عين «المرشد» الإيراني على البلاط السعودي لا السعودية

حجم الخط
0

لعل العنوان البارز الذي سيطر على مجرى السياسية الدولية وصانع القرار العالمي عبر «المنظم» الدولي في معامله المعلنة وغير المعلنة، وكذا المادة الإعلامية الأساس في كل وسائل الإعلام في الإسبوعين الماضيين، كانت تداعيات الصراع الإيراني/السعودي القائم بين أكبر قوتين إقليميتين في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد أهم معترك ومختبر للصراع الدولي وبامتياز، جراء العلاقات المعقدة وتوازنات القوى الجيوبوليتيكية والجيوإستراتيجية.
الجديد في هذا الصراع، الذي يرتكز إلى مرجعيات متباينة، منها التاريخية والدينية والثقافية والاجتماعية، فضلا عن مصالح القوة والنفوذ والهيمنة والسيطرة، وأجندة القوى الدولية المرتبطة به، هو خروجه من دائرة فعل صراع «الصمت» إلى «العلن»، الذي جاء على إثر إعدام السعودية لرجل دين شيعي/ سعودي بتهم مختلفة، أثارت حفظية مرجعية المذهب الشيعي في «قم»، التي تتولاها إيران، في مقابل المذهب السني الذي تتقدم السعودية في رعايته أو قيادته بتوسيع دائرة تحالفاتها الإسلامية والعربية.
تفاعلات ترمومتر الصراع الجاري حاليا، قد تذهب بعيدا، في ظل الخلل الأمني الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، الذي بدأ بالحرب العراقية/ الإيرانية واحتلال العراق للكويت، والتحالف الدولي بدعم خليجي لتطويق ومحاصرة شوكة مركزية العراق وقتئذ، إلى راهن سقوط دول مركزية في المنطقة وتبلور مشروع جديد، أطلق عليه في الأدبيات الدولية، إعادة صياغة المنطقة من جديد لخدمة مصالح جديدة، حيث ما عادت شروط اتفاقية «سايكس بيكو»، التي رسمت ملامح المنطقة في القرن الماضي تخدم توجهات الحاضر، في ظل بروز قوى إسلاموية تتبنى العنف والإرهاب، وتسعى لخلخلة أسس الأمن القائم في المنطقة لصالح الهيمنة والسيطرة على المنظومة المالية الضخمة، وبناء أسس لمصالح جديدة، ومن ثم التأسيس لشرعنة الطروحات الإسلاموية المختلفة في المنطقة مع الغرب الصناعي، وفي ثوبه الكولنيالي القديم، في شراكة قد تستند إلى استيعاب المنظومة الإسلاموية المتطرفة في علاقة تبعية ومصالح.
يأتي هذا الموقف رغم المشهد السائد في تحالف القوى الرأسمالية الغربية مع القوى الرأسمالية التقليدية في الشرق الأوسط لحماية العديد من المصالح المتبادلة.
معالم الصورة العامة المشار إليها آنفا، تحدد الأدوات الجديدة لتوازن قوى الصراع بين أكبر كتلتين في المنطقة، إيران وتوابعها التي امتدت إلى التحكم في الملف السوري وسقوط الدولة في العراق واليمن. جيوسياسيا، ثمة أهمية خاصة ومهمة في هذا التمدد الإيراني الذي يقابله فشل منظومة «الرياض»وحلفائها التقليديين، من دول الخليج العربي ومصر وباكستان، في قطع الطريق للهيمنة الإيرانية، عندما راهنت على تقليل قوة مركزية العراق بسقوط نظام صدام واحتلال العراق وسقوطه، وكذا سقوط دمشق واليمن، في محصلة قد تخدم إسرائيل وإيران بشكل خاص، حيث تعيش الثانية، على العطايا المجانية من محن صراع الفرس والعرب، من دون أن ننسى الدور الإسرائيلي المتحكم عبر الوكالة الدولية في الصراع.
هنا، ثمة استفهام ُملح، ما هي متطلبات الأجندة الدولية الإستراتيجية منها والتكتيكية في هذا الصراع؟ حيث تعمل القوى ذاتها على تغذيته وبآليات مختلفة بالطبع، يرد هذا، بعيدا من بيانات «ضبط النفس» وترتيبات المصالحات الشكلية الجارية من بعض الأطراف، خصوصا بعد «كرت» الصرف الجديد الخاص برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن إيران يوم أخيرا، كبند من بنود التسوية السياسية التي تمت مع إيران بشأن النووي الإيراني، الذي يعادله فتح المجال لدور إسرائيلي متقدم في المنطقة بأكملها، اتضح ذلك على سبيل المثال لا الحصر في التهافت السوداني تجاه «تل أبيب» ورفض الأخيرة المبكر التعاون مع الخرطوم باعتبارها غير موثوق فيها وتسعى لجني المال عبر أي طريق ولا يحكمها مبدأ، وهو توصيف إسرائيلي نتفق معه شكلا وجوهرا، رغم تراجع وزير خارجية الخرطوم عن قوله، فهي لأول مرة شهادة من «تل أبيب» ذات مصداقية.
في سياق ما تقدم، وعلى الجانب الآخر، فإن دولة «المرشد الإيراني» سوف تعمل على إعادة تصدير نموذج الفوضى وظاهرة سقوط مؤسسات، والرابط المركزي لبلوغ هذه الغاية قد يتحدد في استهداف البلاط السعودي مباشرة لخلط الأوراق برمتها لفائدة طهران الفقيه، أو طهران الشيعية، أو طهران الفارسية، ما دامت بدأت تتحكم في خيوط وحدود، استطاعت فيها فرض قيود موضوعية على حزام الأمن الخليجي العربي الذي يسعى الآن إلى التمدد بعباءة سنية لإضفاء صيغة مذهبية دينية للصراع.
إن عين»المرشد» قد تصوب تجاه «البلاط السعودي» لتقليل كلفة الخسائر، وأهمية البلاط السعودي، تكمن في كونه العمود الأساس لما يعرف بالأمن الخليجي لدول الخليج، الذي هو مختلف عن عموم الأمن العربي أو الإسلامي، وله خصوصياته وأولوياته التي تتحدد في الحفاظ على الأنظمة القائمة. هذا التصويب قد يهدد بقية العرش الخليجي برمته. إن إيران سوف تراهن على خلخلة الأنظمة الخليجية في أنظمتها لا دولها أو شعوبها بحروب مفتوحة، وسقوط واحدة منها تكفي لانتشار العدوى، باستعمالها الأيديولوجيا والمرجعيات التي لها امتدادات واسعة ونشيطة في العديد من بلدان الخليج، بحكم الجغرافيا والحراك التاريخي الذي وقع في المنطقة. ويأتي هذا رغم أن الأمن الخليجي العربي واقع تحت حماية دولية كاملة، كمخزون للطاقة العالمية، التي هي الداينمو الأول، للطاقة السياسية والصناعية والاقتصادية للعالم الصناعي بشقيه الرأسمالي أو المختلط.
إن دولة الفقيه عينها على البلاط السعودي مباشرة، كيف ومتى؟ سوف تجيب عليها الأيام المقبلة، أما لماذا؟ فقد أجابت على السؤال.

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

محجوب حسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية