نشر مؤخرا عن نية الرئيس الأمريكي ترامب على إدخال دولة عربية أو إسلامية أخرى إلى دائرة الصراع الطائفي أو المذهبي. هذا يوحي خطأ بأن هذه الشعوب كومة من الحطب اليابس تنتظر قرارا بإرسال عميل أجنبي يلقي عليها عود ثقاب لتشتعل. يعجبني مثل يقول،» العود الأخضر لا تمشي النار فيه». هذا يعني سياسيا أن التحريض والتدخل الأجنبي يفلح حيث الأرض جاهزة والوضع بات متعفنا والعود يابس.
العود يابس حيث يعامل أبناء الوطن الواحد بمعايير مختلفة، فهذا فقوس وذاك خيار. العود اليابس يعني أن دخل الموظف والمسؤول يعتمد على الرشوات، وبدونها لا يستطيع إعالة أسرته باحترام. العود اليابس يعني أن الإنسان الكادح لا يستطيع إعالة أسرته بكرامة، رغم كدحه في الليل والنهار. العود اليابس يسمح بدخول البلاد بدون تفتيش دقيق للسيارة أو للأفراد على المعابر، وذلك من خلال رشوة صغيرة، أما إذا حاولت رشوة مسؤول على نقطة عبور في بلد عوده أخضر فالسجن هو مكانك.
العود اليابس يعني أن أي مسؤول يستطيع استباحة كرامة المواطن، حينئذ تصبح الكرامة الوطنية نكتة ممجوجة لدى المواطن الذي سلبت منه كرامته الشخصية.
إذا كان هذا الوطن تحت نير احتلال أجنبي، فواجب المواطن أن يقاوم حتى يحرره بما يتوفر له من وسائل وقدرات، حتى ينال حريته وكرامته فيه، أما إذا كان ابن الوطن هو الذي يحكم، وهو الذي يدوس كرامات الناس، فالعود يابس وتجري النار فيه بسهولة. عندما يصفع جندي أو شرطي إسرائيلي فلسطينيا خلال مظاهرة، فهذا يمنح الفلسطيني مناعة وقوة وحماسة أكبر على المواجهة، ولكن إذا كانت الصفعة من يد شرطي فلسطيني لمواطن فلسطيني بسبب احتجاج، فهي موجعة ألف مرة أكثر من صفعة شرطي الاحتلال.
حين تمنح السلطة المواطن شعورا بأنه ليس شريكا في هذا الوطن، لا في موارده ولا خيراته ولا سياسته، ولا تفطن فيه إلا لتدفيعه الضرائب والغرامات المالية، ولا توفر له الحد الأدنى من المعيشة اللائقة بكرامة الإنسان، ثم تطالبه بالتضحية بدمائه وأبنائه لأجل الوطن، فالعود يابس وقابل للاشتعال بشرارة. عندما ترد الشرطة على مظاهرة مطلبية سلمية بالعنف والأذى يصبح من السهل على المواطن أن يكسر زجاج حافلة ركاب حكومية، وإحراق سيارة شرطة والإضرار بالممتلكات العامة، لأنه يرى الحافلة وممتلكات الدولة ممثلة للسلطة الظالمة وذراعا تنفيذية لها، ولو كان يشعر بالانتماء لدافع عنها ومنع تخريبها حتى في أقسى لحظات غضبه. عمليات التخريب التي عادة ما يتهم منفذوها بخدمة العدو، لا يقوم بها إلا يائس من إسماع صوته، من خلال الوسائل السلمية بحرية، فتكون وسيلته بالتبليغ هي التخريب، هي صرخة اسمعوني وانظروا إلى معاناتي.
تستغل السلطة التخريب عادة لتشويه صورة وأهداف المتظاهرين، لتسوّغ قمعهم بالقوة، فإذا لم يخرّبوا هم دسّت بينهم من يخرّب. التخريب ممنوع في كل الحالات، ولكن ليس جميع الناس على مستوى واحد من الوعي. أما الأخطر الذي يجعل العود اليابس قنبلة موقوته فهو السماح بانتشار التحريض المذهبي والطائفي والقومي بدون محاسبة، وتكفير أو شيطنة فئة أو فئات من المجتمع.
عندما يسمح النظام بوجود فضائيات محرّضة تلعب على وتر حساس مثل الشيعة والسنة، أو الأقباط والمسلمين، وحين يسمح لإعلاميين بازدراء مقدسات تخص فئات واسعة من المجتمع، والتحريض ضد فئة وتخوينها خدمة للنظام، فهذا يعني أن القنبلة على وشك الانفجار. عندما ندعو الله أن يخسف أمريكا ثم نكفّر نصف المسلمين، وعندما نشتم إسرائيل وندعو لإبادتها، ثم نكفر النصف الآخر من المسلمين فحقدنا على أمريكا وإسرائيل كاذب والعود يابس. عندما نصف إسرائيل بالفاشية والإجرام بحق الأطفال ثم نسرق خيرات الوطن ونهرّب المليارات فنجوّع مواطنينا وأطفالهم، فالعود يابس لا أمل فيه.
عندما ندعو دول العالم إلى مقاطعة دولة الاحتلال ومحاسبتها على جرائمها بحق الأرض والإنسان الفلسطيني بينما علاقاتنا السرية والعلنية الاقتصادية والأمنية معها في تحسن مستمر، ولم نتوجه بأي شكوى رسمية ضدها إلى المنظمات الدولية فالعود يابس ولا أمل منه. عندما حاول بعض العسكر في تركيا قلب نظام الحكم بالقوة، رغم توفر إمكانية التغيير في صناديق الاقتراع، خرج الناس إلى الشوارع وأفشلوا الانقلاب، فالعود أخضر لم تسر النار فيه، والنظام صار يتصرف بثقة كبيرة كدولة عظمى، وفشل الإرهاب بالتخريب، رغم استشراس أطراف كثيرة معنية بإضعاف تركيا بنظامها الحالي، فالإرهاب لا يجد التربة الخصبة في عود أخضر. في مصر فرض الانقلاب نفسه بقوة السلاح وبالدم، ولهذا يضطر النظام إلى مواصلة قهر وتصفية معارضيه، وسوف يواصل اتهامهم بالخيانة ليبرر قتله للآلاف منهم ومواصلة محاكماتهم.
هذا النظام الذي باع جزءا من الأرض المصرية للسعودية لا مشكلة لديه بالتنازل عن القدس، ولا مشكلة عنده أن يعتبر طلوزة عاصمة فلسطين، فلا مقدسات عنده سوى فرض نفسه بالقوة، ولأنه فاقد الثقة بنفسه فهو يتصرف كدولة صغيرة لا وزن لها إقليميا، ويخاطب دولة الاحتلال، رغم كل ممارساتها وقوانين الضم غير الشرعية دوليا بلغة هي أقرب للعتاب والغزل بين الأحباب، محاولا أن يبدو كغصن أخضر ولكنه في الواقع ليس سوى فرع يابس جذره في الهواء ولا أمل يرجى منه.
كاتب فلسطيني
سهيل كيوان
بكلمة واحدة أختصر بها يا أستاذ سهيل مقالك الشيق هذا وهي كلمة : الوطنية
فمن يخاف على وطنه كأنه يخاف على بيته لأن الوطن بيت جميع المواطنين
ولا حول ولا قوة الا بالله
الاحداث في الدول العربية هي مرآة لبناء مجتمعنا , ليست مؤامرات وليست تدخلات انما نضع مرآة امامنا ونكتشف اننا طائفيين وعنيفين وتكفيريين وتخوينيين , هكذا امتنا العربية ولا علاقة للدول الأخرى في بناء مجتمعنا..
متألق كالعادة أستاذ سهيل المحترم
النظام الانقلابي في مصر باع نفسه للشيطان وليس فقط للكيان المسخ..أحسنت الوصف واجدت ،،
تحياتي لك و لجميع رواد صالونك الأنيق
كل أنظمة الخنوع والخيانة تدافع اليوم عن بقائها بكل ما أوتيت من قوة وبطش وخيانة ونذالة ولم يعد أمامها بعد أن لفظتها شعوبها سوى التأمر عليهم مع اعدائهم وبيع مقدساتهم كرعبون للحماية من قبل القوى الصهيوـ امريكية
*مقال ممتاز من الأخ الكاتب الموهوب سهيل
بارك الله فيه وفي قلمه المشرق.
*للأسف معظم دولنا العربية(عيدان جافة)
ويابسة ومسوسة حتى النخاع..؟
جهل وتخلف وانانية وفوضى وتضليل
من(القمة ) الى القاعدة..
حسبنا الله ونعم الوكيل.
سلام
ونستون تشرشل قال مرة : ” كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها “. هل كان على حق ؟ ربما مقارنة العود الأخضر باليابس تعطي الإجابة.
كلام جميل ومعبر من الاستاذ سهيل ولكني اقول له ان العود اليابس هو القديم ولذلك اصبح يابسا ولذلك فان مصائبنا قديمة كمجتمعات فالطائفية لم تولد الان بل هي ولدت معنا منذ تخاصم علي ومعاوية ولا زالت باقية ولكن بعض مصائبنا هي بسبب حكوماتنا الحكيمة فبدل ان تعالج امراضنا القديمة زادت عليها امراض جديدة ولهذا فاعوادنا كلها يابسة والامل يبقى في الاعواد التي لا زالت صغيرة وخضراء بيننا فالاجيال القادمة يجب ان ترى ما وصل اليه اقرانهم في العالم
مقاله سياسية غاية في الروعة تتناول قضية سياسية متمثلة في وصف و تحليل أونقد علاقة الحاكم بالمحكوم نظام الحكم وشؤون الدولة السياسة الداخلية والخارجية وحركات التحرر من الاستعمار والاستبداد.
ابدعت كاتبنا في وصف العود اليابس والعود الأخضر وهو وصف كامل متكامل لحال دولنا العربية وما آلت إليه الوطنية من حال ؟؟ فلات تعَلُّقُ عاطفي ولا ولاء وطني افتقدنا حب البلاد وأصبح الأغلب ،يدعم السلطة ليصون مصالحه ومصالحها، لا مفاهيم قومية ولا الانتماءولا تضامن ولا إيثار ولا تضحية. مقالتك تذكرني بقول المهاماتا غاندي:لكي تكون وحدة الشعب حقيقية، يجب عليها أن تصمد أمام أقصى أنواع الضغط دون أن تنكسر، ويا جبل ما يهزك ريح ولكن القلائل التي تصمد اليوم أمام الرياح وتتصدى لها بصدور عارية ، بورك بك وبكتاباتك التي تعري حقائقنا استمتعت جدا بقراءة المقاله.
بوركت كاتبنا الرائع دوما ..
كما يقال لا سلم العود الحال يعود.
بزوال الطواغيت عبدة المال والسلطة اولياء الشياطين حتما ستعود الأمة لمجدها .