية، وإغراق البلد في الديون، وخلع ركائزها الصناعية الكبرى، وإغلاق المجال السياسي العام، ودفع المصريين إلى موجات هجرة جماعية هرباً من المأساة، وتحويل المجتمع إلى ذرات غبار بشري تائه، وخلق البيئة المواتية لانتفاخ تيارات اليمين الديني.
فالمجتمعات التي لا تحلم بمستقبل، يجرفها تيار الحنين إلى ماضٍ بعيد لا يعود، والمجتمعات التي تفتقد العدل وتكافؤ الفرص في الدنيا، لا يعود بوسعها سوى البحث عن البديل في الآخرة، ويعز عليها طلب التجديد أو الاستماع لخطاب، فليس من إمكانية لنجاح تجديد في بيئة التبديد، وكل تجديد ديني حقيقي في حياتنا، ارتبط بأشواق التغيير أو تحققه، وليس من فراغ، ولا هي مصادفة بلا مغزى، أننا نتذكر جيلاً فجيلاً رموزاً دينية من نوع الإمام محمد عبده والإمام محمود شلتوت، فقد ظهر تجديد الإمام عبده في زمن الثورة العرابية، وقد كان الإمام نفسه طرفاً مباشراً فيها، وكان عضواً في حزبها المطالب بالاستقلال والعدالة والجمهورية الديمقراطية، وحين أخفقت الثورة، وجرى نفي الإمام محمد عبده إلى بيروت، عاد بعد المنفي كافراً بالأمل في التغيير، واختنق صوته التجديدي، وانتهى إلى عزلة قاسية، وإلى خلفاء رجعيين من نوع رشيد رضا وجماعة الإخوان، وكان حظ الإمام محمود شلتوت أفضل بعد عقود طويلة من كفاح المصريين، فقد ولي الإمام مشيخة الأزهر زمن ثورة عبد الناصر، وفي وقت تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية هائلة، سحبت البساط من تحت أقدام تيار اليمين الديني، وأقامت نسقاً جديداً من فتاوى الفقه الديني الوطني الاجتماعي، سمحت بتجاوز احترابات المسلمين عبر 13 قرناً منذ الفتنة الكبرى، وأقرت ـ بفتوى للإمام شلتوت ـ جواز التعبد الإسلامي على مذهب الشيعة الجعفرية، فلم يكن الدين وقتها في عزلة عن الحياة المتجددة، وعن عملية خلق مجتمع جديد من قلب المجتمع القديم، أي أن التجديد كان له سياقه المنتج المؤثر، وليس خطاباً معزولاً على طريقة ما يجري الآن، فلا فرصة لانتصار الإسلام الحقيقي على التزييف «الإرهابي» للإسلام، ولا فرصة للتجديد دون إدراك القيم الجوهرية للإسلام الحقيقي، وأظهرها قيمة العدل والمساواة، فالإسلام في كلمة هو «العدل»، قبل وبعد أي شيء آخر، وإذا أردتم التجديد فاقضوا على الظلم، واكنسوا امبراطورية الفساد أولا، فالفساد أخطر بمراحل من الإرهاب، وهو الذي يغذيه ويمد في عمره، وهو الذي نخر بدن الدولة، وحولها إلى «شبه دولة» أو ركام دولة، وقتل روح الأمة، وجعل اليأس يستبد بنفوس المصريين.
ليس التجديد ـ إذن ـ بالهجوم على شيخ الأزهر، وأنا اختلف مع الرجل سياسياً إلى آخر الدنيا، فقد كان عضواً في المكتب السياسى لحزب المخلوع مبارك، قبل أن يتولى منصبه الديني، لكن الرجل الآن في مقام شيخ الأزهر واجب الاحترام، وليس للأزهر سلطة دينية، بل الأزهر جامعة دينية، هي الأبرز بامتياز في عموم العالم الإسلامي، والذي يضم قرابة المليار و600 مليون نسمة الآن، ويمتاز الأزهر عن غيره بتدريس المذاهب كافة، وقد أصاب الأزهر ما أصاب التعليم في بلادنا بصفة عامة، وإحياء دوره مرتبط بإحياء المجتمع، وبالتصحيح الجوهري الشامل لاختيارات السياسة والاقتصاد والأمن والدين، وبضمان استقلال الأزهر المالي والإداري الكامل، وبالتمويل الذاتي لكلياته الدينية واللغوية بالذات، وبضم الأوقاف الإسلامية إلى حوزته دون منازع، وبإلغاء «خصخصة» الدعوة الدينية على طريقة جماعات ومشايخ اليمين الديني، وجعل الأزهر وحده مدرسة تخريج الدعاة، ومعاملة الدعاة كالقضاة، وحظر اشتغالهم بالسياسة وأحزابها، وكما لا يصح الاتجار بالدين خدمة لمصالح الأفراد والجماعات في نيل كراسي السلطة، فلا يصح ـ أيضاً ـ توظيف الأزهر في خدمة نظام سياسي بعينه، وبما ينزع عن علماء الدين مهابتهم المفترضة، ويسيء إلى جلال الفتاوى والآراء، ومدى استقلاليتها عن المطامع الدنيوية، ويضع علماء الأزهر في موقف لا يحسدون عليه، ويصورهم كفقهاء سلاطين، تستهين بهم وبدورهم فتاوى الجهالة والإرهاب، فالمطلوب ـ باختصار ـ هو تصحيح وضع الأزهر، وإعادة النظر العلمية في مناهجه، وليس الهجوم على الأزهر وشيخه «عمال على بطال»، والرغبة في تحويله إلى مؤسسة أمنية لا دينية.
وليس ممكناً، أن نختصر الوقت اللازم للانتصار على شرور الإرهاب، دون إدراك روابط قضية الحرب على الإرهاب مع قضايا السياسة والاقتصاد، إن فعلنا، وعزلنا وفصلنا، فقد ننزلق إلى الخطأ فالخطيئة، وعلى نحو ما تردينا إليه في أربعين سنة مضت، اعتبرنا فيها الإرهاب محض مشكلة أمنية، وبدا أحياناً أن الإرهاب يذوى، وأن الاحتقان الطائفي يتراجع، بينما كانت النار دائما تحت الرماد، تعود مجدداً لتظلم حياتنا، وتصبغ دنيانا بلون الدم، وبصورة أشرس، لا تجدي معها حالات الطوارئ الأمنية، والتي ظلت مفروضة لثلاثين سنة متصلة، كان حصادها المؤكد هو البؤس العام، وسيطرة تيارات اليمين الديني على عقل وقلب المجتمع، والانتعاش الدوري لعمليات الإرهاب، وهو ما يصح أن يدفعنا للتوقف والتبين، والوعي بالدروس والعبر والعظات، فمن لا يفهم ماضيه يكتب عليه أن يعيش في خطاياه إلى الأبد، وقد لا تكون من فرصة لانتصار نهائي للإرهاب، ولا لتهديد وحدة وسلامة الكيان المصري جغرافياً، وعلى نحو ما جرى في أقطار عربية من حولنا، وهذه ميزة يجب البناء عليها، وليس الاقتصار عليها، فسوف تظل مصر دائما قبضة يد متحدة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسوف تظل مصر «محروسة» بالطابع الفريد الاستثنائي لتجانس شعبها، وبقوة جيشها المبني على أساس التجنيد الوطني العام، فالمشكلة ـ إذن ـ ليست في مخاوف على وحدة الكيان المصري، بل المشكلة في مكان آخر، أبعد كثيراً من الاهتمام الأمنى الضيق، ومن دعوات تجديد ديني لا تجد صداها، فنزعات التكفير فالتفجير هي العرض لا المرض، وهزيمتها في لحظة، قد لا تعني الهزيمة إلى النهاية، والمطلوب اقتلاع جذور الإرهاب لا تخفيف عوارضه، وترك أصل المرض كامنا في تربة خطايا السياسة والاقتصاد، فليس المطلوب ـ فقط ـ إعلان طوارئ أمنية، بل لا بديل عن إعلان طوارئ سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة، تستعيد مصر إلى أهلها، وتعدم الفساد الذي يصنع الإرهاب، وتنهي مظالم السياسة بحق عشرات الآلاف من المحتجزين السلميين، وتوقف مظالم الاقتصاد بحق تسعين بالمئة من أبناء وبنات الشعب المصري، وتكون فصل الختام في حروب الإرهاب وسنينه السوداء.
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
الإرهاب الحقيقي بمصر هو إرهاب العسكر
والأدلة كثيرة صوت وصورة
ولا حول ولا قوة الا بالله
إن تحمس اليسار للانقلاب العسكري، مرده إلى أن القوم يعلمون أنهم بالاحتكام لإرادة الجماهير فلن يحصلوا على شيء، وكانوا يعتقدون أن الانقلاب العسكري لن يحكم بشكل مباشر من باب استشعار الحرج، لذا فإنهم التيار الوحيد البديل الذي يمكن أن يكون “في الواجهة” فليس معقولا بعد الثورة أن تعود دولة الحزب الوطني للواجهة، ومن هنا فقد دافعوا عن السيسي وقدموه للرأي العام على أنه عبد الناصر الذي جاء على قدر ليتبنى قضية الاستقلال الوطني!
بيد أنهم أخطؤوا التقدير، فلم يكن هناك ما يمنع دولياً أن يحكم العسكر حكماً مباشراً، وكان ولاء السيسي لدولة مبارك وخصومته مع الثورة سبباً في عودة هذه الدولة، ليخرجوا هم “من المولد بلا حمص”، فلن يبقى لهم إلا المجلس القومي لحقوق الإنسان، وطردهم منه هى مسألة وقت!
منقول
كفانا غرقا في تحليلات بعيدة عن الواقع. العسكر هم من يشجعون و يحلقون الإرهاب. ارجع الى تسريب فيديو تصفية الشباب العزلفي سيناء الذي لا يختلف بشيء من ممارسات داعش سوى أن منفذيه يلبسون البدلة الميري. أرجوك أن تكتب الآن عن هده الجرائم و لا تنتظر حتى سقوط حكم العسكر لأن الشجاعة هي في مواجهة الظلم و هو في عنفوانه و ليس بعد زواله
الأزهر ليس له لوبيات
الأزهر لا إخواني ولا سلفي بل الأزهر هة الإسلام الشعبي الإسلام العادي الذي تربينا عليه الأزهر هو ثقافة مصر و ثقافة العرب والمسلمين الهجوم على الأزهر هو القضاء على ثقافة معينة وهة القضاء على الإسلام العادى وفتح المجال للإسلا م سلفي جهادى الهجوم على الأزهر لعبة خطرة جدا فهل يصمد الأزهر في هذه الظروف الصعبة بدون لوبيات بدو ن مساعدات لا تتركوا الأزهر وحيدا