كلنا عملاء لإسرائيل!

حجم الخط
15

لا أعرف بلداً سعيد الحظ بأعدائه كإسرائيل! إنها نظرياً محاطة بالأعداء أما على الصعيد العملي فإن «الأعداء» ـ أي نحن ـ يقدمون لها الخدمة تلو الأخرى ويشغلون الجيل الجديد بالاقتتال الذاتي نيابة عنها ويقومون بنبش كتب التاريخ لإحياء أبشع ما فيها من فتن (كالفتنة الكبرى) مع (تحشيش) فكري ضد العقلانية. وبوسع إسرائيل وشعارها «من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل» تسريح جيشها لأن مسلحينا أو معظمهم يتولون قتل بعضهم بعضاً بالنيابة عنها وتدمير الذات العربية بعد خلخلتها من الداخل فكرياً وحضارياً وعصرياً مستقبلياً.
من زمان كان ثمة ما يدعى بـ»جيش الإنقاذ» العربي لمواجهة إسرائيل ومحاربة «الهاغانا» والصهاينة وتحرير فلسطين بقيادة فوزي القاوقجي واليوم هنالك «جيش إنقاذ اسرائيل» يضم بعض الجنسيات العربية والأخرى.. ومهمته تدمير الوطن العربي والحلم العربي.
ونسينا فلسطين وصار للوحدة العربية أيتام مثلي.
ثم ماذا؟ نهرب إلى الغرب بدلاً من جعل أوطاننا أماكن صالحة للحياة فيها.

مسلم زنجي جميل الخلق والإنسانية

واليوم لا مفر للعربي المسلم الذي يعيش في الغرب من التحلي بالصبر كي لا ينفجر أمام نظرات الشك الريبة التي يحيطه بها الجيران ورفاق العمل.. نظرات تساهم في تغذيتها الأفلام والمسلسلات الغربية المتلفزة، ويلعب المسلم فيها ـ للأسف ـ دور الشرير (الأعظم) ـ الهمجي بليد الإحساس نحو حياة البشر عامة والنساء خاصة ـ والحضارات التي يتسول بطاقة إقامة في ربوعها!
ولذا سرني حقاً أن أرى على شاشة التلفزيون الفرنسي فيلماً اسمه «روبن هود» من إخراج كيفن رينولدز وتمثيل كيفن كوستنر وإلى جانبه الزنجي مورغان فريمان الذي يلعب دور المسلم. وعبره شاهدت ربما للمرة الأولى في السينما الهوليوودية صورة جميلة قريبة من الحقيقة الداخلية للإنسان المسلم ولجوهر معتقده وحضارته، صورة تختلف تماماً عن صورة ذلك الإرهابي القاتل مضطهد النساء الذي نراه في معظم الأفلام والمسلسلات البوليسية الغربية، إنها صورة تختلف عن تلك (البشعة) النمطية للمسلم.. صورة لمسلم تقارب حقيقة روح الإسلام: مقاتل بارع عظيم الوفاء يحترم كلمته، وعلى درجة كبيرة من الرقي العلمي الذي سبق به الغرب وذلك بالذات أجمل ما في الأمر، بينما تنسى بعض المسلسلات والأفلام العربية في هذا الحقل الإشارة إليه غارقةً في تفاصيل فولكلورية هرائية ومملة.

مسلم في بلاد الغرب (الصليبي)!

ما الذي جاء بذلك المسلم الزنجي مع المسيحي (كما يناديه) إلى الغرب؟ إنها الحرب الصليبية حيث أنقذ النبيل الارستقراطي روبن دو لاكسلي، حياة المسلم وهربا معاً من الحروب الصليبية.
لماذا يلتصق المسلم مع (روبن)؟ لأن التقاليد الإسلامية كما يقول تقضي بأن ينقذ بدوره حياة منقذه المسيحي ليصير حراً من دَينه الأخلاقي. وحين يصلان إلى (إقطاعية) روبن في إنكلترا يتعاونان معاً على تحرير الفقراء من ابن الساحرة الشريرة المهيمن على الحكم وهاجسه في غياب الملك ريتشارد «قلب الأسد» جمع الضرائب والمال ولو جاع الناس.. وينتصران حين يتحالف الارستقراطي مع الشعب ومع حليفه المسلم الذي ينقذ حياة (المسيحي) ـ كما يناديه طوال الفيلم ـ ويقول له بعدها: صرت الآن حراً بعدما رددت دَيني لك وسأعود الآن إلى قومي ووطني.

الرقي العلمي الذي كان الغرب يجهله

الزنجي الجميل المسلم، يرفض شرب الخمرة مع رجال روبن هود حين كانوا يحتفلون بإنقاذه لحياة زوجة (مسيحي صليبي) بما لديه من معارف متقدمة في الطب، سبقت الحضارة الإسلامية بها الغرب بقرون.. ويكتشفون عبره المنظار المكبر الذي يستطيع به أن ينذرهم بقدوم أعداء لهم لا يرونهم بالعين المجردة.. كما أن ذلك (المسلم) يعلمهم صناعة السيوف ويشير على روبن بأنه لا يستطيع مقارعة الظالم الذي شنق والده إلا بدروس لأعوانه في القتال بدلاً من الاكتفاء بالسرقة من السارق.. ويعلمهم فن المجابهة للظالم بالقتال.

نعم. أنا أصولية!!

ترى، هل قامت مهرجانات السينما العربية بتكريم ذلك المخرج الغربي «كيفن رينولدز» وأمثاله (من النادرين الذين يحترمون العطاء الإسلامي التاريخي الحضاري) في مهرجاناتها كلها بدلاً ممن لا ينفعنا ولا يحترمنا؟
ولماذا نقوم كعرب غالباً (بتدليل) من لا يكترثون بنا حقاً ولكنهم «نجوم»؟ وذلك ينسحب أيضاً على المجالات الفكرية والأدبية والفلسفية.
لماذا لا نشجع من ينحاز إلينا بذكاء وحنكة فنية دونما سوقية ونتهالك على تدليل (نجوم) سبق لهم دعم إسرائيل مالاً وحضوراً؟
لماذا لا نحتفي بمن يرسم الإنسان العربي الجميل وعطاءاته الحضارية البناءة وفضائله من علمية ونهضوية وعقلانية ونشجعه، ولماذا نباهي بحضور تلك النجمة أو ذاك النجم الذي سيكون غداً سعيداً بدعوة له من تل أبيب؟ ومتى نتعلم مصادقة من يصادقنا ونكف عن معاداة من يصادقنا أو الاستخفاف به.
نعم أنا (أصولية) في تعصبي للحقيقة التي ترسم جماليات الروح الأساسية الاصيلة والتي تم التعتيم عليها للأسف بفضل ممارسات بعض (المتأسلمين). وسطوة «اللوبي» الصهيوني الهوليوودي.

تيار إيجابي لم نحتضنه!

بعدما شاهدت الفــــيلم اكتشفت أنه يعود بتاريخـــه إلى ما قبل حوالي ربـــع قرن (1990) ولعــــله كان بداية ســـينمائية لتيار يحترم العربي والمسلـــم لم نتنبه له أو ندعمه وهــــو تقصير لا مفر من الاعتراف به وبسواه وفي حقول عديدة فكرية وإعلامية..
ونحن في انتظار رســــالة شــكر من إسرائيل بصفتنا نعمل لأجلها (أو بعضنا بدون أن يدري، ولا حليف لها مثلنا في الحقول كلها!

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نجم الدراجي العراق:

    نبش كتب التأريخ هو التطرف ..
    صباح الخير صباح الخير ياسيدتي ( الاصولية ) من أجل الحقيقة ..
    قدمت الحكومات العربية لجارتها أسرائيل الكثير من الخدمات من دون طلب رسمي ، تطبيع ، محور الاعتدال ، سفارات ، قنصليات ، ملحقيات تجارية و ماخفي أعظم ، وأتفق معك سيدتي ، على أسرائيل تسريح جنودها وبيع ترسانتها العسكرية للعرب لانهم بحاجة ماسة للقتال الداخلي والتناحر والتهديد والوعيد والتخوين والترهيب ، أصبح العرب أرهابيين ، مجرمين ، لا نعرف أين تاخدنا موجة التطرف ، صارت أسرائيل هي من تقيم الادوار العربية هذه الدولة أرهابية وتلك معتدلة والاخرى حليفة ، اظن يوماً ما سنكون تحت الوصاية الاسرائيلة !!
    كيف لنا ان نحتفي بمن يرسم لنا صورة جميلة عن الانسان العربي المسلم ونحن لانتبرأ من التشدد والتطرف ، فاقد الشيء لا يعطيه سيدتي الرائعة ، نحن أسرى للفكر المتطرف ولا خلاص لنا الا بقتل أنفسنا من الداخل ، أدعوا دائما الى مراجعة التأريخ بموضوعية وحيادية لكن السيدة الرائعة قالت باننا ننبش كتب التأريخ لاحياء أبشع مافيها من فتن ، من هنا يبدأ التطرف
    تحياتي .
    نجم الدراجي . بغداد

  2. يقول أفانين كبة . مونتريال ، كندا:

    وسائل الاعلام العربي الهادفة في دول الغرب ضعيفة جدا ، كالافلام الوثائقية عن تأريخنا ، والمجلات السياحية والكتب المترجمة التي تنقل بعض ٍمن حسناتنا .
    لم يكن الكثير في كندا من يعلم شئ عن العراق الى أن حصلت حرب الخليج في أوائل التسعينات وبدأ يظهر اسم العراق في الاخبار.لكن قبل ذلك كل شئ ارتبط بالصحراء والبدو والجمال والنفط والرقص الشرقي . وكان هنالك من يسألني ان كان العراق قرب اسرائيل !
    لقد أُنتجت العديد من الأفلام عن محرقة الهولوكوست . كذلك الأفلام التي تحكي عن كيفية وصول واضطهاد الافارقة في قارة امريكا وغيرها عن شعوب اخرى . فالاسلوب السينمائي سهل تسويقه ، وسريع وصوله لقلوب الناس.
    أفانين كبة
    كندا

  3. يقول ابو احمد:

    أشكر الكاتبة علي هذا التحليل الجيد
    نحن قوم فقدوا ذاكرتهم فيكف نخطط للمستقبل

  4. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    نحن لا نلتهم بعضنا بعضا فقط، بل نلتهم أحلامنا و قيمنا و تراثنا و عروبتنا و تاريخنا و نقدم لأعدائنا خدمات جلى حين نقف فوق أطلال بيوت رفاق هدمناها و نرفع أمام الكاميرا شارات النصر بكل فخر!
    فهل يتعلم “زوربا العربي” الحوار و الحنان و التواضع و المشاركة و الإخلاص و الإنسانية، و غيرها من القيم العربية القديمة المهجورة؟…
    أم أنه سيتابع جولة الجنون حتى يلتهم آخر طفل عربي داخل رحم أمه؟…
    25/11/1985
    غادة السمان – الأعماق المحتلة

  5. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    الموجع هو أننا نشاهد التاريخ والأخطاء نفسها تعاد
    ولا نستطيع أن نفعل شيء

  6. يقول انيس زعبي لوس انجبليس كالفورنيا الولايات المتحده:

    مقال جميل جدا وواقعي واعتقد هذا قليل من كثير…أريد ان اقول عباره دائما ارددها في كل مناسبه عندما يتعلق ألأمر باسرائيل وامتنا ألعربيه ( انه عصركم الذهبي يا بني صهيون العالم اجمع في خدمتكم حتى معظم ابناء جلدتنا )

  7. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    التاريخ العربي والإسلامي الذي درسونا ياأستاذة غادة نزعوا منه مالايليق ذكره, ولايزالون يطعموننا فقط بالجميل منه.
    نعم سيدتي , ننبش كتب التاريخ لكن بأعين الآخرين. دواعش كثر مروا على مر الأزمان , قتل وسبي حورت إلى أشياء أخرى. دول الخلافة التي يحلم بها البعض كانت دكتاتوريات خنقت فيه أرواح المعارضين.
    مراجعة التاريخ بنزاهة وأريحية هو مايحتاجه المسلم , التخلص من الصور الوردية التي زرعوها فيه وغض الطرف عن مالايعجب منه, من هناك البداية.
    ياأستاذة غادة لايمكن للمسلم أن يردد اليوم أقوال مافعله الأجداد من محاربة الكفار ومن تحليل أموالهم ونسائهم إلى آخره. علينا أن نستيقظ الظرف ليس الظرف والأحوال تغيرت, ألا يجب تغيير عقولنا معها؟

  8. يقول Passerby:

    عزيزتي, نحن لا نخشى الكيان الصهيوني وصدقيني لأن فناءه في ذاته ولكن نخشى من عدو يدعي أن مسلم ويعيش بين ظهرانينا وولائه لأعدائنا, نخشى ممن يدعي أن تحرير القدس يمر عبر كل العواصم والبلدات العربية حتى تخضع لسيده وولي نعمته ثم بعد هذا الخضوع يفكر بمسألة العدو الصهيوني وما إذا كان تحرير القدس واجب أم لا. قبيل عام 1979 لم يكن أحد يخطر بباله ما هو طائفة جاره ولا يكترث كثيراً كيف يعبد أو حتى ماذا يعبد ولكن بعد هذا العام المشؤوم بدأت الفتنة تتطل برأسها لأن هناك من ينبش بتاريخنا الأسلامي ويظهر أسوأ ما فيه من فتن ثم يضرم النار تحتها لتنهض الفتنة النائمة وتخرب النسج الأجتماعية وتهدم الأوطان. لقد كانت الفتنة نائمة بل ميتة الا لعنة الله على من أيقظها ومن لا يزال ينفخ في نارها بحجج كاذبة ومبررات سطحية منافقة ولكنها سوف تلتهمه يوماً. والفتنة سهل جداً تحريكها ومن الصعب جداً وأدها خصوصا في مجتمعات متدينة ومحافظة كمجتمعات الشرق الأوسط. قال سيدنا علي كرم الله وجهه: “تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك”. وهو – رض) يقصد الفتنة تماماً.

  9. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    للأسف لم أسمع يوما عن هذا الفلم وكم انت محقة يا أختي غادة في الأمر نعم ينقصنا الكثير من الوعي. أما من ناحية العداء لإسرائيل ففي الحقيقة نحن لا نعادي إسرائيل بل نرفض ونقاوم عدوانها على الشعوب العربية واحتلالها حتى ولو وقفنا عند الحد الأدنى من حقوقنا المعترف بها من الأمم المتحدة أي أراضي ما بعد حربها على دول الجوار عام ١٩٦٧م أما بالنسبة للأنظمة العربية يا سيدتي فقد تبين أن صداقتها (وليس عدائها!) مع إسرائيل مبنية على المنفعة المتبادلة فقد قالها بشار الأسد حرفيا لجمال سليمان “أن إسرائيل لن تسمح بسقوط نظامة” وقالها السيسي حرفيا في أحد مؤتمرات شرم الشيخ أن بقائه ” رئيسا لمصر يعني الحفاظ على أمن إسرائيل” إنه التعاون للأبدي بين الظلم والاستبداد من جهة والاحتلال من جهة أخرى فهل هناك أعداء لإسرائيل اللهم إلا ظاهريا هناك ضحايا لعدوان إسرائيلي متعاون من أنظمة قمعية استبدادية أليست هذه حقيقة الواقع الذي نعيشه في هذا الزمن بالله عليكم

  10. يقول RAFEEK KAMEL:

    ومع كل ذلك..لا ياس مع الحياة ولا حياة مع الياس

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية