«كل مستوطن إرهابي»

حجم الخط
3

«كل مستوطن في الضفة الغربية هو إرهابي»، وهذا ليس قولي، وإن كان متماهيا مع موقفي، إنما قول البروفيسور عميرام غولدبلوم رئيس قسم الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، دوّنه على موقعه على الفيسبوك. وزاد بالقول إن إسرائيل دولة فصل عنصري (ابرتهايد).
ونشكر البروفيسور غولدبلوم على وضع النقاط على الحروف، وتأكيده ما يردده الفلسطينيون صباحا ومساء، بدون خوف من اتهام بمعاداة اليهود أو السامية، وبدون أن يربط اسمه بالتنكر للمحرقة اليهودية، وما يترتب على ذلك من مطاردات واعتقالات، وأحيانا القتل من قبل جيش الاحتلال بتهمة التحريض على قتل اليهود، فهو شاهد من أهل البيت، والأمر يختلف عندما يشهد شاهد من أهلها.
والبروفيسور غولدبلوم يقول إن»اي يهودي يعيش داخل حدود عام 1967 هو إرهابي». ووصف المدير العام لمجلس مستوطنات الضفة السابق شلومو فيلبر بالإرهابي وأنه بصفته الرسمية السابقة مسؤول عن جرائم ضد البشرية، وله علاقة مباشرة بجرائم ضد الفلسطينيين، ويدعو لمحاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية.
بناء على تعريف غولدبلوم هناك أكثر من نصف مليون إرهابي يهودي استيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفي بعض الحسابات والتقديرات حوالي ثلاثة أرباع مليون يسرحون ويمرحون، ناهيك عن جنود الاحتلال. ووفقا لهذا التعريف فإن أي مستوطن هو هدف شرعي وجبت مقاومته، ليس بالقرارات ولا البيانات، بل بشتى السبل والوسائل المتاحة، ويتوجب على الفلسطينيين أيضا دعوة الدول العربية والصديقة لوضعها أمام مسؤولياتها التاريخية لتشكيل «تحالف دولي» من أجل القضاء على آفة الاستيطان والمستوطنين، بموجب القوانين الدولية، وقطع دابرها، على غرار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة ما يسمى «الإرهاب» وكذلك «التحالف العربي» ضد اليمن، ألا تستحق فلسطين منكم ذلك؟
وهذا ما يقوله بروفيسور إسرائيلي اخر وهو دانيال بالتمان، الذي يتقدم على غولدبلوم بخطوة، ويبرر عمليات قتل المستوطنين. يقول بالتمان استاذ التاريخ في الجامعة العبرية، إن هناك ما يبرر العمليتين الفدائيتين اللتين نفذتا مؤخرا وقُتل خلالهما مستوطنان، باعتبارهما شكلا من أشكال العنف الذي ينتجه الواقع الكولونيالي الاستعماري الاحتلالي.
وفي مقال لصحيفة «هآرتس»، اعتبر أن دعوات حاخام مستوطنة «يتسهار»، دافيد دود كبيتس، خلال جنازة المستوطن إييتمار بن غال، لإبادة الشعب الفلسطيني، بمثابة تحريض على «قتل شعب». وأشار إلى أن بن غال، وكذلك الحاخام رزيال شيفح، الذي قتل على يد الفدائي الشهيد أحمد نصر جرار، كانا يقيمان في مستوطنتين من الأكثر تطرفا. ويقتبس بالتمان ما يقوله الفيلسوف اليهودي فرانز فانون في هذا السياق، بأن القتل علاج ضروري للمرض الذي فرضه الاستعباد الكولونيالي، وأن التحرير الحقيقي وترميم الكرامة المهانة تكون ممكنة فقط عندما يرد الكولونيالي بالعنف، وعندها يقوم السكان المحليون بتقديم تضحياتهم في هذا الصراع.
ويتابع بالتمان، أن الفلسطينيين في الضفة وغزة يعيشون في ظل واقع كهذا، فهم مهانون ومسلوبون ومسجونون في غيتو مكتظ، ظروف الحياة فيه من الأسوا في العالم، ويذكر بالغيتوات النازية، حيث يطلق الجنود النار عليهم، مثلما يطلق النار على الكلاب الضالة، وتقتحم بيوتهم في الليالي ويرعبون أطفالهم. ويخلص إلى نتيجة أن العنف في هذه الحالة وبقدر ما يبدو مأساويا فهو ذو فعل تحريري. ولا يقف غولدبلوم وبالتمان وحدهما في هذا الخندق المعادي للاحتلال، ففي الشهر الماضي تعرض بروفيسور آخر في الجامعة العبرية للانتقاد الشديد، عندما قارن إسرائيل بألمانيا النازية. وحذّر البروفيسور عوفر كسيف المحاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، من أن اسرائيل «تقف على منحدر زلق يقود إلى الفاشية».
ولا يخرج عن هذا السياق هجوم الكاتب في «هآرتس» جدعون ليفي، على دعوات تحويل بؤرة «هار براخا» التي قتل فيها بن غال، لمستوطنة، ووصفها بجبل اللعنات.
وما يثير الاستغراب، وما يؤكد المؤكد أن ليفي لم يجد من يرد عليه سوى السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان، الذي أثبت المثل القائل «ملكي أكثر من الملك»، فهو مستوطن أكثر من المستوطنين، وإن كان هو أيضا مستوطنا حقيقيا، إذ يملك شقة فخمة في حي الطالبية في القدس الغربية، وينصب نفسه متحدثا ومدافعا عنهم ويتفوق على جميع زملائه من اليهود العاملين ضمن «جوقة ترامب» من أمثال كوشنر وغرينبلات، ألم يعترف بأنه هو من قدّم قبل سنوات سيارة اسعاف هدية «هار براخا».
وفي حسابه على «تويتر» تساءل فريدمان، وهو محام يهودي أورثوذكسي، في قضايا الإفلاس، وعمل لسنوات لدى ترامب، كيف يمكن لصحيفة «هآرتس» أن تنشر مادة كهذه؟ وبلغت فيه الصفاقة أن يتساءل «أين ذهبت النزاهة»؟ ويقول متجاهلا وبلا مسؤولية بعد «أن ذاب الثلج وبان المرج»، الأطفال الفلسطينيين الذين يقتلون يوميا بدم بارد في الضفة وغزة، هناك أربعة أطفال أيتام ما زالوا داخل بيت العزاء المفتوح منذ قتل والدهم على يد «مخرب إرهابي» فلسطيني يشيد الفلسطينيون به، فكيف يسمي ليفي مستوطنتهم «جبل اللعنات»؟
وشغل فريدمان منصب رئيس جمعية الأصدقاء الأمريكيين لمؤسسات مستوطنة «بيت إيل سمال رام الله (التي تضم مقر الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال، وهي منظمة جمعت ملايين الدولارات في غضون سنة لدعم مشروع في المستوطنة. وتحمل لوحات على بناياتها بما فيها مدرسة بنيت على أرض فلسطينية خاصة، اسم فريدمان وأفراد أسرته. كما تبرع بأموال لاستيطان يهود في الحي الإسلامي في البلدة القديمة من القدس. وأدان فريدمان سلوك السلطة الفلسطينية تجاه عملية قتل المستوطن بن غال، ما استدعى نبيل ابو ردينة إلى التساؤل: هل هو ممثل أمريكا أم إسرائيل؟
ولا يختلف فريدمان كثيرا عن رئيسه ترامب، الذي يمعن أيضا في معاداة الشعب الفلسطيني، بتقديم الشكر لرئيس جمهورية غواتيمالا جيمي موراليس، على قرار نقل سفارة بلاده من تل ابيب إلى القدس. وقال إنه يقدر خطوته، مشيرا إلى أنها تعكس علاقات التعاون الوثيق بين البلدين، ومدى التحالف بينهما، منتقدا الدول التي رفضت وهاجمت قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وغواتيمالا هي واحدة من سبع دول صوتت ضد قرار الأمم المتحدة الذي يدعو ترامب لسحب اعترافه بالقدس عاصمة. إنهم لا يتصرفون كمسؤولين في دولة يفترض أن تكون عظمى بل كوكلاء لدولة الاحتلال.
وما يقوله غولدبلوم وبالتمان وكسيف وليفي بالطبع يتناقض مع التعريف الأمريكي والإسرائيلي للارهاب، فصفة الإرهابي في هذا السياق لا تطلق إلا على الفلسطينيين وكل من يقتل امريكيا أو اسرائيليا.
ونزيد على أقوالهم بالتذكير بأن دولة الاحتلال قامت على الإرهاب وقتل الفلسطينيين وتهجيرهم وسرقة منازلهم وأراضيهم وحرمانهم من أدنى الحقوق. وهذه السمة لم تتوقف حتى يومنا هذا، رغم اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية، بوجودها على %78 من أرض فلسطين التاريخية، بل فتحت شهيتها وزادتها طمعا وشرها.
وإرهاب المستوطنين، المدعوم طبعا من الدولة، والذي يتم تحت حماية جنود الاحتلال، يأتي بأشكال مختلفة، بدءا بالقتل الفعلي باساليب داعشية مثل الحرق، كما حصل مع أسرة دوابشة، التي قضت حرقا باستثناء طفل واحد وكذلك حرق الصبي المقدسي محمد ابو خضير بصب الكاز في جوفه، وإشعال النار فيه حيا، ولا يختلف هذا عما أقدم عليه الجندي النظامي اليئور أزاريا بإعدام الجريح الفلسطيني عبد الفتاح الشريف بإطلاق النار على رأسه وهو ممدد على الأرض عاجز عن الحركة، وغيره الكثير من الجنود الذي يطلقون النار على الأطفال الفلسطينيين في مقتل، بزعم محاولات الطعن أو الدهس. والمستوطنون يمارسون إرهابهم ايضا بفرض الأمر الواقع على أراضي الفلسطينيين، بإقامة بؤرهم الاستيطانية عليها، والجيش يوفر لهم الحماية والدولة تضفي عليها شرعية الاحتلال.
المستوطنون يمهدون طرق الاستيلاء على مزيد من الاراضي الفلسطينية والدولة توفر لهم وسائل الراحة بالتمويل وشق الطرق وتقطيع أوصال الضفة، وتهويد القدس وتحرضهم على العدوان، والجيش يسلحهم ويحميهم.
المستوطنون، وفي سياق محاربة الفلسطينيين بلقمة عيشهم ودفعهم نحو الرحيل، يقتلعون أو يحرقون أشجار الزيتون التي تعتبر مصدر الرزق لكثير من الفلاحين الفلسطينيين، بينما يقوم جيش الاحتلال بهدم منازلهم بحجج البناء بدون ترخيص، بينما ترفض الدولة منحهم هذه التصاريح، الدولة والمستوطنون، توآمان سياميان لا ينفصلان
واختتم بالقول إنه في الحالة العربية التي نعيشها بإمكان ترامب وفريدمان وإسرائيل والمستوطنين أن يقولوا ويفعلوا ما يشاؤون ولكن ذلك لن يغير من واقع أن الفلسطينيين هم المنتصرون في النهاية.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

«كل مستوطن إرهابي»

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    وكل محتل إرهابي أيضاً يجب مقاومته بشتى الطرق
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول خليل ابورزق:

    رمتني بدائها و انسلت
    يرتكبون جرائمهم جهارا نهارا، و يخالفون كل الشرائع و القرارات الدولية و حتى قراراتهم، و يخلفون وعودهم، و يكذبون، و لا يترددون في حصار و خنق الملايين، و يدمرون امما و دولا، ثم يسمون مقاوميهم بالارهاب او قتل المدنيين.
    حتى ارهاب داعش الذي نشأ بسبب ارهابهم لم يصل الى جزء بسيط من ارهاربهم
    وحتى عملية 11 سبتمبر 2001 الارهابية التي قتلت 2700 من المدنيين، فقد قتل في نفس العام في امريكا بيد امريكيين 26000 انسان باطلاق النار.
    الا انهم هم الارهابيون و بجدارة

  3. يقول نبيل بشناق:

    اسرائيل خطا تاريخي وجغرافي وأخلاقي وديموغرافي وتحولت الى نظام عنصري لاانساني. مجموع تلك الأخطاء لا يغفر لها تاريخ الامم والشعوب. مقال ممتاز متعوب عليه

إشترك في قائمتنا البريدية