قصائد

ضوء الحديقة
ليلاً، في كل ليل
بعد أن يغلق الحراس أبواب الحديقة
ويتركون للأشجار عزلتها الآسرة
أتسلل عبر فتحة منسية في الجدار
مثل قط جائع
وأسير في قلبها..
ثمة سروة وحيدة، عالية
كأنها ترتعش؟
ثمة ضوء يشع قرب نهاية سورها الغربي
ألمحه.. أحدق فيه
ثم أمشي بلهفة إليه
لعله ظلها؟
لعله الذكرى أو النسيان
تلويحة لوداع جارح؟
لعله شغف العاشق الذي مر ظهراً من هنا
وأنتظر
أو حيرة العاشقة؟
لعل الضوء قرب سور الحديقة الغربي
هو النهاية..
أحياناً تأخذ النهايات شكل الضوء
وقد تتقمص العزلة روح رجل وحيد
يتسلل في كل ليل
إلى ظلام الحديقة
ويذهب فيه
يمر بقرب سروة ترتعش
يرى الضوء يشع عند نهايتها
فيمشي نحوه
وهو يبتعد
ويبتعد

2
مونولوج
الغريب الذي اختار أن يجلس أمامي
في عربة شبه فارغة لقطار داخلي سريع
ثم أطلق على رأسه النار
قبل أن يدخل القطار رصيفه التالي
قبل الثامنة بقليل من صباح الأحد:
لم يكن قاسياً كما بدت ملامحه
حين تمتم بكلمات متقطعة عن الشمس
والنافذة.
لم يكن شاحباً مثل مسدسه الرمادي القديم
كان ينزف
ويبتسم
وكأنه يتحسس موته
كما يتحسس صدر فتاة مخمورة في البار
بلذة وامتنان
الغريب الذي مات بعد الثامنة من صباح الأحد الأخير
في قطار داخلي سريع
منتحراً، بطلقة واحدة في الرأس
كان الوحيد الذي وصل المحطة الأخيرة
سالماً
قبل أن يرتطم القطار بغيمة عابرة
وينكسر.
3
هذيان
أسمع أصواتاً
ليست مثل هذه المعتادة في آخر الليل:
لهاث الجار المتعب من الحب والخمر وهو يصعد الدرج
بكاء الرضيعة في الطابق السادس
الجارة العجوز وهي تنهر كلبها.
أحياناً، أسمع صوتاً يتردد بعذوبة جارحة:
لا تذهب.
أحياناً أخرى، أسمع صوت أبي وهو يتوعد الكون
بغضب هادر..
لم أكن أعرف أسبابه حينها
وحين عرفت
كان أبي قد مات.
مرات، في أوقات محددة قبل الفجر
يجيء صوت أمي من خلف باب البيت
أسمعه بوضوح مريب
وأكاد أشمه:
لا تبتعد في هذا الليل
فقد لا تعود..
ولكني ابتعدت، ولم أعد!
بالأمس، بعد أن عاد الجار مخموراً
ونامت الجارة العجوز، نام كلبها
نامت الرضيعة في الطابق السادس
سمعت صوتها
صوتها هي: ربما نلتقي
وقد نسير ثانية قرب سوق الخضار
بين الحانات الرخيصة والمقاهي المكتظة بالأحلام والنعاس
وقد نتوقف، هكذا فجأة
في المسافة الفاصلة بين باعة الحشيش وبائعات الهوى على الرصيف
لأهمس فيك:
حتى لو ابتعدت
سأتبعك.
2017 فيينا

٭ شاعر فلسطيني

قصائد

نائل بلعاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عماد كريم:

    قصائد جميلة وصوت ساحر وصور بارعة
    عماد كريم – فرانكفورت

إشترك في قائمتنا البريدية