عادة ما نكرر ببراءة أصبحنا نحسد عليها، أن مصر منورة بأهلها، ولكن تلك المقولة كغيرها يعاد النظر فيها بعد أن أصبحت مصر مضلمة (مظلمة) على أهلها. ففي يوم الخميس 4 سبتمبر/ايلول 2014 انقطعت الكهرباء عن العديد من المناطق بما فيها العاصمة لمدة وصلت إلى ثماني ساعات أو أكثر، وضع يرتبط في الكثير من المناطق بانقطاع المياه التي تعتمد على مولدات الكهرباء. وهو ما يعني تأثر الكثير من سبل الحياة والعمل في المنازل والمستشفيات والمؤسسات والمواصلات وغيرها بشكل يختلف ضرره المحتمل من مكان لآخر، بما يزيد من خطورة الحدث وليس العكس. وعلى هامش الضلمة (الظلام) المادية، وعلى عكس مقولة رجل الأعمال اليونانى أرسطو أوناسيس التي يؤكد فيها «أن أحلك اللحظات تتطلب التركيز من أجل رؤية الضوء» نجد أن علينا أن نركز في الضلمة من أجل رؤيه الظلام الأعمق الذي يحيط بمصر والذي لا يمكن أن تتقدم للضوء بدون التصدي له. فالتركيز في الضلمة ضروري لعبور الظلام والإظلام الذي تتعدد صوره المادية والمعنوية، والتي نشير لبعضها سريعا، خاصة ما ارتبط منها أو تزامن مع فترة انقطاع الكهرباء.
بداية ورغم ظهور حالة التخبط المعتادة في التعامل الرسمي مع الحدث، فإن ابتسامة وزير الكهرباء وهو يتحدث عما سماه مناورة للأحمال رافضا – كما هي عادة النظام- الحديث عن وجود اخطاء تعبر عن جزء من المشكلة، حيث تغيب المحاسبة والشفافية وتحضر ابتسامة المسؤول. وضع يتطلب الكشف عن اثار الأزمة التي تصل إلى مليارات الجنيهات، وفقا لبعض التقديرات، بالإضافة لاثارها على المرضى وغيرهم ممن تتهدد حياتهم بالفعل. ولعل حجم الخسائر يقنع النظام بأهمية الكشف عن الأسباب ومحاسبة المسؤول عنها بعد نتائج التحقيق وليس تبرئة الجميع قبلها، مع ضرورة طرح تصور لكيفية تجنب تلك الآثار في المستقبل. أما حديث الوزير عن المشاركة الوجدانية، فقد تشابه مع حديث وزارة التعليم حول تأجيل الدراسة من عدمه، في إطار «لم شمل العائلة» وتأجيل المدارس لتنضم للجامعات. وضع متردد، وتصريحات تصر على أن تطل علينا من خارج أسلوب إدارة الدول وكأنها في قصة درامية مع فارق أنها خالية من الإمتاع.
وعلى هامش الضلمة يحكم الظلام الكثير من التفسيرات والتبريرات المحيطة بنا، تفسيرات كل ما توصلت إليه هو ضرورة عزل وزير الكهرباء ليس لأنه اخطأ في الفعل أو رد الفعل، ولكن لاكتشاف انتماء الوزير لجماعة الإخوان المسلمين، لسابق ترشحه على قوائمها في انتخابات نقابة المهندسين. لا يتم الحديث عن وجوه كثيرة تلونت في مواقفها ما قبل وما بعد يناير/كانون الثاني، ولا عن استحضار وجوه عصر مبارك للمشهد، ولا عن معايير الاختيار التي جاءت بالوزير إلى منصبه، في وقت يتحدث النظام بشكل مستمر عن مخاطر الإخوان ودور التقارير الأمنية والأجهزة الرقابية في عملية الاختيار. البعض يتجاوز المنطق ويسرب لنا الظلام بطريقة محسوبة يفترض بها أن تتوقف عند حدود المسؤول المغادر ولا تمتد لغيره من أصحاب السلطة، وعلى الشعب أن يدعمهم على طريقة شغل المقاعد والتصفيق في المناسبات الجماهيرية.
استمر الإظلام في احتفال محافظ الإسكندرية بافتتاح صندوق قمامة تحت الأرض. حدث لم تحمل الصور المنقولة عنه إلا مظاهر الاحتفال، مع وضع صندوق القمامة المعروف في حفرة تحت الأرض باسم الحفاظ على الوجه الحضاري. سؤال واجب عن الأموال التي تنفق من دافع الضرائب على الشركات والخبرات الأجنبية، ورحلات المسؤولين للخارج التي يفترض أن تعمل على تحسين الوضع أو تغييره بشكل ايجابي، ولكننا نقف في مواجهة العجز عن تعريف معنى الوجه الحضاري، رغم التاريخ الحضاري الذي أنتجته مصر. من الذي قال للمسؤول أن المشكلة في وضع الصندوق فوق الأرض أو تحته، وكيف سيتعامل مع الصندوق الموضوع تحت الأرض، ان امتدت الاشغالات إلى المساحة التي تعلوه، والصعوبة في التعامل مع إفراغ الصندوق الموضوع تحت الأرض مقارنة بغيره. ربما يكون عليه العودة إلى إشارات الرئيس عن اليابان والغرب المتقدم، ولكن ليس في ما يخص المواطن كما يتكرر، ولكن في ما يتعلق بدور النظام ومؤسساته، فقد يدرك أن الصناديق الحضارية لا توضع تحت الأرض، ولكنها تنظم فوق الأرض مع شركات لها مواعيد وأساليب جمع لا يتم تجاوزها. في عالمنا يعرف المسؤول أهمية الكاميرا من أجل صور يتم نشرها مع كلمات شكر وتأييد للمسؤول الأعلى على طريقة العمدة في «سكة السلامة»، حيث كان عليه أن يشكر الطبيب الذي أجرى عملية ختان لابن المسؤول وأن يؤيد المسؤول على القرار.
الظلام ممتد لأوضاع أخرى يبدو أنها تصر على أن تستمر لفترة أطول، ما دام أنها تستند الى ترويج مقولة الحالات الفردية التي نسمع عنها كلما عذب شخص جديد في السجون، وكلما عذب مواطن على يد من هو أعلى منه في المكانة أو الرتبة، وكلما تم انتهاك كرامة انسان أو الاعتداء على فتاة أو سيدة على يد من يفترض فيه أن يحمى المجتمع ويدافع عنه، بما في ذلك القيام بفعل الاعتداء داخل الأماكن التي يفترض أن تعبر عن الحماية والقانون كسيارة أو قسم الشرطة. بالطبع هناك من يعرف دوره ويتعامل بشكل انساني كما يفترض، ولكن المشكلة الأساسية أن ترويج فكرة الحالات الفردية عند الخطأ أصبحت بوابة لعدم المحاسبة وتجاوز الإصلاح الضروري لتلك المؤسسات. كما أصبحت رسالة للمواطن أن الحق غائب كالعدالة وغيرها من القيم الأساسية التي غابت عن حديث الرئيس على هامش الأزمة، وهو يعيد التأكيد على ضرورة مراعاة مشاعر المؤسسات، متجاوزا أنها مؤسسات خدمية يفترض أن تعمل لصالح المواطن وليس العكس.
ظلام يكرر نفسه في الحديث عن المسؤولية المشتركة بين الحاكم والشعب وهو يفوض، والحديث المتكرر عن الحرية المطلقة للرئيس في العمل من دون محاسبة بعد التفويض. تفويض يرتب له – كما يتصور- الحق في اختيار الأولويات وسبل طرحها، وحمايه الحكومة وتحصينها، وإعادة تعريف الأزمات والثورات بوصفها امتدادا لمؤامرات تاريخية منذ ثورة يوليو، وحقه في الحصول على تمويل خارج سيطرة الأجهزة الرقابية. أما المواطن، فهو المفوض الذي لا يتحدث أحد عن حقه في سحب تفويضه، والمؤيد المفترض لكل ما يقوله الرئيس من أجل أن يكون مواطنا صالحا. المواطن عليه أن يصبر لفترة قد تمتد إلى أربع سنوات، كما أشار الرئيس، لأنه والحكومة لا يمكن محاسبتهم في فتره توليهم للسلطة، ولا يمكن توقع اي شيء منهم غير إعاده تعريف الظلام الذي يحيط بالمشهد.
حديث ملتبس عن بناء عدد كبير من المدارس قبل تولي الرئيس للسلطة الرسمية وكأنها إنجاز لمرحلته، وعن إنشاء المباني بدون حساب الموارد الكافية لطاقم التدريس المطلوب بوصفه تعبيرا عن نقص الموارد، رغم أنه تعبير واضح عن الفشل في الإدارة. فكيف لنظام أن ينفق الموارد في مبان لن تستخدم بدلا من بناء عدد أقل وتوفير الموارد لطاقم التدريس المطلوب لهذا العدد من أجل تشغيلها وتحقيق المطلوب منها، أو الاستفادة منها في مشروعات قابلة للتنفيذ، بدلا من الاهتمام بوضع اسم المسؤول على المبنى. بالطبع لا يتوقف الرئيس للحديث عن هذا فالمهم عدد ما تم من أبنية على طريق الإنجازات الرقمية التي عرفها المواطن لعقود ولم تحسن حياته وقادته لثورة وحلم ممتد رغم التحديات.
الضلمة المادية استمرت لساعات، وأيا كانت أسبابها فقد حققت مكسبا محددا للنظام من خلال ترويج مسؤولية الإخوان، وتحقيق نقطة مقارنة للمواطن الذي يقارن قطع الكهرباء الجديد بيوم الضلمة. قد يفرح النظام بما حققه من الأزمة التي وجد فيها الرئيس فرصة لإعادة التأكيد على التفويض ومسؤولية الشعب وبراءة الحاكم والحكومة من الخطأ الآن وفي المستقبل. وقد يتم أو لا يتم إقالة الوزير في إطار الانتماء الإخوانى وبعيدا عن فكرة المحاسبة، ولكن الضلمة المادية مجرد جزء من ظلام أطول وأعمق تعاني منه مصر وستظل ما لم يتم التركيز عليه ومحاسبة الداعمين له ومروجيه ومعالجته، خاصة أن الضلمة المادية لم تكن إلا انعكاسا بسيطا للظلام العميق الذي يحيط بالمحروسة، والذي نعرف من الخبرة أنه لا يمكن أن يقود إلى طريق السلامة، لأن ضوء الحقيقة والعدالة والحق هو وحده القادر على أن ينير الطريق.
٭ كاتبة مصرية
عبير ياسين
حب شعب حتي الجنون . إبتسامات ومشاعر وعيون , لوطن مثقل بأحمال منذ زمن بعيد , حب لا تنقصة الحيلة في إطلاق الأحكام والحجة أن حب الوطن لا حدود لة , في حين أن من بين الشهداء من كان يحب الوطن أكثر علي أية حال . الديمقراطية هي , هنا والآن , الوحيدة القادرة علي إصلاح نوافصها ذاتيا والإنجاز بسرعة شريطة مشاركة الجميع بلا إستثناء , الأخطاء موزعة ويتحملها الجميع أيضا بلا إستثناء . فلتكن بداية جديدة حتي لا تزداد المخاطر وتتكرر الأخطاء .. تحياتي .