عندما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في نوفمبر 2017، هزيمة «داعش» في العراق على الصعيد العسكري، استدرك قوله مضيفا، أن النصر النهائي سوف يعلن عقب تطهير صحراء الجزيرة الواقعة بين محافظات الأنبار، ونينوى وصلاح الدين وكركوك من بقايا التنظيم. وتم إعلان النصر النهائي على التنظيم الإرهابي يوم 9 ديسمبر2017، حينما أعلن العبادي الانتهاء من «تحرير آخر معاقل تنظيم «داعش» في العراق، وقال في مؤتمر صحافي، «سنبقى في حالة تأهب لمواجهة أي عودة للإرهاب لأن المعركة مستمرة».
ويبدو أن جيوب «داعش» وبقايا عصاباته الإرهابية التي كمنت في الأراضي الصحراوية الواسعة عادت للتحرك، ومع كل تهاون أو ضعف في التواجد الأمني والعسكري الحكومي، نجد مفارز الارهابيين تنشط في قطع الطرق بين محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، لتقوم بعمليات تسليب وخطف رهائن وطلب فدية من ذويهم. وأثارت عملية اختطاف التنظيم لثمانية منتسبين للقوات المسلحة العراقية، والتهديد بقتلهم عبر شريط مصور نشره التنظيم، موجة سخط شعبية في الشارع العراقي، والذي أجج هذه الموجة الساخطة تضارب الأخبار وعدم الشفافية التي تعاملت بها الجهات الرسمية العراقية مع الخبر، بل والتهوين من الأمر، حتى وقع المحظور، ونفذ الارهابيون تهديدهم بقتل الأسرى، وصاحب الأزمة انتشار فيديوات لأطفال المخطوفين تطالب بتحريرهم.كل ذلك اثار موجة غضب على سياسات الحكومة التي وصفت بالتخاذل والضعف وعدم حسم ملف الإرهاب.
من الشهادات المهمة لازدياد نشاط مجاميع «داعش» كانت التصريحات الصحافية التي أدلى بها علي النواف رئيس مجلس قضاء الدور في محافظة صلاح الدين، قبل أيام، عندما أشار إلى الانفلات الأمني الحاصل في منطقة الجزيرة بقوله، «إن قوى داعش الإرهابية هاجمت عدة قرى متفرقة منتصف شهر يونيو وقاموا باختطاف 30 شخصا». وأضاف «عثرنا على جثث سبع من الضحايا، والقوات الأمنية لا تزال تبحث عن الباقين». وتابع النواف أن «هذه المناطق كانت آهلة بالسكان، لكنها الآن شبه خالية بسبب تهديدات الإرهابيين، باستثناء أعداد قليلة من عشائر شمر من رعاة الاغنام. إنهم أناس عزل لا يملكون قطعة سلاح واحدة، تعاقبت عليهم قوات عدة كانت تصادر أسلحتهم، من القوات الأمريكية في البداية، ولاحقا «داعش»، وبعدها الحشد والجيش، كل قوة تأتيهم تصادر سلاحهم». وناشد النواف رئيس الوزراء والقيادات العسكرية، وضع حد للخروقات في مناطق الحضر وجزيرة صلاح الدين. وقال إن «داعش» بدأ يتجول في هذا المناطق في وضح النهار بعد أن كان لا يجرؤ على الخروج سوى في الليل».
من جانبها أشارت مصادر الجيش الأمريكي في منتصف شهر فبراير الماضي إلى تواجد عدد كبير من مسلحي «داعش»، بدأوا يحتشدون ويتدربون عند الحدود العراقية السورية ويستعدون لشن هجمات. وأشارت مصادر مسؤولة في الجيش الأمريكي إلى إن العملية التركية التي استهدفت عفرين أطلقت يد «داعش» وسهلت لها البدء بشن هجمات على الحدود العراقية. ورغم أن العراق أعلن انتصاره على «داعش» في ديسمبر الماضي، لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا، أكثر من مرة، إن ذلك لا يعني نهاية «داعش». وقد زادت هجمات «داعش» على الحدود العراقية منذ أن بدأت عملية «غصن الزيتون»، التي شنها الجيش التركي والفصائل المسلحة السورية المدعومة من جانب تركيا، على عفرين.
الجيوب التي تتحرك فيها مفارز تنظيم «داعش» اليوم يمكن تحديدها بحسب الخبراء العسكريين في أربع مناطق: المنطقة الأولى في حمرين والعظيم وجنوب الحويجة، والثانية جنوب الشرقاط وجنوب القيارة وجزيرة سامراء، والثالثة غرب حوض الثرثار وجنوب البعاج وشمال جزيرة راوة، وأخيرا المنطقة الرابعة جنوب الفرات في الأنبار، حيث الأودية الثلاثة وادي حوران ووادي القدف ووادي الأبيض، وأشار الخبير العسكري هشام الهاشمي في صفحته على الفيسبوك الى إن وجود فلول «داعش» هناك يهدد أمن واستقرار أكثر من 8 محافظات عراقية، وتهديدها للطرق البريّة، يعتبر بمثابة تقطيع أوصال الاقتصاد والسياحة بين وسط وشمال وغرب العراق، واستهدافهم لجغرافيا استراتيجية مهمة. وأضاف «ربما، وهذا صعب جدا، قد تتهاوى بسرعة غير متوقعة بعض القرى في أطراف تلك المدن».
إن الهجمة التي حققت الصدى الأوسع هي التي حدثت مؤخرا، إذ نشرت وكالة «أعماق» وهي الجهة الإعلامية الرئيسية التي تنشر بيانات التنظيم الإرهابي «داعش»، السبت 23 يونيو، شريطا مصورا تناقلته وسائل الإعلام، كما انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، يظهر فيه عناصر من التنظيم يهددون بإعدام ستة أشخاص ما لم يتم إطلاق سراح ما سموه «المعتقلات من أهل السنة» خلال ثلاثة أيام. وأشار المتحدث الملثم الذي ظهر في الشريط المصور إلى أن المعتقلين هم من عناصر الشرطة العراقية وفصائل الحشد الشعبي، وقد أسرهم التنظيم على طريق بغداد كركوك. وبدا في الشريط المصور أن المعتقلين الستة، الذين عرف ثلاثة منهم عن أنفسهم بأنهم من كربلاء وواحد من الأنبار، قد تعرضوا للضرب المبرح.
على اثر ذلك اشتعلت حملات مطالبة الحكومة باتخاذ اجراءات حاسمة، ما حدا برئيس الحكومة حيدر العبادي إلى التطرق إلى الموضوع في تصريحه الإعلامي الاسبوعي، إذ قال إن «الإرهابيين استغلوا الليل والجبال الوعرة في عملية الخطف على طريق بغداد ـ كركوك، كما ان المنطقة صعبة ومليئة بالعبوات الناسفة والألغام». وأشار إلى «عقد اجتماعين أمنيين مؤخرا لمواجهة هذا التحدي الذي يقوم به الإرهاب» مبينا ان «الارهابيين لا رحمة بقلوبهم والتعامل معهم صعب» مؤكداً «سنمسك هؤلاء المسؤولين عن الجريمة التي نعتبرها ارهابية ونقدمهم للعدالة».
من جانب آخر وبعد ان أعلن التنظيم الارهابي عن قتل الرهائن، أعلن مركز الإعلام الأمني لقيادة العمليات المشتركة، العثور على ثماني جثث، بينها 6 من الذين اختطفوا على يد تنظيم «داعش» في وقت سابق. وذكر المركز في بيان صحافي «في الوقت الذي بذلت فيه القوات الأمنية جهوداً كبيرة ومكثفة للبحث عن المخطوفين على طريق بغداد – كركوك، فقد تم العثور على جثث ثمانية من المغدورين». تعالت الأصوات الغاضبة مطالبة الحكومة بتنفيذ عقوبة الإعدام بالارهابيين «المتنعمين» بالعيش في السجون العراقية، ، فما كان من الرئيس العبادي إلا ان وجه بعد يوم واحد بتنفيذ حكم الإعدام في 12 مداناً بالإرهاب.
وقال متحدث باسم الحكومة في بيان رسمي «بناء على توجيه رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، تم تنفيذ حكم الإعدام بـ 12 إرهابيا مداناً، من الذين اكتسبت أحكامهم الدرجة القطعية».
نتيجة ذلك أصبح رد فعل الحكومة، بحسب بعض المراقبين، مستهجنا نتيجة ربط تنفيذ احكام الاعدام بمقتل الرهائن، إذ أن هؤلاء الارهابيين تمت محاكمتهم واتخذت أحكامهم الدرجة القطعية، فلماذا لم تنفذ الاحكام؟ وماذا كانت تنتظر الجهات المسؤولة عن التنفيذ؟ وما علاقة إعدام المدانين بالارهابيين المنفلتين الذين يمارسون عملياتهم في طول المناطق الصحراوية وعرضها، كما أن وصف عملية إعدام المدانيين بصفة الانتقام يسبغ على الحكومة صفات لا تليق بها كالعداوة والثأر، والأجدى بالقوات المسلحة ان تتبع الإرهابيين الذين قاموا بالجريمة وتقتص منهم، لا أن يربط بين سجين محكوم وإرهابي حر.
إن حالة الاسترخاء والكسل وقلة الدعم الحكومي التي يعيشها الجهاز الاستخباري والمعلوماتي على مختلف المستويات، هي السبب في عودة فلول «داعش» ، وإذا ما أرادت قيادة العمليات العسكرية العراقية توجيه ضربات تجعل فلول «داعش» تنهار بشكل كامل، عليها قطع أسباب تمويل «داعش» عبر حماية الطرق الخارجية، والمراقبة الجوية، وتمكين ودعم قوات الحشد المناطقي والعشائري، وتطوير التواصل مع المصادر المحلية المباشرة، وتحسين العلاقة بين رجل الأمن وأهالي القرى، وعندها فقط نستطيع اعلان الانتصار النهائي على الإرهاب.
كاتب عراقي
صادق الطائي