«الجواب ما ترى، لا ما تسمع»، عبارة وجيزة يرد بها هارون الرشيد على تهديدات الإمبراطور البيزنطي «نقفور»، فلئن كان الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، فالعمل دائما أبلغ رد على الكلام، وبمنهج الرد العملي سار أردوغان إزاء كل اتهام يُطلقه الخصوم، من عرب ومن عجمِ.
لو أنك تابعت المسلسل التركي الشهير قيامة أرطغرل بأجزائه الأربعة، فلا شك أنه قد مرت عليك تلك العبارات:
«لا يُقطع الأمل من الروح التي لم تخرج».
«إن نظرة المحارب أحَدُّ من سيف الجبان».
«كل شبرٍ من الأرض فيه القرآن هو خيمتنا».
«نحن سنتستمر في الكفاح من أجل الوصول إلى مكاننا في الطريق الذي نعتقد أنه الحق».
«عندنا لا يكون النصر بالحجم والقوة، من يكون الله معه هو الذي ينتصر».
«سنحاول منع الظلم بكل ما لدينا من قوة، لكننا لن نسمح للظلم بأن يُحولنا إلى ظَلَمة».
«لتعش جهنم من أجل الخونة».
وبذلك التشابه بين روح هذه العبارات والكلمات الحماسية التي يُطلقها رجب طيب أردوغان، وعن طريق التشابه بين خط ترسيخ القيم التي يزخر بها المسلسل، مع توجهات أردوغان الرامية إلى إعادة صياغة الشخصية التركية وفق الهوية الثقافية العثمانية، انطلق إعلام بعض الدول العربية، المُناهضة لحكم أردوغان، في الترويج بأن المسلسل ليس سوى منصّة يبث من خلالها أردوغان رسائله السياسية، حتى أنهم تهكَّموا على العنوان وقالوا إنه ينبغي تغييره ليصبح «قيامة أردوغان».
صناعة المجد الشخصي أحد أبرز الاتهامات الموجهة لأردوغان من قبل خصومه، ولست في هذا المقام بصدد نفي هذا الاتهام، لأنه ببساطة شديدة لا يختلف العقلاء على أن صناعة المجد الشخصي مقبول إذا تم في إطار تحقيق النفع العام ومصالح البلاد وينطلق منه.
وبنظرة موضوعية على مسار الأحداث في تركيا منذ تولي أردوغان وفريقه إدارة تركيا، سندرك بدون جهد أنه حتى إن كان ينشد مجدًا شخصيًا فقد أحسن وأجاد، إذ انطلق في ذلك من تحقيق نهضة في بلاده، فإذا كانت قيامة أردوغان تعني قيامة تركيا فلِمَ التشغيب؟
الإعلام العربي الذي يُطنطن حول مجد أردوغان الشخصي يستغفل الجماهير، حيث أنه يتجاهل الأوضاع المَشينة في بلاده: حكم الفرد المطلق وتجويع الشعوب أو تجهيلها وتغييب وعيها، والقفز على ثرواتها وحصْرها في يد ثُلّة مُتنفِّذة، وحرمان الشعوب من حقها السياسي.
أردوغان طيلة 16 عامًا وهو يقود بلاده نحو نهضة شاملة ويواجه مؤامرات متتابعة في الداخل والخارج ولا يلتفت إلا إلى مواصلة المسيرة، ونحن ما زلنا نُردِّد العبارات السَّمِجة المعهودة: أردوغان يريد إحياء الإمبراطورية العثمانية، أردوغان ديكتاتور، أردوغان علماني، لا بل هو إسلامي، أو ربما كان يحاول التوفيق بينهما، أردوغان يتدخل في شؤون دول المنطقة، أردوغان يدعم الإرهاب، أردوغان يدمر الاقتصاد التركي…
ولا يزال أردوغان يرد بالعمل والإنجاز، على طريقة رد هارون الرشيد: «الجواب ما ترى، لا ما تسمع».
قيامة أردوغان التي تعني قيامة تركيا، لم تأتِ إلا بجهد متواصل وفق سياسة رزينة قامت على ميراث تجارب العمل السياسي في تركيا، وتقديرٍ موضوعي للواقع التركي، وموازنةٍ بين المتاح والمأمول، وأخْذٍ بسُنّة التدرج، ذلك باختصار هو طريق أردوغان ورجاله الذي سلكوه حتى وصلت تركيا إلى ما هي عليه الآن.
كان الشعب التركي يفتقر إلى النموذج الإصلاحي بسبب هيمنة العسكر وانقلاباته المتتابعة على الحكومات، الأمر الذي أوجد حالة من عدم الاستقرار السياسي أدّت إلى عرقلة الإنجاز، لكن أردوغان الذي تولى منصب عمدة إسطنبول عن حزب الرفاة، استطاع تحويل المدينة العريقة إلى نموذج تتطلع إليه جميع المدن الأخرى، وكان هذا النموذج الإصلاحي أحد أهم الأسباب التي منحت حزب العدالة والتنمية – الذي كوّنه أردوغان ورفاقه في ما بعد ـ الفرصة لإدارة الدولة.
أردوغان تشبّع بأفكار أستاذه نجم الدين أربكان، إلا أنه كان أكثر واقعية في التعامل مع الواقع العلماني، وكما عبّر البعض: أردوغان لم يعتقل العلمانية لكنه أطلق الإسلام، وهذا حقٌ، فأردوغان لم يكن صداميًا، ورغم جذوره الإسلامية إلا أنه لم يقارع العلمانية الكمالية المُهيمنة، لكنه في الوقت نفسه أعْلى مبادئ الديمقراطيات والحريات لإطلاق شعائر الإسلام المحظورة على قاعدة الحريات الشخصية، فأوجد بذلك حالة من التفاعل المجتمعي في ظل مناخ ديمقراطي، وبطريقة هادئة مرنة فتحركّت تركيا أكثر تجاه ميراثها الثقافي والحضاري.
ولا يخفى على مُتابع للشأن التركي العناية الفائقة التي يُوليها أردوغان للناشئة، بما يعني أن تركيا بصدد إنتاج جيل جديد تربى على القيم الإسلامية والوطنية يعيد لتركيا وجهها العثماني الذي حمل الإسلام كفكرة مركزية، بالتوازي مع الحفاظ على حقوق الجيل الحالي ورعايته.
كان لهذه السياسات الهادئة التي تمت في إطار الغطاء الدستوري بدون الخروج عنه، أثر بالغ في تحييد المؤسسة العسكرية، ورجوع العسكر إلى الثكنات. وأدرك الفريق الأهمية المحورية للنهوض الاقتصادي في استقرار البلاد، خاصة أنه تولى إدارة الدولة عقب أزمة اقتصادية طاحنة، فكان العمل على تجفيف منابع الفساد المالي، وأوقف الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وأزال العوائق من أمام المستثمرين، وقام باستثمار الموارد البشرية والطبيعية المُهدرة لتحقيق نمو الإنتاج، وخفْض مُعدّلات البطالة، وانتهاج سياسات تُحقق الكفاءة في الإدارات المختلفة، واتباع أسلوب المحاسبة العامة.
ووفق رؤية واضحة شاملة قدّمها الحزب قبل نجاحه في الانتخابات مبْنيّة على المعلومات والأرقام، قام عليها خبراء الاقتصاد وتم وضعها أمام الشعب، دخلت تركيا مجموعة العشرين، وأصبح الهدف القريب وصولها إلى الترتيب العاشر عالميا في الاقتصاد وفق رؤية 2023.
لقد شجّعت سلسلة الإصلاحات المتنوعة القيادة التركية للتحرك خارج دائرة التبعية الأمريكية، وجعلتها تتعاطى مع الأزمات والقضايا الإقليمية والعالمية بقوة وثبات، بعد أن أصبحت دولة قوية تنتج غذاءها ودواءها وتصنع سلاحها.
بذا كانت قيامة أردوغان، وكانت قيامة تركيا، بالعمل لا بالكلام، بالإنجاز والتطبيق لا بالشعارات والتنظير، ونحن إذ نستعرض ذلك كله، ندعو زعماء الوطن العربي للسعي تجاه تحقيق أمجاد شخصية لهم، بشرط أن تنطلق هي الأخرى نحو تحقيق مصالح الشعوب ونفْعها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
٭ كاتبة أردنية
إحسان الفقيه
إذا كان مسلسل قيامة أرطغرل قد أعده أردوغان حسب مزاجه ووصل بتركيا إلى ماوصل فأهلا بمسلسلات عربية على مزاج حكامنا فنصل ببلداننا على طريقة ماوصلت إليه تركيا .
” ولا يخفى على مُتابع للشأن التركي العناية الفائقة التي يُوليها أردوغان للناشئة، بما يعني أن تركيا بصدد إنتاج جيل جديد تربى على القيم الإسلامية والوطنية يعيد لتركيا وجهها العثماني الذي حمل الإسلام كفكرة مركزية، بالتوازي مع الحفاظ على حقوق الجيل الحالي ورعايته.” إهـ
تركيا في سنة 2023 ستكون بإذن الله من الدول العظمى بكل شيئ حتى بالسلاح النووي وبمساعدة باكستان! ولا حول ولا قوة الا بالله
تسلم هالأنامل،،مقال رائع وكلام سليم مليون بالميه
مقال رائع،،تسلم ايدك
اللهم احفظ تركيا واردوغان من كيد الكفار ومكر الفجار
*مقال ممتاز .
لو حقق زعماء (العرب) عشر أو ثمن أو
سدس ما حققه الموهوب(اردوغان)
لكان العالم العربي بألف خير وعافية..؟!
*رجل يعمل بجد وإخلاص مع حزبه
لتقدم ونهضة بلده لهذا أصبح
بطل ومحبوب الجماهير (وفقه الله).
سلام
السيدة الكاتبة
لكِ الحق أن تمجدي العثمانية القديمة و الجديدة ، و لكن الإطناب الكثير قد يحيد البصر .
“الدولة العلية العثمانية” كانت إمبراطورية شاسعة كغيرها ، أخذت شرعيتها المعنوية من الإسلام ، و الواقعية من حد السيف . و عندما صدأ السيف ، لم ينقذها الإسلام ، كما هي لم تنقذ المسلمين في الكثير من أطرافها .
أما الموروث الثقافي العثماني في مدينتي البصرة و الذي صدم آذاننا كأطفال و صبية في الستينات من القرن الماضي فهو كلمات ” خازوق ، فلقة ، و أخريات مشابهة “”، و كذلك بقايا الأغوات المخصيين ، و الذين كان هناك بقاياهم في البصرة .
ليس هناك أي عمران في البصرة من العهد العثماني إلاّ النزر اليسير ، بل قد يكون معدوم تماماً . و في بغداد القليل جداً بقايا المباني الإدارية الحكومية .
زرت إسطنبول أكثر من مرة ، و لا يبدو لي أن كل ذلك العمران الجميل حقاً ، أو حتى جزءً معتبراً منه ، حديث . بل تراث مئات السنين . و هناك المئات من شواهد العصر العثماني الإسلامية …لم تزال في العهد العلماني ..و حسناً فعلوا .
ألا يدل ذلك أن النظام لم يكن معادياً للإسلام ؟
من حق الشعوب إدخال تغيير في أنظمتها ، و ضمن القانون .
من مصلحة العرب و الأتراك التكامل و التعاون ، و لكن التاريخ لا يكتب من خلال المسلسلات التركية ، و التي بالمناسبة أجدها جميلة ، و في إعتقادي ساهمت بنسبة كبيرة في الإزدهار الإقتصادي لتركيا من خلال جذب السائحين العرب …كذلك ساهم إرتفاع أسعار النفط في ذلك الإزدهار …طبقاً لقاعدة الأواني المستطرقة.
فليس كل شيء أردوغان !
و بالمناسبة ، كعراقي ، لديّ بعض الهواجس حول الخطط الطويلة المدى للحكومة التركية بشأن إقليم كردستان العراقي ( المعروف بولاية الموصل العثمانية) و الشمال السوري
فاقد الشي لا يعطيه…وبهذا نحن امه فقدنا كل شيئ. وخاصة العلم الذي يشكل اساس كل تغيير وإصلاح…وسيادة الجهل والكراهية..بين ابنا الشعوب
..وسيادة انظمه سقيمه لا تعرف للإنسانية قيمة
…
تعم بالعلم. نعمل ونحقق كرامه الوطن والشعب معا
حينما يكون الرأي ولو من سطرواحد ؛ يقوم على الرؤية النقدية ؛ فهذا دليل على علميته.وهذا ما أجده في تعليقات أخي الدكتورمحمد شهاب أحمد.والنقد هوالجانب الإيجابيّ من الرؤية رغم أنّ الكتّاب العرب يكرهون كلمة النقد عمومًا ؛ بل يريدون المدح والمديح كالسلاطين.بشكل عام فإنّ الدولة العثمانية وقلبها تركيا هي الوريث الشرعيّ للخلافة الإسلامية بعد رحيلها عن بغداد العباسية.بل إنّ أغلب تقاليد المجتمع والدولة العباسية البغدادية انتقلت إلى تركيا العثمانية من المطبخ إلى الجواري إلى الإدارة إلى نظام الحكم بما يناسب البيئة الجديدة الأناضولية.ومقال أختي السّيدة ( أم طارق ) وأنا أعرفها كاتبة قبل أنْ تكتب في جريدة القدس العربيّ…تعبيرعن مشاعرفياضة ؛ لكن من الحبّ ما قتل ؛ وهذا ينطبق على منحنى المقال.فهوأردوغاني أكثرمن أردوغان على قاعدة ملكي أكثرمن الملك.السّيد الرئيس رجب طيّب أردوغان ظاهرة شرقية ناجحة جدًا…لا خلاف ولا بخس لمكانة وشخصية الرجل البراغماتية.وهوبحارماهروسط أمواج متلاطمة بين الشرق والغرب.وسياسته مقارنة بتركيا قبل عام 2002 والآن تؤكد أنه قائد محنك.وقد راجعت شخصيات جميع الرؤساء الأتراك من كمال أتاتورك إلى اليوم (12 رئيس ) فلاحظت أنّ السّيد أردوغان الأكثرطولاً على الجميع ؛ طول في الجسم وطول في مدّة الحكم القياديّ (2002) وطول في الصلاحيات وطول في المنجزات وهومستقيم.فمثلًا أتاتورك كان زيرنساء ولديه أكثرمن ثلاثين عشيقة ؛ مما جعله يفقد بريق قيادته.عليه في المقال ( مديح أيديولوجي ).نعم نعجب بأردوغان كشخصية ناجحة لكنه يبقى زعيمًا لأمته ولشعبه.لكن لا نبخس بعض القادة العرب من منجزاتهم الحضارية ؛ كمثال الشيخ محمد ابن راشد آل مكتوم في دبيّ ؛ والشيخ تميم في قطر…إنّ أي حاكم وطني يحترم الدستوروالقانون ومحاربة الفساد الماليّ والإداريّ في بلاده ؛ سينجح في تحقيق قيامة الرئيس أردوغان.عليه أنّ الحبّ للصاديّ كشرب القطا للماء : قطرة قطرة من النبع ؛ يروي أكثرمن الكرع.واختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية بين الربع.ونخشى أنْ تتهمنا الدكتورة بروين حبيب أنّ تعليقنا يقع ضمن الكتابة الرمادية ؛ كلون الذئب الأناضوليّ وهوموضوع مقالها اليوم في الصفحة الثقافية.مع المودّة للجميع. حفظ الله كافة البلاد العربية والإسلامية من كلّ إفك وتدليس ؛ وحفظ الله الإنسانية من شـرورإبليس.