كردستان ليست إسرائيل ثانية

حجم الخط
50

الكلام الذي يُلقى جزافا بأن كردستان المستقلة هي إسرائيل ثانية، كلام خطأ يتجاهل الحقيقة والحق.
كُرد العراق وتركيا وإيران وسوريا ليسوا شعبا غريبا أتى ليستوطن بلادا ليست بلادهم باسم حق إلهي مزعوم.
إنهم أبناء الأرض وأصحابها، شعب حُكم عليه بالاضطهاد، وقُسّمت بلاده بين الدول المجاورة، وصودرت لغته وثقافته، وعاش على إيقاع قمع لم يتوقف.
وهو لا يطالب اليوم إلّا بحقه في تقرير المصير.
وإذا كانت هناك من مقارنة ممكنة فكردستان هي فلسطين جديدة.
ومثلما تقاسمت أنظمة الخيانة العربية أرض فلسطين مع الصهيونيين، قبل أن تلتهمها إسرائيل في حرب هزيمة حزيران، جرى تقاسم أرض كردستان بين الدول المجاورة، وها نحن إزاء تحالف القامعين الذي يتشكل من تركيا وإيران والعراق وبقايا النظام السوري من أجل وأد حق الشعب الكردي في الاستقلال.
أما إسرائيل الثانية والثالثة والرابعة، فهي مختبئة في أعشاش أفاعي الأنظمة العربية التي لا تتقن سوى فنين: قمع شعوبها والاستسلام في وجه أمريكا وإسرائيل.
غريب أمر السياسات العربية في عهد الجمهوريات القومية. لقد ورثت هذه المنطقة عن زمن الامبراطوريات، التي تلاشت بعد الحرب العالمية الأولى، مجتمعات متنوعة تحمل غنى ثقافيا ولغويا متعددا، فماذا فعلت؟ وكيف جاء حصاد انهيار جمهوريات الاستبداد بهذا الجنون الذي أباد أو سمح بإبادة الأقليات.
بعد مذبحة الأشوريين في عراق الثلاثينيات، وبعد العمل مع الحركة الصهيونية من أجل «تصدير» اليهود العراقيين والمغاربة إلى إسرائيل، جاءت حكومات المشروع القومي كي تُخرس المجتمعات وتحيي الصراعات الطائفية، وصولا إلى زمن الخراب الذي نعيشه عبر تهجير صابئة العراق وإبادة الأيزيديين والحمى الطائفية المعادية للمسيحيين في العراق ومصر، وهذا الصراع السياسي الطائفي- الديني الوحشي بين زعماء التيارين الشيعي والسنّي.
وسط هذا الخراب، جاء الاستفتاء الكردي على الاستقلال ليشعل النقاش من جديد، ويسعّر العداء ضدَّ الشعب الكردي وقضيته العادلة، بحجة أن إسرائيل هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي تؤيد الكرد.
ربما انطلت هذه اللعبة على بعض السُذج في كردستان العراق، وذلك عبر رفع العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم الكردي، أو عبر تقارير صحافية إسرائيلية تحدثت عن تعاطف كردي مع إسرائيل.
لا شك أن إسرائيل تحاول الدخول على الخط الكردي لأهداف تكتيكية واضحة تتمثل أساسا في إزعاج تركيا وإيران، لكن تجربة تحالف الأقليات في المنطقة مع إسرائيل، خصوصا التجربة البائسة المشينة التي جرت في لبنان، أثبتت أن إسرائيل لا حليف لها سوى مصلحتها المباشرة في تكريس احتلالها ونظامها العنصري في فلسطين، وما عدا ذلك فإن المنطقة كلها ليست بالنسبة لها سوى أرض يجب أن تصير يبابا.
قد يَسقط بعض زعماء الكرد في العراق في هذا الفخ، لكن ثمنه سيكون باهظا، فهم أبناء هذه المنطقة، ومصلحتهم التاريخية هي هنا وليس في أي مكان آخر.
أستطيع أن أتفهم المرارات الكردية من العرب، وهي مرارات مُحقّة، لكن يجب أن لا ننسى أن من اضطهد الكرد وقمعهم هي الأنظمة التي تضطهد شعوبها، فالكيميائي لم يستخدم ضدَّ الكرد في حلبجة فقط، بل استخدم في غوطة دمشق أيضا وضدَّ الشعب السوري.
المنطقة تعيش زلزالا انحطاطيا مخيفا، فالبربرية تجتاحها، وهي متروكة إلى مصيرها بين أيدي قوى متسلطة متعددة المشارب والأهواء، لكنها تُجمِع على سحق إرادة الحياة لدى سكان هذه البلاد، من هنا فإن مشروع الاستقلال الكردي سيواجه صعوبات جمة، وستطبق عليهم كماشة إيرانية- تركية مخيفة كي تخنقه وتدمره.
حق تقرير المصير لا جدال فيه، الكرد أمة تقيم فوق أرضها، أمة خبرت المنافي في وطنها وتعلمت لغة الريح، مثلما كتب محمود درويش مرة: «ليس للكردي إلّا الريح تسكنه ويسكنها/ وتُدمنه ويدمنها، لينجو من صفات الأرض والأشياءْ». لكن الكردي وهو يحاول اليوم أن يترجل، عليه أن يحذر الاحتراق: «فإن الكرد يقتربون من نار الحقيقة/ ثم يحترقون مثل فراشة الشعراء».
هل سيحترق الكرد هذه المرة أيضا بنار حقائق المنطقة؟
لا أعرف الجواب عن هذا السؤال، فمؤشرات الهمجية التي تجتاح المنطقة والعالم لا توحي بالارتياح. هل كان قرار البارزاني صائبا أم أنه جاء في إطار لعبة الصراعات المعقدة داخل البيت السياسي الكردي؟ وهل تستطيع أمة محاصرة، من دون أي دعم دولي حقيقي أن تصل إلى استقلالها؟ وماذا يبقى من التأييد الإسرائيلي بعد الموقف الأمريكي بعدم شرعية الاستفتاء؟
إنه حصار إقليمي ودولي، بهذا المعنى، فالاستفتاء الكردي على الاستقلال سيشكل وسيلة ضغط على حكومات العراق وتركيا وإيران، وربما ساعد على تحسين التوازن الداخلي العراقي لمصلحة الكرد في سياق مسيرتهم الطويلة المعقدة نحو استقلالهم.
صار من الصعب في منطقة تعيش وسط البركان لا على حافته قراءة المستقبل السياسي المنظور لواقع معقد كالواقع الكردي.
لكن ما يجب تسجيله هنا، هو أن المشروع الكردي يستطيع أن يشكل نافذة من أجل أن تعيد المنطقة قراءتها لنفسها، عبر إعادة الاعتبار للتعددية الثقافية والدينية واللغوية، بصفتها أحد أسس بناء أفق ديمقراطي جديد.
وهنا أيضا نقول: إن الاستفتاء الكردي يجب أن يكون مناسبة للثقافة العربية كي تعتذر عن صمتها إزاء عذابات الكرد، وكي تتصالح مع نفسها وترى في مأساة الأزيديين المروعة صورتها.
إن حرية الكرد جزء من حريتنا، يجب ألا نسمح للقوى المتسلطة في المنطقة بأن تحاصر شعبا يحق له أن يجد لنفسه موطئ قدم في أرضه.

كردستان ليست إسرائيل ثانية

الياس خوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أيمن / سوريا:

    من حيث المبدأ لا أحد يخالف مبدأ حق تقرير المصير الذي بات انتقائياً بالنسبة للمجتمع الدولي و بات من يدعم هذا الحق في مكان هو ذاته من يمنعه في مكان آخر و لكن بالنسبة للأخوة الأكراد نقول أن لدينا هواجس و تساؤلات كثيرة لا نجد لها إلا الإجابات المموهة فمثلاً ما هي حدود كردستان التاريخية الحقيقية ثانيا هل تلك الدولة ستكون دولة توسعية على غرار الكيان الصهيوني تضم مساحات شاسعة عربية و آشورية و تركمانية ثالثا ما هو دور النفط في إنشاء تلك الدولة رابعة هل ينكر الأكراد حقيقة هجرتهم من تركيا و إيران إلى شمال سوريا و العراق خامساً ماهر مصير الأراضي الآشورية و العربية التي استولى عليها الكرد عبر عمليات تطهير عرقي مقيت سادساً هل يعرف الكرد أن وجوه في سوريا حقيقي لكنه في شمال سوريا التي اقتطعها تركيا العثمانية و أصبحت تلك الأراضي جزء من تركيا و هل يعرفون تاريخ قدومهم إلى شمال سوريا الحالية بعد ثورة الشيخ سعيد بيران و احتضان العشائر العربية و السريان لهم سابعاً ما الذي أرسل الكرد إلى الرقة و دير الزور التي لا يربطهم بها إلا النفط و هل هي أيضاً أرض تاريخية لهم ثامناً ما هي علاقتهم بأمريكا و كيف يبررون إنشاء قواعد أمريكيا مع أنهم ليسوا إلا جزء من سوريا و لا يحق لهم وفق أي قانون أن ينشأوا تلك القواعد تاسعاًما هو سر العلاقة مع داعش التي بفضلها تسلموا آلاف الكيلومترات في سوريا و العراق بعد مسح المدن عن وجه الأرض من قبل التحالف الأمريكي و تهجير أهلها بهدف إحداث تغيير ديموغرافي لصالحهم عاشراً هل يعرف الكرد متى حضروا إلى عين العرب و كيف تمسكوا بالإسم الغربي لتغيير هويتها و متى أنشأت القامشلي و كيف أنهم يريدون ربط إقليمهم. أم ما يعترضه من جغرافية عربية شاسعة سيطروا عليها مثل تل أبيضو ريف حلب الشمالي؟ و هل يعرف الكاتب ما هو حجم الإساءة للعرب و المسيحيين في شمال سوريا و ما هي التصرفات العنصرية التي يمارسونها و حجم السرقات و السيطرة على المدارس الحكومية و كافة مؤسسات الدولة و تعيين أشخاص غير أكفاء مكان الموظفين الأصليين و منع تعليم المنهاج الحكومي الشامل و تحويل المدارس لتدريس مناهج أوجلانية و معاقبة المدرسين و الطلبة كل هذا يحدث في سوريا و العراق فمن يسمع عما يسمى الأسايش و ميليشياتهم القروسطية يترحم على البعث،و أخيراً أضع بين أيديكم مقال لأحد كتابهم يقر بأنهم إسرائيل الثانية http://elaph.com/Web/Opinion/2017/5/1148870.html

  2. يقول Mhemed Ahmed:

    Rights are taken by struggle and a hard work not a gift from a dictatorship

  3. يقول ژینوار:

    شعب مع الحق صامد تاریخیا لن یرکع الا لله اسقط المشروع الصلیبی وحرر القدس وما زال یدفع الضریبه لحد الیوم لهذا واجب شعوب المنطقه ان تفهمها لا اسرائیل ثانیه او فلسطین جدیده تحیه لکاتب المقال

  4. يقول جنيد سيد مجيد:

    استاذ شكر
    في البداية لا توجد مصالحة كوردية عربية والسبب هم جزء كبير من المعانات الكوردية وكانو سبب فس انجاح للمخطط التركي الايراني
    وثانية الاستفتاء ليست ورقة ضغط ضد تركيا وايران وانما مشروح حقوقي لشعب يريد العيش في ارضة المجزئة ولكن يمكن لدولة تتنافش على كوردستان استغلال هذا الحق
    تقبل مروري

  5. يقول حسن سليفاني:

    هذا هو المثقف الحقيقي الذي نكن له الاحترام شكرا لكلمات الحق التي سطرتها بحق الكرد الطبيعي يااستاذ الياس خوري كل التقدير لموقفك وقلمك

1 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية