في كل الأحداث التاريخية، مرور أكثر من ربع قرن على حدث ما يجعل التعاطي معه أكثر يسرا، لأن الكثير من الوثائق تكون قد أفرج عنها، وبات الفاعلون السياسيون أكثر حرية في الحديث عن التفاصيل، لأن الحدث أصبح تاريخا، يحتاج المتعاطي معه إلى أن يكون علميا وموضوعيا، وأن يفهم ما جرى كما جرى لا كما تمنى هو أو تمنى غيره.
لكن كل ذلك لا ينطبق على احتلال صدام حسين للكويت، فبدءا بالاسم الذي وصف الحدث، يمكننا مشاهدة الاضطراب والتخبط في التعاطي مع ما حصل، فقد أخذ الحدث عدة تسميات، بناء على وجهات نظر أطراف النزاع، وليس بناء على توصيف موضوعي، فهو من ناحية غزو، اجتياح، احتلال، اكتساح، زلزال. ومن ناحية أخرى يوم النداء، و»فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى» وانقلاب عسكري نفذه ضباط كويتيون شباب وقام العراق بدعمهم، ثم عودة الفرع إلى الأصل، والوحدة الاندماجية، وحتى بعد أن وقعت الكارثة، أصبح الإعلام العراقي يصف ما حدث بـ»أزمة 2 أغسطس/آب 1990». لكن توصيف مجلس الأمن والمنظمة الأممية كان واضحا: احتلال الجيش العراقي لدولة الكويت، ومحاولة محو كينونتها كدولة عضو في الامم المتحدة. وبناء على ذلك تم تشريع القوانين والعقوبات التي فرضت على العراق.
ما تزال الأسئلة كثيرة، ولا توجد إجابات عليها، أو ربما قد تجد إجابة طرف مع غياب إجابة الطرف الآخر، لكن اللافت أن هنالك سيناريوهات متخيلة تم تسويقها إلى وسائل الإعلام، أو كتبت في كتب وأصبحت هي الحقيقة البديلة لما حصل تاريخيا، ولعل أبرز هذه السيناريوهات هو سيناريو «خديعة الأمريكيين لصدام حسين شخصيا»، ونصب فخ له وجره للوقوع فيه، ومن ثم القيام بتدمير القدرات العسكرية العراقية التي خرج بها «منتصرا» من الحرب العراقية الإيرانية.
ولنبدأ بالسيناريو الأصلي الذي سوقته الرواية العراقية الرسمية عن أسباب الصراع، السيناريو يقول، إن دولا خليجية هي الكويت والإمارات العربية بشكل أساس وبدعم من السعودية، قد أعلنوا حربا اقتصادية على العراق، عبر إغراق السوق العالمي بالنفط، نتيجة بيع كميات أكبر من الحصص التي حددتها لهم منظمة أوبك، ما أدى إلى هبوط أسعار النفط العالمية، ووصول سعر البرميل إلى 7 دولارات، بالإضافة إلى اتهامات موجهة للكويت بشكل مباشر على ضوء مشاكل حدودية، أضيف لها اتهام الكويت بسحب البترول العراقي من حقل الرميلة الحدودي عبر الحفر المائل في هذا الحقل.
وهذه الاسباب واهية جدا، وبالإمكان التأكد منها بشكل موضوعي ببساطة وكشف زيف هذا السيناريو، فخبراء الاقتصاد النفطي يعرفون جيدا ماهية وأسباب الأزمة العالمية التي أدت إلى انهيار أسعار النفط عالميا في نهاية الثمانينيات، وأن دولة واحدة او دولتين، مهما بلغت قدراتها غير قادرة على خفض سعر النفط العالمي عبر ضخ الفائض في السوق، بحيث تنهار الأسعار الى هذا الحد. ثم ما هي الاسباب التي تدفع دول مثل الكويت والإمارات والسعودية إلى خسارة المليارات نتيجة انخفاض أسعار البترول؟ هل يعقل أن تكون الغاية الوحيدة هي الإضرار بالعراق؟ علما أن تلك الدول كانت الداعم الرئيسي للنظام العراقي طوال الحرب العراقية الايرانية، لاسباب لوجستية، تمثلت في لعب العراق دور حائط الصد ضد التوسع الإيراني بعد الثورة الإسلامية في إيران 1979.
أما مسألة الحفر المائل وسرقة النفط من حقل الرميلة الحدودي، فبالإمكان الرجوع الى رأي خبراء الحفر، الذين يقرون أن هذا الأمر من خرافات السياسة غير القابلة للتطبيق العملي، وأن مستخرجات الحقول مثبتة في سجلات الاستخراج والتصدير، وفي الإمكان التأكد منها ومعرفة الكميات المستخرجة، وهل تم التعدي على الحصص المقرة تبعا للاتفاقات الدولية.
اذن لماذا تحرك صدام حسين باتجاه خطوة الغزو؟ وهل حقا هنالك سيناريو أمريكي لتوريطه بذلك؟ وهل كانت في كلمات السفيرة الامريكية أبريل غلاسبي أي رسائل أو ضوء أخضر أمريكي يغض النظر عن تحرك صدام العسكري؟ أم هو سيناريو وهمي آخر رسمته القوى القومجية للتباكي على الحليب المسكوب؟
إن التوصيف الأدق لحال العراق إبان تصاعد الأزمة يمكن ان نقرأه في ما كتبه سعد البزاز الصحافي العراقي المقرب من المطبخ السياسي في كتابه «الجنرالات آخر من يعلم»، فهو يقدم توصيفا واضحا يخبرنا عبره أن من اتخذ القرار كان صدام الفرد فقط، حتى أنه لم يناقش الأمر، ولو بشكل صوري مع قيادة الحزب، أو قيادة الدولة، أو القيادة العسكرية. وقد وصف البزاز الأمر بقوله، دولة يستمع فيها وزير الدفاع خبر دخول القوات المسلحة إلى الكويت عبر الإذاعة.. ويستدعى رئيس الاركان بعد سبع ساعات من بدء العمليات ليأخذ علما بما وقع.. ولا يعلم آمر طيران الجيش بالحدث إلا بعد وقوعه.. ويعتقل مدير التوجيه المعنوي لسخريته من طلب قيادته العامة رفع معنويات الجنود. دولة لا يعلم فيها نائب الرئيس متى بدأت الحرب، ولا يعرف قائد القوة الجوية أن الطائرات ستتحطم على الأرض، في حين كان يتعهد بأن ذبابة لن تخترق أجواء العراق. دولة يؤدي فيها وزير الإعلام صلاة الشكر قبل 12 ساعة من بدء الحرب، لأنه اعتقد أن الحرب لن تقع. ومع كل ذلك ما زال البعض يسوق سيناريوهات مفادها أن الزعيم كان على حق، لكنه كان محاطا ببطانة من المستشارين غشته، ولم تنقل له الحقائق كما هي على الأرض.
أما سيناريو الفخ الأمريكي الذي نصب لصدام لجره للدخول للكويت والانتقام من قدراته المتطورة، فإن صدام نفسه وفي رسالة رسمية كذّب هذا الادعاء وفنده، ففي رسالة الاعتذار التي وجهها الرئيس صدام حسين إلى شعب الكويت في 7 ديسمبر/كانون الأول 2002 ، قبيل الغزو الأمريكي للعراق بأسابيع، والتي قرأها من تلفزيون العراق وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف نيابة عن الرئيس – وقد عزي الأمر حينها للاحتياطات الأمنية خوفا من ضربة صاروخية محتملة قد توجهها القوات الامريكية لأماكن تواجد الرئيس – فقد ذكر صدام حسين ضمن استعراضه التاريخي لأزمة احتلال الكويت ما يلي، «ولشدة ما كانت دهشتنا كبيرة عندما واجهنا المسؤولون عندكم بعدم الاكتراث بدعوتنا تلك، ولم نكن في وقتها قد وصلنا إلى تفسير مقنع لذلك الموقف، إلا عندما بدأت التمارين العسكرية المشتركة بمناورة حربية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1989 في الكويت بإشراف الأمريكيين، تلتها شهادة الجنرال نورمان شوارتسكوف أمام الكونغرس الأمريكي في فبراير/شباط 1990، التي قال فيها نصا: إن هناك حاجة لزيادة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، محذرا من قدرة العراق على إزعاج جيرانه، حسب زعمه، في وقت لم يكن هنالك ما يلوح في الأفق غير بداية ملامح بسيطة للمؤامرة الاقتصادية على إخوانكم في العراق، وحفر الآبار النفطية بشكل مائل عند خط الدوريات الذي وضعته الجامعة العربية، بحيث يؤثر هذا التصرف سلبيا على حقولنا النفطية في الجنوب». أي ان نظام صدام كان يعلم بتفاصيل الخطة الامريكية منذ اكتوبر 1989، وعلى علم بشهادة شوارتسكوف في فبراير 1990، وان الامريكيين يخططون لتحجيم وضرب العراق، الخارج منتفخا من الحرب الايرانية لتقليل تهديد جيرانه، اذن كيف سار صدام للفخ برجليه مع علمه بكل هذه المعلومات؟
ويبقى اللقاء اللغز الذي بنيت عليه نصف سيناريوهات نظرية المؤامرة، في ما حدث في غزو الكويت، وهو لقاء الرئيس صدام حسين مع السفيرة الامريكية في بغداد أبريل غلاسبي، الذي تسربت تفاصيله ونشرتها CNN منذ سنوات، وبحسب الوثيقة، فإن الاجتماع عقد في 25 يوليو/تموز 1990 أي قبل الغزو باسبوع واحد فقط، وقامت غلاسبي بإرسال تفاصيله في اليوم نفسه إلى واشنطن، وحضر اللقاء وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، ومدير مكتب صدام، وبينت فيه ان الرئيس صدام حسين، الذي «اختار كلماته بعناية» أخبرها أن بلاده تعاني من مصاعب مالية خانقة، مع ديون تجاوزت 40 مليار دولار، وتحدث بمرارة عن أن بلاده تواجه هذا الواقع، مع أنها «أحدثت بانتصارها في الحرب ضد ايران، فارقاً تاريخياً بالنسبة للعالم العربي والغرب»، واتهم الإدارة الأمريكية بالسعي لخفض سعر النفط، في الوقت الذي يحتاج فيه العراق للمال.
وأضافت غلاسبي أنها قالت لصدام إن القلق الأمريكي حيال نواياه مبرر، وشرحت بالقول؛ «أليس من المنطقي أن ينتابنا القلق عندما تقول أنت ووزير خارجيتك إن تصرفات الكويت توازي الاعتداء العسكري؟ ومن ثم تتوجه وحدات من الحرس الجمهوري العراقي إلى الحدود مع الكويت؟ نحن نسأل بروح الصداقة وليس المواجهة عن نواياكم». إذن أين الضوء الاخضر الذي يدعيه البعض في حديث السفيرة الامريكية؟ وهنا لابد من ذكر أن ابريل غلاسبي ذيلت رسالتها إلى واشنطن بالإشارة إلى الخلاف حول مناطق الثروات النفطية بين العراق والكويت، وأضافت أن أمريكا «لم تتدخل في هذا الشأن العربي الخاص»، ولفتت إلى أن صدام لم يسبق له أن استدعى أي سفير للقاء مماثل للذي عقده معها، واستنتجت أن ذلك يدل على قلقه، واعتبرت أنه أدلى بالكثير من الملاحظات التي تدل على اعترافه بشرعية الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وبدور واشنطن كقوة عظمى.
ويذكر عدد من المسؤولين العرب والخليجيين، ممن حاولوا لعب ادوار وساطة لنزع فتيل الازمة قبيل الغزو، أن الوصف الوحيد الموضوعي لما جرى هو تنمر صدام حسين على جيرانه من الدول الصغيرة والضعيفة، ومطالبتها بدفع 10 مليارات دولار فورا للعراق لمساعدته في ازمته الاقتصادية، ليبدء التحرك بحل الازمة سياسيا، وهذا ما لم يوافق عليه الكويتيون لأسباب يطول شرحها ولتحصل الكارثة.
كاتب عراقي
صادق الطائي
إحتلال صدام للكويت كان مصيدة له لسجنه في قصوره الرئاسية! الكثيرة ثم تصفية الجيش العراقي المنتصر على إيران!! ولا حول ولا قوة الا بالله
الاخ صادق الطائي المحترم…هناك امور في المقال لم توفق بعرضها…اولا . مسالة ان وزير الدفاع لايعرف، ورئيس الاركان لايعرف ، والقادة العسكريين لايعرفون ، هذا كلام غير صحيح…الدليل ، قبل دخول القوات العراقية بثلاث اشهر ، كانت فرقة جيش نزلت بين حديثة وعانة ، وصادف وجود جندي على الطريق فتوقفنا له لايصاله بطريقنا(وكان من احدى المحافظات الجنوبية) ، وساله والدي الذي كان يسوق السيارة: ابني انتم اصحاب طويلة (يعني مطويلين هنا) فقال له الجندي: حجي جايين نتدرب شهرين ثلاثة وبعدها راح نروح ناخذ الكويت!! هذا كلام الجندي،…نعم صدام وحده اختار التوقيت واتخذ القرار ، ولكن لم يكن بيوم وليلة كما تتصور حضرتك؟ فمشروع ارجاع الكويت بدا منذ زمن عبدالكريم قاسم كما تعلم حضرتك.
ثانيا..الحفر المائل ، امريكا نفسها من ابلغ العراق بقيام الكويت بالحفر المائل والبلاغ معزز بالخرائط ، وهذه المسالة غطتها وبالوثائق صحيفة كتابات العراقية( التي يشرف عليها اياد الزاملي)..كان رد صدام احنا والكويت نتفاهم ، انتم ماعليكم.
ثالثا. نعم دولتين نفطية او ثلاثة تستطيع التاثير على سعر النفط بالسوق في حال ضخ كميات اكثر من المقرر (والمعادلة التي تسيطر على الاسعار كما تعلمنا في علم الاقتصاد: هي العرض والطلب ) ، بعكس ماتحدثت ….
رابعا. الكويت كان فخ نصب بدقة هدفه تدمير العراق واخراجه من معادلة الصراع في الشرق الاوسط ، ولعدم وجود قيادات سياسية ناضجة بالعراق ، فقد سار العراق نحو الفخ كما هو مخطط له…مع الشكر.
الأخ د أوس العاني
هناك شهادات كثيرة على الإنترت تستطيع البحث عنها تفيد أن وزير الدفاع العراقي و رئيس الأركان و ضباط كبار آخرين فوجئوا بدخول قوات الحرس الجمهوري الى الكويت
و شكراً لتأكيدك “عدم وجود قيادات سياسية ناضجة في العراق “….أعتقد ما زال الأمر كذلك !
و فقط لو كنت أعلم هذا منذ أربعين عاماً لهربت بجلدي الى الصين _ لا الكويت المجاورة !
مع التقدير
الكويت حينها تعتبر ولاية أمريكية بدليل أن كل كويتي تقريبا له جنسية أمريكية كما أن استغلال النفط وعوائده المالية كانت أمريكا المستفيد الأول.
ما قام به صدام يُعتبر في الحقيقة هجوم على أمريكا بل إن يابر طار إلى أمريكا وانتظر حتى تخلصه من صدام .
السيد Dinars!
ليتك تعتني أكثر عند إنتقائك لكلماتك ، إحتراماً للقاريء ، و لمن غادر هذه الدنيا الفانية
مع التقدير للدينار العراقي الذي قصم ظهري !
أتفق مع السيد الكاتب في تحليله الموضوعي ، و إن إجتياح الكويت الأخرق لم يكن إلا قراراً فردياً لرأس النظام الذي كان دائماً مهيأ ً ذهنياً و نفسياً للصراع ، و إن لم يكن يمتلك ، و تأريخه أثبت ذلك ، النظرة الثاقبة الحكيمة لنتائج قراراته .
من المؤلم أن ملايين العراقيين دفعوا ثمناً هائلاً لذلك .
كما أن لقائه مع السفيرة الأمريكية و محضر اللقاء موجود لا يمكن أن يفسر ، بمفردات السياسة الدولية و الدبلوماسية ، كدعوة لإحتلال بلد عربي صغير مجاور .
كنت أنا هناك تلك الأيام و بحكم عملي المدني شهدت أحداث فجر ٢ آب ، و إنصافاً و بنظرة المستفيد بالنظر الى ما يقارب ٣٠ سنة خلفنا ، أقول ، و هذا لا يقلل أبداً لإستنكاري عمل ٢ آب الأخرق ، أن الحكومة الكويتية آنذاك كان ينتظر منها أن تكون أكثر كرماً مع جارها الكبير العراق الذي فقد مئات الألوف من شبابه في حرب مع جارٍ كبير آخر .
و أنا مع أني مقتنع أن الكويت لم تكن داعية أو محرضة على الحرب مع إيران ، إلا أنها لأسباب واقعية و أخرى قومية ، ساعدت العراق في الحرب . و لكن كان عليها و دول الخليج الأخرى مساعدة جارهم الذي ، حتى و إن كانوا لم يطلبوا ذلك ، فإن حربه مع إيران أوقفت مشروع حكما إيران الجدد آنذاك في تصدير الثورة اليهم .
و الدليل على ذلك ما تعيشه منطقة الخليج هذه الأيام .
لا أرجو و قد شهدت كل ما جرى منذ ١٩٨٠ و دفعت ثمناً مثل عشرات الملايين الآخرين ، إلا أن تتفادى المنطقة عودة ما حدث عام ١٩٨٠
انا باعتقادي ان صدام حسين كان قد خطط لالامر منذ السنوات الاخيرة للحرب العراقية الايرانية فهو يعرف جيدا ان جيشه اصبح قوة لا يمكن لدول الجوار ان تجابهها وان وضعه الاقتصادي بعد الحرب سينهار بسبب نتائج الحرب وما سبببته من ديون وكذلك الاعداد الكبيرة من الجنود الذين لن يجدوا اي فرصة عمل بعد انتهاء الحرب وتسريحهم منها وبوجود العمالة المصرية التي سيطرت على سوق العمل والملاحظ ان صدام في السنوات الاخيرة من الحرب كان يدعو لالاحتفال بعيد ميلاده او المناسبات الاخرى فققط الاعلاميين الكويتيين وبعض الشخصيات المهمة لكي يتقرب للشعب الكويتي.الامر مخطط له ولذلك حدث الامر بسرعة ولم تنجح الوساطات او لم يتم انجاحها