غزيات يشاركن أزواجهن بإنتاج مشغولات منزلية للخروج من حياة الجوع والفقر

حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: في مجتمع قطاع غزة والذي تضيق فيه فسحة العيش تزداد حدة الأوضاع الإنسانية ضراوة، وفي ظل عزوف المئات من الرجال عن العمل نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، بدأت المرأة الغزية مشاركة زوجها وخوض مهن منزلية عديدة يتم تسويقها عبر منصات التواصل الاجتماعي وأخرى عبر مؤسسات تدعم صمود المرأة وكفاحها للخروج من حياة القسوة والفقر، فالعديد من المؤسسات في القطاع نشطت مؤخراً في تقديم فرص عمل للنساء من خلال إنشاء بعض المشاريع التي تؤمن للأفراد والأسر قوت يومهم، ومنها جمعية البيت الصامد التي تعنى بمشاريع التطريز والخياطة، وجمعية اتحاد لجان العمل النسائي التي تعنى بمشاريع تحضير الوجبات والحلويات بأنواعها، بالإضافة إلى مؤسسات تدعم مشاريع الثروة الحيوانية من الطيور وغيرها.
وبات أمر مشاركة المرأة زوجها في العمل ليس عيباً أو غريباً، في وقت تتأزم فيه الأوضاع المعيشية ويتخلى فيها القريب والصديق مع اشتداد الحصار الذي أدى إلى تراكم أعداد كثيرة من العمال على أعتاب البطالة، ولا شك أن عمل المرأة من أكثر الموضوعات إثارة للجدل في مجتمع محافظ كقطاع غزة على الرغم ممن يعارضه وهناك من يوافق عليه، وآخرون يرون لا مشكلة بشرط وصول الأوضاع المعيشية إلى غاية متناهية من القهر والفقر تجبر المرأة على الوقوف إلى جانب زوجها لستر بيتها وأولادها في أعمال واقعية تعتبر بسيطة، تحاول من خلالها منع عائلتها من مد اليد وطلب العون من الغير.
فالمرأة الغزية أصبحت تشكل عنصراً أساسياً في التنمية الاقتصادية، ورغم النجاح الذي حالف بعضهن إلا أنهن مررن بمراحل شاقة مليئة بالتجارب الغنية التي ساهمت في صقل شخصياتهن، فكثير من المشاريع الصغيرة قد سجلت نجاحا كبيراً، من خلال إدارة ناجحة للمشاريع المدعومة من مؤسسات خيرية وتنموية.
أم كامل (45) عاماً تعيل أسرة مكونة من 9 أفراد، دفعها الوضع الاقتصادي السيئ وعزوف زوجها عن العمل منذ سنوات، إلى خوض مهنة صناعة المعجنات والحلويات وبيعها من خلال محلات البقالة المنشرة في الحي الذي تسكن فيه.
وتشرح أم كامل حالها لـ«القدس العربي» قائلة: «كان زوجي يعمل في مهنة الخياطة، وبعد أصابته بمرض القلب المزمن توقف عن العمل حتى أجريت له عمليه فتح للقلب لم يعد بعدها قادراً عن العمل، وازدادت الأوضاع المادية للعائلة سوءاً، في ظل غياب مصدر دخل يسترنا سوى مبلغ قليل من المال يقدر بـ180دولارا، يتم صرفه للعائلة عن طريق مستحقات وزارة الشؤون كل ثلاثة شهور، فصعوبة الأوضاع دفعتني إلى التوجه لأهل الخير لكي يمنحوني مبلغا من المال يمكنني من إنشاء مشروع صغير يستر بيتي، فبعد شرح الوضع وقيام أهل الخير بزيارة بيتي والاطلاع على أحواله، تم صرف مبلغ من المال لشراء المواد اللازمة للبدء بالمشروع البسيط، وعلى اثر ذلك بدأت العمل في مجال صناع المعجنات المغلفة وتوصيلها إلى المحلات المجاورة للبيت، ولاقت هذه المصنوعات إقبالا كبيرا من الناس».
وتضيف أم كامل بفرحة غمرت وجهها «أصبح كثير من الناس يأتون إلى بيتي ويتواصلون لكي أعمل لهم كميات من الحلويات خاصة لمناسباتهم، وبهذا المشروع تمكنت من السيطرة على الوضع الصعب مطالبةً جميع النساء إلى خوض المهن المنزلية، ومشاركة أزواجهن في حياتهم لتحدي الظروف الصعبة والتي تتجه نحو الأسوأ».
لا يختلف الحال كثيراً عن الغزية أم حسن (38 ) عاماً، والتي تعمل في مهنة التطريز الفلاحي لصالح إحدى المؤسسات التنموية والتي تدعمهم ضمن مشاريع خاصة تقدمها في محاولة لتحسين الأوضاع المعيشية للنساء.
تقول أم حسن لـ«القدس العربي»: أعيش وعائلتي في بيت مستور بحاجة لمستلزمات يومية، ورغم أن زوجي يعمل في مهنة الطوبار إلا انني سلكت طريق العمل في التطريز لصالح مؤسسات تهتم بشؤون المرأة، وذلك لتدني الأجرة المادية التي يتلقاها زوجي، عدا الانقطاع المستمر في العمل لفترات طويلة وذلك نتيجة الحصار الذي ترتب عليه شح إدخال مواد البناء وارتفاع تكلفتها، وهو ما يجعل استمرارية العمل أمرا مستحيلا.
تبين أم حسن إن مهنة التطريز والتي تعمل بها مئات النساء في غزة من المهن الصعبة والتي تحتاج إلى تركيز ووقت لإنجاز المطلوب، عدا الآثار الجانبية من زغللة في العينين وصداع في الرأس، ولكن هذا هو حالي كمرأة محتاجة للعيش حياة كريمة، وعن طبيعة مهنتها تقول، أن مدة العمل للقطعة الواحدة تستغرق في أحسن الأحوال قرابة نصف شهر، وحول الأجور والعائد المادي تكمل نتلقى العائد حسب نوعية قطعة التطريز المطلوبة، فهناك قطع خشنة ذات ثقوب كبيرة، وقطع ناعمة ذات ثقوب صغيرة، فالقطع الناعمة أجرها كبير عن الخشنة لأنها تعطي جمالاً أكبر وتحتاج لتركيز أكثر أثناء حياكتها.
وتمتلك المرأة الغزية من العزيمة والإصرار ما لا تمتلكه نساء العالم، فهي تفتقد للمأوى والغذاء والكساء إلا إنها تبقى صامدة أمام عثرات الزمان الصعبة، وهو ما تعيشه اليوم.

غزيات يشاركن أزواجهن بإنتاج مشغولات منزلية للخروج من حياة الجوع والفقر

إسماعيل عبد الهادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية