صحيح أن مأساة السوريين هي أولاً في غياب التضامن العالمي، الشعبي قبل الرسمي، مع قضيتهم، ولكن لا يخفى أن مؤسسات كثيرة، إعلامية وحقوقية وأدبية، تبدي اهتماماً فائقاً، وتقدم جهداً عظيماً لا ينكر في محاولات التأسيس لكفاءات سورية، ولمؤسسات يمكن أن تتولى شؤون اليوم التالي لسقوط النظام.
تلك الجهود الوفية والمتعاطفة ستنظر إلى ما هو متوفر من كفاءات، وربما إلى ما تشير إليها به قنوات محددة معارضة، وبالتالي ليس غريباً أن يكون المعيار النضالي هو معيار أول، إن لم نقل إنه معيار وحيد.
انسحاب المثقفين السوريين واضح، ولا يخفى أن الخوف الذي رباه بطش النظام هو واحد من أهم الأسباب التي تجعلنا أحياناً نتعاطف مع بعض هؤلاء، أكثر من أن ندين. لذلك فإن الساحة خلت تقريباً إلا للأصوات الجريئة (المناضلة)، التي تلقفتها مؤسسات غربية بحب وعطف ودأب، لتسليط الضوء على المجزرة المستمرة منذ أربع سنوات. هكذا بات المشهد في باريس وبرلين ولندن وسواها من مدن اسكندنافية، يغص بقراءات أدبية لسوريين لم تسمع بهم من قبل، وإذا دققت النظر في ما يكتبون لوجدت كلاماً فارغاً لا يمكن القبول به نصاً أدبياً من أي نوع، وقد يليق بأحسن الأحوال منشوراً على صفحة فيسبوك. فجأة وجدنا أنفسنا أمام أمسيات وشعراء يتجولون حول المدن ويترجمون في كبريات الصحف، ويتحدثون عن أمسياتهم ومترجميهم إلى مختلف اللغات، وعن معجبيهم القادمين من مدن بعيدة للاستماع إليهم، بل أن بعضهم يقرأ إلى جانب مبدع كبير مكرس ساهمت مأساة السوريين بإعادة إحيائه هو الآخر وتسليط الضوء عليه (نأمل ألا يكمل المبدع المكرس حياته الإبداعية مستظلاً بظل المناضل و»الأديب الشاب»).
ليس الأمر بلا ثمن، إنه على حساب السوريين، إنه يغرف من عطف مخصص لحب السوريين، لكنه عطف في المكان الخطأ. إلى أي حد سيكون ذلك منتجِاً، ويتمكن من تسليط الضوء على المجزرة؟ لا النوايا، ولا العطف، ولا الهمروجة تكفي لخلق التعاطف، إن لم نقل أن تكريس النص الأدبي الرديء سيصب في النهاية عكس ما ترمي إليه أحلام السوريين. نعم؛ النص الرديء، وترويجه، والتصفيق له هو نوع من تكريس الفساد. في غياب نقد جاد، وتلقٍ محايد، لا ندري من يمكنه أن يميز بين مختلف تلك الأصوات، وأن يفرز الجيد منها عن الرديء، ولا شك أن هناك أصواتاً معقولة بينها، بل إنك تنتظر أحداً من بين تلك الأصوات بالذات ليقول «أنقذونا من هذا الحب القاسي»، تماماً كما فعل الشاعر الفلسطيني محمود درويش حين نشر مقالاً يحمل هذا العنوان، مطالباً النقاد العرب بالتدقيق بظاهرة شعراء الأرض المحتلة، وإقصاء السياسة من ميزان النظر، ووضع التجربة الشعرية الفلسطينية في الأرض المحتلة في سياق التجربة العربية. كانت تلك صرخة من أهم شعراء تلك الموجة، وربما لولاها بالذات لما صار محمود درويش إلى ما صار إليه.
اليوم، نحسب أن صرخات مضادة ستقوم. الموهبة وحدها، إن كانت مشفوعة بشيء من الصدق مع الذات، ستعرف أنها تأخذ من مجد السوريين، ما يعني أن عليها أن تكون أكثر مسؤولية.
أما الرديء، موهبة وضميراً، سيتمنى لو تدوم المأساة السورية، فمن دونها لم يكن كل هذا الضوء.
إعلامي سوري من أسرة «القدس العربي»
راشد عيسى
محمد الماغوط … الذي تعرفت عليه من خلال العزيزة القدس العربي وأبكاني حسرة ولوعة على سوريا والامة كلها قرأت أشعاره الحزينة من أكثر خمسة عشر سنه تنبَأ بكل مايجري وجرى في سوريا بل والامة العربية رحم الله هذا الشاعر الفذ!
لم أطلع على هذه التجارب ولكن عن أي معيار تتكلم؟ المعايير الأدبية متغيرة بحسب الزمان والمكان. العمل الإبداعي يفرض معاييره الخاصة
الكثير من النقاد يعتقد أن الأدب العربي (ما قبل الثورة وبحضور المعايير) في معظمه اجترار لتجارب الآخرين ولم يحقق حضورا يذكر. أما وقد غابت المعايير القديمة صار صوتنا يسمع وصرنا نرى فرقة سيمفونية تؤدي نشيد الفرح باللغة العربية