«غضب مكبوت»، كانت تلك العبارة الأكثر دقة لوصف كل هذا الغضب العفوي من مصريين في مسرح الجريمة الإرهابية التي ضربت الكنيسة المصرية ومصر في قلبها التاريخي.
الغضب الذي تفجر بمحدودية وتكثيف على رأس لميس الحديدي وريهام سعيد، وصفه الناشط المصري محمد حسين بدقة حين كتب يقول: (.. ده غضب صافي مكبوت، ومش طائفي ولا سياسي، واتجاهه غبي على دماغ الجميع وفي كل ناحية).
طبعا بلا شك، العنف مرفوض مبدئيا، ولا استثناءات هنا، وندين بشدة ما حدث للزميلة الإعلامية لميس الحديدي من اعتداء وهو مرفوض (مع كل اختلافنا معها)، ونتحفظ – بارتباك – على ما تعرضت له المدعوة ريهام سعيد من شرشحة وبهدلة، كما نعتبر أن أي اعتداء تعرض له أحمد موسى ما هو إلا نتيجة سوء تنسيق في الحماية بين زملائه في الأجهزة الأمنية.
لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نتهم أو نلقي اللوم أو نعمل على تجريم أحد في ظروف قاهرة تشهدها القاهرة، وكامل الأراضي المصرية المحتقنة بالغضب في كل الاتجاهات.
الذين غضبوا على الإعلاميين، ببساطة كانوا يجيبون بالغضب على استفتاء لم يطرحه أحد حول المحتوى الإعلامي للفضاء الرسمي المصري، الذي شكل وبتراكمية متسارعة هذا الانفجار السريع الذي تلقته رؤوس الإعلاميين (وأشباه الإعلاميين) وقد حاولت تلك الرؤوس أن تطأطئ أكثر ما يمكن لها تجنبا لضربة موجعة من جموع محتقنة حد الإيذاء البليغ.
مرة أخرى، أستشهد بالناشط المصري محمد حسين، الذي كتب بالعامية ما أعتقده أبلغ توصيف حين يكمل ويقول: (.. المبرر اللي فاضل، وهو مرعب، إن اللي شفناه ده غضب صافي مكبوت، ومش طائفي ولا سياسي، واتجاهه غبي على دماغ الجميع وفي كل ناحية، ولما يطلع بالشكل ده من أقلية دينية هي أصلا محاصرة، فممكن تتخيل لما نوع الغضب ده يبقى على نطاق أوسع هيبقى عامل إزاي).
هذا ناقوس خطر.. لا على المستوى السياسي وحسب، بل على المستوى الإعلامي أيضا.
شيء من الشفافية يا زملاءنا في الفضائيات المصرية.. شيء من الشفافية قد ينفع مصر وأهلها.
الملاكم حينما يتحول لمحاور تلفزيوني
الإعلام الغربي صار يشهد حالات عصبية مفرطة تذكرنا كثيرا هنا بحلبات الصراع في برامج الحوار العربية التي شهدت سبابا وشتما وضربا ورفع أسلحة نارية أحيانا.
آخر الحوادث التلفزيونية كان في قناة فرنسية تبث برنامجا اسمه (مستوى الصفر)، بين مفكر فرنسي معروف اسمه آلان سورال، وضيف مقابله تم تعريفه أنه «يساري عنصري ضد العرب والمسلمين» وهذه مفارقة عجيبة وتاريخية في اليسار الفرنسي!
سورال، وبينما خصمه في الحوار يتحدث، شعر بالانفعال الشديد فتوجه بهدوء نحو خصمه متجاوزا المذيع الذي صدمته المفاجأة، وقام بتوجيه سيل من اللكمات على وجه محاوره ليتدخل الاستوديو ويفض النزاع، الطريف أن الحوار تم استكماله مرة أخرى، والضيف المضروب عاد لحديثه بعد توقف بسيط لينفعل سورال مرة ثانية ويهجم من جديد على محاوره ليضربه.
المشهد لقي جدلا واسعا في فضاء أوروبا التلفزيوني، وحوارات طويلة حول المشهد، استفدنا منها مثلا أن سورال كان مدرب ملاكمة سابقا قرر أن يصير مفكرا بعد ذلك!!
تلك فكرة، جعلتني أقترح أن نتوجه باقتراح لاتحادات الملاكمة والمصارعة العربية لتوجيه أعضائها الملاكمين والمصارعين بعد الاعتزال لدراسة الفلسفة أو الآداب أو العلوم السياسية ثم تأهيلهم ليصبحوا محاورين تلفزيونيين، واستبدال المحاورين الحاليين على الفضائيات العربية وقد مللنا منهم، بهؤلاء المؤهلين لزيادة التشويق في برامج الحوار العربي، مع تجهيز الاستوديوهات طبعا بحلبات حوار مهيأة لجولات ملاكمة حية ومباشرة.. وهذا ما يحتاجه جمهور عربي واسع الانتشار، متعطش للإثارة لا المعلومة.
.. والنائب حينما يحتكر مفاتيح الفهم!
ولأن وسائل التواصل وبفعل عوامل الانصهار التكنولوجي المعرفي باتت جزءا من الفضائيات والعكس صحيح، فلا بد من إيراد حادثة شهدتها بنفسي على صفحات «الفيسبوك»، تعكس العقلية العربية بدون رتوش ولا تزويق، وهي تمارس قمعها الفكري حتى لو كان صاحبها من مدعي الديمقراطية والفكر الحر وما إلى ذلك من ادعاءات المفهومية الحديثة.. المدججة بالشهادات العليا الأجنبية.
المنتج الأردني ناصر قلعجي، وهو من فريق انتاج فيلم «ذيب» ويحمل شهادات في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كتب إدراجا سياسيا على صفحته الفيسبوكية على شكل تساؤل ووجهة نظر يحملها الرجل ضد سياسات حزب الله.
فجأة، من بين التعليقات يخرج النائب الأردني الشاب قيس الزيادين، ليعلق موجها حديثه لقلعجي (.. أنت منتج وفنان رائع وحصدت أوسكارا وجوائز عديدة محترمة عالميا، اترك الخبز لخبازينه).
ما حدث بعد ذلك جدل عنقودي متفجر بين من انتقد أو عتب على النائب ولهجته الاستعلائية ومنطقه المرفوض، وبين جماهير النائب «الديمقراطي» المعدودين ذوي الصوت المرتفع الذين انبروا للشتم بل وتهديد كل من يمس سعادة النائب، الله يسلمه لأهله.
بالمناسبة، النائب من قائمة تتبع تيارا سياسيا اسمه «معا» أعلنت أكثر من مرة انحيازي له ولبرنامجه الداخلي، بل وقد كتبت منحازا للنائب «المتهور» ذات مناظرة بينه وبين مرشح إسلامي، لكن مصادرة الرأي الآخر، والاعتقاد الاستعلائي بأن سعادة النائب فقط لأنه «نائب» يملك مفاتيح الفهم السياسي ويحتكر «فرن» التفكير وحده، تجعلنا مستفزين إلى أقصى حد.
المفارقة أتفق مع النائب زيادين في مفاصل كثيرة كما أختلف مع قلعجي في معظم ما يذهب إليه سياسيا، لكن هنا بالذات، أقف معه في الدفاع عن حقه في التعبير.
مع هكذا خبازين، يحترق الخبز، وقد يحترق الفرن كله يا سعادة النائب، والاعتذار يليق بالجد الراحل الكبير السياسي يعقوب زيادين.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
الذي تعرض له إعلاميي الإنقلاب من شرشحة وبهدلة وطرد وسحل هو أقل مما يستحقوه لسبب واحد وهو أنهم مع الظالم
ولا حول ولا قوة الا بالله
كل الاحترام للكاتب مالك العثامنه/ ارجوا التواصل على الايميل