لا أظن أن أحداً ما يخامره أدنى شك في أن ثورة 25 يناير المصرية قد منيت بانتكاسةٍ خطيرة إن لم تكن هزيمة، وربما يكمن التفاوت في التقييم الجاد في مدى الانكفاء ومدى ما تحقق من إنجازٍ من عينة ازدياد وعي الناس وإيقاظهم من سبات السنين وما طرح من أسئلةٍ ستفرض نفسها لا محالة في مقبل الأيام.
كما لا أظن أن عاقلاً يشك ولو للحظة في مدى ما يكنه النظام الحالي من عداءٍ وكراهيةٍ ونقمةٍ لهذه الثورة يستتر وراء غلالةٍ رقيقة من بعض الاحتفاء اللفظي والبروتوكولي بها كتكريسها في الدستور، المعطل من الناحية الفعلية في أهم جوانبه المتعلقة بحقوق الإنسان والمواطنة، وبعض الاحتفالات الهزيلة والتافهة التي تنحسر وستنحسر أكثر في الفترة المقبلة لتعود الدولة تحتفل أساساً بعيد الشرطة، ولا ريب في أن الرئيس السيسي ما يني يفصح عن مكنون قلبه حين بدأ يقرن بين الثورة والتدمير والخراب ناسياً أنه بنفسه اعترف بأنها شبه دولة.
الأكيد أنه إذا كان النظام قد فوجئ بخروج الناس واندلاع ثورة بهذا الحجم والعمق، فإن عموم الناس، وجلهم لم يكن معنياً بالسياسة، قد داهمتهم بدورهم مجموعة من المفاجآت غير السارة في ما بعد.
أولها غياب أي مكاسب مادية ملموسة تنعكس على حياتهم اليومية، بل العكس تماماً هو ما حدث من تردٍ اقتصادي وخلل أمني لا اشك مطلقاً في مسؤولية النظام والثورة المضادة بصورة أساسية عنهما.
كما فوجئوا بغياب تنظيمات حقيقية قريبة منهم في ظل انفراد تنظيم الإخوان المسلمين بحضورٍ فعلي ذي معنى وسطوة وحضورٍ مجتمعيين واسعين لشتى التيارات السلفية ما أخاف قطاعاتٍ غير بسيطة بعضها محافظ أيضاً.
لكنني أكاد أجزم بأن أسوأ هذه المفاجآت وأكثرها إيلاماً هو ما تبدى على الأقل ظاهرياً للناس من ضعف الكفاءة إن لم يكن انعدامها وتحديداً على الصعيد العسكري حيث تكفلت زمرة من الإرهابيين، محدودي العدد في نهاية المطاف، بإهانة دولةٍ كمصر وجيشٍ بحجم الجيش المصري.
يوماً ما، إبان تخلي مبارك عن السلطة وفي تغافلٍ وتخطٍ بيِّن لميراث التجريف السياسي وعمق المشاكل الاجتماعية، بشر جمهرةٌ من الإعلاميين الشعب المصري الفخور أغلبه حينذاك بأننا على أعتاب أن نلحق باليابان أو ألمانيا اللتين صعدتا من حطام حربٍ عالميةٍ مدمرة، متناسين (أو جاهلين ربما؟!) لأوجه الفرق الشاسع وأولها أن تلك الدول دخلت الحرب قوىً عظمى محققةً تراكماً علمياً وصناعياً الخ.
والآن، ليس أمام عامة الناس في مصر بعد ذرى الأحلام الوردية التي حلقوا بخيالهم فيها إلا الارتطام بأرضٍ واقعٍ شديد القسوة والوحشة يزداد سوءاً.
أمام الهزيمة والعجز إزاء قوةٍ تبدو غاشمة ولا قبل للناس بمقاومتها فلا مفر لهم سوى الأوهام والاساطير، والحقيقة أن النظام كان دائماً وما زال مدركاً تمام الإدراك لقيمة الأوهام والأساطير فهو لم ينفك يتواطأ ويروج لكل المدعين والدجالين لتعميم أوهامٍ وأكاذيب وأساطير يغطي بها على الفشل ويعوض الناس عن الواقع التعس البائس؛ ثم عقب الثورة، متفاعلاً مع مستجدٍ خطيرٍ لم يخطر له على بال لكنه زلزل كيانه وأوشك أن يطيح به، أضاف إلى مجهوداته شيطنة الثورة واختلاق سردية المؤامرة وردفها بكافة الأدلة الوهمية والمصطنعة من عينة فتح حماس للسجون والمؤامرة الصهيو-أمريكية وشهادات مدعاة من مذكرات هيلاري كلينتون التي ألصق بها كل شيء يمكن أو لا يمكن تخيله.
لكن تبقى حقيقة لا بد من تسجيلها: احتياج الناس للوهم والأسطورة، ذلك المخدر الذي لا عوض عنه.
السيسي جاء استجابةً لذلك الاحتياج والتوق لدى الناس لأن يشعروا بأن مصر بلدٌ عظيم وأنها ستحتل مكانةً عظيمة وأن لدينا جيشاً عظيماً وأننا قادرون علمياً وسنجترح معجزةً طبية لم يسبقنا إليها أحد، جهاز الكفتة-العلاج لكل داء والإجابة لكل سؤال وهكذا دواليك.
أيضاً لقد كان النظام وأجهزة أمنه مدركين لتلك الحاجة فداعبها السيسي بكلامه، وإذ كان فجاً مبتذلاً فقد رأى فيه البعض بساطة وتقرباً للعامة لا علامةً على السطحية وشح الثقافة.
أنا بالطبع لست بمختصٍ في الأساطير القديمة أو الجديدة ولا باحثاً في علم السيميوطيقا (علم العلامات والرموز) ولا أتناول الأمر من باب اهتمامٍ أساسيٍ بنظرية المعرفة وإنما ينبع اهتمامي الأصيل من أنه حين تسيطر تلك الأوهام والأساطير على الناس وتتحول إلى قناعاتٍ راسخة يتحركون بمقتضاها وبتحريضٍ منها، كأن يهاجموا شباباً اشتركوا في الثورة فمنهم من خسر حياته أو عينه ومنهم من خسر حريته من منطلق فرية وبهتان «مؤامرة يناير» فإن هذه الأوهام لم تعد مجرد «طق حنك» على المقاهي إنما تتحول إلى قوة حقيقية على الأرض ذات أثرٍ سياسي ستترتب عليه نتائج مهمة وفاصلة.
والشاهد أن المراقب للمشهد من بعد مطلعاً على سوء الأداء على الأصعدة كافة حين يستمع إلى ما كان الناس يتبادلونه من أساطير المؤامرة والجيش الذي أنقذ مصر وأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي لا يملك إلا أن يصاب بذهولٍ عميق…وربما يتسلط عليه شيءٌ من الشعور باللاجدوى، ذلك أن دائرة الوهم تكتفي بذاتها، وتتضافر الأوهام لتعضد بعضها بعضاً وتفسر نفسها بالمزيد من الأوهام، وبذا لا تصبح الخسائر البشرية المؤسفة والمتكررة في سيناء فواجع تشهد بانعدام الكفاءة والتقصير وإنما نسمع تفسيرات من عينة: هؤلاء اختاروا أن يفدونا بأرواحهم مفضلين الشهادة على الحياة الخ، لا أن نبحث عن طريقة لانقاذ الموقف والقضاء على الإرهاب وإنقاذ سيناء.
يجوز أن حرارة الحماسة لهذه الأوهام قد خبت لكن خلق الأوهام كأسلوبٍ للتعامل مع أزمات الحياة في المجمل مازال قائماً.
ومن هذا المنطلق تصبح مكافحة تلك الأوهام والأساطير بتفكيكها وتفنيدها رداً على دعاوى النظام والثورة المضادة وأنصارهما مهمةً ثوريةً بامتياز وانتصاراً لحق الناس ولحركتهم العظيمة في التاريخ، لكن ذلك فقط وحصراً في حال الاقتران بعملٍ تنظيمي يهدف أولاً وأخيراً دون مواربةٍ لتغيير هذا الواقع الاقتصادي-الاجتماعي الذي أفرز تلك الأوضاع البائسة وخلق هذا الاحتياج إلى الأوهام والأساطير لدى الناس.
تلك في رأيي نقطةٌ جوهرية يتحتم ألا تغيب عنا: لا ينبغي أن نفند أو نهاجم أوهام الناس ضيقاً بها وبهم أو رغبةً في مضايقتهم ومناكفتهم و»تطليع دينهم» كما يحلو للكثير من المثقفين الكارهين للناس والمتعالين عليهم، وإنما من منطلق كسر نصل تلك الأوهام والاساطير حين تستخدم أسلحةً من قبل النظام لخدمة مصالحه وانحيازاته، وإلا سيضاف من يتناول هذا الشأن إلى زمرة الثرثارين في المكلمة الكبيرة التي تنصبها الدولة.
يقيناً نحن لم نصل إلى ما نحن فيه نتيجة الصدفة أو سوء الطالع وإنما كحصيلة لمقدماتٍ ومعطياتٍ موضوعية تراكمت عبر السنين، وقد لعبت السيطرة الفكرية للطبقات الحاكمة بمنظومة قيمها وأساطيرها دوراً رئيسياً في ذلك، وتجسد لها دورٌ مادي في حلبة الصراعات الدائمة.
إن موضوعاً معقداً كتفنيد الأوهام والأساطير المؤسسة والداعمة للأنظمة العربية وخاصةً المصري الذي ينصبُ عليه جل اهتمامي يحتاج إلى مجهودٍ طويلٍ مما لا يتسع له مقالٌ واحد، إلا أنه لا بد من التأكيد على أهميته في نشر الوعي الحقيقي الذي وحده يصلح هادياً لأي بناءٍ تنظيميٍ أو عملٍ ثوريٍ ناجحٍ وبناء.
كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
للاسف ان الجيش المصري ضعيف و مهلل منذ انكسار حركة عرابي و دخول الانجليز في مصر حيث لم يكن وجود جيش قوي في مصلحة العائلة الحاكمة و لا الانجليز بعد درس عرابي. و انكشف اداء الجيش المصري الهزيل في حرب 1948 حيث خسر معظم المنطقة المخصصة للدولة الفلسطينية العربية في جبهته حسب قرار التقسيم 1947 و لم يتبقى منها سوى قطاع غزة كمعسكر كبير للاجئين. وقد كان هذا احد اسباب حركة الجيش في يويليو 1952.
و لم يتحسن وضع الجيش بعد 1952 و لا بعد الجلاء 1954 بسبب ان الجيش صار يشتغل بالسياسة و الادارة المحلية و لم يعد تحت التوجيه او المراقبة السياسية و الشعبية بل صار هو رأس الدولة . و قد تجلى ضعف الجيش في خسارته السريعة في حرب القناة 1956 ثم عدم امكانه حماية الوحدة و خسائره الضخمة في اليمن الى الهزيمة الكبرى في 1967. وقد تم اعادة بناء الجيش في 1967 الى حد كبير الا ان ذلك المجهود انتهى مع كامب ديفيد و عاد الجيش الى السياسة و الادارة و توسع كثيرا في النشاط الاقتصادي و بدايته تحويل المصانع الحربية الى مصانع ادوات منزلية و مكرونة و كعك الخ..
ومنذ كمين رفح 2012 الذي راح ضحيته 21 جنديا و تبين ان اسرائيل كانت ابلغت مصر به مسبقا و انها صدت المهاجمين عندما وصلوها بدون خسائر، منذ ذلك الوقت تكررت الضربات الكبيرة لهذه الجيش من الفرافرة الى سيناء الى قلب المدن الرئيسية مع سقوط العشرات في كل مرة بينما قادته مشغولين بادارة الانقلاب و مواجهة الشعب الاعزل.
تصور لو استطاع هؤلاء الارهابيون قتل 21 جنديا اسرائيليا في موقعة واحدة، ماذا سيحدث لقيادة الجيش الاسرائيلي و للقيادة السياسية لديهم؟؟