إسطنبول ـ «القدس العربي»: لا يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، منافساً حقيقياً له في الانتخابات الرئاسية المصيرية المقبلة، وذلك بعد فشل الحزب في سلسلة طويلة من الاستحقاقات الانتخابية التي جرت طوال السنوات الماضية، ودخلتها المعارضة بقيادة كلتشدار أوغلو الذي لم «يجرؤ» على خوض الانتخابات الرئاسية بشكل مباشر بمواجهة أردوغان، كما يقول الحزب الحاكم.
رأى محللون سياسيون ووسائل إعلام مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم أن إعادة انتخاب كليتشدار أوغلو قبل أيام مجدداً للبقاء على رأي أكبر أحزاب المعارضة التركية كان بمثابة «هدية قيمة» تلقفها أردوغان الذي يسعى لحسم الانتخابات المقبلة لإرساء النظام الرئاسي الجديد الذي تم إقراره في الاستفتاء الأخير حول التعديلات الدستورية.
ويوم السبت المنصرم، أعاد الحزب الذي أنشأه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، انتخاب كليتشدار أوغلو، رئيسا له لفترة جديدة مدتها 4 سنوات، وذلك بعدما تمكن من التغلّب على منافسه محرّم إنجه، في المؤتمر العام الـ36، حيث يتزعم كليتشدار أوغلو الحزب منذ بدايات عام 2010.
ويُجمع مراقبون استناداً إلى نتائج الاستحقاقات الانتخابية السابقة على أن زعيم المعارضة التركية فشل في تشكيل تهديد حقيقي لاستمرار تفرّد حزب العدالة والتنمية وأردوغان في الحكم والمتواصل منذ عام 2003، وسط اتهامات متصاعدة له بضعف الأداء والشخصية والقدرة على مخاطبة الناخب التركي والتأثير عليه. أبرز الاتهامات تصاعدت مؤخراً من داخل الحزب، حيث برز منافسه في الانتخابات الداخلية محرّم إنجه الذي هاجم كليتشدار أوغلو بلا هوادة متهماً إياه بالفشل الذريع في قيادة الحزب والمعارضة كما اتهمه بقيادة الحزب إلى «الدمار والتشتت والفساد»، وبخلق نظام ديكتاتوري داخل الحزب، متسائلاً: «كيف ستجلب العدالة إلى تركيا وأنت تؤسس لنظام ديكتاتوري داخل الحزب؟».
وفي الوقت الذي تُجمع استطلاعات الرأي على أن حزب العدالة والتنمية ما زال يتمتع بأوسع قاعدة شعبية في البلاد، تُبدي شريحة متزايدة من الشارع التركي اعتراضها على الكثير من سياسات الحزب الحاكم، لكنها تقول إنها لا تجد البديل المناسب حتى الآن، وبالتالي يمتنع جزء من هذه الشريحة عن التصويت في الانتخابات، بينما تلجأ شريحة أخرى للتصويت لأردوغان والحزب الحاكم من منطلق «أفضل الموجود»، على حد تعبيرها. ولا يفوّت أردوغان أي فرصة أو خطاب للرد على كليتشدار أوغلو بطرق مختلفة، لكنه ركز في السنوات الأخيرة على إقناع الشارع التركي بأنه «حزين على الحال الذي وصل إليه حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك»، لافتاً إلى أن الحزب «بات لا يمثل أتاتورك ولا ميراثه ولا مبادئه»، وهي محاولة لضرب الركيزة الأساسية التي يستند عليها الحزب باعتماده على إرث أتاتورك.
وفي إحياء ذكرى وفاة أتاتورك الأخيرة، تعهد أردوغان بالحفاظ على إرثه، متهماً حزب الشعب بـ«استغلال اسم أتاتورك»، وقال: «هناك فرق بين أتاتورك الذي يحظى بمحبة الأمة، ومفهوم الأتاتوركية، الذي تم صياغته بعد رحيل مؤسس الجمهورية»، مشدداً على أنه «انقطعت علاقة أتاتورك بالكامل مع الحزب اعتبارًا من 10 نوفمبر 1938 (تاريخ وفاته)».
كما يركز أردوغان على النزعة القومية التي تتأثر بها شريحة واسعة من الشعب التركي، ويتهم زعيم المعارضة بالإرتهان إلى القوى الدولية لا سيما أمريكا والغرب. وبعد أن دعا كيشتدار أوغلو قبل أشهر السياح الأوروبيين إلى عدم المجيء إلى تركيا التي قال إنها تعاني مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية، اتهمه أردوغان بالخيانة، وقال مراقبون إن هذه التصريحات أثرت على شعبية الحزب في الشارع التركي.
إلى جانب ذلك، يتهم أردوغان كليتشدار أوغلو بـ«الجبن» ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/تموز عام 2016، وبث مقاطع فيديو تثبت لجوئه إلى منزل أحد المسؤولين المحليين ليلة محاولة الانقلاب وعدم النزول لمواجهة الدبابات في الشوارع.
وجدد يوم الثلاثاء الماضي، زعيم المعارضة دعوته للحكومة لإعادة العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يرى فيه أردوغان مدخلاً سهلاً لمهاجمته، قائلاً: «كليتشدار أوغلو يريد منا مصافحة سفاح قام بقتل مليون مدني من أبناء شعبه».
وخرجت الصحافة المقربة من أردوغان قبل أيام بعناوين رئيسية أبرزها «لا يستطيع إدارة مؤتمر حزبه فكيف سيقود الدولة؟»، وذلك تعقيباً على الكثير من المشاكل التي شهدها المؤتمر العام للحزب وكان أبرزها تسمم العشرات من مسئولي الحزب من وجبات طعام فاسدة تم توزيعها على المشاركين. ولم يسبق أن ترشح كليتشدار أوغلو لانتخابات رئاسية، وفضل في المرات السابقة دعم مرشحين آخرين رغم توليه منصب زعيم الحزب، ولا يتوقع أن يترشح بشكل مباشر في الانتخابات المقبلة والمتوقع إجرائها نهاية عام 2019.