■ كان الوفد الرفيع الذي أوفده الرئيس التركي أردوغان، الأسبوع الماضي، إلى واشنطن تحضيراً لزيارته المقررة في 16 أيار/مايو، ما يزال هناك، حين أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تزويد وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بالأسلحة بما فيها بعض الأنواع الثقيلة. بدا الأمر وكأن هناك من يعمل على إفشال اللقاء الأول بين الرئيسين قبل موعده، أو على إلغاء الزيارة برمتها كما طالبت بعض الأصوات في تركيا.
الزيارة التي علق عليها أردوغان آمالاً كبيرة لجهة إنهاء صفحة الفتور في علاقات البلدين، طوال السنوات السابقة في عهد باراك أوباما، وفتح صفحة جديدة مع إدارة ورئيس جديدين من الحزب الجمهوري، تحولت، منذ ذلك اليوم، إلى ما يشبه الكابوس. فما الذي يمكن لهذا اللقاء أن يقدمه لأردوغان بعدما ضربت واشنطن بالهواجس التركية عرض الحائط، واتضح أن الثابت الوحيد -ربما- الذي لم يتغير بتغير القيادة الأمريكية، بين عهدي أوباما وترامب، هو التحالف مع القوات الكردية والاعتماد عليها في معركة تحرير الرقة من تنظيم الدولة.
فإذا كانت هذه هي الحال مع الملف الأهم، من وجهة النظر التركية، فهل تكون أفضل في الملفات الإشكالية الأخرى كموضوع تسليم الداعية الإسلامي المعتدل فتح الله غولن الذي تعتبره أنقرة العقل المدبر للانقلاب الفاشل الذي جرى في الصيف الماضي، أو موضوع المليونير التركي من أصل إيراني رضا صراف الموقوف في الولايات المتحدة وتجري محاكمته باتهامات تتعلق بخرق قوانين أمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على إيران؟
الخلافات بين الجانبين، في الملفات الثلاثة المذكورة، واضحة ومعلنة، ولم تنجح جميع الاتصالات السابقة بين الحكومتين في تشذيبها بإيجاد حلول وسط أو بإقناع أحدهما الآخر بوجهة نظره. ربما راهن أردوغان على مزاجية نظيره الأمريكي وعدم وضوح رؤيته السياسية في الموضوع السوري، إلى الآن، لتكون عوامل مساعدة في محاولة إقناعه بوجهة النظر التركية في الموضوعات الخلافية. بل إن بعض المحللين السياسيين وجد أوجه تشابه بين الرئيسين، الشعبوية والنزعة القومية والتسلطية، واعتبرها مما يمكن أن يساعد على تقريب وجهات النظر بينهما. خلال الأسبوع الفاصل بين القرار الأمريكي بتسليح وحدات حماية الشعب ولقاء القمة، عبر أردوغان وأركان حكمه والإعلام التركي عن غضب عارم، وآخر ما صرح به أردوغان بشأن الزيارة المرتقبة هو أنه ذاهب لواشنطن لوضع نقطة وليس فاصلة. بمعنى أنه ما لم تتخل الإدارة الأمريكية عن تحالفها مع وحدات الحماية في معركة تحرير الرقة، فإن تركيا ستنهي علاقاتها التحالفية مع شريكتها الأطلسية، لتمضي في تحالفاتها الجديدة مع روسيا والصين.
فجر ترامب، مرة أخرى، واحدة من مفاجآته حين انتهى لقاء القمة الثنائي بعد اثنتين وعشرين دقيقة على بدايته. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن أردوغان لا يجيد أي لغة أجنبية، أي الإنكليزية ضمناً، ويستعين بمترجمين حتى في الاتصالات الهاتفية مع الرؤساء، أمكننا القول إن الزمن المجدي للقاء لم يتجاوز إحدى عشرة دقيقة، لا بد أن عبارات الترحيب والشكر المتبادلة استغرقت قسماً منها. هل يمكن القول إنها كانت مجرد زيارة مجاملة وتعارف؟ لمَ لا، فالملفات التي قد تشكل جدول أعمال الزيارة سبق وبحثها الوفد التركي الثلاثي مع نظرائه الأمريكيين. ومن المحتمل أن ما اتفق أو اختلف عليه، تم بعيداً عن الإعلام وعن اللقاء الثنائي نفسه.
في المؤتمر الصحفي المشترك لم يخف أردوغان موضوع الخلاف الرئيسي المتعلق بوحدات حماية الشعب، وإن كان قد ابتعد عن أي لوم مباشر لمضيفه. أما ترامب فقد حاول استرضاء ضيفه بوصفه لحزب العمال الكردستاني بالإرهاب. وهذا ليس بالجديد، فالحزب موجود على لوائح الخارجية الأمريكية بهذه الصفة منذ سنوات طويلة. أما وحدات الحماية وحزب الاتحاد الديموقراطي السوريين فليسا منظمتين إرهابيتين من وجهة النظر الأمريكية، بل حليفان في الحرب على داعش. الأمر الذي يعني أن أردوغان لم يحصل من ترامب على ما كان يأمل في الحصول عليه بهذا الخصوص. ومع ذلك لم يضع أردوغان «النقطة» التي توعد بها قبيل الزيارة، بل وضع فاصلة تستأنف بعدها علاقات التعاون بين الدولتين. فهل كان وعيده مجرد تهويش موجه إلى الرأي العام الداخلي في تركيا في سياق الاستقطاب الحاد الذي سبق وتبع الاستفتاء على النظام الرئاسي، أم أنه حصل على بعض ما جاء من أجله مقابل التخلي على مضض عن بعض آخر؟
أحد سيناريوهات المقايضة المفترضة هذه ذكرها المحلل التركي في معهد واشنطن سونر جاغبتاي في مقالته عن الزيارة، المنشورة قبيل موعدها: وهي موافقة إدارة ترامب على شن هجمات تركية على مواقع حزب العمال الكردستاني في جبل سنجار، شمال شرق العراق، مقابل سكوت تركيا عن التحالف الأمريكي – الكردي في سوريا. الواقع أن الطيران التركي قد شن فعلاً هجمات على جبل سنجار، أواخر نيسان الماضي، لكنها تزامنت مع هجمات أخرى عل مواقع وحدات الحماية قرب الحسكة في سوريا. إذا صح هذا السيناريو الافتراضي، فمن المحتمل أن تشن المقاتلات التركية غارات أخرى على سنجار في الفترة القادمة، مقابل منعها عن شن غارات مماثلة داخل الأراضي السورية.
وهناك توقعات أخرى بشأن احتمال تزويد الجيش التركي بأسلحة أمريكية متطورة طالما طلبت تركيا شراءها، في السنوات السابقة، ولم تحصل عليها. وذلك تعويضاً عن تزويد البنتاغون لوحدات حماية الشعب بالسلاح الثقيل. وربما استباقاً أمريكياً لمشروع تركي بصدد شراء أنظمة دفاع جوي متطورة من روسيا.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي