دمشق – «القدس العربي» : أعلنت موسكو عن قمة ثلاثية تجمع رؤساء الدول الضامنة «الترويكا» في أيلول/سبتمبر المقبل، لبحث التسوية السورية وعلى رأسها ملف ادلب التي ترزح تحت وطأة ضبابية المشهد، حيث أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيشارك في قمة تجمعه مع نظيريه التركي والإيراني، مشيرًا إلى وجود بعض «النتائج الأولية» وفقًا لجدول الرؤساء الثلاثة، حيث تعتبر هذه القمة استمراراً لاجتماعات قادة الدول الضامنة لمحادثات استانة والتي بدأت في سوتشي واستضافت تركيا القمة الثانية، ومن المرجح ان تستضف طهران القمة المقبلة، وتبقى إشارة المحافظة على رابطة الأستانة، الرسالة الأبرز في هذا الاجتماع خاصة في ظل السياق الاقتصادي الدولي الراهن وما يفرضه من أزمات على تلك الدول.
أهمية هذه القمة الثلاثية تنبع حسب خبراء من توقيتها ولاسيما مع دخول محادثات أستانة مرحلة جديدة في ظل بقاء منطقة خفض تصعيد واحدة فقط في إدلب، وأمام هذه المعطيات قال الباحث في العلاقات الدولية، د.باسل الحاج جاسم ان للقمة أهمية جوهرية إضافية، تأتي من كونها ستنعقد قبيل أيام من قمة مرتقبة أخرى بين قادة روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا. ويتضح حسب رؤية الخبير في العلاقات الدولية أن ثلاثي أستانة (روسيا تركيا ايران) مازال هناك الكثير أمامه في الساحة السورية وخصوصاً إدلب التي يخيم الغموض على مصيرها حتى اليوم في ظل استمرار وجود منظمات مصنفة على قائمة الإرهاب فيها وهو ما يجعلها هدفاً عسكرياً لأكثر من طرف.
عناوين سورية
ورغم أن العناوين المطروحة كافة للاجتماع الثالث للدول الضامنة الثلاث هي عناوين سوريّة إلا أن التأزم الاقتصادي الذي تشهده هذه الدول الثلاث سيفرض نفسه كمحور نقاش وتباحث وهو ما من شأنه «تقريب المسافات» بينهم في بعض القضايا العالقة في سوريا لا سيما فيما يتعلق بمستقبل محافظة إدلب، خاصة أن جزءاً رئيسياً من هذا التأزم مصدره «السياسة الاقتصادية العقابية» التي تنتهجها الولايات المتحدة.
الباحث السياسي معن طلاع شرح لـ»القدس العربي» التفاهمات المتوقعة في الملف السوري وذهب إلى ان اتجاهات المشهد العام وحركية هذه الدول عسكرياً تدلل على أن الاجتماع سيحدد ثلاثة أمور رئيسية، أولها يرتبط بمصير ادلب إذ ستمنح روسيا مزيداً من الوقت لتركيا لترتيب المشهد السياسي العسكري في المحافظة وتفكيك «هيئة تحرير الشام» وهو أمر تدفع باتجاهه أنقرة عبر سياستين، الأولى «محاصرة خيارات الهيئة» وابعاد تيار المقاتلين الأجانب فيه مع العمل على انحلال الهيئة وفرط عقدها ودخول بعض أفرادها السوريين ضمن تشكيلات المعارضة الجامعة التي تدفع تركيا باتجاه تشكيلها؛ والسياسة الثانية المقابلة تتمثل في تشكيل القوة المحلية اللازمة لمواجهة الهيئة على مبدأ أن التصدي لها محلياً أفضل من تبعات التصدي لها عبر النظام وحلفائه.
وأضاف طلاع ان ثاني الأمور التي سيحددها الاجتماع هو البت في الإطار السياسي الناظم لعمل اللجنة الدستورية والدفع باتجاه البدء باجتماعاتها، وبالتالي الاتفاق على الخطوات التنفيذية المقبلة في هذا الشأن وما يستلزمه من قوة دافعة لتفعيل وتسريع الحركة باعتبار أن التقدم في هذا الملف سيشكل «انعطافة سياسية» تعزز من مقاربة لإيجاد حل ينهي الأزمة.
أما الملف الثالث برأي طلاع فهو مرتبط برسم الأطر العامة لاستراتيجية «عودة اللاجئين» وسبل التعاون في انجاز هذا الملف، ويأتي هذا الملف ضمن أولوية موسكو التي باتت تتعاطى مع الاستحقاقات السياسية لسوريا كتحديات تقنية حكومية في إشارة واضحة لضرورة روسية في تنفيذ هذه الأجندة من منطق «ما بعد الأزمة» وهذه الأولوية بالعموم ستصطدم بالعديد من العراقيل أهمها إزالة الأسباب السياسية والأمنية والاجتماعية الدافعة للجوء ناهيك عن قضايا التمويل ومستلزمات إعادة الإعمار التي لن يكون بمقدور روسيا وحلفائها تنفيذها منفردة. ورأى ان المحافظة على رابطة الأستانة كإطار تفاهمي ما بين روسيا وتركيا وايران، هو الرسالة الأبرز للقمة الثلاثية التي تواجه الدول المعنية فيها أزمات مالية واقتصادية.
آخر لقاء جمع رؤساء الدول الضامنة، كان في نيسان الماضي، في العاصمة التركية أنقرة، حيث بحثوا خلالها آخر التطورات في الملف السوري، ولم يحدد مكان عقد القمة المقبلة، إلا أن الرؤساء الثلاثة اتفقوا في القمة الماضية على عقدها في العاصمة الإيرانية طهران، حيث كانت الدول الثلاث، باعتبارها «ضامنة»، توصلت في محادثات «أستانة» إلى اتفاق «تخفيف التوتر» في عدد من المناطق السورية، إلا أن الاتفاق شهد خروقات عدة منذ إقراره في أيار/مايو 2017، ولا يزال نافذًا في محافظة إدلب التي يجري الحديث مؤخرًا عن حملة عسكرية قد يشنها النظام عليها.
واتفقت تركيا وروسيا، مؤخرًا، على ضرورة محاربة «جبهة النصرة» (المنضوية في هيئة تحرير الشام) في إدلب، والمستثناة من اتفاق «تخفيف التوتر»، وفي مؤتمر صحافي جمع وزيري خارجية البلدين مولود جاويش أوغلو وسيرغي لافروف، الثلاثاء الماضي، في تركيا اتفقا على ضرورة حل ملف إدلب بشكل مشترك، واعتبر الوزير التركي أنه ينبغي تحديد «الإرهابيين» ومحاربتهم، ولا يصح شن حرب شاملة على إدلب وقصفها بشكل عشوائي. وكان منتجع سوتشي الروسي استضاف مؤخراً الجولة العاشرة من مفاوضات أستانة – التي شارك فيها النظام والمعارضة السوريان – وتناولت قضايا منها تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا، بالإضافة إلى اللاجئين والوضع في منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تشمل محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حلب واللاذقية وحماة.
«بومبيو» و»دي ميستورا» يناقشان التسوية فيها وعودة اللاجئين
ومن جهة أخرى التقى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، في واشنطن؛ وناقشا عملية التسوية السورية، وعودة اللاجئين. وحسب بيان صادر عن هيذر ناورت، متحدثة الخارجية الأمريكية، فإن الطرفين «ناقشا خلال لقاء خاص سير عمل الأمم المتحدة بشأن تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري، واتفقا على أن يمضي جميع الأطراف قدماً في المسار السياسي». كما اتفقا على «أن أي نقاش حول مسألة إعادة البناء هو سابق لأوانه في ظل غياب الحل السياسي، الذي يؤدي إلى الإصلاحات الدستورية والانتخابات الحرة والنزيهة المشار إليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
وقرار 2254 صوت عليه مجلس الأمن يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، وينص على بدء محادثات السلام بسوريا في كانون الثاني/يناير 2016، وأكد أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد دعا لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري. وشدد بومبيو والمبعوث الأممي إلى سوريا كذلك على «ضرورة منع ظهور أزمة إنسانية في (محافظة) إدلب(شمالي سوريا)». وأضاف البيان: «أوضح الوزير بومبيو، أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تدعم عودة اللاجئين لسوريا، فينبغي أن يحدث ذلك فقط عندما تكون الظروف بالبلاد آمنة بما فيه الكفاية، وينبغي أن يتم ذلك بمشاركة مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة».