الغجري معروف بهروبه وابتعاده عن شيئين قدر استطاعته، الدين والسياسة، لأنه يعتبرهما أمرين يهددان حياته، لكن تقلبات العراق السياسية ألقت غجر العراق في أتون هذين الشيئين منذ خمسة عشر عاما.
إن جزء أساسيا من طبيعة حياة الغجري يقوم على الحرية والتنقل، لذلك عرف الغجري بعدم ارتباطه بالأرض فهو لا يمتلك ذكرى منزل أو قبر حبيب أو مزارا مقدسا ليرتبط به، وحتى عندما أُجبر غجر العراق على الاستقرار في مجمعات سكنية محددة، كان التحرك السريع والانتقال إلى أماكن أخرى، سمة مخفية في طيات الثقافة الغجرية التي تنتقل من جيل إلى جيل لتظهر في الوقت المناسب.
كتب بعض الباحثين دراسات وبحوث ومقالات صحافية عن الغجر في العراق الذين يعرفون في الوسط والجنوب باسم «الكاولية» وفي الشمال باسم «القرج» فهم جماعة بشرية (أقلية إثنية/ ثقافية) تعيش في العراق، ويشترك غجر العراق مع غجر العالم بسمات عامة، يمكن إيجازها في أن لهم مواصفات جسدية عامة مثل (لون البشرة الذي يكون مائلا إلى اللون الأسمر النحاسي، والشعر المستقيم الاسود، والعيون اللوزية اللامعة). كما أنهم يمتازون بلغة خاصة بهم هي خليط من لغات ولهجات عديدة، وهي لغة شفاهية غير كتابية، وأبرز المهن التي يحترفها غجر العراق كانت الحدادة وقراءة الطالع والموسيقى والرقص، ونتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، امتهنت بعض عشائر الغجر مهنة تجارة الجنس (البغاء). ولا توجد إحصائية دقيقية للغجر في العراق، إلا أن بعض التقديرات أشارت إلى أكثرمن 250 ألف نسمة عند سقوط النظام السابق عام 2003، ولكن الغالبية العظمى من عوائل الغجر هربت من العراق نتيجة التهديد والتهجير والقتل الذي تعرضوا له، وبات عددهم يقدر الآن بأقل من 50 ألف نسمة ينتشرون في مناطق صحراوية متناثرة في العراق.
إن العديد من الدراسات تشير إلى أن تاريخ الغجر وظهورهم في مناطق الشرق الاوسط ومنها العراق يمتد لمئات السنين، وكثيرا ما يحكى تاريخهم بطريقة أسطورية يختلط فيها التاريخي بالميثولوجي، وتكثر في هذه السرديات محاولات إدانتهم ووصمهم بمختلف الصفات السلبية، فقد كتب الشاعر الفارسي الفردوسي في ملحمته «الشاهنامة» أن الملك بهرام جور جلب الغجر من الهند للترفيه عن شعبه بالرقص والغناء سنة 6291 قبل الميلاد، ثم غضب عليهم وأراد أن يفتك بهم فتشتتوا لكسب رزقهم عن طريق الطرب والرقص والمدح والشعوذة. ومن الأساطير المتداولة التي تصم وتحرض ضد الغجر أسطورة «المسمارالرابع» التي تحكي قصة صلب السيد المسيح (ع) وتقول، عندما قرر الحاكم الروماني تنفيذ عقوبة صلب السيد المسيح (ع)، أرسل جنديين لإحضار المسامير الأربعة التي ستستخدم في عملية تثبيت الجسد المقدس على الصليب، لكن حدادي أورشليم رفضوا صنع المسامير، حينما علموا بأنها ستستخدم في صلب المعلم الذي كان يبشر بين الناس ويظهر المعجزات، ويحيى الموتى ويعالج المرضى ويشفيهم، فقتل الجنديان حداداً يهودياً، وحداداً مسيحياً، وحداداً سورياً رفضوا جميعا تنفيذ الأمر، ثم قابلا حداداً غجرياً، فوافق وصنع ثلاثة مسامير، وعندما بدأ بصناعة المسمار الرابع، صار يسمع هاتفاً وأصواتا تصرخ به وتحذره من أن يفعل، لكن الغجري أتم صناعته فتوهج المسمار وشع منه نور أضاء مساحات واسعة فتركه الغجري وحمل خيمته وهرب، لأن المسمار المتوهج الصارخ بقي يلاحقه أنى ذهب، وما زالت لعنة «المسمارالرابع « تطارد كل الغجر من مكان إلى مكان، لذا هم دائمو الترحال.
كما تذكر ترتيلة إسبانية بطريقة تحريضية ضد الغجر حين تقول، «في رواق بيت لحم أتى الغجر الأشرار وسرقوا الأغطية من على الطفل الرضيع، الغجر الأنذال الذين تشبه وجوههم الزيتون الأسود تركوا الطفل المسكين مجرداً من الملابس». كما أن هنالك أسطورة تقول بأن الغجر رفضوا إيواء العذراء ويوسف النجار والمسيح في خيامهم أثناء هروبهم إلى مصر. ونتيجة سلوك الرفض الذي يواجه به الغجر في المجتمعات التي يعيشون بها بقوا معزولين في نوع من «الغيتوات» أو المجتمعات المغلقة عليهم نتيجة خوفهم من السلوك العدائي القائم على الصورة النمطية الشائعة عنهم، التي تصفهم بانهم أصحاب سلوكيات منحرفة ومرفوضة اجتماعيا، مثل السرقة والغش والتسول والرقص والغناء وتجارة الجنس، وقد تعرضوا للكثير من الإبادات على يد مجاوريهم، رغم أنهم جماعات مسالمة لا تستطيع الدفاع عن نفسها.
ولم يعتبروا عراقيين ولم يحصلوا على الجنسية العراقية طوال مئات السنين التي عاشوها على هذه الأرض حتى ثمانينيات القرن الماضي، إبان الحرب العراقية الإيرانية، ولم يكن بإمكان الغجري تملك أرض أو عقار لأنه لا يمتلك أوراقا تثبت هويته، لذلك كانوا عرضة للتهجير في أي وقت نتيجة تهديد أو مهاجمة القبائل المجاورة لهم، وقد سكنت مجاميع الغجر التي تعرف جزافا بالعشائر، رغم كونها نوعا من (العوائل الممتدة) في مخيمات مؤقتة على هامش المدن التي يقدمون خدماتهم لها، لكنهم نتيجة سياسات الحكومة في سبعينيات القرن الماضي تم توطينهم ومنعهم من الترحال، حيث أسكنوا في مجمعين قرب العاصمة بغداد، هما الأهم والأكبر من بين مجمعات توطين الغجر في العراق، الاول في الضاحية الجنوبية الشرقية من بغداد قرب منطقة الكمالية، والثاني في الضاحية الشمالية الغربية لبغداد قرب منطقة (ابوغريب)، كما تم إسكانهم في مجمعات أخرى أهمها، مجمع السحاجي قرب مدينة الموصل وحي الطرب قرب مدينة البصرة ومجمع الفوار قرب مدينة الديوانية ومجمع كنعان قرب مدينة ديالى.
وقد سعى مركز البحوث والدراسات الاجتماعية والجنائية في مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى ايجاد نوع من سياسات التكيف الاجتماعية للأقلية الغجرية في العراق ومحاولة تذويبها اجتماعيا عبر عدد من دراساته وبحوثه، لكنه فشل في ذلك.
منذ خمسينيات القرن الماضي أصبح للفن الغجري نجماته من المطربات والراقصات اللواتي دخلن الإذاعة والتلفزيون، ونتيجة هذا الدخول حظي الكثير من عوائل الغجر بحماية شخصيات نافذة في الدولة، كان منهم ضباط كبار ارتبطوا بعلاقات غرامية مع راقصات أو مطربات غجريات، وسرى الكثير من الشائعات عن زيجات سرية بين بعض كبار رجال الحكم في العراق وفنانات غجريات، لكن رغم الحماية الواضحة التي كانت مجمعات الغجر تحظى بها من الدولة، إلا انهم تعرضوا لنوع من الابتزاز والتنكيل، فقد كان يطلب منهم إحياء حفلات الغناء والرقص في جبهات القتال، وكذلك في المقرات الحزبية في مختلف مدن العراق في الاحتفالات العديدة التي شهدتها حقبة الحرب العراقية الايرانية.
وعندما سقط النظام بات الغجر فريسة سهلة لكل من يريد أن ينتقم منهم، وتعددت الهجمات عليهم لمختلف الأسباب، فقد هجم شباب على أحياء الغجر مباشرة بعد سقوط نظام صدام باعتبارهم كانوا من اعوان النظام السابق وتربطه بهم علاقات ومصالح، وتم نهب بيوتهم وتهديدهم بالقتل فلجأوا إلى معسكر مدمر من معسكرات الجيش العراقي قرب ابو غريب وحمتهم بعض قطعات القوات الامريكية، بعد تدخل عدد من منظمات حقوق الانسان، ومن كان منهم مقتدرا ومحظوظا حظي بفرصة سفر وعمل في دول الجوار في سوريا والاردن وتركيا ودول الخليج، اما من تبقى منهم منزويا في أحياء لا تليق حتى بحياة الحيوانات فلم يسلموا على انفسهم من هجمات ميليشيات الإسلام السياسي المسلحة، التي اتهمتهم بنشر الرذيلة والفسوق في المجتمع، ما تسبب في عزلهم في أماكن أقرب إلى معسكرات الاعتقال على أطراف الصحراء، ليبقى الغجري الهارب من السياسة والدين طريد كل تحولاتهما في عراق متقلب على جمر التحولات.
كاتب عراقي
صادق الطائي
نعرف الغجر بالنرويج من ملابس نسائهم ! فهن لا يلبسن البنطلون أبداً !! فلباسهن التنورة الطويلة !!!
أغلب الغجر بالنرويج قدموا من رومانيا , وأغلب مهن الرجال منهم هي السرقة وبيع المخدرات
أما أغلب مهن نساء الغجر بالنرويج فهي التسول و بيع المصوغات الذهبية المغشوشة
ولا حول ولا قوة الا بالله
الاستاذ صادق الطائي صاحب القلم التنوري, انت على الدوام تغوربحثا وباستفاضة عن كل ما هو مهمش ومستضعف في المجتمع العراقي وتقدمه للقراء باسلوب شيق وبمسحة تضامنية انسانية وتبين وبصورة مقتضبة الخلل في نمط التفكير لدينا ازاء الشرائح الاجتماعية التي لا حول ولا قوة لها. اثناء قرائتي لمقالك تذكرت الفلم الذي بعنوان “مخيم الغجر يصعد الى السماء” عن قصة لغوركي بعنوان “ماكارتشودرا” بورك قلمك الجليليا استاذنا الموقر.
فيما يتعلق بالرواية عن علاقة الغجر بالمسامير الاربعة او عدم ايواءهم العذراء فمسيحيي الشرق لا يعرفوها وقد تكون قد وضعت في اوربا لكرههم الغجر واحتقارهم .اما اصولهم فهي كما يعتقد اكثر الباحثون انها من افغانستان وايران وفي العراق يطلق عليهم (الكاولية) وهي صيغة جمع في العامية العراقية ويعتقد البعض انها بالاصل( كابولية) اي من مدينة كابول وقد تم تحويل ال P الى واو للسهولة