كوبا أقرب للخليل من دول عربية

حجم الخط
1

جاء قرار منظمة التربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» التابعة للأمم المتحدة، حول وضع الحرم الإبراهيمي الشريف في البلدة القديمة من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية كما كان متوقعا، ليؤكد أنه موقع تراثي فلسطيني عالمي كما كان دوما، على غرار قرارات اتخذتها المنظمة نفسها بشأن المسجد الأقصى والحائط الغربي «البراق» المتاخم للمسجد، يعتبرهما تراثين إسلاميين خالصين.
شكرا لليونيسكو على قراريها، ولكنهما يفتقران لآلية التنفيذ، كما أغلبية لا بل جميع قرارات الامم المتحدة التي تعني اسرائيل لا غيرها، على وجه الخصوص وآخرها قرار مجلس الامن الدولي2334 الذي يدين الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، اواخر عام 2016. بمعنى ان هذه القرارات ليست اكثر من حبر على ورق، لتخديرنا وإرضاء غرورنا وجعلنا نحس باننا لسنا في الساحة لوحدنا أمام هذه الدولة المحتلة وحلفائها، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا.
فاسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال تقيم الدنيا ولا تقعدها في كل مرة يُتخذ قرار من هذا القبيل، رغم أنها كما هو معلوم تتنكر لكل هذه القرارات وتضرب بها عرض الحائط، وترد بخطوات عملية لتسريع الخطى في عمليات الاستيطان والتهويد والفصل العنصري، والقمع والتنكيل ضد أهالي مدينتي القدس والخليل، كما بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا ننسى أيضا قطاع غزة المحاصر على نحو غير إنساني بقبول دولي، منذ حوالي11 عاما.
ونذكر فقط بأن اكثر من 150 ألف فلسطيني يعيشون تحت رحمة حوالي 500 من غلاة المستوطنين، وأضعافهم من جنود الاحتلال في البلدة القديمة من الخليل، التي تحتضن الحرم الابراهيمي، ويحرم اهلها حتى من حرية الحركة. كما نذكر بان الحرم الإبراهيمي وضمن مخطط احتلالي لتقسيمه مكانيا، تعرض لمجزرة بشعة ارتكبها المستوطنون، بقيادة المستوطن باروخ غولدشتاين، الذي أعدم في مكانه، في فجر احد الايام الاواخر من شهر رمضان عام 1994 التي راح ضحيتها 29 فلسطينيا وعشرات الجرحى. ما أثار انتباهي اكثر من غيره في كل ما جرى من مداولات في اجتماع اليونيسكو في بولندا، ما قاله مندوب إسرائيل كرمل شاما هكوهين، فماذا قال طبعا بعد رفضه القرار وهجومه على من صوتوا لصالحه كغيره من اطراف المنظومة السياسية الاسرائيلية التي اغضبها القرار، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان الذي وصف القرار بالمعادي للسامية، وإمعانا في العدوان اللفظي على ممثلي الدول الحاضرة والتحقير المتعمد لهم امام صمت مطبق، افتعل هكوهين حركات صبيانية مثل الرد على هاتفه المحمول عدة مرات عندما شرع بالإدلاء بأقواله. وأنهى كلمته بالقول «سيدي رئيس اليونسكو. احتجت للرد على مكالمة المواسيرجي الموجود داخل شقتي في باريس من أجل معالجة مشكلة بالمرحاض. مع كل الاحترام لليونسكو فإن مشكلتي هذه أهم من القرار المخجل الذي تم اتخاذه اليوم، ولذا أنا مضطر لوقف كلمتي والمغادرة». الى هذا الحد يستهترون ويستخفون بدول العالم.
ولنعود الى قصته فقد زعم أنه توصل إلى تفاهم مع مندوب دولة عربية غير مرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، تقضي بأن يصوت الأخير ضد القرار، ولكن بشرط أن يكون التصويت سريا تماما. لكن «صاحبنا» السفير لم يصوت ضد القرار، لأن اسرائيل فشلت في محاولاتها لجعل التصويت سريا.
وتعبيرا عن انزعاجه بعث ذاك السفير والحديث لا يزال لمندوب الاحتلال، برسالة اعتذار إليه بسبب اضطراره للتصويت لصالح القرار. وقال السفير العربي وفقا لما ذكرته صحيفة «يديعوت احرونوت»، في رسالة الاعتذار التي بعث بها على «واتس آب»، مبررا: «من الصعب القول إن التصويت كان سريا. لقد كان الجو ملتهبا هناك. لم يكن لديّ أيّ خيار». ورد عليه هكوهين، بالقول «أعرف ذلك يا صديقي. بالنسبة لي فكأنك فعلت ذلك». وبالمناسبة فان الدول العربية الاربع التي كانت ممثلة في اجتماع اليونيسكو، هي العراق والجزائر وقطر والامارات، واترك لكم حرية انتقاء الدولة التي ينتمي اليها ذاك السفير.
واقارن بين هذا السفير العربي، الذي كان لو سمحت له الظروف، سيصوت مع الباطل والاحتلال، والسفيرة الكوبية التي رفضت تلبية دعوة هكوهين للاعضاء المشاركين في جلسة اليونيسكو، للوقوف دقيقة حداد على ارواح ضحايا الهولوكوست. لم تقف.. ووقفت الى جانب الحق، ولم تكن المسألة مسألة عواطف، بل قضية مبدأية ورفضا للاستغلال الاسرائيلي لضحايا المحرقة في كل شاردة وواردة.. واحتجت بشدة على هذه الدعوة باعتبارها خروجا عن نظام الجلسة. فالحق بطلب مثل ذلك هو، كما قالت، فقط لرئيس الجلسة. واعتقد ان ذلك يعتبر سوء ترجمة للقرار، لأنه لم يتخذ موقفا ضد اليهود أو اسرائيل، وبناء على ذلك ومن بعد اذن الرئيس ادعو الى الوقوف دقيقة حداد على الضحايا الفلسطينيين. وهذا ما حصل، وضجت القاعة بعد ذلك بالتصفيق.
قد يقول البعض، انني ربما اكون متحاملا الى حد تبني الرواية الاسرائيلية التي يراد بها ضرب الاسافين بين العرب. وقد يكون ذلك ممكنا وصحيحا، وهذه من الاعيب الاجهزة الامنية الاسرائيلية المكشوفة، بيد ان التجارب السابقة اثبتت ان ما اعلنه المسؤولون الاسرائيليون في السنوات الاخيرة عن علاقات مع دول عربية خليجية، ثبتت صحتها في مناسبات عدة وعبر زيارات لمسؤولين اسرائيليين لبعض هذه الدول التي يتمنون ان تتطور قريبا لسياحة طبية.
وكي لا نظهر بمظهر المتحاملين أيضا اروي لكم قصة تفضح مدى التعاون الوثيق بين دولة، مثل الامارات التي لا تحاول اخفاء علاقاتها مع دولة الاحتلال، ربما عبر وسطاء فلسطينيين، وهي قصة زيارة ايلي بير رئيس «اتحاد الاسعاف» الاسرائيلي لدبي، لإعادة بناء نظام خدمات الاسعافات الأولية فيها. يقول بير حسبما اوردته «يديعوت احرونوت»، إنه تلقى قبل عام مكالمة هاتفية مفاجئة من مؤسس شركة سيارات الإسعاف في الهند «زيكيتزا» لبناء نظام خدمات إسعاف في نيوديلهي ودبي. والتقى طاقمان من الطرفين في دبي بناء على دعوة رسمية. وكان بحوزة المسؤولين الإسرائيليين جوازات سفر أمريكية. وأضاف أن الإماراتيين كانوا يعلمون بهويته الإسرائيلية ووجهوا له أسئلة كثيرة عن إسرائيل. وتابع «في مطار دبي شعرت للحظات بالخوف سرعان ما تبدد. وفي اللقاء الأول تعرف المسؤولون الإماراتيون على أفراد طاقمنا، ونحن طبعا إسرائيليون وصهاينة، وكان أحدنا قائدا كبيرا في الجيش، وهناك شعرنا وكأننا في بيتنا». وكشف انه يستعد لزيارة الإمارات من جديد خلال الشهر المقبل لاستكمال بناء المشروع. كما كشف وجود جالية يهودية في دبي عددها 120 وتعتبر الأكثر سرية في العالم. وفي دبي ارتدى الزي المحلي «الدشداشة» العباءة البيضاء وسجل شريطا يتحدث فيه بالعبرية في الشارع. واعتبرت إذاعة الجيش المشروع حلقة أخرى في مسلسل «العلاقات الرومانسية» مع دول خليجية، وقالت إنها تتميز هذه المرة بكونها تنم عن تعاون علني. واستذكرت خط الطيران السري بين تل أبيب ودبي لخدمة العلاقات غير المعلنة بين الإمارات وإسرائيل.
واخيرا، صدقا اتمنى لو اكون على خطأ وأن يكون كل ما قرأت وشاهدت وسمعت عن عمليات التطبيع مع دولة الاحتلال كوابيس واشاعات كاذبة. وانا مستعد للاعتذار لكل مسؤول أو بلد ذكر اسمه زورا وبهتانا، لكن الواقع غير ذلك.. وليس المقصود هو فضح طرف والوقوف مع طرف ضد الآخر، وما أكتبه وما كتبته سابقا، لا علاقة له بأي شكل من الاشكال، بما يجري بين دول مجلس التعاون الخليجي، فلا علاقة لي بخلافاتهم، فهم قادرون على تسويتها بطرقهم. وجل ما يهمني هو انعكاساتها على القضية الفلسطينية التي تستخدم كقميص عثمان من اجل التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال.
والا كيف يمكن ان يقرأ ما يتشدق به ضاحي الخلفان النائب السابق لرئيس شرطة دبي، بين الحين والحين في تغريداته التي كان آخرها، انه لو علم بان ثمة عملية يخطط لها ضد الاسرائيليين لقام هو شخصيا بابلاغهم بأمرها.. ولكن الخلفان لم يحرك ساكنا، عندما قام عملاء الموساد الاسرائيلي، بتصفية احد قادة حماس في مايو 2010، وفي احد اشهر فنادق دبي، وقد يكون بعد كل ما قاله على علم مسبق بها، خاصة أن هناك اشاعات عن وجود اثنين من منفذي العملية، وهما عربيان، طليقان في الامارات.. ولا تقولوا ان الخلفان يعكس وجهة نظره، فمنذ متى اصبحت دولة الامارات واحة الحرية والديمقراطية، فهي التي تعتقل كل من يخالفها الرأي ولو من بعيد.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

كوبا أقرب للخليل من دول عربية

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول BOUMEDIENNE:

    كوبا فيدال كاستورا وتشي غيفارا وهواري بومدين هم وشعوبهم اقرب الى فلسطين والشعب الفلسطيني من العربان المخزيين .

إشترك في قائمتنا البريدية