الخرطوم ـ «القدس العربي»: بعد أن كان مواطنا سودانيا، يحضر إلى عمله ممتطيا مواصلات «أمبدة» الضاحية الأمدرمانية ومتأبطا الكاميرا، بات المصور فلب يزور الخرطوم «كأجنبي» أو كـ (عابر سكة فايت) كما تقول الأغنية السودانية الشهيرة!
المصور البارع الذي كان قبل الانفصال بلغتنا- الاستقلال بلغتهم- ينتسب لوكالة السودان للأنباء وهو من أبناء أبيي وعاش في سنار المدينة التي يوجد فيها حي اسمه «أبيي» الأمر الذي يؤكد الصلات القوية بين البلدين.
قدم إلى الخرطوم والتحق مصورا بوكالة السودان للأنباء «سونا» ووصل في مهنته إلى مستويات رفيعة منها عمله بوكالة الصور الأوروبية، وتوّج فلب نضاله المهني بإصدار أول كتاب مصوّر عن الراحل جون قرنق وخاض معارك صحافية في الشمال والجنوب كان هو البطل دائما فيها من خلال (الصورة).
في زيارته لبلده الأول السودان، جاء فلب تسبقه المحبة والسلام بالأحضان على كل من جمعته به اللحظات الحلوة، جاء وكأنه قادم من بيته بأمبدة للتو ومارا بميدان أبو جنزير في وسط الخرطوم حيث يتناول قهوة الصباح قبل أن ينطلق لعمله. قال: «مؤلم جدا أن تأتي لزيارة وطنك ومسقط رأسك ومراتع طفولتك بجواز سفر أجنبي عليه تحديد لوقت إقامتك».
وعن عمله في جوبا يقول إنه التحق بكل سهولة بوكالة أنباء جنوب السودان ويصف أجواء العمل بأنها جيدة ولا تختلف كثيرا عن الشمال، ويقول ان جوبا ليست غريبة عليه، فقد زارها مرارا وتكرار وهو في الشمال، مشيرا إلى أن الدولة الجنوبية تسير بخطوات بطيئة وعزا ذلك لصعوبات البداية.
يتمنى فلب ضيل الإنفراج في العلاقات بين البلدين ويقول إن هذا يتطلّب ابتعاد المتشددين في الحكومتين إذ أن المصالح المشتركة تقود للمزيد من التعاون في كافة المجالات، ويعزز ذلك الوجدان المشترك والصفات التي تجمع بين شعبي البلدين.
وقال ان العلاقات يجب ألا ترتبط بالمزاج العام للحاكمين في البلدين، وقال إنه لم ينزعج لارتفاع كلفة تذاكر السفر وصعوبته، مؤكدا أن ذلك لن يحول بينه وبين زيارة الشمال، لكنه أبدى أسفه للتعقيدات الموجودة في إدارة «السجل الأجنبي» مضيفا أنها تأخذ كل الوقت وتخصم كثيرا من الصلات الطيبة.
ورغم أن فلب من أبناء منطقة أبيي التي تأخذ وضعا خاصا ولا تخضع لدولة الجنوب، لكنه أصبح الآن مواطنا في دولة جنوب السودان ويقول إن قرار حكومة السودان بإعفائهم من الخدمة العامة أسوة بباقي مواطني الجنوب هو الذي عجل باختياره للدولة الوليدة.
وأضاف: «صدر قرار الإعفاء وطلبوا بعد ذلك ان نقوم بإجراءات عديدة حتى يتم قبولنا في وظائفنا من جديد وقد رفضت ذلك لأنه يخصم من كرامتي كإنسان» ويقر بأنه راضٍ تماماً عن إختياره لجنسية جنوب السودان رغم دفاعه السابق عن الوحدة واصداره لكتاب «الزعيم الراحل قرنق في صور» وأوضح هذا التوثيق الاتجاه الوحدوي للزعيم الراحل وقال فلب أنه تأقلم مع الوضع الجديد، لكنه لن ينسى أياما وسنينا قضاها في الشمال.
أنجز المصور فلب ضيل كتابا مصورا عن قرنق يصوّر فيه حياته الممتدة بين (23 حزيران/يونيو 1945 – 30 تموز/يوليو 2005) وقرنق هو زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان والنائب الأول السابق لرئيس الجمهورية في السودان قبل الانفصال.
ويقول إن هذا الكتاب يحكي مسيرة الزعيم بالصور، ويرى أن رحيل قرنق المبكر والمفاجئ قلب كل الموازين بين السودان وجنوب السودان، ويعتقد أنه لو قدرت له الحياة لكان أول رئيس جنوبي للسودان وذلك من خلال دعم ومحبة الشماليين له قبل الجنوبيين.
وتحمل السيرة الذاتية لفلب العديد من ملامح التكوين المهني في مدن الشمال وأن كان مولده في عام 1959م في منطقة «كول أكوج» شمالي أبيي، حيث تلقى تعليمه وعمل في وكالة السودان للأنباء مراسلا للوكالة الأوروبية للصورة الصحافية، ومصورا في صحيفة «الخرطوم».
وساهم في توثيق أحداث مهمة في مناطق النزاع في دارفور وجنوب السودان، وتوثيق نشاط بعض منظمات المجتمع المدني المحلية والأجنبية، وعمل في منظمة اليونيسيف (توثيق قضايا الطفولة في السودان).
ويرى فلب أن الصورة الصحافية لها خصوصية وتختلف كثيرا عن أنواع الصور الأخرى، ويقول إنه يواصل مشروعه الصحافي في دولة جنوب السودان وذلك من خلال عكس الظروف الصعبة التي يعيشها الناس ويضيف ان الجنوب لا يختلف كثيرا عن الشمال من حيث معاناة المواطنين وكفاحهم من أجل الحياة الكريمة: «هذا هو مصير كل شعوب العالم الثالث».
صلاح الدين مصطفى