كنا قلة وصرنا قلة: مشهدان لانهيار نظام

حجم الخط
0

القاهرة – أحمد ليثي: صفعة من شرطية تونسية لبائع خضروات متجول في مدينة نائية تبعد عن العاصمة تونس مسافة 260 كم، كانت هي الشرارة الأولى لانتفاضات عربية متوالية. لم يكن في وسع بائع الخضروات أن يحتجّ على مصيره سوى بإشعال النار في نفسه، لكن شعوره بالإحباط واليأس ولّد عند التونسيين طاقة غضب، تردد صداها للمدن المجاورة، وتشكلت نتائجها في هروب بن علي، وتأسيس لانتفاضات عربية لا تزال مشتعلة.
كانت المرة الأولى التي أنضم فيها لمظاهرة ضد النظام، يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، ولم أكن أعلم حينها أني كنت أشارك في أعظم حدث في تاريخنا الحديث، حدثًا سيتذكره جيلنا كثيرًا بعد ذلك. كنت مع المجموعة التي نظمت نفسها للوقوف على سلالم بيت الحكمة في شارع قصر العيني بوسط البلد، لم نتعد 500 فردًا في بداية اليوم، رغم ذلك، أعدت الشرطة نفسها وفرضت علينا كردونًا أمنيًا من ثلاثة صفوف متراصة خلف بعضها. في نهاية اليوم اقتحم نحو من 90 ألفًا ميدان التحرير، قبل أن يتراجعوا مرة أخرى.
كنا قلة قليلة تحاول إحداث ثقب في جدار سميك، ما لبثت هذه القلة أن تحولت إلى قوة استطاعت تحطيم الجدار.
لكن.. قبل عامين ونصف، قرر الشعب المصري تفويض القوات المسلحة بخلع نظام الإخوان المسلمين قبلها؛ حاول محمد مرسي التنازل عن حلايب وشلاتين اللتين تقعان ضمن الإقليم المصري لدولة السودان، الأمر نفسه الذي يقدم عليه الرئيس السيسي مع جزيرتي تيران وصنافير.
على أن تلك القلة القليلة لم تلبث أن ظهرت مرة أخرى عبر عدة محاولات، تمثلت في مظاهرات جمعة الأرض التي تفاجأ النظام من حجمها وقرر تصفية أية حركة في الشارع بعد ذلك، وعبر محاولة ثانية نجحت ان تضع النظام في مأزق، فبعد ستة أعوام بالتمام من الثورة المصرية، كانت الكتيبة نفسها التي تولت تحريك قضية تلزم الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور، هي التي نجحت في أن تنال حكم من مجلس الدولة بقيادة المستشار أحمد الشاذلي يعترف فيه بمصرية الجزيرتين، ويرفض طعنا مقدما من الحكومة، تحاول فيه إثبات سعوديتهما، مؤكدة بذلك على استمرار وجود من يحاول دائمًا ثقب جدار البغي والطغيان.

كنا قلة وصرنا قلة: مشهدان لانهيار نظام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية