قنوات «دبلوماسية» تتبع «الأمنية»: الأردن والسعودية: مخاوف من إيران وتنظيم الدولة

عمان ـ «القدس العربي»: التلامس «الدبلوماسي» المتنامي بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره الأردني ناصر جودة يؤسس «لإنطلاقة» مختلفة للعلاقات الاستراتيجية بين عمان والرياض بعد فترة ضبابية سيطرت فيها الخلافات على المواقف السياسية بين البلدين.
 ولوحظ على نطاق سياسي واسع في العاصمة الأردنية عمان أن الجبير بذل جهدا لترطيب العلاقات وتتويج ما نضج منها في القنوات الأمنية الخلفية مباشرة بعد نحو ثلاثة أيام من الكشف عن مخطط «إيراني» لتفجيرات في الأردن.
 وكان الكشف عن المخطط المشار إليه عبارة عن «رسالة مباشرة» سياسيا للسعودية توحي بالعودة عن برنامج الإنفتاح الأردني السابق على إيران بأن عمان تراجع خياراتها المفصلية وتتقارب مع الرياض.
السلطات الأردنية كانت قد أعلنت عن ضبط 45 كيلوغراما من المتفجرات الشديدة بحوزة عراقي يحمل الجنسية النرويجية ويعمل مع الفرع الخارجي للمخابرات الإيرانية ومقره في لبنان.
هذا الإعلان دفع  العلاقات الثنائية لمستويات جديدة على صعيد  التقارب السياسي والتنسيق الأمني ويعتقد بأن اللقاءات بين الجبير وجودة ستكسر السياق الجليدي بعد الإعلان عن بروزها صباح الخميس ولمدة يوم واحد. ويفسر المراقبون هذا النشاط على صعيد علاقات الأردن بالسعودية بسياق ترتيبات إقليمية مشتركة ذات بعد استراتيجي بين البلدين برزت في الآونة الأخيرة عبر القنوات «الأمنية « النشطة وبدعم من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف.
في طبيعة الحال لا يمكن القفز عن العنصر الإيراني عند مراقبة نمو وتطور ملف العلاقات الأردنية- السعودية، حيث يسود الإنطباع بأن إعلان عمان عن تخطيط منظمة إيرانية للتفجيرات عبارة عن رسالة «ذكية» وغير مباشرة من الأردن لصالح التقارب مع السعودية خصوصا بعدما أعقب التعاون الأمني فتح القنوات الدبلوماسية.
المسألة لها علاقة بطبيعة الحال بما يتردد في الكواليس المغلقة حول ترتيبات أردنية- أمريكية سعودية وفي بعض الأحيان إسرائيلية للتعاطي مع ما يسمى مواجهة الإرهاب والتحديات التي يفرضها بقاء ونمو تنظيم الدولة الإسلامية في أكتاف الحدود الإقليمية لدول المنطقة.
من هنا حصريا برز التعاون السعودي- الأردني في مشاريع محددة من بينها توحيد قوى المعارضة السورية المسلحة في جنوبي سوريا حيث تنشطت غرفة العمليات مجددا بالسياق ومشاريع تسليح العشائر السنية في العراق وسوريا إضافة للممرات الآمنة للدروز في السويداء والتي تعهدت الرياض بتمويل برنامج أسلحتها الفردية وبدفعة أولى مقدارها 50 مليون دولار.
ويبدو أن التنسيقات ذات الصلة في معركة «حسم درعا» التي أخفقت مؤخرا تحاول من جانبها تنشيط القنوات الأمنية في التواصل فيما تفتح الرياض بالأفق العربي وتحديدا الأردني والمصري على أمل إحتواء الآثار الجانبية للإتفاق النووي الأمريكي- الإيراني.
وجهة نظر سياسي أردني مخضرم من وزن طاهر المصري أن الإتفاق الأمريكي- الإيراني سيفرض تحديات وإيقاعات جديدة للمنطقة.
المصري تحدث عن الموضوع في محاضرة عامة موحيا بضرورة الإستعداد للمرحلة الجديدة في صياغة التحالفات الأمريكية.
لاحقا وفي حديث مع «القدس العربي» إعتبر المصري أن التفاهمات الأمريكية- الإيرانية تفرض نمطا مستحدثا من التحديات للنظام الرسمي العربي مشيرا لضرروة الإنتباه وإستعادة الطابع الاستراتيجي في العلاقات العربية البينية وسط توقعاته أن تتحول إيران- بعد الإتفاق- إلى محطة مركزية في تشخيص الإتجاهات والمصالح الإمريكية.
باطن الكلام أن الدول العربية وتحديدا الكبرى مثل السعودية قد يقل الإعتماد عليها وتدفع كلفة النمط الجديد من التحالفات الأمريكية الإيرانية، الأمر الذي يشكل في رأي المصري نقطة جذب لكل الإحتمالات السلبية على صعيد الدور الإقليمي للنظام العربي الرسمي.
مسألة أخرى يحذر منها المصري جراء التدافع الإقليمي في ظل سيناريوهات التقاسم والمحاصصة التي تجتاح المنطقة، فتركيا لها دور وستسعى للحفاظ على تصورها المصلحي إذا ما تنامى الدور الإيراني، وإسرائيل ستستغل كل المعطيات لوقف عملية السلام والقضية الفلسطينية مرشحة لإن تدفع الثمن وتخضع لتسوية واقعية يفرضها ميزان القوى الحالي المرتبك.
كل هذه الملاحظات فيما يبدو يتجاهلها المعسكر الدافع للعلاقات على الإعتبارات الأمنية قبل السياسية أو العميقة بين الأردن والسعودية مما يعيد إنتاج العلاقة أصلا بأن تواصلات الجبير مع الأردن أصلا تخدم في الواقع نظام الأولويات الأمني المستجد أكثر من أي مسار سياسي مواز.
لكن المسألة قد لا تقف عند هذه الحدود، فالرياض تبدو «مهتمة» فعلا بتعزيز الدور الإداري الأردني في الأنبار العراقية وفي درعا السورية ليس فقط لإعتبارات تتعلق بالأمر الواقع في البلدين، ولكن أيضا لإبعاد تنظيم الدولة قدر الإمكان عن حدود السعودية ولوضع الأردن كعازل جغرافي في هذه المناطق حيث يسيطر التنظيم على الأنبار والرمادي وعلى تدمر جنوبي السويداء مما يعني انه يقترب من السعودية.
«الدور الأمني» الأردني في هذا الإتجاه أصبح استراتيجيا بالنسبة للسعودية ولا تنفع معه وصفات الترف الأمنية السعودية المتعلقة بالإستعانة بقوات غير نظامية أو بأسوار كهربائية والكترونية مما ساهم في تغيير النظرة للعلاقة مرحليا مع الأردن بعدما إعتبر الأردن أن مواجهة تنظيم الدولة مسألة تخص الأمن الاستراتيجي العميق للمملكة الأردنية الهاشمية.
تلك اليوم مساحة مشتركة مثيرة بين الأردن والسعودية مؤهلة لإن تدفع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مجددا للوقوف بجانب ناصر جودة والإدلاء مجددا بكلاسيكيات الدبلوماسية الناعمة وإنشائيات التوافق والتضامن في الوقت الذي تترتب فيه الملفات في الغرف الأمنية المغلقة.
الرياض بهذا المعنى وتحت ضغط الحاجة الأمنية تتخلص ولو تدريجيا من لغة «الغرور» السياسية التي كانت تحكم خطابها تجاه بعض الدول الحليفة أو التابعة سياسيا.

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    حين يكون التهديد من داعش يتوحد الزعماء العرب
    والخوف طبعا على كراسيهم !

    المصيبة هي بالتقارب من نظام الأسد المنهار ومحاولة فرملة الثوار

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول بومحسن:

    ليس أمام السعودية والاردن ودول الخليج وهي الدول الأمنه الباقية من الدول العربية المنهارة سوى التكاتف والتآلف لمواجهة الأخطار المحدقة والمهددة لأمن واستقرار المنطقة.

  3. يقول أرفشخذ:

    أقول:

    التغيير سيشمل و سيطال الخليج العربي عاجلا أم آجلا .

  4. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته

    أعتقد – والله تعالى أعلم – أن الخطوات الجيدة للتقارب ما بين السعودية والاردن تحرّساً وتحصّناً من وحشيّ المنطقة…داعش وولاية الفقيه هي متأخرة نوعاً ما… ولولا الملك سلمان لما حصل هذا التقارب…

    بتقديري كان من الاولى دعوة العراق لهذه ” الثنائية ” منذ أنتهاء الانتخابات في 2014 وتشكيل حكومة العبادي وذلك على الرغم من سيطرة أيران على العراق فقد كان ممكن أن يكون العراق حلقة وصل للتقارب ما بين السعودية والاردن … وعنصر أيجابي في المساعي لجمع العرب في صف واحد أمنيا و أستخباراتياً ضد وحشا المنطقة !!!

إشترك في قائمتنا البريدية