دمشق – «القدس العربي» : بالرغم من اتسام المواجهات جنوبي سوريا بمعارك «الضغط» لا «الحسم»، حيث يراهن النظام السوري على عدم دفعه ثمناً غالياً في معارك الجنوب يزداد المشهد السوري ضبابية مع تعاظم التصعيد في المنطقة ضد فصائل المعارضة والمدنيين على حد سواء، إذ تقود روسيا من الجو هجوماً عسكرياً بشراكة برية لمقاتلين سوريين وأجانب على محافظة درعا التي تكتسب أهميتها من وجود العامل الإسرائيلي بالقرب منها.
وذكر أحد مقاتلي المعارضة والمرصد السوري لحقوق الإنسان أن طائرات هليكوبتر تابعة للحكومة أسقطت براميل متفجرة على مدينة درعا أمس الاثنين لأول مرة منذ عام تقريباً، موسعة هجوماً في جنوب غربي البلاد شرد الآلاف. وأفاد المصدران بأن الطائرات أسقطت مع البراميل المتفجرة، وهي عبارة عن عبوات مملوءة بالمتفجرات، منشورات تقول إن الجيش قادم مكتوباً فيها «اطردوا الإرهابيين من مناطقكم كما فعلوا إخوانكم في الغوطة الشرقية». وقال محمد أبو قاسم (45 عاما) لرويترز «فررت أنا وزوجتي بالملابس التي نرتديها فقط لأن المنزل كان قد دمر تماماً» حيث حول القصف الشديد لقريته في شمال شرقي درعا إلى «جحيم لا يطاق».
اجتماع في الرياض
تزامناً تجري اجتماعات تعقدها الهيئة العليا السورية للتفاوض في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة الوضع الميداني في الجنوب والمواقف الدولية منه، الذي سوف يؤثر على انخراط الهيئة في تشكيل اللجنة الدستورية والعملية السياسية في المرحلة المقبلة.
ويرى مراقبون ان المشاركة الروسية في المعارك تأتي نتيجة إما لفشل الجانبين الأمريكي والروسي في التوصل إلى توافق يحافظ على استمرار تجربة خفض التصعيد في المنطقة، أو أن هذه المشاركة هي نتيجة لاتفاق غير معلن مع إسرائيل والولايات المتحدة، تتعهد فيه روسيا حسب رؤية «مركز جسور» بعدم مشاركة إيران أو وصول قواتها إلى المناطق الجنوبية، وأن تكون روسيا حاضرة كضامن في هذه المناطق بعد إخراج المعارضة منها.
وثائق… ودمج للميليشيات
وكشف مصدر مقرب من النظام السوري، عن دمج يرجح أنه «مؤقت» لعشرات المقاتلين غير سوريين، من الميليشيات الممولة والمدفوعة من إيران، ضمن صفوف قوات النظام، بعد منحها وثائق عسكرية رسمية، ويوضح في هذا الصدد المحلل السياسي والعسكري «صلاح قيراطة» ان «الوثائق الرسمية منحت لكلٍ من لواءي «زينبيون» الباكستاني، و»فاطميون» الأفغاني، وهما لواءان يقاتلان إلى جانب النظام السوري في جنوب البلاد.
وبين الخبير السياسي ان الألوية المذكورة، تم إلباسها الزي العسكري الخاص «بالجيش السوري» مضيفاً «لا اتحفظ وليس لي ان ألغي منطق التاريخ لجهة التحالفات بين الدول والجيوش خلال الحروب، لكن التاريخ الحديث ينبئنا بأنه لم يستثمر طرف ظروف طرف آخر لتحقيق غايات عقائدية واثنية بالشكل الساقط الذي رأيناه من إيران بغزوها لبلاد الشام».
وكشف «قيراطة» لـ «القدس العربي»، أن العملية العسكرية للنظام السوري على جنوب البلاد، «ليس لها أي علاقة أو ارتباط بالقرار الوطني، وكل الدلائل تؤكد وجود ضوء أخضر فاقع ادى لانطلاق العملية» مشيراً إلى عرض روسي وموافقة إسرائيل على الهجوم والتصعيد، بعد تقديم ايران تطمينات للكيان الصهيوني عبر وساطة أردنية.
ميدانياً، أعلنت العمليات المركزية للمعارضة السورية في الجنوب السوري عن إصابة طائرة حربية من نوع ميغ تابعة للنظام السوري، أثناء تنفيذها غارات جوية على بلدة بصر الحرير شرقي المحافظة عبر استهدافها بالمضادات من عيار 23 ملم، بالإضافة إلى إعطاب دبابة وتدمير مدفع عيار 57 ملم شرقي بصر الحرير أثناء محاولتها التقدم على البلدة، وتدمير عربة BMB ومقتل طاقمها، باستخدام صاروخ تاو، بالقرب من بلدة ناحتة شرقي درعا.
وأكدت مصادر مقربة من النظام حسبما تقصت «القدس العربي»، إصابة المقاتلة الحربية، بعد استهدافها بنيران أرضية، الأمر الذي أدى إلى هبطوها اضطراريا في مطار «خلخلة» العسكري في ريف محافظة السويداء، ونجاة قائدها.
واحبطت فصائل المعارضة المنضوية ضمن غرفة «البنيان المرصوص» في العمليات المركزية محاولة تسلل للميليشيات المحلية والإيرانية على محور القاعدة الجوية غرب مدينة درعا، وقصفت مواقع للنظام عند حاجز حميدة بحي السحاري في درعا المحطة، وقتلت أحد عناصر قوات النظام قنصاً في إحدى جبهات المدينة. واستهدفت غرفة عمليات «رص الصفوف» التابعة للعمليات المركزية أيضاً، مواقع قوات النظام السوري في المنطقة الصناعية بمدينة درعا بالمدفعية الثقيلة.
هجوم واسع
مصادر محلية، أفادت بتنفيذ قوات النظام السوري، هجوماً هو الأوسع، أمس الإثنين، ضد مواقع الجيش السوري الحر الرئيسية في ريف درعا الشرقي، بمساندة جوية مكثفة من المقاتلات الحربية الروسية، حيث تركزت المواجهات العسكرية على طول الريف الشرقي لدرعا من جهة ريف السويداء الشمالي والشمالي الغربي. وأشارت المصادر إلى أن المعارضة نجحت في إفشال الهجوم وقتلت قياديا كبيرا في قوات العميد «سهيل الحسن» الذراع السوري الضارب لروسيا في المعركة، يدعى «هيثم عبود».
وتركز القصف على مدينة الحراك في ريف درعا الشرقي، ما تسبب بمقتل ثلاثة مدنيين بين متطوع لدى الدفاع المدني وإصابة عدد آخر بجروح، وسط ظروف إنسانية صعبة، ونزوح آلاف المدنيين من مدينة الحراك ومحيطها من بلدات الريف الشرقي نحو المناطق الأقل استهدفاً جنوب شرقي المحافظة إضافة إلى موجات النازحين باتجاه الحدود الأردنية والسهول المجاورة لها. كما استهدفت المقاتلات الروسية والسورية مدن وبلدات بصر الحرير، والمليحة الشرقية والصورة وناحتة، بالإضافة إلى أحياء درعا البلد. وأعلنت «غرفة العمليات المركزية»، مقتل ستة جنود من قوات النظام، بينهم ضباط، خلال المواجهات بمحافظة درعا وريفها.
ووثقت «غرفة العمليات» أسماء الجنود والضباط ورتبهم العسكرية، وهم الملازم «مناف أيوب» من الرستن في حمص، والملازم شرف «حسين وليد عينوص» من اللاذقية، والملازم «شلاف هشام غالب النجم» من السويداء، و»مالك أبو علوان» عنصر بالأمن السياسي في السويداء، والشرطي «محم الحصن» من حماة، و»الشبيح فضل حسن شحادة» من حلب.
وحسب مكتب توثيق «تجمع أحرار حوران» فإنّ المقاتلات الروسية قصف بلدات الريف الشرقي بـ 120 غارة جوية، بالإضافة إلى 114 برميلاً متفجّراً ألقتها طائرات النظام السوري خلال الساعات الماضية، مما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين، وجرح العشرات.
وكانت فصائل الجيش السوري الحر في الجنوب السوري، أعلنت عن تشكيل «غرفة العمليات المركزية»، في بيان رسمي لها، وشددت فيه على اتخاذها قرار الصُّمود أمام هجوم نظام الأسد.
وأكدت في البيان على «عدم التفريط بأي شبر من أراضيها، وعدم التهاون في قضية المعتقلين، وعودة المهجرين إلى قراهم وبلداتهم، وتحقيق العدالة والمساواة والحريَّة لأبناء بلدنا سوريا». واعتبر البيان أن «القصف الهيستيري بكلِّ أنواع الأسلحة الثقيلة، وبمساندة أسراب الطَّيران، ما هو إلا دليل خذلان وإفلاس»، وقالت «فليعلم العالم أنَّ الجنوب اليوم كلمته واحدة وصفُّه واحد».