عن الانتخابات الأمريكية… واسرائيل وفلسطين

حجم الخط
1

بعد عشرة ايام تجري الانتخابات الرئاسية في أمريكا. وبعدها بساعات نعرف، نحن والعالم، من الفائز فيها، الذي سيقيم في البيت «الابيض» (!!) في السنوات الاربع المقبلة، على الاقل.
ما سيختاره الأمريكيون سيكون ذا اثر كبير على مجمل مجريات الامور في العالم؛ لكنه سيكون بالغ التأثير على الاحداث والاوضاع في الدول العربية، وفي كل دول الشرق الاوسط، بشكل خاص، في هذه المرحلة القلقة في المنطقة؛ في حين انه سيكون حاسما بالنسبة لفلسطين واسرائيل، وصراعنا غير المنتهي،على مدى المستقبل المنظور ربما، وعلى مدى الاربعة اعوام المقبلة، على اقل تقدير؛ ولا بد هنا من التأكيد ان ما سيحدد مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته في النهاية، وبالمعنى العام، هو السياسة الفلسطينية.
سبقت الانتخابات التي ستجري بعد اسبوع ونصف، انتخابات اولية لاختيار المرشحَين الاولَين للحزب الديمقراطي وللحزب الجمهوري في الخمسين دولة/ولاية أمريكية.
ومن سيفوز في الانتخابات المقبلة، لن يكون مجرد رئيس لـ»دولة» أمريكا، بل سيكون عمليا رئيسا لخمسين «دولة أمريكية متحدة»، جعل منها هذا الاتحاد قوة هي الاعظم في العالم عسكريا واقتصاديا وعلميا، مستندة إلى موارد طبيعية هائلة، ومساحة هي شبه قارة، وتقاليد ديمقراطية راسخة، وحريات على كل صعيد، اضافة إلى كل ما يمكن ان يخطر على البال من عناصر القوة الثابتة.
هذه القوة الهائلة هي الحليف الاول والاقوى لاسرائيل. وقد تطورت هذه العلاقة وترسخت بشكل متواصل منذ عقود إلى ما قبل مرحلة بنيامين نتنياهو الثانية في رئاسة الحكومة الاسرائيلية.
لتوضيح هذه النقطة، لا بد من العودة إلى التاريخ، والتقدم معه حتى ايامنا هذه، متوقفين عند كل واحد من المفاصل، تسجيلا ودراسة واستيعابا:
بدأت العلاقة الجدية الأمريكية الاسرائيلية، فور الفشل المدوي للعدوان الثلاثي (البريطاني ـ الفرنسي ـ الاسرائيلي) على مصر عام 1956. حتى ذلك التاريخ كانت اسرائيل تستند بشكل شبه كامل إلى دعم مثلث: دعم سياسي بريطاني، ودعم عسكري فرنسي، ودعم اقتصادي من المانيا «الغربية» في حينه. اثر فشل العدوان الثلاثي، ورثت أمريكا دور بريطانيا في دعم اسرائيل سياسيا، ودور فرنسا في دعمها عسكريا، وشاركت المانيا في عمها اقتصاديا. وطبعا، ليس هناك وجبات مجانية في السياسة، لكنني ساتطرق لهذا الموضوع لاحقا.
بدأ هذا التحالف والدعم في عهد الرئيس الأمريكي الرابع والثلاثين، دوايت آيزنهاور، وبداية عهد رئيس الحكومة الاسرائيلية ليفي اشكول، واهتز في عهد جون كندي عندما عاد بن غوريون لرئاسة الحكومة الاسرائيلية، لكنه عاد واستقر وترسخ في عهد ليندون جونسون واشكول، واثمر لاسرائيل انتصارها الخارق في حرب حزيران/يونيو عام 1967، وحماها من هزيمة في حرب اكتوبر عام 1973، ومنع الرئيس ريتشارد نيكسون (ومستشاره ووزير خارجيته هنري كيسنجر)، تحويلها إلى هزيمة بوزن انتصار حرب 1967. ثم تلا ذلك خداع ارييل شارون، (مدعوما من مناحيم بيغن)، للرئيس الأمريكي رونالد ريغان، (من خلال تفاهم بالخدعة بين شارون ووزير خارجية ريغان، الجنرال الكسندر هيغ، الذي عاقبه ريغان بعزله من الخارجية الأمريكية)، وكانت «ثمرة» هذه الخديعة خروج المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وتمكين اسرائيل من احتلال اول عاصمة عربية، وتنصيبها لاول مرة رئيس دولة عربية، بشير الجميِّل، ولو لايام معدودة.
هذا التحالف الأمريكي الاسرائيلي تابع التعمق والترسخ، مستندا إلى اجماع حزبي السلطة الأمريكيين، الديمقراطي والجمهوري منذ نهاية خمسينات القرن الماضي وحتى قرب نهاية العقد الاول من القرن الحالي، حيث بدأت حكومات اليمين الاسرائيلي المتطرف، برئاسة نتنياهو، في اظهار ميل واضح إلى الاكثر يمينية في الحزب الجمهوري الأمريكي، من مثل طائفة الافنغلست وجماعة «حفلة الشاي» وصولا إلى دعم مستتر للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، رغم الحاق ذلك لضرر واضح باليهود في أمريكا، بل وبدء تشجع «خلايا» عنصرية شوفينية ونازية، في الظهور إلى العلن، وكل ذلك مصحوبا بتحريض مكشوف وشبه مكشوف، من نتنياهو وحكومته، ضد الرئيس الأمريكي الرابع والاربعين، باراك اوباما، وادارته وحزبه الديمقراطي، وصلت حد ترتيب زيارة لنتنياهو إلى واشنطن من وراء ظهر اوباما، والقاء خطاب في الكونغرس تحريضا ضد اوباما.
الآن، ونحن نستعرض الوضع في أمريكا، على عتبة الانتخابات الرئاسية، نقف امام تطورين محتملين:
ـ ان تكون اسرائيل قد خسرت نهائيا، او هي على طريق خسارة اجماع حزبي السلطة في أمريكا على دعمها، بل والسكوت على جرائمها وشرورها، وحمايتها من المحاسبة والعقاب.
ـ ان تكون هذه الانتخابات هي الاخيرة التي يتنافس فيها حزبان اثنان فقط، حيث يرى كثير من المحللين الأمريكيين، ومن العارفين بالمزاج الأمريكي، ان المرشح الجمهوري ترامب، قد دقّ اسفينا كبيرا بين مؤسسة الحزب الجمهوري وناخبيه من الأمريكيين، الامر الذي يعني وجود احتمال جدي بانشقاق هذا الحزب إلى حزبين، ما يفتح الباب لفترة طويلة من استقرار الحزب الديمقراطي في البيت الابيض. وكل ذلك، بطبيعة الحال، مشروط بخسارة ترامب لهذه الانتخابات.
على ان كل ما تقدم، لا يعني ان أمريكا، رغم قوتها ووزنها الهائل في العالم، هي من يستطيع ان يرسم ويحدد مستقبل الشعب الفلسطيني. ان من يستطيع ذلك هو الشعب الفلسطيني ذاته، المنكوب هذه الايام بالانقسام وبالقيادات ذات الاداء الركيك، والتي تركز كل نظرها وجهدها إلى ما سيكون عنوانا في صحيفة الغد، بدل ان تركز كل ما تملكه من طاقات للمصالح الوطنية الفلسطينية العليا، ولما سيكون سطورا مشرقة اوسطورا مشينة في كتب التاريخ التي سيقرأُها احفادنا.
في القصة القصيرة بعنوان «الباب الذي في الجدار»، للروائية والكاتبة الأمريكية بيرل باك، الحائزة على جائزة نوبل للآداب قبل عقود، تقول، على لسان الجندي الياباني الجريح الاسير لطبيبته الأمريكية: «من يستطيع ان يحدد مستقبلنا؟». بمعنى ان شعب اليابان هو من يحدد مستقبل اليابان.
ونكرر بعد بيرل باك: الشعب الفلسطيني هو من يحدد مستقبله. دون ان ننسى ضرورة التصرف بحكمة مع كل ما في العالم المحيط من مستجدات.

٭ كاتب فلسطيني

عن الانتخابات الأمريكية… واسرائيل وفلسطين

عماد شقور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالحميد الدكاكنــــــي /شاعر كاتب وسفير منظمة حقوق الانسان الدولية:

    استعراض جيد لتسلسل الرؤساء الاميركيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية !الاميركيون ينتخبون والعرب او على الاقل قادنهم ينتظرون لعل وعسى يكون ساكن البيت الابيض الجديد المهدي المنتظر الذي سيعيد الارض العربية المستباحة والكرامة العربية الممتهنة … ولهؤلاء جميعا اعيد على المسامع ماسجلته الرائعة بيرل بيك على لسان ذلك الجندي الياباني ..ولهذا انتضبت اليابان من خلل الرماد من جديد مثل طائر الرعد ..مستنزلة اللعنات على كل من يرهن مستقبــل وطن وامة في يد الاجنبـــــــــــــي كائنا من كان !!!!

إشترك في قائمتنا البريدية