إذا منعوا «توفيق عكاشة» من الظهور التلفزيوني، فكن على يقين بأنهم كلهم «توفيق عكاشة»، فقد تبين أنه فكرة والفكرة لا تموت ولو مات صاحبها، فلا تبتئس إذا حيل بينه وبين أن يقوم بدور المفكر الإستراتيجي مع «حياة الدرديري»، الذي وجد فيها ضالته عندما قرر أن يكون «أنور السادات»، وكأنه لا بد للسادات من «همت مصطفى» المذيعة التي كانت تحاوره، وكان يخاطبها بـ «همت يا بنتي»، ولأننا شعب يسئ الظن بحكامه فقد انتشرت شائعة في ربوع مصر أن «همت يا بنتي»، هي زوجة السادات السرية، لتصبح كل من اسمها «همت» هي بالقطع «همت يا بنتي»، حتى بعد مقتل الرجل واكتشاف الشعب المصري أن ظنه ليس صحيحاً، وأن الإعلامية الراحلة لم تتزوج السادات!
لأن فارق السن ليس كبيراً بين من يتلبسه «عفريت السادات»، وبين جارته بالجنب، فلم يكن من اللائق أن يصفها بـ «حياة يا بنتي»، فهو يناديها باسمها مجرداً حيناً، ويمنحها لقب «الأستاذة» في حين آخر، وقد اكتفت من «همت يا بنتي»، بـ «قصة الشعر»، وإن اختلفت في لونه بما يتناسب مع روح العصر، ففي زمن «همت يا بنتي» لم يكن قد تم اكتشاف «الخلاط» الذي يُضرب فيه شعر المرأة فيصبح كلون عصير «المانغو».
ولم يكن جيلنا يعلم، وكذلك الأجيال السابقة، أنه سيأتي اليوم الذي يساعد فيه التقدم العلمي، في حل أزمة مقاييس الجمال المطلوبة بسهولة، إذ كان من «المحفوظات» لدى العرب العاربة والمستعربة أن الجميلة هي ذات الشعر الأصفر والعيون الخُضر. وكما قال محمود درويش: «عينان تائهتان في الألوان خضراوان قبل العشب»، وإذا كان «درويش» استمر في المديح بقوله: «زرقاوان قبل الفجر…».. إلى آخره، فهذا يدخل في باب النفاق الإجتماعي وسعيه لأن يرضي كل الألوان!
من حسنات الانقلاب
معذرة للاستطراد، فما سبق مقدمة طالت بدون ضرورة موضوعية، فما يعنينا هو «عكاشة» من حيث كونه «الأستاذ المعلم»، وفي الفترة التي وقفت فيها على أنه جليس قيادات الأجهزة السيادية في مصر، ذهلت لأن قيادات كبرى درست العلوم العسكرية والإستراتيجية، وبعضهم يدرسها، ومع ذلك فإنهم يجلسون أمام المذكور كما لو كانوا تلاميذ في صالون العقاد، لكن من حسنات الانقلاب العسكري القليلة أن هؤلاء تحولوا إلى ضيوف مستديمين على شاشات التلفزيون بحكم طبيعة المرحلة، ليؤكدوا ما قالته العرب: «عقل المرء مخبوء تحت لسانه، فقد تبين أنهم كلهم «توفيق عكاشة» وقد كانوا ينتظرون الفرصة، فلما جاءتهم أمسكوا فيها بأيديهم وأسنانهم وعضوا عليها بالنواجذ، وظهروا بأدائهم كما لو كانوا تخرجوا من «أكاديمية عكاشة للعلوم العسكرية»، ومنهم من كان هماً مركباً لأنه أكمل دراسته العليا وحصل على درجة «الزمالة» من جامعة القذافي للفنون والعلوم!
وقد ورد في الحديث النبوي: «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك»، ولكم سخر المصريون من أشقائهم الليبيين بسبب الطلعات الجوية لـ «الأخ العقيد» معمر القذافي، ولكم تندروا بكلامه، قبل أن يتحقق فينا القول الشعبي المأثور: «ناس مصيبتها السبت والأحد ونحن مصيبتنا لم ترد على أحد».
أكتب هذه السطور في صباح يوم الجمعة الموافق 22 يناير/كانون الثاني، بعد أن استيقظت من النوم، ورغم أني قمت بطقوسي اليومية، قبل أن أهم بالكتابة، فلا أعرف إن كنت على قيد الحياة أم صرت في عداد الموتى، وقد أعلن «الأخ العميد» محمد سمير، المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري وهو يوضح للأمة معنى حروب الجيل الرابع، في كلمتين، فأثبت أنه متخصص في علم انقرض الآن وهو تبسيط العلوم، وكانت جريدة «الجمهورية» المصرية على أيامنا تفرد عموداً يومياً لكاتب نسيت اسمه يقوم بتبسيط العلوم، أقترح على «فهمي عنبة»، رئيس التحرير الحالي أن يستعين بـ «الأخ العميد» لكتابة هذه العمود الذي توقف بوفاة كاتبه!
ببساطة قال «العميد» محمد سمير إن حروب الجيل الرابع هي أن تدفع عدوك لأن يستيقظ من النوم ميتاً. وهذا ما يؤكد أن استيقاظي من النوم لا يعني أني حي وإنما لا يمنع من أني رقدت على رجاء القيامة!
واللافت هنا أن التلخيص المعجز كان في محاضرة للأخ العميد أمام قيادات وجنود الأمن المركزي، ومن الواضح أن وزارة الداخلية قد استعانت به وهو ضابط بالجيش ليس فقط من باب إثبات أن الجيش والشرطة يد واحدة، ولكن من أجل أن ينهلوا من علمه اللدوني!
نهاية سد النهضة
وكلنا نذكر عندما استضافت «رولا خرسا» الخبير العسكري، والمفكر الإستراتيجي «اللواء» حسام سويلم لتسأله عن رأيه في فوز «الرباعية» بجائزة نوبل، فأرجع هذا إلى أن «الرباعية واحدة ست خدمت بلدها»، وإذ انتقلت به «رولا» من الشأن الخارجي للشأن المحلي، وسألته عن الموقف الذي من المفترض أن يتخذ من سد النهضة؟ فبدد قلق المصريين بأن السد سوف ينهار من تلقاء نفسه!
ولم يكن المصريون قد توقفوا عن السخرية من هذا الرأي حتى طالعوا اللحظة التي أصيبت فيها مذيعة في إحدى القنوات بالحول العقلي، وهي تستمع لجنرال آخر وخبير عسكري من أيام حروب الذباب يضع حلولاً عملية لإنهاء أزمة سد النهضة، وتدفع بأثيوبيا إلى أن تتعلق برقبة مصر لتنقذها من انهيار السد بسبب زيادة المياه الناتجة عن هطول الأمطار!
وكيف ستهطل الأمطار إلى الحد الذي يتسبب في انهيار سد النهضة ومن ثم غرق أثيوبيا؟ أجاب «اللواء» الجهبذ: بزراعة عشرة ملايين شتلة غابات، ومثلها من الموز في مصر والسودان وأثيوبيا!
وقد يطرح البعض سؤالاً هنا وماذا لو رفضت أثيوبيا زراعة الموز، وخشيت من أن يستخدم قشره في تعويق حركة الأثيوبيين و»زحلقتهم»، فقد ذكر «اللواء» في خطته المحكمة، بأننا هنا علينا أن نخرج عقود ملكيتنا لثلث الأراضي الأثيوبية، والتي تنازل عنها السلطان عبد الحميد!
حلول بسيطة لأزمات عميقة، تستمد عبقريتها من بساطتها، وتأتي لترسم معنى السهل الممتنع، فمن كان يظن أن أزمة تؤرق المصريين ودفعت وزير الري إلى أن يعلن مؤخراً أن مصر تشعر بالقلق من تعنت الأثيوبيين، يمكن أن تحل بزراعة الموز، كما قال خبير عسكري، أو بتجاهل الأمر لأن سد النهضة سينهار بدون تدخل منا، ولا يمكن للمرء وهو ما يؤكد أننا أمام قدرات عقلية خارقة وعابرة للأزمات!
وقد شاهد الجميع الفيديو الشهير للواء محافظ السويس، وهو يشرح للجماهير نظرية عسكرية جديدة، تتمثل في الفرق بين البحر والمحيط، وكيف أن «البحر حُنين» من «الحنية» التي هي إحدى مشتقات «الحنان»، وذلك في تأكيده على نوايا المصريين الطيبة وقد كافأتهم الطبيعية بالبحر وليس بالمحيط. يبدو أن البلاد التي تعرف المحيطات نوايا شعوبها سيئة.
عظمة الرياح الشمالية الغربية
النظرية العسكرية الثانية تتمثل في الرياح الشمالية الغربية، إذ أعلن بحر العلوم وترعة المفهومية أنه لنوايا المصريين الحسنة فإن الرياح شمالية غربية وليست شمالية فقط، وعليه فإن إسرائيل لو ضربتنا بالقنبلة النووية أو غيرها فإنها سترتد إليها.
وقد تحول هذا الفيديو عقب ترويجه على مواقع التواصل الإجتماعي إلى و»ليمة لأعشاب البحر»، فقد احتفت به فضائيات الشرعية، كما كان موضوعا لتقرير ساخر لقناة «الجزيرة»، تفوق به الإنقلاب العسكري على نفسه، ومثل العبقرية العسكرية في أجلى صورها وأعمق معانيها، والتي تجلت بأفضل ما تكون في إعلان «اللواء» عبد العاطي علاج الايدز ومحاربة الفيروسات «بإصباع كفته».. تأخذ الفيروس من المريض وتعطيه إصبع كفته يتغذى عليه.. وبالهناء والشفاء.
ولم يكن «لواءات» الشرطة لاسيما من ضيوف البرامج التلفزيونية أقل عبقرية من إخوانهم ضباط الجيش، فقد شاهدنا المستوى الخطير الذي ظهر به نائب جهاز مباحث أمن الدولة، الذي أكد علمهم السابق بأن مرسي جاسوس ومن ثم فقد حجبوا عنه المعلومات والوثائق، حتى لا يمد بها الجهات الأجنبية التي يعمل لديها جاسوساً.
لا يعلم العبقري أنه يبرىء الرئيس المنتخب بما قال من الاتهام بالتخابر عند أنصار السيسي الذين يصدقون الدعاية التلفزيونية المكثفة، حتى أن «الوطني» أحمد موسى مذيع قناة «صدى البلد» لا ينطق اسم الدكتور مرسي إلا مسبوقاً بـ «الجاسوس»! وكلام لواء الجيش قال مثله وكيل جهاز المخابرات العامة السابق في حوار منشور بجريدة «الوطن» حيث أعلن أن المخابرات كانت تعلم أن مرسي جاسوس فلم تمده بالوثائق والمعلومات!
الآن عرفنا لماذا يحتفون بتوفيق عكاشة، الذي تبين أنه بالفعل أستاذ، وأعور وسط عميان، وأن القذافي لم يكن فردا وإنما أسلوب حياة، فعندما حصل القوم على فرصة بالظهور التلفزيوني تجلت عبقريتهم، وهو أمر يُذكر للانقلاب فيُشكر.
أتمنى عندما تصلوا إلى نهاية هذه السطور أن أكون أنا قد وقفت على حقيقة وضعفي بالضبط فهل أنا على قيد الحياة، أم استيقظت ميتاً.
صحافي من مصر
سليم عزوز
نقول وبكل أسف أن مصر تقاد بنخبة يغلب عليها الجهل وتتعمد نشر الجهل عند الشعب المصري لكي يسهل عليهم حكمهم وقيادتهم، وتسعي في نفس الوقت بصورة مدروسة محاربة هوية الأمة العربية والأسلامية لصالح الهوية الفرعونية
وكما اتحفتنا بالحديث عن ظاهرة عكاشة ارجو الا تبخل علينا بالحديث عن ظاهرة اخري اسمها دندراوي الهواري باليوم السابع
اعلم انك صعيدي وان هذه الظاهرة ربما تكون بلدياتك ولكن بنظرة متانية الي ما يخرج علينا الرجل به يوميا يتضح انه تتلمذ علي يد من هو اكثر عبقرية من توفيق عكاشة!!!!!!!
أمانة عليك يا شيخ علي رأي المرحومة جدتي!!
مقال أكثر من رائع .. أبدعت في الطرح.
إبداع، لقد أدمنت مقالاتك أستاذ عزوز. مع أنه يؤلمنى كثيراً الحاله المزريه التى وصلت إليها مصر وللاسف بيد أبنائها.
سلمت يا سي عزوز .. والله مقالك ننتظره من اسبوع لأسبوع بفارق الصبر ولا اذيعك سر لو قلت لك (لم يملأ عيني غير مقالك الأسبوع وأصبحت بعامل الزمن لا اقرأ غيره لأنني اجد نفسي فيه) .. حفظك الله وفك الله كربة مصر وسائر بلاد المسلمين
كنت اعتقد ان ظاهرة عكاشة استثناء في مصر , ولكن اليوم صارت قاعدة .
من شاهد برنامج “ارجوك ما تفتيش” يعرف ان ظاهره توفيق عكاشه شائعه ومنتشره بكثافه بين المصريين . كافه من ظهر في هذا البرنامج من المصريين يؤيد تشجيع زراعه المعكرونه في مصر, وكل منهم اقترح طريقه ممكنه لاسترجاع فرنسا التي كانت جزء من مصر قبل ان تسرق منهم كما سرقت اثارهم الفرعونيه على يد الاوروبيين, كما كان لكل منهم رأيه في كيفيه التغلب على مشكله تهريب الاوكسجين من مصر وكيفيه تعويض النقص بالاوكسجين من خلال استيراده من روسيا او امريكا. بمصر عشرات الملايين من توفيق عكاشه ومن لوءات الجيش والشرطه على شالكه لواء الكقته.