لندن ـ «القدس العربي»: كما في المدن العراقية والسورية التي احتلها تنظيم «الدولة» وطرد منها بعد سنوات من الحرب التي تركتها ركاماً وانقاضاً لا يعرف سكان ماراوي، «العاصمة الإسلامية» في جنوب الفلبين متى سيعودون إليها، ففي تقرير أعدته كارميلا فوربوينا لصحيفة «غارديان» بدأته بالقول «منظر مسجد باتو علي الأخضر في حي غوميسا في ماراوي الذي يحطم القلب هو تذكير بالمعركة الشرسة التي خاضها الجيش لوقف أنصار تنظيم الدولة من بناء خلافة لهم في الفلبين».
وتقول إن القبة والمنارة مليئتان بالثقوب التي تركها الرصاص، الشظايا والفجوات الكبيرة التي تسببت بها المتفجرات. وكان المسجد واحدا من أكبر المساجد ويسمح لضوء الشمس بالتسرب إلى أرضيته حيث قاتل المتشددون معركتهم الأخيرة مع الرهائن الذين أخذوهم ومن ضمنهم قس كاثوليكي. وكان مسجد باتو علي واحداً من مساجد عدة تحصن فيها المقاتلون مع رهائنهم حيث كانوا يعرفون أن الجيش سيلتزم بالإنضباط ولن يهاجمها.
ومع ذلك فما تعرض له مسجد باتو علي لم يكن أقل مما تعرضت له أحياء أخرى في العاصمة الإسلامية للفلبين، فقد انهارت جدران عمارات من عدة طوابق بشكل كشفت عن الغرف الداخلية. وهناك بناية من ثلاث طوابق تميل إلى الجانب الآخر. وتنتشر في الشوارع العربات المدمرة والصدئة.
وبعد عام من قيام مقاتلين محليين وأجانب من جماعة «موات» بمحاصرة المدينة تحت راية تنظيم «الدولة» بشكل قاد لمقتل أكثر من 1.000 شخص لم يختف الإرهاب ولا يزال السكان مشردين وغير قادرين على العودة إلى بيوتهم. ويقول العقيد روميو برونر المتحدث العسكري في ماراوي إن الجيش بحاجة لوقت كي ينظف المدينة من القنابل غير المتفجرة منها قنابل زنة الواحدة منها قنابل زنة الواحدة منها 226 كيلوغراما رمتها المقاتلات الفلبينية على المقاتلين. وهي واحدة من الأمور التي تؤخر عودة السكان وتطيل تشريد حوالي 500.000 منهم أي ربع سكان ماراوي قبل الحصار. وسمح في الفترة ما بين 1 نيسان (إبريل) و 10 أيار (مايو) للسكان بزيارة بيوتهم بمرافقة الجيش لمعاينتها قبل موعد تجريفها في حزيران (يونيو). وقال عبد التواب عامر الذي جاء لزيارة بيته «كان صعبا رؤية زوجتي وهي تندب عندما جئنا لأول مرة وكادت أن يغشى عليها». ولم يكن عامر جاهزا لرؤية حطام بنايته المكونة من ثلاث طوابق «وشاهدنا صورا حملت على الفيسبوك ولكننا رأينا فقط السقف، واستخدمنا تيلسكوبا من نقطة قريبة من الجامعة ولكننا لم نر إلا جانب البناية وفكرنا أنها سلمت من الدمار».
والجانب الذي لم يروه هو الحطام واستهدافه المستمر بالنار. ووجد عامر جدرانا محطمة «وربما قام الرجال السود بتحطيمها للعبور إلى البنايات الأخرى»، في إشارة إلى مقاتلي تنظيم الدولة الذين يرتدون عادة الزي الأسود. وكانت الزيارة المؤقت من أجل السماح للسكان بجمع مقتنياتهم الثمينة إلا أن الحديث عن حالات النهب كان عاما. ولم يجمع عامر إلا قطعا حديدية يقول إنه سيبيعها في سوق الخردة. ويقول ماجول غاندمرا، عمدة المدينة التي ولد فيها ونشأ فيها: «لقد دمرت بالكامل ويشعر الناس باليأس أحيانا ولكننان نعمل ما بوسعنا لمساعدتهم».
وتم إغلاق الساحة السابقة للمعركة في 10 أيار (مايو) أمام العامة حيث بدأت التحضيرات لتجريف المدينة وتحضيرها لإعادة البناء من جديد. وسيتم بناء المنشآت العامة أولا حيث يستغرق العمل عليها 18 شهرا قبل السماح للناس بالعودة والعمل على بناء بيوتهم. ويقول غاندامرا «نريد رفع معنوياتهم، خاصة من لا يزالون في مراكز الترحيل وليس من السهل أن تكون بعيدا عن بيتك، ولوقت طويل».
وفي الوقت الذي يتم فيه العمل على إعمار ماراوي إلا أن خطر الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة لا يزال قائما رغم وفاة قادتها مثل إسنلون هابليون، الذي يعتقد أنه كان أمير جنوب ـ شرق آسيا. ولا يزال الجيش يلاحق أتباع جماعة «موات» في المدينة والبلدات القريبة منها.
فيما تتواصل المعارك الشرسة بين الجماعات المحلية والمقاتلين الأجانب في مناطق أخرى من جزيرة مينداناو حيث يسري مفعول قوانين الطوارئ. وهناك مخاوف من محاولة مقاتلي تنظيم الدولة البحث عن ملجأ في الفلبين بعد هزيمة تنظيمهم في العراق وسوريا. وقال رئيس هيئة الأركان الفلبيني الجنرال كارليتو غالفيز جي ار إن المقاتلين «ضعفوا ولا يمكننا الظهور بمظهر المتواطيء ونحن واثقون من جهودنا في مكافحة الإرهاب».
وقال: «سيتم ضخ ملايين البيزو في عمليات الإعمار وعلينا التأكد من عدم تعرضها للعقبات ويجب أن تكون آمنة ولن يعرقل المتعهدون العاملون معنا أي تهديد بالخطف أو إي عدوان من موات ـ تنظيم الدولة». ويقول زخاري أبوزا، الخبير في كلية الحرب الوطنية في واشنطن والخبير بأمن جنوب ـ شرق آسيا « ستظل مينانداو منطقة جذب للجهاديين الأجانب» وذلك بسبب «المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة أو التي تدار منها بطريقة فقيرة» وقال إن القوات الفلبينية المسلحة تطورت ولديها مصادر احسن من السابق لكنها ليست كافية للتعامل مع تحديات كبرى. إلا أن القتال ضد المتطرفين لا يدور دائما في ساحات المعارك ويقول أبوزا : «أنا قلق من بطء عمليات التأهيل في ماراوي بشكل يؤدي إلى زيادة النقمة على الحكومة». و«أنا قلق من جهود التسوبية مع جبهة تحرير مور الإسلامية بحيث يتم رسمها وتطبيقها بتعجل.
وهذه هي الأمور التي تثور الناس ضد الحكومة وليس خلية صغيرة من الإرهابيين».
وعلى ما يبدو فالحكومة تعي هذه القضايا وتحاول أن تكون عملية إعادة تأهيل السكان ناجحة، وهي جزء من استراتيجية الحكومة لهزيمة التطرف كما يقول غالفيز. ومن المتوقع أن تحصل الشركة الصينية بانوغون ماراوي كونسورتيوم على عقد بقيمة 17.2 مليار بيزو (328 مليون دولار) وهو واحد من المشروعات التي ستقوم بها الشركة في ساحة المعركة السابقة ومنذ أن تقاربت علاقات الرئيس رودريغو دوترتي مع بيجين. ومهما حصل فعلى سكان ماراوي الإنتظار طويلا وهم لا يعرفون ماذا سيكون شكلها عندما يسمح لهم بالعودة. ويقول إيكا فرنانديز، الخبير في التخطيط إن أهل المدينة يخشون من خطة إعمار المدينة والتي ربما غيرت أسلوب حياتهم.