دمشق – «القدس العربي»: في إطار مساعيه الحثيثة والحرب الإعلامية والنفسية ضد فصائل المعارضة السورية ومدنيي ريف دمشق المحاصرين على تخوم العاصمة، يروج النظام السوري إلى تبديل أذرعه العسكرية التي اوغلت في قتل المئات منهم، بمخالب أخرى يقول إنها أشد فتكاً، فيما يبدو انها لا تخرج عن كونها «كليشيهات» إعلامية مكررة، وما حقيقة يبدو انه عمل تنظيمي عسكري بغاية حشد نوعية القوى المناسبة لتشكيل هجوم ضاغط يحقق الأهداف المرجوة منه.
تزامناً شنت قوات النظام السوري أمس قصفاً عنيفاً ومكثفاً بعشرات الصواريخ على غوطة دمشق الشرقية مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، حسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأوضح المرصد أنه «رصد بدء قوات النظام عمليات قصف عنيف ومكثف بالصواريخ على غوطة دمشق الشرقية، حيث قصفت بأكثر من 236 صاروخاً مناطق في مدن وبلدات دوما وسقبا ومسرابا وجسرين وحمورية وكفربطنا، ما تسبب باستشهاد شخص على الأقل، وإصابة عشرات الأشخاص، حيث لا تزال أعداد الشهداء قابلة للازدياد بسبب وجود جرحى بحالات خطرة، ووجود مفقودين، إضافة لصعوبة إنقاذ الجرحى نتيجة استمرار قوات النظام باستهداف الغوطة الشرقية».
وأضاف أنه بهذا القصف «يرتفع إلى 10 عدد الشهداء الذين قضوا أمس الأحد، بينهم 4 أطفال على الأقل استشهدوا في القصف بقذائف صاروخية على بلدة مسرابا والقصف من الطائرات الحربية على مزارع الشيفونية والأشعري، والقصف على سقبا، وأعداد الشهداء مرشحة للارتفاع لوجود أكـثر من 60 جريحـاً بعضـهم حالات خطـرة».
وتابع المرصد «هذا القصف المكثف الذي طال الغوطة الشرقية استهدفتها بأكثر من 236 صاورخاً خلال نحو نصف ساعة، ما تسبب بمزيد من الدمار في الغوطة التي يشهد محيطها تحشدات منذ أيام من قبل قوات النظام وحلفائها تمهيداً لبدء عملية عسكرية تسفر عن تحقيق تقدم واسع في المنطقة والسيطرة عليها».
ويستبق النظام حملته العسكرية الموعودة والمرحب بها روسياً بحرب من طراز آخر، حيث بدأت فوهات مدافعه الإعلامية بالترويج لها والتي تتمحور حول توجه العقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر بحشد عسكري ضخم من نخبة الميليشيات إلى الغوطة الشرقية لقيادة المعارك فيها، الا ان المتابعين للشأن السوري رأوا بأن الهالة الإعلامية التي يضخمها الاعلام الرسمي والموالي للنظام السوري حول «النمر» تنسف معها أي جدوى عسكرية لنخبة فرق الأسد العسكرية «الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد».
ووفقاً لمراسل قناة العالم الإيرانية فإن النظام السوري أوكل مهمة قيادة الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية العقيد سهيل الحسن قائلاً «النمر إلى الغوطة، جملة ترددت كثيراً في الايام الماضية لكن هذه الجملة تحمل في طياتها الكثير من الدلالات فالعديد من تشكيلات الجيش السوري والقوى الرديفة ستكون ضمن هذه الحملة التي وصفها مراقبون بأنها الاضخم منذ سنوات والتي ستكون وجهتها الغوطة الشرقية.
موقف «حميميم»
ويرجح مراقبون بأن «تأخير قرار الحسم باتجاه الغوطة كان سببه قلة الحشود العسكرية والآن بات الحشد جاهزاً بعد تحريره لمساحات واسعة من أراضي الجمهورية العربية السورية انطلاقاً من حلب وحماة وريف الرقة وفك الحصار عن دير الزور واستعادة مطار ابو الظهور».
من جانبها أعلنت موسكو عبر القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية دعمها للعملية العسكرية المقبلة التي حصدت مئات الأرواح من الأطفال والنساء المحاصرين، وارتكاب المجازر وقطع اوصال الحياة، حيث ذكرت حميميم ان «موسكو ستدعم تحركات القوات الحكومية البرية في منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية للقضاء على تنظيم جبهة النصرة الإرهابية في حال لم تفلح الوسائل السلمية في تحقيق ذلك» مضيفة ان «سعي الولايات المتحدة الأمريكية الدؤوب لإفشال المهام العسكرية للقوات الحكومية في منطقة الغوطة الشرقية يؤكد وجود ارتباط مصالح وثيق بين واشنطن والتنظيمات الإرهابية المتطرفة».
فيما لمحت أطراف موالية أخرى إلى ان ما يجري شرقي العاصمة هو حرب إعلامية للضغط على الحاضنة الشعبية لفصائل الثوار في ريف دمشق لاجبارهم على خيارين أحلاهما سم زعاف، فإما ابرام اتفاق مع الروس ربما ينتهي بإخراج أصحاب الأرض وتهجيرهم من أرضهم ومدنهم قسراً، على غرار سيناريوهات مدن ريف دمشق في معضمية الشام وداريا وقدسيا والهامة وعين الفيجة ومضايا والزبداني وغيرها من المناطق التي شن عليها النظام السوري بدعم من ميليشيات ومرتزقة العالم حملة عسكرية عنيفة انتجت اذعان اتفاق التهجير القسري، او عبر حرب يشنها جيش النظام بدعم من موسكو وطهران على المحاصرين.
وساطة روسية
المحلل السياسي صلاح قيراطة المقرب من النظام السوري قال إن هناك «انباء مؤكدة تتحدث عن مفاوضات بين الجيش السوري والفصائل المسلحة في غوطة دمشق الشرقية بوساطة روسية للمصالحة، وذلك مع وصول حشود للجيش السوري إلى المنطقة، وتؤكد المعلومات أن هذه المفاوضات قد تكثفت في الفترة الأخيرة بطلب من المعارضة المسلحة بعد أن ضاق الأفق أمامها، وتصاعد ضغط الجيش السوري عليها». مضيفاً انه «من الملفت، أن الغوطة الشرقية شهدت السبت هدوءاً عاماً، حيث لم تجر أي اشتباكات بين الجيش والمسلحين، ولم يسجل لا تحليق طائرات في سماء المنطقة، ولا استهداف أحياء العاصمة الآمنة بالقذائف من الغوطة، ويأتي ذلك وسط تقارير عن استقدام الجيش السوري لمزيد من التعزيزات إلى محيط الغوطة الشرقية، تمهيداً لتنفيذ عملية عسكرية واسعة تهدف لاستعادة السيطرة على شرقي الغوطة في حال فشلت المفاوضات».
مصادر عسكرية معارضة قالت لـ»القدس العربي» إن تسارع وتيرة الاعتداءات الروسية على الشعب السوري، وازدياد عمليات القصف والغارات الجوية والتوغل واستهداف الأماكن المدنية في مسلسل جديد من الحصار، بهدف تركيع السوريين، وإرغام الثوار على القبول بخطط واتفاقيات ماكرة مخادعة، هدفها الاعتراف غير المباشر بالاحتلال وشرعنته والتسليم به، واستخدام سلاح الحصار بحدّيه «السياسي والاقتصادي» ما هو إلا مؤشر على فشل من يستخدمه، وانتصار حققه الثوار بصمودهم في جبهات دمشق.
جيش الإسلام
محمد علوش رئيس وفد الثورة العسكري ورئيس الهيئة السياسية في جيش الإسلام عضو الهيئة العليا للمفاوضات وكبير المفاوضين في وفدها سابقًا ذكر عبر معرفاته الرسمية ان «آلة الاعلام لدى النظام المجرم تعمل على ضخ حرب نفسية ضد أبطال الغوطة المحاصرة، يساعد في ذلك أداة إيران (جبهة النصرة او تحرير الشام او القاعدة سموها ما شئتم) تعمل بالتزامن على تثبيت دعاوى النظام لتكون مسمار جحا، الذي حذرت الغوطة منها من سنتين بشكل مستمر، وحان الوقت الآن لقلع هذا المسمار الذي سلم 200 قرية في ادلب وعمل اتفاق المدن الاربع وسلمها وسلم حلب والتل والقلمون الغربي وخان الشيح و… و…، وتاجر بدم السوريين وفرخ لهم داعش اكبر طاعون في الثورة، وهذه المهمة هي مهمة جليلة تقع على عاتق الشعب ويجب أن يقوم بها مدنيو الغوطة وشعبها وأن لا يستجيبوا لنداءات بعض القادة الحمقى، ثم بعد طرد حصان طروادة هذا من الغوطة، يوحدون صفهم بعد نقائها ليدافعوا عن الغوطة ضد أي محاولة تستهدفهم».
وكان الاعلام الحربي التابع للفرقة العسكرية الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام السوري ماهر الأسد قد نشر نهاية العام الفائت قراراً لقيادة النظام السوري بتبديل القوات الأخيرة وسحبها من جبهات الغوطة الشرقية وخاصة عين ترما وجوبر وتكليف قوات الحرس الجمهوري كبديل عنها، مع نشر صور لمنصات اطلاق صواريخ من نوع ارض – ارض في محيط أحياء جوبر وعين ترما شرقي العاصمة دمشق.