إذا كان الإنسان بمختلف مشاعره ضحية رأسه وكيمياء هورمونات تفرزها غدد متناهية في الصغر، فهل يلام العاشق حين يقع في حب من طرف واحد؟ أو هل يلام حين يقع في الحب ويتورط في زيجة تذهب مباشرة بعد الزواج إلى الفشل؟ أو هل يلام حين يكره؟ وحين تثور ثورته لدرجة إقدامه على ارتكاب جريمة؟
أسئلة خطيرة وكثيرة يصطدم بها من يخر نادما على تصرف مضى وهو يقرأ ما توصل إليه العلم من معلومات توجه أصابع الاتهام إلى رأسه. هل يمكن على هذا الأساس أن نحصل في يوم من الأيام على حبة تخفض مستوى تهورنا نحو شخص نقع في حبه؟ أو هل يمكننا أن نحقن شخصا ارتكب جرائم فظيعة بعقار يحوّله إلى شخص ببراءة طفل حتى لا نضطر إلى إعدامه ومعالجة الجريمة بجريمة؟ يختصر هورمون « الدوبامين» حالات الشوق والرغبة في رؤية الحبيب والخوف من فقدانه، ما يجعل العاطفة تتأجج وتبدو مشتعلة، فيما بمجرد دخول القفص الذهبي ترتاح النفس وتطمئن، لأن هورمونا آخر يبدأ بالإفراز ويملأ العقل بالمشاعر الهادئة الساكنة وهو هورمون «الأوكسيتوسين»… وهو الهورمون المسؤول عن مشاعر الحب بمختلف أنواعها. هل يمكن أن نحفز هورمون الحب على الإفراز؟ طبعا بمجرد أن نعانق شخصا ينبعث هذا الهورمون وقد يغير حتى مشاعرنا نحوه. وهذا سر لا نفهمه لأن يبقى سرا ربانيا.
للسعادة أيضا هورمون، وقد عرفناه مؤخرا لأن الإعلام فجأة أصبح يهتم به، وكتفسير شخصي يبدو أن الإعلاميين والكتاب والشعراء أكثر الناس إحباطا، لهذا يبحثون عن حل لأنفسهم، وقد اكتشفوا المعلومة السحرية المتمثلة في هورمون السعادة «السيروتينين»، ومع أنهم يملأون صفحات المجلات ومواقع الإنترنت بهذه المعلومة ولكنهم عاجزون عن التوقف عن شرب الكافيين الذي يدمر هذا الهورمون، وعاجزون عن اتباع ريجيم معين يرفع من نسبته في دمائهم. أغلب هذه الفئة تأكل أكلا غير صحي، ولا تتحرك، إذ تربطها الكتابة إلى الكراسي كما يُربط معتقلو الأفلام.
هورمون السيروتينين يتحكم في مستويات هبوط وصعود مزاج الإنسان، ويبدو أن نقصانه يبدأ حين يحبس الشخص نفسه في البيت ويعود لمستوياته الجيدة حين يتعرض للشمس، ولهذا السبب نجد أن الاكتئاب يضرب أكثر النساء لأنهن الأكثر انشغالا في البيوت ويعتقدن أن نضارة بشرتهن مرتبطة بالابتعاد عن الشمس.
شيء غريب أن نكون عبارة عن كائنات تتحرّك وتتصرف وفق كيمياء معينة… أليس كذلك؟ لكن الأغرب أن هذه الهورمونات أيضا مرتبطة بنوع المناخ الذي نعيش فيه، ونوع الأكل الذي نتناوله، والطريقة التي نعامل فيها أجسادنا. فهل يكفي أن نعوض نقص أحدها بابتلاع «حبة» ما لنحصل على ما نريد؟
قديما جرّب المشعوذون ومن يدعون أنهم سحرة أنواعا من الأعشاب يعرفون أسرارها وحققوا بعض النتائج، النّاس آنذاك صدقت ما حدث لهم على أساس أنه سحر… المدمنون يعتبرون المخدرات والمسكرات محفزات على السعادة، ولكنها أبدا لا تهدئ النفوس ولا تجلب الحبيب ولا تغير من وضع المرء شيئا. ومثلما أفسد يوري غاغارين مخيلة الشعراء ولامس بقدميه تراب القمر وأثبت أنه كوكب حزين ميت فها هو العلم مرة أخرى يفسد مخيلتنا، ويضع نقطة النهاية لفلسفة الشعراء والأدباء الذين تفننوا في إعطاء مفاهيم مبهمة للحب والحزن وما إلى ذلك من المشاعر.. حتى الذي قال إن الحب فن لم يصب الحقيقة جيدا. أصبح غير ممكن أن نثق في الحب ونحن نعرف أنه مجرّد كيمياء لعناصر تتفاعل في أجسادنا بتقنيات غريبة وغير ثابتة…
من يدري إن كان الحب سيصمد أمام الحر والبرد وتغيرات الطقس وتأثيرات الأكلات التي نحبها وتقدم العمر واحتقان الظروف الاجتماعية والاقتصادية من حولنا؟ ليس بالأمر الأكيد أن نحوّل شخصا أنانيا قاسي القلب إلى محب ورؤوف، لكنني أعتقد أن الطب باكتشافه «حكاية» الهورمونات هذه سيجعل المستقبل أكثر إشراقا وأقل بؤسا، هذا إن رضي الأشرار بحياة هانئة وهادئة، ففي الغالب صراع الخير والشر، صراع قديم لم تردعه كل بدع الإنسان وخوارق الخالق، وفيما الخير يغذيه الحب، فالشر بحاجة دوما لما يغذيه من أحقاد، لهذا يبدو الأمر حلقة يركض عليها هامستر مخدوع ولن يصل إلى أي مكان خارجها.
منذ ألف عام كتب ابن حزم الأندلسي أن الحب «ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عزّ وجلّ» وهذا الكلام ليس بكفر ولا ببدعة، والرجل كان ثقة وكان عالما وفقيها وأديبا، ومع هذا حورب وسجن وأحرقت كتبه وتحول الحب إلى قرين للشيطان ظل يحارب حتى يومنا هذا. ولو أن حكاية الهورمونات هذه اكتشفت في ذلك العصر، لكانت مضادات الحب تباع عند العطّارين وتملأ الأسواق… ولربما كان الإنسان قد انقرض بعد تصفيات ذاتية لجنسه، ولتمكنت القرود فعلا من السيطرة على كوكب الأرض.
يتملكني الرعب من شراسة الإنسان ضد بني جنسه، ولطالما أخافتني فكرة الأدباء الذين سبقوا عصرهم بأفكار مستقبلية، مثل قصص «جولفرن» التي مع مرور الزمن تحولت إلى ما يشبه التأريخ للماضي! فلم لا إن كانت هورمونات الحب عند الحيوانات أقوى منها عند الإنسان أن تكون نهايتنا مفجعة. أحيانا أرى الأمور بنظارات قاتمة، حين أصدم بأشخاص لا يحبون لا الحيوانات ولا الأشجار ولا الأزهار ولا البشر مثلهم، وطيلة الوقت يتأففون ويعبرون عن كرههم لكل ما حولهم.
لا عتاب على نسائنا اللواتي يعشن متنقلات بين البيوت والأسواق إن خرجن، ولا عتاب على رجالنا الذين تمص الشوارع المكتظة والمقاهي المتعفنة برائحة التبغ أرواحهم… لا لوم على مجتمعات بأكملها اجتهدت قدر الإمكان لتمنع عن نفسها زرقة الماء والسماء، ونعمة الشمس والهواء الطلق والانطلاق في ملكوت الله الشاسع والجميل.
لا جدال إن قلت إننا حقول مهيأة للزرع، وتلك الشتائل الجميلة التي يمكن أن نزرعها بقراراتنا هي التي تعطي ثمارا اسمها هورمونات، وهي نفسها تلك الثمار التي تحدث عنها ابن حزم في ذلك الزمن الباكر الذي قلّت فيه حيل الاكتشاف وقويت فيه بصيرة البعض مثله. هو القائل: «من أحب من نظرة واحدة وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة البصر، ومخبر بسرعة السلو، وشاهد الظرافة والملل. وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نمواً أسرعها فناء. وأبطؤها حدوثاً أبطؤها نفاذاً».. ألم تغشنا تلك الهورمونات مرات ومرات؟ ما أجملك يا ابن حزم كيف عرفت أسرار الحب ودهاليزه العميقة؟ كيف سبقت زمنك بألف عام؟
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
تحياتي : في غالب الأحايين أباشرقراءة موضوعات جريدة القدسّ العربيّ بعد أدئي لصلاة الفجر…إلا مقال الدكتورة بروين حبيب اأقراه بعد أدئي لصلاة جوف الليل ؛ غبش الاثنين..لأنني لا أحتمل تأجيله ؛ فهومن ( كيمياء ) الكلام ؛ لا مجرد تسويد لمداد قلم.نعم ياسيدتي الماهرة الكلم : الحبّ كيمياء ربّانية ونعمة ليست لها حدود لهذا تصل إلى القمروالنجوم رغم أنف غاغارين ؛ كما تهبط إلى البحارذات الأعلام رغم أنف الصيادين.ولقد قلت ما تقولينه في مقالك اليوم ؛ في كتابي : ( فيزياء وكيمياء الشخصية ) الصادرببيروت عام 2010 ميلادية ؛ قلت إنّ الحبّ ( علم ) له قوانينه ونسبه الكيميائية الدقيقة وتأثيره الفيزيائي…فمنْ لا يجيد هذه القوانين والتحكّم بهذه النسب لا يمكنه نيل الحبيب.
لهذا ترى البعض يتعارف ويتآلف فيكون نسيجاً واحداً.وترى البعض لا يستطيع العزف على قيثارة الحبّ ولوبلغ الأنجما ؛ شوقاً وسهراً وكمداً.
وقبل ابن حزم الأندلسي قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ في معرض بيان حبّه الشريف لأم المؤمنين السّيدة العظيمة عائشة الخيروالنّور؛ وهويخاطب ربّه الخبيربميل قلبه نحوها أكثرمن زوجاته : { اللهمّ هذا قسَمى فيما أملك فلا تلمنى فيما لا أملك }(عن أبي داوود).
لكن المتشدّقين من أنصاف المتعلمين ؛ قتلوا حتى حبّ رسول الله بتضعيف هذا الحديث ؛ بل قال بعضهم أنّ قراءة سورة يوسف حرام ؛ لأنها تعلّم على الخيانة.وهي عند الله سبحانه :{ أحسن القصص } لأنها تعلّم الحبّ بواقعية الإنسان؟ إذاً الحبّ كيمياء وعلاج.فحبّوا تصحّوا وإلا تكون عليكم الحياة هرج في مرج.
* اعترف ان المقال جميل وأنيق ومشرق
وشكرا للأخت الكاتبة .
* المشكلة: تكمن في أوضاعنا العربية
المزرية المرعبة ..؟؟؟
* المشكلة تكمن ف الجري من أجل
لقمة العيش ..؟؟؟
* للأسف: لا وقت ( للحب ) لأن الخائف
والجائع والعريان لا يملك الوقت للحب
حتى لو أراده..
سلام
كلما إزداد الإنسان في انسانيته و شاعريته و رومانسيته ازداد ألمه ووجعه في الحياة.
دائما مقالاتك تخاطب ارواحنا و عقولنا.
كثر الله من أمثاك
من اقوال ليوناردو دافنشي عن الحب
كلما عُظِمَت النفس البشرية ازداد الحب عمقاً وجمالاً
عباراتك الادبية الانيقة مزج فني بين العلم وتفسير الشعور والسلوك الحميم في الانسان الذي يتداخل فيه كل مَنْ له سُمو بشعور مُرهف حي؛ فالغالب لا يستطيع فهمه؛ إلا بعد حين,حيث يبدأ العقل في التفهم والاسترجاع. تنطلق في الغرب ميادين دراسة خاصة هو الجمع بين دراسة الرياضيات والفيزياء والكيمياء لأجل خروج جيل علماء يتواصلون في التعمق بدراسات ميدانية متواصلة في فهم وتفسير وتحليل مجاهل الأحياء: الانسان والحيوان والنبات علميا؛ أما الادب فييقى يرقص في تعابيره بين الشعور والتأمل في نفسه ومحيطه. وكل شيئ خُلِقَ بقدر أي قانون قابل للإكتشاف والافادة منه لخير الانسان لعله يعقل كينونة وجوده ؛ لأجل ما ؛ لكي يستطيع هو الامساك به؛ ولكن هل يمكنه حُسن الاستفادة من وجوده وموجودات محيطه هبة الله له؟ القليل فقط!
الحقيقة ان القدس العربي الجريدة العربية المقروءة فى عالمنا العربي تمتلك كوكبة من الكتاب والمفكرين والاُدباء ومن ضمن الطائفة الاخيرة ملكة الكلمة وساحرة الذوق الأديبة والإعلامية الناجحة بروين حبيب وَيَا ليت لو نحصل على بعض منشوراتها المكتوبة فلا فُض فا ك يا بحرينية والحقيقة ان الخليج العربي صار متقدما على المغرب العربي وحتى المشرق وهذا بفضل الاحتكاك باالانجلو سكسون اما نحن المغرب العربي مهووسون بتقليد الفرنسيين بطريقة عمياء وهم الذين يسوموننا سوء العذاب
جميل ما نقرأ ولكن غاغارين ام يصل يوما الى القمر يا سيدتي.
علم البيلوجي والكيمياء تدخلت في مجالات عدة لتحسين النوع والسلالات ،ومثال لذلك علم النبات وتحسين البذور ، ايضاً ابداعات الكيمياء تدخلت في عمليات في منتهي الجمال وهي عملية خلط الالوان وانتاج مئات الالوان وكل لون لة درجة محددة، لكن حقيقة هل فعلاً سوف يتوصل العقل البشري لمعادلة عاطفة الحب بين البشر ؟ لأن الفيزياء لابد لوجودها ، مثل الجاذبية ، الكهرومغنطيسية ،…
موضوعاتك دوما مدهشة
شكرا لك سيدتي