هافاناـ «القدس العربي»:كلارا بوليدو هي مسؤولة الشرق الأوسط وافريقيا في الحزب الشيوعي الكوبي، تصف اليوم الأوضاع الداخلية الكوبية بعد الحصار الأمريكي الطويل، وتشدد على ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية، دون ان تنسى حاجة بلادها لجذب الاستثمارات الأوروبية وإدخال التكنولوجيات المتقدمة وخاصة المعلوماتية الى الجزيرة ووضعها في تصرف الشباب.
وتتحدث المسؤولة الكوبية عن علاقة بلادها بالقضية الفلسطينية مشيرة إلى ان «الفلسطينيون وقفوا معنا طويلا، ونحن نتضامن معهم من منطلق مبدئي».
○ كيف هو الوضع في كوبا بعد تبادل الاعتراف مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنهاء حالة الحصار بعد 55 سنة؟
• إن الأوضاع في كوبا لا تدعو إلى القلق. لقد تجاوزنا أزمة الحصار الظالم وتجاوزنا كذلك خطر الآثار المدمرة التي نتجت عن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. النظام في كوبا، عكس ما يعتقد الكثيرون، مبني على أساس المشاركة الشعبية الشاملة. نحن نعمل على أن قمة الهرم تستمع إلى القاعدة وتستجيب لها كما أن القاعدة وبعد التشاور مع جماهير الشعب العام في كل ما يهم حياتها اليومية تقدم ملاحظاتها وتوصياتها لقمة لهرم. فلا توجد خطة تنمية يمكن إقرارها في اللجنة المركزية أو مؤتمر الحزب العام إلا بعد أن تكون أشبعت نقاشا في القواعد الشعبية وجمعت الملاحظات النقدية عليها سلبا أو إيجابيا حتى تكون وثيقة تملكها الجماهير وتشعر أنها هي صاحبتها وهي التي أنجزتها. الديمقراطية لا تعني أن نذهب مرة كل أربع سنوات إلى صناديق الاقتراع بل عملية تفاعلية متواصلة بين الشعب والخلايا الحزبية المنتشرة بين الجماهير لحمل هموم الناس وإيصالها لمراكز صنع القرار. وأود أن أؤكد لك أن الثورة التي لا تحميها جماهيرها لا تستطيع الصمود.
○ هل هناك توجه سياسي وتنموي جديد؟
• لقد أقر مؤتمر الحزب السادس عام 2011 وثيقة التنمية الشاملة تحت عنوان كوبا 2030 والتي تشمل ثلاثة دوائر رئيسية، الرؤية السياسية والاستثمار والضرائب.
بالنسبة للتوجه السياسي فإن استقرار الثورة الكوبية والمحافظة على النظام الإشتراكي أمر مفروغ منه ولا تعديل للنظام المستقر إلا بما يخدم الجماهير العريضة. والتنمية عندنا ليست محصورة لفائدة فئة معينة بل لكافة قطاعات الشعب. النهضة بمعناها الشمولي لا بمعناها الضيق التي تخدم فئة قليلة تغتني على حساب القطاعات الواسعة من الجماهير. هذا لا يعني أننا لا نعي المتغيرات حولنا بل وعلى العكس من ذلك نعرف أن شباب هذه البلاد يعرفون ما يجري حولهم ولا شك أن من حقهم الاستفادة من التكنولوجيا ووسائل التواصل العصرية. لم يعد هناك في عالم اليوم جزيرة تستطيع أن تعيش في عزلة بعيدا عن حركة التقدم الهائل في وسائل التكنولوجيا الحديثة ونحن لسنا استثناء للقاعدة. نريد أن نتجه نحو النهضة الشاملة المدروسة التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الثورة الكوبية وإنجازاتها من جهة ومتطلبات التنمية الشاملة والانفتاح المدروس من جهة أخرى. لقد ركزت كوبا منذ البداية على النهضة في ميداني التعليم والصحة. كان في بداية الثورة 30 بالمئة من الشعب الكوبي لا يقرأ ولا يكتب. والآن لقد وصلنا نسبة في التعليم تكاد تكون كاملة. وأما الإنجازات في الميدان الصحي فهي معروفة للعالم والأطباء الكوبيون ينتشرون في كثير من الدول الفقيرة يقدمون العلاج المجاني. لقد استطاعت كوبا أن تجتث انتقال مرض الإيدز ومرض السفلس من الأم إلى الطفل، وهو إنجاز عظيم أشادت به منظمة الصحة العالمية، كما طورت كوبا لأول مرة تطعيما ضد سرطان الرئة. لقد وصل معدل الأعمار 80 للنساء و76٪ للرجال (الثالثة في الأميركتين بعد كندا وتشيلي) وهنا أود أن أشير إلا أن ارتفاع معدل الأعمار إضافة إلى قلة الإنجاب سيؤدي بالتـــأكيد إلى مزيد من المصاعب ونقص في قوى العمل ومزيد من الصرف في مجال الاحتياجات الصحية.
أما عن الاستثمار فقد أنجزنا قانونه في المؤتمر السادس بشروط، أولا ألا يملك الأجنبي الأرض. فهذه أرض كوبية لا تباع ولكن تؤجر. والشرط الثاني أن قوانين حماية العمال الكوبية يجب أن يعمل بها في المؤسسات الاستثمارية الوافدة والشرط الثالث هو أن كافة العاملين في المصلحة الاستثمارية يجب أن يكونوا من الشعب الكوبي. وبما أننا نتعلم من أخطائنا ومن ملاحظات القواعد الشعبية فإن قوانين الاستثمار هذه لم تستقطب الكثير من المستثمرين. بل إن عددا من المطاعم والمشاريع الصغيرة أقفلت أبوابها بعد تجربة الملكية الخاصة القائمة على الاستثمار. لقد راجعنا هذه القوانين وسمحنا للأجانب أن يكونوا جزءا من الكادر الذي يشرف على المصلحة الاستثمارية وسهلنا العديد من القوانين المتعلقة بعمليات الاستثمار ونحن واثقون أننا سنجذب أعدادا أكبر من المستثمرين وخاصة من أوروبا. نحن نسعى إلى جذب الاستثمار لكن ليس على حساب سيادة البلاد ومبادئ ثورتها الراسخة.
كما قمنا أيضا بمراجعة قانون الضرائب المرتبط بالاستثمار المحلي والأجنبي، فمثلا نشجع الكوبيين الآن على تكوين التعاونيات الزراعية حيث يقوم مجموعة من الكوبيين ويستأجرون قطعة أرض كبرى يستغلونها في زراعة محصول معين مطلوب في الأسواق. يتقاسمون أرباح المشروع ويدفعون للحكومة الضرائب فقط.
○ ولكن ماذا عن موضوع الأمن الغذائي كما يطرحه البعض والقول إن كوبا تستورد جزءً أساسيا من غذائها من الخارج؟
• الحديث عن الغذاء يحتاج إلى الكثير من الشرح. فعدا عن عوامل الطبيعة وخاصة الأعاصير والعواصف التي تأتي أحيانا على المواسم كلها، إلا أننا أيضا في بداية الثورة قمنا بتوزيع أراضي الإقطاعيين الكبار الذين هربوا خارج البلاد على الفلاحين. وهناك فرق بين أن تزرع قطعة أرض مكونة من آلاف الدونمات بقصب السكر وبين أن يقوم كل صاحب قطعة أرض صغيرة بزراعة احتياجاته اليومية. توزعت الأراضي وقل إنتاجها لأنها لم تعد قطعا عامة مخصصة للإنتاج الشامل. أضف إلى ذلك أن سوق السكر قد انهار عالميا في بداية الثمانينيات وبعد أن كانت كوبا تعتمد أساسا على تجارة السكر كدخل يشكل تقريبا 30 بالمئة من معدل الناتج القومي انخفضت هذه النسبة كثيرا بعد انهيار أسعار السكر عالميا وغياب المساعدات السوفييتية.
إن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 قد أصابنا في مقتل. إن تجاوزنا لتلك الأزمة أقرب إلى المعجزة. لقد كاد احتياطنا من المحروقات أن ينفذ تماما وبدأنا نستعد للأسوأ. لقد بلغت المساعدات السوفيتية وخاصة في مجال الطاقة، ما بين ثلاثة وخمسة مليارات سنويا. تصور أن كثيرا من المعدات الزراعية كانت مصنعة هناك وبطريقة تعتمد أصلا على المحروقات والقطع والصيانة السوفيتية وجدناها مرة واحدة منتهية الصلاحية. التغير المناخي وتكرار الظواهر المناخية المتقلبة وخاصة الأعاصير أدى بمواسم الزراعة الكوبية إلى العديد من الخسائر. عند الأعاصير يهمنا إنقاذ البشر أولا وقد طورنا تقنياتنا بحيث لا يهلك أحد من الأعاصير. فمثلا إعصار كاترينا عام 2008 قتل أكثر من 1300 شخص في الولايات المتحدة بينما لم يقتل أحدا في كوبا. لدينا نظام للإنذار مبكر متطور يجنبنا الكثير من الخسائر البشرية.
○ كنا نراقب عملية التصويت في الجمعية العامة لسنوات طويلة لرفع الحصار عن كوبا وإنهاء العقوبات. ولم يكن يصوت إلى جانب الولايات المتحدة إلا إسرائيل. لكن الولايات المتحدة قررت في آخر جولة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 الامتناع عن التصويت ولحقت بها إسرائيل بعد 25 سنة من التصويت بـ «لا». هل الحصار فشل وأمريكا هي التي غيرت مواقفها وليس كوبا؟
• هذا صحيح وجلست أمام التلفزيون وصفقت. حصار ظالم استمر 55 سنة وفوق هذا الحصار جاء انهيار الاتحاد السوفييتي. إن صمود كوبا كما قلت كان أقرب إلى المعجزة. لقد وقف معنا العديد من الأصدقاء ومنهم الفلسطينيون قيادة وشعبا. وتضامننا مع حقوق الشعب الفلسطيني موقف مبدئي لا يقبل المساومة ونعرف كم هي الصعوبات التي تواجهونها وخاصة في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة وما يجري في المنطقة من حروب وصراعات كلها تنعكس سلبا على قضية الشعب الفلسطيني. أتابع الوضع داخل الأمم المتحدة ومحاولات تهميش القضية الفلسطينية. نحن أيضا نصف الإدارة الجديدة بأنها عيية على التوقع.