غازي عنتاب… كازابلانكا جديدة تعج باللاجئين والجواسيس و«الدولة الإسلامية» وتجار الرقيق الأبيض

حجم الخط
1

لندن ـ «القدس العربي»: كيف تحولت مدينة في جنوب تركيا إلى مركز للقتلة من تنظيم الدولة الإسلامية وتجار الرقيق والجنس والحالمين ببناء سوريا؟ الجواب في مدينة غازي عنتاب.
وهي مدينة كان من حسن طالعها أن زارها مؤسس تركيا الحديث الغازي مصطفى كمال أتاتورك حيث أضيف «الغازي» إلى الإسم «عنتاب» ليصبح اسمها «غازي عنتاب» ولكن شهرة غازي عنتاب ليست نابعة بالضرورة من زيارة أتاتورك بل من أمر آخر فإن أردت تناول أشهى «بقلاوة» في العالم فما عليك إلا الرحيل إليها، أو هكذا تقول الرواية.
ونظراً لبعدها مسيرة ساعة بالسيارة عن الحدود مع سوريا فقد تحولت إلى نسخة جديدة عن «كازابلانكا» في أثناء الحرب العالمية الثانية والتي وصل إليها اللاجئون والجواسيس وعمال الإغاثة وخلايا تنظيم «الدولة» وكذا الذين يخططون لإعادة إعمار سوريا بعد الحرب. وهو مشروع مؤجل.
لكن العاملين في «تمكين» والذي يعمل فيه 26 موظفاً منهم 18 سورياً في غازي عنتاب بالإضافة إلى 76 في المحافظات السورية: حلب وإدلب في شمال-غرب البلاد وفي المناطق الجنوبية- درعا وريف دمشق يهدف لدعم السلطات المحلية في مناطق المعارضة.
وتدعم مشروع «تمكين» الحكومة البريطانية والإتحاد الأوروبي. وينقل دانيال بوفي من صحيفة «أوبزيرفر» عن مديرة البرنامج ليجلا كاتيك قولها إن مناطق ريف دمشق محاصرة ولهذا لم تقابل أياً من العاملين في المشروع هناك بسبب صعوبة السفر.

أهداف البرنامج

وقد تم الإعلان عن البرنامج في عام 2013 وأشرفت عليه شركة آدم سميث الدولية للإستشارات في لندن.
وحاول المشروع الجمع بين تقديم المساعدات من بناء المدارس والمستشفيات وتوفير المياه الصالحة للشرب مع بناء مؤسسات تقود لحكومة شرعية في محور الحرب.
ويشرف برنامج «تمكين» على لجان تتشكل من حرفيين وأعيان- شخصيات بارزة، وتتكون كل واحدة منها من 11 عضواً يقدمون خدمات لما بين 30.000 ـ 100.000 شخص في الأرياف والمدن. وتضم كل لجنة عضواً من المجلس المحلي التي برزت في مناطق المعارضة والتي يتسم بعضها بالفساد وسوء الإدارة.
كما تحاول اللجان ضم إمرأة واحدة على الأقل في كل لجنة، مع أن تحقيق هذا غير عملي بسبب الطبيعة المحافظة للمجتمعات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.
ففي بعض المناطق لا يسمح للمرأة بالخروج من منزلها. ويمنح مقر «تمكين» في غازي عنتاب عدداً من المشاريع التي يمكن أن تنفذها اللجان إلا أن التمويل والذي يأتي من وزارة التنمية والتطويرالدولي البريطانية في لندن والإتحاد الأوروبي في بروكسل لن يفرج عنه قبل التأكد من التزام القائمين على المشروع بالشفافية والمحاسبة والمشاركة.
ويجب على الأعيان في اللجنة الحديث مع الأهالي الذين من المفترض أنهم يقومون على خدمتهم عن أولوياتهم وما يحتاجون إليه عبر دراسات مسحية تتم من خلال اللقاءات العامة أو صفحات «الفيسبوك» وخطب الجمعة.
ويجب السماح للنساء في اللجان الفرعية التعبيرعن مواقفهن وما يحتجنه. وبعدما تتم الموافقة على المشروع من المقر في تركيا، يجب على اللجنة تقديم خطة شراء تفصل الطرق التي سيتم من خلالها الحصول على أحسن الأسعار للمواد اللازمة كي ينفذ المشروع.
كما يجب على اللجنة تقديم تقارير دورية حول مراحل تنفيذ المشروع، سواء عبر تقارير شهرية، أشرطة فيديو، أخبار على صفحات «فيسبوك» واللقاءات العامة وغير ذلك من الوسائل الإعلامية والجماهيرية.
ويجب تنفيذ المشروع خلال تسعة أشهر حيث تنقل مسؤولية إدارته للمجلس المحلي. وتختلف المشاريع في سوريا عن نماذج التطوير في العراق وأفغانستان والتي قامت على منح اللاعبين المؤثرين المال لتعزيز سمعة أمراء الحرب والدفع بالتالي لنشوء حكم قوي. وكلف هذا النموذج أمريكا مليارات الدولارات من دون ثمار تذكر.
ويقول زين كاندرين أحد مصممي برامج «تمكين» إنه يقوم على الإستجابة لمطالب الديمقراطية «فمن كانوا يروجون للديمقراطية في العراق وأفغانستان كانوا يبيعون السيارات من دون محرك» و»في سوريا نحن نساعد ببناء المحرك على أمل قيامهم بصناعة السيارة». ولكن المهمة ليست سهلة لأن البرنامج يتم بناؤه في ظل الحرب.

مخاطر مستمرة

ومن هنا يشير إلى المخاطر التي يتعرض الناشطون لها في غازي عنتاب، فعلى لوحة الإعلانات في مقر «تمكين» صورة ناجي الجرف، 38 عاما الصحافي الذي قتل في وضح النهارعندما كان يسير في وسط المدينة في كانون الأول/ديسمبر قبل يومين من سفره إلى فرنسا حيث حصل على اللجوء هناك.
ولكنه أنتج فيلماً عن تنظيم «الدولة» في حلب، وكان المتطرفون يريدونه ميتاً، فقتلوه. وفي الشهر الماضي قتل مقدم برنامج في قناة «حلب اليوم» محمد زاهر الشرقاط، وهو أحد الناشطين الناقدين للمتشددين.
وفي يوم الأحد انفجرت سيارة قرب مقر للأمن وقتلت ضابطي أمن وجرح عدد آخر من المارة. وتم اعتقال 30 شخصاً اشتبه بعلاقتهم بالتفجير.
فغازي عنتاب التي لا تبعد عن الحدود السورية سوى 30 ميلاً ظلت المكان الذي يمر منه الجهاديون القادمون من أوروبا. فمنها مرت التلميذات الثلاث: شميمة بيغوم وكديزا سلطانة وأميرة عباسي اللاتي هربن العام الماضي من مدرستهن في شرق لندن.
وفيها اعتقل الأمن التركي إبراهيم البكراوي أحد منفذي هجوم بروكسل في شهر آذار/مارس وتم ترحيله إلى بلجيكا ليفرج عنه. وفيها عثرت الشرطة التركية على 330 كيلوغراماً من المتفجرات والمقذوفات اليدوية والكلاشنيكوفات والأحزمة الناسفة. ورغم المخاطر التي تعيشها غازي عنتاب إلا أنها مدينة حديثة ففيها مقاه أمريكية :ستارباكس وفندق نوفوتيل ومركزي تسوق. ويقول مسؤول في وزارة الخارجية إن والدته تخشى عليه عندما يزور المدينة فيطمئنها أن فيها فرعاً لمتجر «ماركس أند سبنسر» وهذا دليل على أنها آمنة. ولكن الحياة الطبيعية تخفي وراءها مخاطر حقيقية.
فقد حذر المسؤولون العاملون في «تمكين» من عدم التنقل في مناطق عامة وواضحة خاصة المطاعم المعروفة التي يباع فيها الخمر. كما ويطلب منهم عدم عقد لقاءات في بناية الحكومة الإنتقالية، والتي لم تعد تقدم لها الدول الغربية الدعم بسبب فسادها بحسب الكاتب. وهناك العديد من القصص عن ملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية للغربيين الذين يصلون إلى المدينة وأخرى عن جهاديين يدخلون ويخرجون عبر مطار المدينة.

تجار الجنس

وبالإضافة للجهاديين ومخاطرهم هناك سر مخفي وراء جدران الشقق المنتشرة في داخل المدينة. ففيها يعمل تجار الجنس والرقيق حيث يقال إن نساء وبنات المقاتلين الذين يقتلهم تنظيم الدولة يبعن فيها كوسيلة لزيادة موارد خزينة الجهاديين.
ويعلق الكاتب هنا «بالتأكيد، ففي الوقت الذي كانت فيه غازي عنتاب محطة للقوافل على طريق الحرير والتي كانت تصل البضائع والثقافة من الشرق إلى أوروبا أصبحت مرحلة توقف مهمة في طريق الجهاديين بما يحملون معهم من مخاطر».
وتقول مروة وهي سورية تعمل في منظمة غير حكومية: «نتجنب الأماكن العامة ونحمل إنذارات».
وينقل الكاتب عن رامي الخطيب أحد العاملين في «تمكين»، وكان طالب قانون بجامعة دمشق قبل الحرب «أخشى من حادث كبير».
وقال إن زوجته الأسترالية غادرت غازي عنتاب بعد مقتل الجرف لعدم توفر الأمان. ويحذر زملاءه ويطلب منهم الحرص.
ويرى أن الحذر يجب أن يكون جزءاً من تحركاتهم في كل دقيقة. ومع ذلك فالخوف في غازي عنتاب لا يقارن بما يواجهه العمال الميدانيون الذين يأتون لزيارة المقر من مستنقع الحرب داخل سوريا ويحملون معهم قصصا مروعة.
ويشير إلى بريتا حسن، مسؤول مجلس حلب المحلي الذي جاء في الأسبوع الماضي لمقابلة الكاتب حيث استغرقت رحلته من سوريا إلى غازي عنتاب 10 ساعات في محاولة لتجنب الأكراد والقوات السورية.
وعندما عاد من تركيا اعتقلته قوات حماية الشعب الكردية ونقلته إلى بلدة عفرين ولم تفرج عنه إلا بعد أربعة أيام.
وقبل هذا الحادث الدرامي أخبر حسن بوفي عن طبيعة عمل المجلس المحلي ودوائره والخدمات التي يقدمها لمن تبقى من أهل حلب في منطقة المعارضة.
ومن ثم قدم له صوراً مريعة عن الموت في حلب وصوراً لمقتل العاملين في المجلس الذين قتلهم الطيران السوري وهم في الطريق للعمل ومنهم المهندس حسن العموري 29 عاما والذي تركه وراءه ولدان.
وتحدث بريتا حسن عن عودة القصف والبراميل المتفجرة التي عاد النظام لرميها على المدنيين.
وقال إنه تم قصف سوق الصاخور في حلب 15 مرة ولكن «يجب أن نحاول العيش». وقال إن المجلس حصل على مساعدات بقيمة 820.000 جنيه من برنامج «تمكين» والتي ساعدت في تعمير طريق وسيارات إسعاف ومعالجة مياه الصرف الصحي وأسهمت بتدريب المدرسين.
ولكن المال ليس المسألة بل العمل الذي تم. و «قارنا هذا ببرامج أخرى فهذا أفضل. ويحصل مجلس حلب المحلي على 500.000 دولار أمريكي من الولايات المتحدة».
وحتى وقت قريب كان مجلس حلب يعاني من مشاكل داخلية وخلافات بين أعضائه تتعلق بالقرارات إلا أن برنامج «تمكين» قدم للمجلس نموذجاً حول كيفية تجنب اتهامات الفساد، مشيرا إلى أن هدف البرنامج هو تعزيز الحكم الرشيد «وعندما يتم بناء هذا يتبعه تقديم خدمات بطريقة مناسبة».

مظاهر فشل

ومن الصعب فحص نجاح البرنامج وتعميم قصة «تمكين» في حلب على مناطق أخرى إلا أن اهالي ترمانين في محافظة إدلب وقفوا في الصيف الماضي ضد تنظيم «جبهة النصرة» – الفرع الرسمي لـ»القاعدة» في سوريا.
ولأن «النصرة» حاولت دفع رجالها إلى تولي مناصب في المجلس المحلي، فقد قام برنامج «تمكين» بسحب الدعم عن اللجنة المحلية.
وذلك لأن البرنامج لا يتعاون مع منظمات مصنفة بالإرهابية، وهو ما أدى بالمهندسين والمدرسين المستفدين منه للحديث مع السكان عن خسارة الدعم الذي أسهم بإصلاح آبار المياه والمدرسة وعربات نقل.
وقرر بعد ذلك المعتدلون في المجلس الإستقالة وإنشاء مجلس جديد. واضطرت النصرة للتنازل عن مواقفها فيما بعد. ويقدم الكاتب هنا وصفاً للنجاحات التي حققها البرنامج البريطاني في ريف دمشق ومناطق آخرى. فقد دعم 63 برنامجاً تعليمياً وأصلح مدارس دمرتها الحرب ونظم 78 برنامج تدريب للمجالس المحلية وبدأ 42 برنامج صحي، بما في ذلك بناء عيادات جديدة وتمويل شراء سيارات إسعاف ومولدات كهرباء.
وأنفقت بريطانيا 3.8 مليون جنيه من ميزانية مخصصة للبرنامج قيمتها 17.2 مليون جنيه. ورغم النجاحات هناك فشل ففي بلدة الطيبة بمحافظة درعا قرب الحدود الأردنية عثر على مولد موله برنامج تمكين في حديقة منزل رئيس المجلس المحلي. وفي حلب لم تكن عملية إصلاح شارع بالمعايير المطلوبة.
ويشير الكاتب إلى أن الوضع العسكري داخل سوريا يهدد البرنامج وعملياته، فقد تم إجبار المعارضة على الخروج من ريف حلب عبر حملة قصف جوية للطيران الروسي والسوري. وقامت قوات حماية الشعب بالدخول للمناطق التي خرجت منها المعارضة السورية.
ونتج عن حملة القصف هروب جماعي من مارع ودير جمال وتل رفعت حيث كان للبرنامج لجان عاملة في هذه المجتمعات المحلية. ويمتد على طول مدينة أعزاز التي يعيش فيه 150.000 شخص مخيمات عدة. وقرر برنامج «تمكين» ملاحقة اللاجئين حيث أقام عدداً من الخيام.
ومن هنا تحول العمل من بناء مؤسسات دولة إلى جهود للإغاثة الإنسانية. وتعترف كاتيك أن البرنامج فقد قدرات بشرية وبدأ الناس بالهجرة لشعورهم أن هذه الحرب لن تنتهي بشكل سريع. فقد قتل مئات الألوف ولم يعد الأطفال يتعلمون. وتقول: «من استطاع مغادرة سوريا فقد غادر. ومن بقي هم الذين لم تكن لدين الوسائل للسفر. وانتظرنا من نيسان /إبريل إلى آيار/مايو 2015 حتى يحدث هذاـ فقد تعب الناس خلال هذه السنوات الأربع الماضية».
وتعتقد كاتيك أن الحل لمنع الهجرة إقامة منطقة حظر دولي «تعب الناس من القصف وفقدوا القدرة».
ويواجه البرنامج معضلة كبيرة في ما يتعلق بالمناطق التي سيطر عليها النظام والأكراد، هل عليه مواصله عمله فيها أم يتركها. وينقل عن ضياء عبدالله، مسؤول ميداني قوله إن النظام سيقوم باعتقال وتعذيب من له علاقة بالمشروع.
فيما يرى مازن غريبة من المعارضة أنه من الغبن للسكان الذين استفادوا من المشروع تركهم من دون مساعدة.
وهو ما يراه مسؤول في العمليات في شركة آدم سميث، نيل فاولر الذي عمل في العراق وأفغانستان والصومال أن البرنامج صمم لتطبيقه في ظروف غير استثنائية. وعليه فالناس يستحقون المساعدة والحصول على الخدمات الأساسية أياً كانت طبيعة السلطة التي تحكمهم. مؤكداً على ضرورة احترام رؤية السوريين العاملين في الميدان والذين كان معظمهم ضحايا للنظام السوري الوحشي. وكما بدأ الكاتب مقاله بحديث مع رامي الخطيب الذي قال له إن السوريين لا يحبون سؤالين: الأول فيما إن كانوا متفائلين بنهاية للحرب والثاني عما يحمله المستقبل لهم وكلاهما لا معنى لهما. فلا أحد لديه حس تفاؤل أو يعرف متى تنتهي الحرب.

غازي عنتاب… كازابلانكا جديدة تعج باللاجئين والجواسيس و«الدولة الإسلامية» وتجار الرقيق الأبيض
مدينة على طريق الحرير مرت منها قوافل المعرفة والبضاعة ولديها أشهى بقلاوة في العالم
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الاردن:

    * شيء طبيعي.. أثناء الحروب تحدث الكوارث
    وتبعات أخرى وهذا ما يحصل في معظم
    المدن ( الحدودية ) الواقعة بين سوريا
    وتركيا..؟؟؟
    * من الصعب ضبط ( الحدود ) وضبط
    الاف الناس المشردة والهاربة من جحيم
    حرب الطاغية ( الاسد ) قاتله الله .
    سلام

إشترك في قائمتنا البريدية